الثلاثاء، أبريل 10، 2018

نصوص ساحرة على جدارية فرعونية. قراءد لمجموعة الحصان الأبيض لـصلاح هاشم بقلم د. منار حسن فتح الباب



نصوص ساحرة على جدارية فرعونية 

بقلم

د. منار حسن فتح الباب



كتبت د. منار حسن فتح الباب المقال التالي بعنوان " نصوص ساحرة على جدارية فرعونية " الذي نشرته مجلة " عالم الكتاب "  في  عددها الصادر في شهر ديسمبر 2017







طالعت المجموعة القصصية الرائعة للمبدع الكبير صلاح هاشم ..وعنوانها الحصان الابيض ..وتلك كانت رؤيتى لعالمها الواسع وقراءتى لمكنونها الساحر ..وقد عرفت انها نوقشت بالبرنامج الثقافى فى السبعينات .. من قبل اساتذة ونقاد كبار هم د عبد الغفار مكاوى وبهاء طاهر ودكتور صبرى حافظ ..واثنوا عليها ..
الحصان الابيض هو بطل القصة الاولى وعنوان المجموعة .. يراه الراوى ماثلا امامه دائما .. كانه شبح هاملت .. مابين رؤية ولا رؤية ..ما بين غيام وصحو ..مابين الروح والمادة ..موجود ويتحرك فى كل مكان ..مع المدرس العاشق لتلميذته ..حتى النهاية .. والقصة احداثها قصيرة .... تقبض على اللحظة ..نموذج لفن القصة القصيرة الساحر .. وتتخذ المجموعة عنوانها ...
مدرس يعشق تلميذته الصغيرة .. يكتب قصته القصيرة الراوى وهو يغزل تفاصيل الحياة اليومية .. فحتى الحذاء يؤلمه ويود التحرر منه .... يرى الحصان الابيض ماثلا .. أمامه ويتبنى طفلا مابين الحقيقة والوهم فى زمن الحرب ..زمن هزيمة 1967 يبدو ماثلا هنا برماديته ووقعه الثقيل الكابوسى ... اما الحصان الابيض الذى يطير بين ثنايا سطور القصة الاولى فهو سحر السرد فلقد استطاع صلاح هاشم بأدواته القصصية المتفردة ان يغزل منه شخصية اسطورية تخاطب الواقع .. الحصان هو الحلم الذى يراوح ما بين الحقيقة والوهم ..هو الذى يصل بين الواقع والسحر ..بين الحياة والموت .. ذلك ان حتى الموت فى القصة الاولى موت نفسى .. ذلك الموت الذى يصاحب الفرد عندما يتالم.. .. هو الحصان المنطلق من خلال لونه الابيض المضىء حالما مناديا للحلم ويعكس كل الالوان وقد يقهر الموت /الفناء اما الموت المؤقت وهو النوم او الاغفاءة ومن خلالها يبرز الحلم ايضا فهو ماثل فى المجموعة .. فجو الهزيمة التى تلت 1967 يحتاج الى هذا الموت المؤقت .. كى نصحو او نفيق مرة اخرى دون الانتحار او الجنون الى الابد .. ويحضرنا طيف الامل من خلال الحصان الابيض المسافر دائما دون رحيل .. الابيض دون الاسود .. ويبحث الراوى عن طفل ايضا يمثل البراءة ولكنه يقتل . الحزن هنا الذى يصيب البطل مرادف للموت ..الفناء وهو الحقيقة الوحيدة .. يواجه البطل افق الصمت والوحدة والسواد والبرودة الفراق عن الحبيبة .. يقبلها كى يشعر بها حقيقة ملموسة .. ويستدفىء بها . هو يريدها لكنه لايصل اليها .. تماما كالحلم .. بينما الموت هو الحقيقة التى يبحث عنها لكنه الباعث على الحزن فى الوقت نفسه .. ولهذا يغمض عينيه فى صحراء التيه .. ولايرى الا الحصان الابيض .. الجمل القصيرة لدى صلاح هاشم تبدو كدقات المطر على نوافذ المنازل فى الشتاء.. قبل ان ينهمر السيل فجأة نحو سيمفونية النهاية ...ادوات القص تستعين بكاميرا مخرج دربته المشاهد على ان يحرك المشهد او 
يسكنه .شديد الحساسية ..


يلتقط المبدع الكبير التفصيلات الصغيرة التى تصنع الدهشة .. ويغزل منها حكيا لامحدودا .. يسبب متعة متدفقة .. ان افتقاد السبب الذي ادى الى المأساة هو التراجيديا ذاتها .. هكذا كان شعور البطل ..الذى التقى مع الراوى فى حكى صنعه اختلاط التراجيديا بالدهشة ..... قامت القصة الاولى وباقى قصص المجموعة على التقاط التفصيلات الصغيرة وغزلها عن طريق الادوات السردية وكاميرا المشاهد .. نتج عن ذلك تواشج دفقات الكاتب والقارىء معا لانهما يتشاركان الحياة .. يريدان امساكها ..امساك تفاصيلها حية .. كتابة صلاح هاشم هنا هى الحياة ذاتها ..تريد ان تلمسها ..وان تشم هواءها وعبير زهورها وان تحس ازهارها وان تدفىء برودتها وان تلج الى سحرها الغامض ... وكأن الحياة اسطورة .. والاسطورة حياة .....
وتشع بين ثنايا الاسطورة تاثير قراءة قصائد الهايكو القصيرة اليابانية المفتونة بالطبيعة وقصائد اليوت حيث تفاصيل حياة الفرد المهزوم امام غموض الوجود والمستقبل ... باحثا عن نثارات الحياة كى يجمعها .. فربما اسفر هذا التجميع عن امرأة تشفى الالام .. التى لا تنتهى ..... امراة خالدة كايزيس تطلع من جوف البعث بفعل رع .....
يتدفق السرد باقتدار لدى صلاح هاشم وكانه نثارات قصصية تمزج بين روح الاسطورة الفرعونية التى تمجد البعث وتحقق الارادة الانسانية وثنائيات الضوء والظلام ..وكأنه روح الملاحم العالمية التى تستلهم الصراع بين الالهة والبشر وبين قوى الخير والشر .. احيانا تتمدد شلالات السطور وكانها سوف تنحت تماثيل فرعونية بفعل السحر الغامض وماهو الا قوى الطبيعة التى اندمجت مع الانسان .. ويتحول النص بروحه الاسطورية الى لوحة جدارية اثرية يطل منها تاريخ الانسان فى مجمله وهو فى توق الى الحلم والضوء الابيض المنير .... واحيانا تتدفق السطور كى تعانق حواس القارىء فيشارك بالقراءة .. وتلك هى ذروة نجاح المؤلف ... وفى كلا الحالتين فان النص يبقى مفتوحا كأنه قطار مابين الابطاء والاسراع ..بينما اعمدة الحياة تتوارى خلفنا ..ذلك هو ايقاع المجموعة وزمنها .. زمن المجموعة يكتب لغتها بالضرورة .. اما الاماكن فهى نفسية .. تستلهم من روح الاسطورة دهشتها .. وتندمج مع نبضات بشرية .. انه زمن الحصان الابيض الذى يتسابق مع اللحظات القصيرة الخاطفة كالقبلات والمسروقة كالاحضان .. كى يوقفها فى حين ما او يشعلها فى حين اخر..وقد يسابق قطارها بين السكون المؤقت عند المحطات او استئناف الحركة الى الامام حيث صيرورة التاريخ والمستقبل .. بينما تمثل المحطات واقعا لللقاء او الوداع بين البشر ...
ان الحصان خلق للسباق وللطيران مابين السماء والارض ..يسابق التهدج ذاته ..ترفرف فوقه حمامة السلام البيضاء وكانها قطعة حية منه .. تتطلع الى سماء حلم مفتوحة .يسابق الحصان لهاث النفس البشرية ما بين الامل والالم .. من حصان ابيض يشكل صلاح هاشم اسطورته دون ان يقفز فوق اسوار السباق اللاهث ..حيث يقف مجتمع متناقض الصفات ...يميل كطيف ويتلصص على اضواء الواقع .. يرمز الى النقاء والى الحلم البرىء وهو يتطهر بالصدق مع النفس ومع طين الجذور .مع ارض نوبية مقدسة ..حيث الامتداد السرمدى وحيث الذاكرة الاولى للابدية وسحر لاينضب



د. منار حسن فتح الباب 

ليست هناك تعليقات: