الأربعاء، مايو 24، 2017

مهرجان كان السينمائي 70 في الجيب ( 1 من 5 ) بقلم صلاح هاشم



مهرجان " كان " السينمائي 70  في الجيب
( 1 من 5 )
بقلم


صلاح هاشم



بعد مضي أكثر من إسبوع على إنطلاقة مهرجان " كان " الذي يحتفل بعيد ميلاده السبعين خلال هذه الدورة- في الفترة من 17 الى 28 مايو - يمكن القول بأن المهرجان حقق مجموعة كبيرة من أهدافه في التعريف أولا باتجاهات السينما العالمية وسط الظروف العصيبة التي تمر بها مجتمعاتنا الإنسانية من أزمات وحروب وتلوث وإرهاب الخ ..
وثانيا : في الكشف عن مواهبها الجديدة التي تناضل وتجاهد لكي تصنع سينما مغايرة، ليس فقط من خلال الطرح الذي تقدمه لمشاكل حياتنا ومجتمعاتنا..بل من خلال طرح سؤال السينما ذاته أيضا،من أجل تطوير السينما الفن،عبر إستنباط  وإبتكار واختراع أشكال وألوان سينمائية جديدة تعبر الحدود بين ماهو روائي وماهو تسجيلي، ولا تركز إلا في ما هو " سينما " فقط ،ويستطيع أن يتواصل في التو مع قلوبنا وعقولنا،..ولا يتسامق إلا بما هو جد إنساني.. وجد روحاني فينا ..


لقطة من فيلم  رودان المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 70


       أفلام المسابقة الرسمية ولوي بونويل



عرض المهرجان في قسم المسابقة الرسمية – التي تشتمل على عشرين فيلما – عرض ولحد الآن 13 فيلما ولكن قبل أن نتوقف عند أبرزها وأنضجها يمكن القول للأسف بأن المستوى العام لأفلام المسابقة -  بالمقارنة مثلا مع أفلام المسابقة في دورة عام 2016 - كان ضعيفا فنيا وفكريا..
ولم يبرز أي من الأفلام التي عرضت ولحد الآن في المسابقة- وهذا رأيي الشخصي -  ليجعلنا نتحمس ونركض للكتابة عنه،أو ننحاز اليه جملة وتفصيلا، وندافع عنه بإستماتة – كما دافعنا مثلا عن فيلم " توني إيردمان " TONY ERDMANN  للألمانية مارين إده في دورة العام الماضي ..
كما لم ينجح أي منها في الوصول الى درجة  الكمال الفني المنشود، ولم تنجح في الاستحواذ على اعجابنا ، كما بدت لنا موضوعاتها أحيانا قديمة و" مستهلكة "،ورتيبة وكئيبة ومتعثرة في إستخدامها لأدوات التعبير الفنية..
 ويستطيع المرء كما كان المخرج الاسباني العظيم لوي بونويل صاحب " الكلب الأندلسي " يحب أن يردد، يستطيع أن يغفر للفيلم أي شييء ،إلا أن يكون يكون مملا..
 غير أن معظم تلك الأفلام التي شاهدناها في المسابقة الرسمية للمهرجان ولحد الآن كانت للأسف مملة وتتقدم أحيانا ببطء شديد، وبإيقاع جد رتيب ،مهلهل، فيضيع منها ومنا الطريق، ونحن نتقدم معها في حارة سد، ونجد أنفسنا فجأة في العراء، ونحن نتساءل ونخبط كفا بكف ، خسارة ..أين هو الفيلم ..وأين هي السينما ..في ما يعرض هنا على شاشة المهرجان ؟..

       فيلم الافتتاح "أشباح إسماعيل " تمرينات في الإسلوب ؟



ولاشك أن أشياء كثيرة جاءت جد "محبطة " لمعظم النقاد الذين يتابعون مثلنا أعمال وأفلام مهرجان " كان " - سيد المهرجانات السينمائية في العالم ومن دون جدال - ومنذ زمن..
 من ضمنها أفيش أو ملصق المهرجان لهذا العام الذي لم يعجبنا  وبدا لنا عقيما ومسطحا ، فما معنى أن تضع صورة لكلوديا كاردينالي النجمة الايطالية وهي في عنفوان شبابها، وماهي المناسبة ؟..
 لاتوجد مناسبة البتة، و لو أن كلوديا كاردينالي كانت مثلا موضع تكريم ، كما هو المخرج الفرنسي الكبير اندريه تيشينيه  خلال هذه الدورة ،لكان من الممكن قبول هذا الأفيش بصورته الحالية، أما أن توضع كلوديا في الأفيش، فهذا ما لم أفهمه قط ، أو أستسيغه بالمرة..


لقطة من فيلم "  لورودوتابل  " المشارك في المسابقة الدورة 70


ومن ضمن هذه الأشياء أيضا تلك الاجراءات الأمنية الجديدة المشددة – وهي بالطبع اجراءات جد مبررة- غير انها كانت تتم ببطء شديد ،وعلى يد فريق عمل من المتطوعين ،من غير المحترفين المتخصصين، وكانت النتيجة وقوف الطوابير الطويلة من الصحفيين والنقاد في انتظار مثولهم أمام البوابات الاليكترونية وتفتيش حقائبهم ، بانتظار ان يسمح لهم بالتوجه الى قاعات العرض، وتكون النتيجة ان تدلف الى القاعة بعد ان يكون الفيلم قد بدأ ، ولا تجد مقعدا في الصالة المخصصة للصحفيين، وعليك ان تسارع بالصعود الى البلكون، والبحث عن مقعد في اقصى الطرف من الصالة فلا تشاهد على الشاشة إلا قسما فقط من الفيلم وتكون النتيجة أيضا استقبال غير جيد للأعمال المعروضة،ومن الطبيعي ان تلك ظروف تؤثر بالطبع حتما على  تقييمك وحكمك على الأفلام ..
اضافة الى أن فيلم الافتتاح " أشباح إسماعيل " للفرنسي آرنو دبليشان  جاء محبطا ومخيبا للآمال، فالفيلم  الذي يحكي عن مخرج فرنسي اختفت زوجته من حياته منذ أكثر من عشرين عاما، وعليه وهو يواجه مشاكل صنع فيلمه الجديد،ويدور حول شخصية شقيقه الغريبة، الذي يعمل موظفا في  وزارة الخارجية الفرنسية،  ولايعرف كل من عمل معه من السفراء إن كان ملاكا أم جاسوسا، عليه أن يسارع في وقت متأخر من الليل الى منزل حماه – والد زوجته – لكي يواسيه في اختفاء ابنته بعد ان شاهدها في كابوس مزعج، ويحكي مخرجنا عن علاقة غرامية جديدة تربطه بسيدة تلعب دورها في الفيلم الممثلة الفرنسية شارلوت جانسبورغ، ويذهب معها الى بيته بجوار البحر ليتفرغ لكتابة سيناريو فيلمه الجديد ، غير ان صديقته الجديدة تفاجيء بظهور زوجته – تلعب دورها في الفيلم النجمة الفرنسية ماريون كوتيار-  التي اختفت منذ عشرين عاما، لكي تدخل  في منافسة معها وتريد ان تسترد منها زوجها وحبيبها، وعندما تظهر زوجة المخرج التي اختفت، يبدأ فيلم جديد في مسلسل  "الأفلام الوجودية النرجسية " التي يتضمنها هذا الفيلم الممل السخيف،الذي لا يحمل هما أو فكرا..
 بل يتكرس بأكمله لأشباح مخرجنا إسماعيل – دبليشان ولمجموعة فقط من " النمر " التمثيلية الاستعراضية، ومن ضمنها نمرة في الإغراء تظهر فيها ماريون عارية تماما كاشفة عن مفاتنها -  في ما يمكن أن يكون مجرد " تمرينات في الإسلوب " لمخرج عبقري- وفي نظر فقط أصحاب البيت – أعني السينما الفرنسية – وأصحاب المهرجان أيضا الذين يظنون وحدهم  فقط  بأنه مخرج عبقري..
 ويبدو كما سمعت ان عرض فيلم " أشباح إسماعيل " كان نوعا من الترضية لآرنو ، بعد أن رفضت ادارة المهرجان في العام الماضي قبول فيلمه  " ثلاث ذكريات من فترة شبابي " فعرضه في تظاهرة " نصف شهر المخرجين " الموازية للمهرجان الرسمي،ولذا كان عرض " أشباح إسماعيل"  التي هلكتنا بمثابة " إعتذار "  من قبل إدارة المهرجان عن خطأ غير مقصود ارتكب – في العام الماضي -  في حقه ....
ولاشك ان تلك الأسباب مجتمعة ساهمت والى حد كبير  في  إشاعة " جو " غير صحي من عدم الثقة في خيارات المهرجان لدورة هذا العام وأفلامها الهزيلة وغير المكتملة، وبخاصة في قسم المسابقة الرسمية  الذي برز منه عدة أفلام  " متميزة " فقط نرشح بعضها للحصول على سعفة " كان " الذهبية، ومن ضمنها :


لقطة من الفيلم الروسي " بلا حب " المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 70


الفيلم الروسي " بلا حب " LOVELESSاخراج اندريه زياجنتسيف، والفيلم الامريكي " WONDERSTRUCKوندر سترك "اخراج تود هاينس والفيلم الفرنسي 120 دقة في الدقيقة  120BPM اخراج روبين كامبيلو..
فالفيلم الروسي هو أكثر الأفلام " الواقعية " من  ضمن الافلام الـ 13 التي  عرضت ولحد الآن، وهو يحكي عن " إستحالة الحياة من دون حب " وبخاصة في إطار الأسرة الروسية الجديدة ،في مجتمعات الاستهلاك الانانية العدمية والتحولات التي تطرأ على المجتمع الروسي الجديد، ويتم فيها التضحية بالأطفال الذين يدفعون ثمن طموحات الوالدين، يحكي الفيلم عن التفكك الأسري، ويبدأ بلقطة  للمنظر الطبيعي الذي يغطيه الثلج في تلك الضاحية المنعزلة في موسكو ويخرج طفل عمره 13 سنة من المدرسة ويمشي في الثلج ويلتقط شريطا ورقيا يقذف به الى أعلى شجرة ثم يمضي الى منزله ويبدأ يستذكر دروسه حين يصل شخص ما ليتجول في انحاء الشقة المعروضة للبيع، ويتعرض الطفل للضرب من قبل الأم التي تشتبك في عراك مع الأب وتشتمه وتهينه في حضور الطفل الذي يسارع باللجوء الى غرفته ويغلق الباب على نفسه وينهمر في البكاء وهو يتنصت على المعركة الدائرة بين الوالدين، وقد قررا بعدما صارت الحياة معا مستحيلة الانفصال عن بعضهما..
 وتتابع الاحداث لنكتشف ان أم الطفل قد عثرت على ضالتها في عشيق ثري سوف ينتشلها من عذابات العيش مع الأب المهدد بالطرد من عمله اذا اكتشف صاحب العمل انه على وشك الانفصال عن زوجته، ففي المجتمعات الرأسمالية الروسية الجديدة صاحب العمل او الشركة هو السيد، أما الموظفين في الشركة فهم عبيد يستطيع أن يفصلهم في أية لحظة، كما نكتشف أن الأب والد الطفل قد أمن لنفسه حياة جديدة مع صديقة صارت حاملا وتنتظر منه طفلا..
 وعندما تعود الأم ذات يوم في ساعة متأخرة من الليل ولاتطمئن الى وجود الطفل في البيت بل تتوجه مباشرة الى غرفة نومها تكتشف عندما تستيقظ في الصباح انه قد غادر المنزل ، وتبدأعملية البحث عن الطفل بمشاركة الشرطة،ومن خلال عملية البحث عن الطفل الهارب أو المختطف تتكشف لنا تلك التحولات في المجتمع الروسي الرأسمالي الجديد ومناخاته العفنة الفاسدة، فالكل يريد أن يصعد بسرعة ،والكل يريد إشباع حاجاته الاصطناعية " الانانية " مثل امتلاك سيارة و شهوة و حيازة شقة وتليفون محمول وعشيقة..
فيلم " بلا حب  " LOVELESS الذي نرشحه للحصول على جائزة في مسابقة المهرجان يحكي عن عبث وخواء تلك المجتمعات الروسية الرأسمالية الجديدة- مجتمعات اللذة والاستمتاع التي يتم التضحية فيها بالاطفال، وعلى خلفية الفظائع التي يرتكبها العسكر الروس كما تظهر في نشرات الاخبار التي يبثها التلفزيون..
  ومن أفظع مشاهد الفيلم الذي يستحق المشاهدة وعن جدارة ، مشهد  استدعاء الأب والأم للتعرف على جثة الطفل ابنهما في المشرحة بعد أن يكون تجار الأعضاء البشرية قد اعملا في جثة الطفل المختطف تشريحا وتقطيعا حتى انهما الاثنان، لا ينجحا في التعرف عليه،أو بالاحرى يرفضا التعرف عليه، لكن يعيب الفيلم المط و التطويل، وبخاصة في الجزء الثاني من الفيلم حيث ان زيارة الجدة هنا في الفيلم  الذي تحول في الجزء الثاني الى فيلم  " بوليسي " بارد لم تأت مطلقا - من وجهة نظرنا - بنتيجة..وحبذا لو كان مخرجنا – من مواليد 6 فبراير 1964 - الذي يعد من أهم وأبرز المخرجين الروس في الوقت الحاضر استخدم قدرته على التكثيف كما في فيلميه السابقين فيلم " ايلينا " انتاج 2011 وفيلم "ليفيتان " انتاج 2014  اللذين اعجبت بهما كثيرا، للوصول الى قمة الكمال الفني في فيلمه والفوز بسعفة " كان " الذهبية وعن جدارة..

ولنا وقفة مع أعمال المهرجان في عدد قادم من سينما إيزيس



ليست هناك تعليقات: