الخميس، أبريل 26، 2018

لماذا أردت أن أكتب تقريرا الى نيكوس كازانتزاكيس بقلم صلاح هاشم


نيكوس


لماذا أردت أن أكتب تقريرا الى نيكوس كازانتزاكيس

بقلم

صلاح هاشم



لماذا أريد أن أكتب تقريرا الى الكاتب اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس ؟



أردت أن أقول له لماذا أنا مغتبط فقط وسعيد اليوم ..

سعيد جدا أنا اليوم وسر سعادتي العثورعلى الكاتبة الروائية العراقيةالكبيرة الصديقة انعام كجه جي, التي ذكرتني اليوم فقط بصداقتنا وزملاتنا في حضن مجلة " الوطن العربي" لصاحبها الأستاذ وليد أبو ظهر التي كانت تصدر في باريس في فترة الثمانينيات وترأس تحريرها د. نبيل المغربي
وكانت مجلة " الوطن العربي " تضم جامعة كبيرة من الصحفيين والكتاب العرب الذين كانوا يشاركون في تحريرها مثل انعام كجي جي من العراق وشربل داغر من لبنان وقسمت طوران من سوريا وأسامة الغزولي و د . غالي شكري ود. أمير أسكندر من مصر و عمل بها صحفيون من جميغ البلدن العربية . لا أحب كلمة " الوطن العربي " وخاصة عندما نطلقها أو تطلق على صحفيين وكتاب مشردين ويتامى بعد ان لفظتهم أوطانهم ، وكانوا كلهم في مجلة الوطن العربي كتابا وشعراء
وكنت اريد ان احكي لك ياكازانتزاكيس عن كل تلك الذكريات العزيزة التي عشتها أنا أيضا.واجعلك تستحضرها بجواري...
كان من ضمن هؤلاء الذين كانوا يكتبون في المجلة من الخارج، أكبر الأسماء اللامعة في عالم الكتابة والصحافة من أمثال الشاعر السوري الكبير نزار قباني والشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش- كان رحمه الله غندما التقاني على باب بيت الشعر في باريس، وبعد ان اختف مجلة الوطن العربي وتفرقنا وتشتتنا- يسألني وهو يرسم ابتسامة كبيرة على وجهه

: ماهذا يا صلاح . عجبا .أجدك يا أخي في كل مكان اذهب اليه ؟

فاعانقه ونأخذ تضحك، وننهل معا من كرم باريس ومتعة الابداع، وعدالة الصداقة والزمالة، في وطن الحرية ..

باريس التي تترتسم في ذهنك في التو ، عندما تتطلع الى صورة " القبلة " للمصور الفرنسي الكبير، انها صورة لم تصتع لتصوير، ليس اثنان يتبادلان القبل في الشارع، بل.. لتمجيد قيمة الحرية ..

ولايهم ان يعرف أحد ان كانت المرأة التي تحتويها بين أحضانك، خطيبتك أو قريبتك أو زوجتك. هذا أمر لا يشفلهم البتة، وليس من شأنهم أن يقطعوا عليك بحشريتهم متعة الاستمتاع بممارسة حريتك,.

انت حر . تستطيع أن تفعل ما تشاء طالما كان ماتفعله لا يتسبب في ضرر لانسان بل يضيف ربما رشة البهجة في لوحة باريس المرصعة بالالوان، وخيوط الفرح، من ذهب ومطر وحرير وقبلات لاتحصى في وضح النهار ..

في تلك الشوارع والحارات القديمة في حينا قلعة الكبش العريق كان المهرجون يصعدون الى الحي - الذي بناه أو أمر بتشيبيده والى الخلافة على مصر أحمد بن طولون في القرن الثامن الميلادي - في موكب موسيقى كبير ، وينثرون علينا اعلانات عروض " سيرك الحلو " الجديدة التي سيشاركون بها في الاحتفال بمولد السيدة، فكنا نسارع بالتقاطها في الجو قبل ان تهبط الى التراب، ونتسابق في خطفها وهي مازالت تترنح في سقوطها ، وكنا ندور مع المهرجين في الأزقة والحارات حين يفدون للدعاية للسيرك في " قلعة الكبش " ونتركهم يلطخون وجوهنا بالرسومات والالوان..

ثم نهبط معهم ونترك الحي خلفنا. نهبط الى ايطاليا. هكذا كنا نطلق على الميدان الكبيرميدان السيدة زينب الغاص بمحال الملابس الجاهزة والفطير والحلوى وواجهاتها الجميلة التي كنا نتوقف امامها و نروح نتأمل مذهولين ونحن نحدق في جمال الذوق ورقة التنسيق وبراعة الصنعة ولمعة الفن .وكأننا نتفرج على ابداعات فنانين من عصر النهضة..
ثم ذات مرة، كبر الحلم في رأس أحدنا نحن الأولاد الأشقياء في قلعة الكبش ( انظر موضوع " سيرك باريس " في فصل سابق من التقرير -، فاذا بنا حين عدنا الى حينا بجوار مسحد احمد بن طولون وسلم مئذنته الفريدة ،نكتشف انه قد تخلف في ايطاليا واختفى ، فراح يتخيل البعض انه قدانضم الى سيرك الحلو الكبير، بعدما اعجبت به ابنة محاسن الحلو ، وغير فقط من ملامح وجهه و شكله وهيته وخرج على الناس بشكل مختلف ، وغير من جلده في غمضة عين..

في بعض الاحيان كنا نتسلل ونسير وراء احد لاعبي السيرك ثم نناديه بإسمه الحقيق يالاسم الذي كان يحمله قبل ان يتنكر في صورة لاعب سيرك لعله يلتفت ويرد علينا فيفضح سره ويفتضح أمره ..

وكنا مبهورين بالامكانيات المذهلة للتنكر التي توفرها السينما للمثل اذا ارادت ان تظهره بوجهين مثل دكتور جيكل ومستر هايد ووحش البحيرة السوداء، وكنا نجرب بوسائل صغيرة تلك الامكانيات، فنصنع أقنعة من الورق المقوى ونتخفى خلفها كما في كرنفالات فينيسيا
وعلى الرغم من ان اهلنا كانوا يشتموننا وبركلوننا ويضربوننا ، فانهم لم يكونوا قادرين على اخفاء مشاعر االاعجاب بشقاوتنا، وكان هذا الاعجاب وفي كل مرة، هو الذي يحدونا الى التمادي فيها والسير على الحافة. اذا اردت أن تسير على حبل السيرك الممدود من دون أن تتعرض لخطر الوقوع، فمن الأفضل أن تشتري جزيرة
وكنت انا شخصيا معجب بالممثل الامريكي بيرت لانكستر، وكنا نهرب من المدرسة ونذهب لمشاهدة أفلامه في قاعة سينما إيزيس
كان بيرت لانكستر يستطيع اذا مثل دور قرصان، أن يقنعنا انه أحسن وأظرف وأجمل وأشجع قرصان أحمر في الوجود . وكان لانكسترلعب أيضا شخصيات متعددة في السينما، وظهر في فيلم ( أعظم استعراض في العالم) ككلاعب سيرك، كما ظهر كممثل ولاعب سيرك ايضا في الفيلم الممثل المصري الكبير جميل راتب..
انظر دوره لانكستر كمجرم ولص مطلوب القبض عليه وكاوبوي في فيلم " فيرا كروز" بطولة جاري كوبر. لكن ربما يكون دوره لانكستر كأمير في فيلم " الفهد " للمخرج الايطالي الكبير فيسكونتي أهم وأعظم أدواره على الإطلاق ولا لم اعد اتذكر ،يبدو انه حصل على جائزة الأوسكار عن تمثيل في الفهد، في هذا الفيلم .لكننا لم نبهر في قاعة سينما إيزيس حقا بممثل، إلا عندما شاهدنا فيلم" على رصيف الميناء للمخرج الامريكي الكبير اليا كازان، و تعرفنا على بطل الفيلم مارلون براندو ، وظهر أيضا في ذلك الوقت جيل جديد من الشقراوات في الأفلام الجديدة التي كنا نشاهدها في قاعة سينما إيزيس في السيدة زينب، على بعد بضع خطوات فقط من حينا العريق " قلعة الكبش " ..

( يتبع )

صلاح هاشم
الصور المرفقة ااكاتب اليوناني العظيم نيكوس، ولقطة من فيلم " زوربا اليوناني " المأخوذ عن روايته..

ليست هناك تعليقات: