الخميس، مايو 18، 2017

من يوسف الى محمد دياب تواجد شحيح حتى في لجان التحكيم بقلم طارق الشناوي




مختارات سينما إيزيس


مدخل 
الناقد طارق الشناوي يكتب عن المشاركات المصرية في لجان تحكيم مهرجان " كان " السينمائي- سيد المهرجانات السينمائية في العالم ..ومن ضمنها مشاركة الناقد المصري صلاح هاشم مصططفى - ناقد ومثقف مصري كبير يعيش في باريس ولكن تسكنه مصر- كما يصفه الشناوي-  مشاركته في لجنة تحكيم مسابقة الكاميرا الذهبية ( كاميرا دور ) في مهرجان " كان " السينمائي عام   1989.
نظر المقال  هنا في جريدة المصري اليوم بتاريخ الثلاثاء 16 مايو 2017..


من يوسف وهبي الى محمد دياب تواجد شحيح حتى في لجان التحكيم

بقلم

طارق الشناوي



خبر أسعدنى وهو اختيار المخرج الشاب محمد دياب فى عضوية لجنة تحكيم قسم «نظرة ما»، وهو لا شك يمنح التواجد المصرى والعربى تواجدا خاصا، لأننا هذه الدورة كان حضورنا محدودا فى المهرجان، وخبر دياب لم يكن بالطبع المرة الأولى لنا فى لجان تحكيم «كان»، ولكن دعونا - قبل أن نواصل تلك الحكاية بشيء من التفصيل - نُطل على المهرجان بزاوية أوسع، وهى القضايا العربية التى كثيرا ما تسيطر على المهرجان لتصبح هى العمق الدرامى لقطاع وافر من الأفلام، وهذه المرة سنجد أن «التيمة» الأساسية للعديد من الأفلام هم اللاجئون، لأنها قضية إنسانية بالمعنى العميق للكلمة، وفى كثير من الأحيان نجد أيضا أن اللغة العربية تُشكل بالضرورة جزءا من الحوار، إلا أن هذا التواجد على شاشات المهرجان فى مختلف التظاهرات لا يعنى أبدا أن هذه الأفلام صنعها عرب.



المخرج محمد دياب

حضورنا العربى على الشاشات العالمية يتناسب طرديا مع زيادة معدل المأساة العربية، مثلا ثورات الربيع العربى كثيرا ما شاهدناها بأيدى مخرجين عرب، ولكن غير العرب أيضا تناولوها أكثر، تلك الثورات بدت وكأنها ستغير وجه الدنيا كلها، وشباب ميدان التحرير صاروا ملهمين لشباب العالم، ثم تبددت الأحلام.

الآن القضية المحورية هى المهاجرون الذين تركوا أوطانهم بحثا عن أى بصيص من أمل فى الحياة، مجرد الحياة. من الممكن أن تلمح هذا واضحا فى فيلم «نهاية سعيدة»، الذى يتوقع كُثر حصول مخرجه النمساوى مايكل هانيكه على السعفة الثالثة، وبالطبع من الممكن أن نكتشف بعد المشاهدة أن العنوان مخادع تماما، والنهاية ربما تصبح مأساة.

صحيح أن الهجرة غير الشرعية كانت وستظل هاجسا تعيشه العديد من الدول التى توصف بالجنوب، لأن الحلم إلى الشمال - أقصد إلى أوروبا وأمريكا - هو المسيطر، استحوذ الآن على الصورة اللاجئون، خاصة من سوريا والعراق، فى الماضى كانت الهجرة من أجل لقمة العيش، الآن صارت الهجرة من أجل النجاة من الموت المحدق بهم، سقف الأحلام صار يهبط لمجرد أن نعيش، هذا التواجد من المؤكد سيطرح الكثير من القضايا، خاصة أن أغلب المهاجرين من المسلمين بالطبع، وهذا يزيد من مخاطر الإحساس الذى - مع الأسف - صار قابلا للزيادة، وهو «الإسلاموفوبيا».



صلاح هاشم ناقد ومثقف مصري كبير يعيش في باريس ولكن تسكنه مصر



ولهذا جاء الخبر الذى يزيد من مساحة تواجدنا العربى، حيث انضم المخرج محمد دياب للجنة تحكيم قسم «نظرة ما» فى المهرجان، وهى المسابقة التى تُعنى وبنسبة كبيرة بالأفلام التى تحمل تجربة مغايرة للسائد، كان دياب قد عُرض له العام الماضى فى «كان» فيلمه المثير للجدل «اشتباك»، الذى كان ولا يزال يحتل مساحة من الحضور ويحصد الجوائز، رغم الحصار الذى لاقاه فى دور العرض، إلا أن الحماية جاءت وقتها من «كان».. بذكاء، قرر دياب اللعب مع الرقابة، فلم يتقدم بالنسخة رسميا، إلا بعد الإعلان من إدارة المهرجان بأن الفيلم سيشارك فى المسابقة بل سيفتتح أيضا تلك التظاهرة المهمة، فأسقط فى يد الرقابة، ووافقت على عرض الفيلم الذى كان يتناول بداية ثورة 30 يونيو، وانحاز فيها المخرج للإنسان وحقه فى الحياة، هذه المرة جاء اختياره كعضو لجنة تحكيم وهو يعد تكريما خاصا للمخرج ومشواره الذى لم يتجاوز فيلمين روائيين، الأول «678».

تاريخنا مع التواجد فى لجنة التحكيم شحيح أيضا، يوسف بك وهبى فى افتتاح المهرجان 1946، حيث شاركت السينما المصرية بفيلم «دنيا» إخراج محمد كريم، ثم يوسف شاهين عام 1983 فى لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، ثم صلاح هاشم فى مسابقة «الكاميرا دور» للعمل الأول، وهو ناقد ومثقف مصرى كبير يعيش فى باريس ولكن تسكنه مصر، وفى عام 2008 يأتى الناقد الشاب ياسر محب فى عضوية لجنة «نظرة ما»، وكان وقتها لم يبلغ الثلاثين من عمره، ليصبح أصغر عضو لجنة تحكيم فى تاريخ المهرجان، ولدينا يسرى نصرالله 2005 لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير، وماريان خورى 2012 لجنة تحكيم أفلام الطلبة، ثم محمد دياب هذه المرة فى لجنة التحكيم.

المفارقة الجديرة بالتوقف، أن كل الأسماء التى ذكرتها تجيد اللغة الفرنسية، وهو ما يعتبر عاملا مهما جدا فى الاختيار، لكن دياب هو الوحيد الذى ليست له أى علاقة باللغة الفرنسية.

حكاية دياب بفرنسا بدأت من باريس قبل ثورة 25 يناير ببضعة أشهر، عندما عرض فيلمه الروائى الأول «678» تجاريا، فكان واحدا من أكثر الأفلام العربية التى حققت فى الشارع الفرنسى فى السنوات الأخيرة مردودا تجاريا ضخما مثل «وجدة» السعودى لهيفاء المنصور، و«الزين اللى فيك» للمغربى نبيل عيوش، وفيلمى المخرجة اللبنانية نادين لبكى «كرامل» و«هلأ لوين».

«678»، كما قال لى المخرج، حقق عشرة أضعاف المردود الذى وصل إليه فى مصر فى توقيت قياسى جدا، حيث تناول الفيلم ظاهرة التحرش ولعبت بطولته أيضا نيللى كريم، بطلة «اشتباك»، مما ساهم فى زيادة فرصته للحصول على تمويل فرنسى لفيلمه الروائى الثانى «اشتباك»، ليصعد به خطوة أبعد يفتتح تظاهرة «نظرة ما».

الفيلم لم يحصل على جائزة، ولكن فى أغلب المهرجانات قبل إعلان النتائج بأربع وعشرين ساعة يتم الاتصال بالمرشحين، ويتم الاتفاق معهم على السرية، حيث إنهم فقط مرشحون ويطلبون منهم البقاء فى «كان»، خرج دياب العام الماضى من مسابقة «نظرة ما» بدون جائزة ويعود إليها هذه المرة بجائزة أكبر، وهى عضوية لجنة التحكيم!

عن المصري اليوم بتاريخ الثلاثاء 16 مايو 2017

ليست هناك تعليقات: