الثلاثاء، أبريل 24، 2018

مقدمة كتاب " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس " بقلم صلاح هاشم




الكاتب والروائي والشاعر والمفكر والفيلسوف اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس
نيكوس كازانتزاكيس وزوجته

 مقدمة كتاب بعنوان " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس "
TEACH ME TO DANCE
بقلم
 صلاح هاشم

***


كازانتزاكيس

لماذا تريد أن تكتب تقريرا الى نيكوس كازانتزاكيس ؟ سألني. صديقي في باريس الروائي الشاعر المرحوم محمد ناجي صاحب " خافية قمر " و " الأفندي " وكان يعالج في باريس وقتها، الذي تحمس لمشروعي" التقرير " ..وكان أيضا من عشاق كازانتزاكيس ..وتجمعنا صداقة رائعة امتدت الى أكثر من أربعين عاما..وكنا لم نتفابل لفترة عشرين عاما، ثم التقينا في باريس التي اتخذتها سكنا وعملا.
وكان ناجي يلح علي أن أكتب وأدون كل تلك الذكريات العزيزة التي عشناها..
لماذا أريد أن أكتب تقريرا لنيكوس كازانتزاكيس ؟
تعرفت على نيكوس كازانتزاكيس الكاتب والشاعر والمفكر والفيلسوف اليوناني العظيم في فترة الستينيات. كنت أدرس في كلية الآداب قسم إنجليزي، وكان محمد ناجي أنذاك يدرس في قسم صحافة من " شلتنا " في الكلية، وكانت تضم عبد العظيم الورداني ومحمد الفيل وأسامة الغزولي وزين العابدين فؤاد وخالد الجويلي ومحمد خليل وابراهيم رفعت وسامي الرزاز وسيد عواد ،وكان نبيل قاسم المثقف والمناضل الرائع الشاعر والمترجم، كان أكبرنا و يدرس في قسم فلسفة، وكانت أهداف سويف التي التحقت بقسم انجليزي أصغرنا، وآخر من انضم الى شلة الأدباء والشعراء الصعاليك..

. كنا نلتقي في كافيتيريا كلية الآداب جامعة القاهرة العظيمة على بعد خطوات من مبنى يشتمل على قسمين قسم تاريخ وقسم انجليزي، وكانت تلك الفترة من أخصب فترات مصر الثقافية .كان هناك سور الازبكية الشعبي العظيم المنير مثل برج إيفل، وسط الأزبكية، وعشرات من سلاسل الكتب في الأدب والفلسفة والطب والحكمة، ومجلات ثقافية رائعة- الكاتب والمجلة والفكرالمعاصر..وغيرها ..





وكان " البرنامج الثاني " في الإذاعة متوهجا، و كانت المجلات والكتب متوفرة وبقروش، وعندما بدأنا نكتب نحن أيضا، وتنشر لنا قصصنا القصيرة عند عم عبد الفتاح الجمل - الراعي الرسمي لمعظم كتاب وشعراء ونقاد فترة الستينيات- لم يكن يعجبنا اي شييء ، ونريد أنذاك أن نلتهم كل شييء..
 وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة.. فاننا لم نتغير..ومازلنا نجوب ونجوس في نفس الشوارع، في تلك المدينة الجميلة القاهرة التي اختفت الآن من حياتنا بعد أن ذرعناها مشيا وجوعى وسيرا على الاقدام، مع يحيى الطاهر عبد الله ومحمد عبد السلام وعبده جبير ومحمود الورداني ، وكان كان يسير معنا في صحبتنا ويتطلع الينا مدهوشا.ويتساءل كيف نأكل مع يحيى الطاهر عبد الله في بيت الناقد الأدبي الكبيرغالب هلسا، وعندما نغادر نشتمه ونرفض كل وصاية ..ولانبالي..
كنا نتردد في تلك الفترة على مسرح الجيب ومقاهي وسط البلد " ريش " و " ايزتئيفيتش "ومسرح المائة كرسي والمسرح القومي، ونشاهد مسرحيات لبريخت وأبسن وكاتب ياسين ودورينمات وبيكيت، ونتوجه في ذات الوقت الى نادي السينما ونتفرج على فيلم عن السماء فوق كوبنهاجن، وباريس في الليل ،وايرما الغانية وننتظر أن نرحل الى سوق الهال، في عاصمة النور، وندلف الى قاعات السينما المحترمة سينما "مترو "جولدوين مايرفي وسط البلد،والقاهرة المتألقة في الليل
و كنا نشاهد قبل بداية العرض أفلام الكرتون الجميلة للعبقري تيكس آفري ،وكان هناك عروضا صباحية مخصصة للأطفال، وكانت نزهة وسط البلد أنذاك تعادل متعة السير في وسط باريس...باريس الاناقة والشياكة واللبس والذوق والكياسة و نور الجمال والكمال ..


كازانتزاكيس و " النظرة الكريتية "

وفي تلك الفترة ..تعرفت أيضا على نيكوس كازانتزاكيس..
كنا خرجنا - نحن ثلاثتنا -من فيلم " روميو وجولييت " للمخرج الايطالي الكبير زفاريللي ونحن نتمايل من متعة الفن ، ونندمج قوي في الدور، فاذا بنا فجأة نصدح عبد العظيم الورداني ومحمد خليل وأنا بموسيقاه ونرددها بعفوية ..ونصفر من فرط متعة الطرب العميق.. وكذلك حسن السير والسلوك في قاعات العرض. تلك القاعات الهادئة المحترمة المنضبطة.. وتأثرنا بمعمارها الشامخ ، و بكسوة المقاعد القطيفية و كنا ننبهر بالاناقة والذوق والجمال ،ولم نر في حياتنا قط فتاة أو سيدة محجبة.

تأثرنا في تلك الفترة التي عرفت بداية " الموجة الجديدة في فرنسا 
تأثرنا بمجموعة كبيرة من الأفلام الرائعة التي طبعتنا بطابعها ونفذت الى ماتحت الجلد في لحمنا ، لتصبح وفي كل لحظة،  كأنها قطعة منا..وتجعلنا نحلم،  ونتصالح مع أنفسنا والسحب الراحلة ..والعالم
صارت السينما لنا منهاجا وحياة

كتاب "تقرير الى الجريكو" لنيكوس كازانتزاكيس


وبعد ان كنا - نحن الأطفال الأشقياء في حينا العريق " قلعة الكبش " - نقلد الهنود الحمر فوق هضبة الكبش، ونثير في حروبنا التمثيلية ومعاركنا الاتربة ، صرنا نقلد طرزان،  والكونت دي مونت كريستو ولص بغداد والقرصان الأحمر، ونجعل أضعفنا - الواد " حربي " ابن أم نوال - يقلد القردة " شيتا ".
شاهدنا روائع أفلام الموجة الجديدة الفرنسية. على آخر نفس والعار وعاشت حياتها لجودار، وتأثرنا بأفلام اربعمائة ضربة لتروفو، وأفلام آنياس فاردا،كما شاهدنا روائع الأفلام التشيكية التي شكلت رافدا سينمائيا متحررا في مواجهة الأنظمة الشمولية التي كانت تحكم في بلدان شرق اوروبا أنذاك- الستار الحديدي - و مقاومة كل أشكال الرقابة التي كانت تمارسها الأنظمة االشمولية على الفنان السينمائي المبتكر المبدع...

انبهرنا بأفلام " قطارات تحت حراسة مشددة " و " ماركيتا لازاروفا " و فيلم " عن الحفل والضيوف " ، وكان نبيل قاسم ينشر قصصه المترجمة لفاكلاف هافل وفلاديمير هولان..
وخرجنا من القاعات ونحن نصفق لكوستا جافراس المخرج الفرنسي من أصل يوناني الذي جعلنا نتحمس لفيلمه " زد ". لن يموت حيا.. كلا ..سوف يعيش..
كما تأثرنا بأفلام الواقعية الايطالية الجديدة عند روسوليني المعلم الأكبر في أفلام " روما مدينة مفتوحة " و " رحلة في ايطاليا " وابتهجنا بتلك الطفولة الساحرة التي اخترعها لنا المخرج الايطالي العبقري فيلليني، ثم جعلنا نتمثلها ونجعلها طفولتنا..

استمتعنا بقينا بكل تلك الأفلام ، لكن استمتاعنا بفيلم " زوربا اليوناني " كان مختلفا ومغايرا وبشكل قاطع، وتأثر به معظم كتاب جيل الستينيات..وظهر ذلك في كتاباتهم وأساليبهم الفنية.. تنوعها وتعددها..





فلم يكن فيلم  "زوربا ياليوناني" المأخوذ عن رواية للكاتب العظيم نيكوس كازانتزاكيس الحائز على جائزة نوبل في الأدب يحكي فقط حكاية ممتعة ومشوقة تقع في جزيرة كريت، بل كان يحكي أساسا عن " فلسفة " حياة ..وطريقة في العيش تركت يقينا آثارها العميقة ..في جيل بأكمله..كتاباته وحياته وسلوكياته..

ذهبت وشاهدت فيلم زوربا وأعجبت به كثيرا ،وخطرت على بالي فكرة ،قررت أن أعرضها فورا على استاذتي في قسم انجايزي د. فاطمة موسى، وكانت تدرس لنا أنذاك مادة الرواية " NOVEL"، فاعجبت بالفكرة ، وطلبت مني أن أنفذها على الفور ..





( يتبع .. )

صلاح هاشم




هناك تعليق واحد:

الاسكندرانى عاشق السينما يقول...


ماشاء الله عليك يا أستاذ صلاح
دائما مبدعا ومتألقا تتحفنا بمواضيع مميزة لك كل الحب
على هذا التحليل والعرض الرائع
مع تمنياتى لكم بالتوفيق و المزيد من الموضوعات الهامة لعشاق السينما