مختارات سينما إيزيس
أحمد فايق
أن
تجلس عاريا بالقرب من امرأة دون أن تشغل بالك بأن تقع عيناها على ما بك من
عيوب.. فبالتاكيد أنت تعشق هذه المرأة، فى حياة يوسف شاهين كانت السينما
هى تلك المرأة التى لم يخجل يوما من البوح أمامها بسيرته الذاتية، أدرك
يوسف شاهين أنه عاشق بالدرجة التى استطاع معها أن يقدم 4 أفلام تناولت
سيرته الذاتية وأولها "إسكندرية ليه"، هذا الفيلم بالنسبة لى هو الأهم لأنه
الخطوة الأكثر جرأة فى تاريخ أفلام السيرة الذاتية على المستوى المحلى
والعربى وربما العالمى. "إسكندرية ليه" كان اللوحة الاكثر إبهارا من بين ما
رسم شاهين، تداخلت ألوانها بشكل شديد التناسق لتعكس هذا المجتمع
"الكوزموبوليتى" - المنفتح على الثقافات المختلفة – الذى كانت عليه مدينة
الإسكندرية، وكأن هذا المجتمع قد تحقق ليأتى "شاهين" نفسه.. الأب من أصول
لبنانية والأم يونانية.. العلاقة بينهما صعبة لكنها تتحقق.. يأتى الطفل
الذى يزيد من خيوط هذه العلاقة تعقيدا، وتؤكد صداقاته المتعددة أن مجتمع
الإسكندرية لم يفقد انفتاحه رغم الاحتلال الواقع تحت سطوته. الحرب العالمية
الثانية التى تحاصر أحلام ساكنيه.. الألمانى روميل على أبواب العلمين لحسم
معركة فاصلة مع القائد الإنجليزى مونتغمري ، تتباين المشاعر الوطنية بين
مؤيد للهجوم النازى ومعارض له بينما معارك أخرى يشهدها المجتمع ما بين طبقة
رأسمالية مالية تنتفع من هذه الحرب وطبقة منسحقة اكتوت بنارها. يهود
يبحثون عن الهجرة إلى أرض الميعاد وأخرون يهربون من المذابح النازية،
تناقضات شديدة التشابك بين الشخصيات على المستوى السياسى. سارة سوريل
(نجلاء فتحى) اليهودية بنت الإسكندرية التى وقعت فى غرام إبراهيم (أحمد
زكى) العامل الشيوعى، تقع بين مطرقة حبها للإسكندرية ومصر وطفلها الابن
الشرعى لهذه العلاقة، وبين سندان الأب الرأسمالى (يوسف وهبى) الذى يبحث عن
أرض الميعاد تحقيقا لأطماعه، والأخ المراهق المتحمس لدولة صهيوينة خبيثة
تنشأ فى السر. يعشق الأب آيضاً الإسكندرية ويكره الرحيل منها، إلا أن
النازيين يقفون له على الأبواب، ويرحل إلى جنوب أفريقيا وفى لحظة يكتشف أن
لعبة دولة إسرائيل أكثر ربحا له من حبه للإسكندرية، خاصة أنه الشهيد الهارب
من الجحيم النازى فى نظر الآخرين. أميركا تكتشف أن السعودية تعوم على بحر
من البترول وتريد وضع ذراع لها فى المنطقة لحراسة هذا البحر الذهبى، هنا
نرى أفكارا سياسية متشابكة تشبه ذات يوسف شاهين، الذى يريد طرح الكثير من
الأفكار المتداخلة فى جمل حوارية قصيرة تحمل قدرا من التلعثم٠
نجح
العاشق فى تعرية الواقع السياسى لهذه المرحلة عن طريق الشخصيات الدرامية،
لكنه اكتوى بنارها أيضا، هذا الفيلم خرج بعد توقيع الرئيس الراحل أنور
السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، اعتقد الكثيرون أن شاهين جزءاً من
النسق العام للتوجه السياسى الرسمى، فى لحظات تخلى فيها البعض عن التفكير
وانساقوا وراء الهتافات والأصوات العالية، رفضت بعض الدول العربية عرض
الفيلم، ولم يستمع أحد لأصوات عاقلة تؤكد أن هذا الفيلم ليس موجها ولا يدعو
للتطبيع أو غيره لم ير أحد أن شاهين فى قمة نضجه الفنى يسمو بنفسه وسينماه
عن هذه المهاترات السياسية، إنه يتعامل مع بشر من لحم ودم، الأحداث يحركها
الإنسان دون الالتفات إلى دينه أو لونه أوجنسيته، الإنسان دائما هو الضحية
لهذه المهاترات٠وكما قال الناقد عصام زكريا: "إن "إسكندريه ليه" من أكثر
أفلام يوسف شاهين تركيبا وتعقيدا.. يمتزج فيه التاريخ بالذات والتوثيق
بالخيال والواقع بالسيريالى والواقعية بالميلودراما"٠بالفعل هو فيلم يحتمل
أن يكون كل هذه الأشياء وهذه هى عادة شاهين.. إذا اراد أن يعطيك شيئا
تشاهده لن يمنحك خلاله شعورا يلازمك أقل من الحيرة.
المدينة..
حياة مفتوحة بلا خوف إن المدينة فى هذا الفيلم كانت جميلة على الرغم من
أنها تحت الاحتلال، لقطات بانورامية تستعرض جمال المعمار الأوروبى الذى
انتشر فى الإسكندرية، استعان فى بعض اللقطات بالأماكن الحقيقية واستعاض فى
لقطات أخرى بأماكن شبيهة، المدينة كانت: كورنيش جميل ومفتوح على البحر..
مسرح الهمبرا ... فيكتوريا كولدج..الترام..البنك.. الكباريه.. البيوت..
القصور.. سينما مترو.. محلات تجارية.. محطة القطار. يوسف شاهين قال عنها:
الإسكندرية عندى ليست مجرد مدينة.. وإنما فكرة عن حياة مفتوحة بلا خوف، مثل
البحر المتسع لكل شيء.. ملء العالم كله، الإسكندرية فى هذا الفيلم مركز
للعالم.. أولا: ثقافيا وتجاريا من خلال تجمع قدر كبير من الجاليات
الأوروبية، وقيمة الفن فيها والثقافة من خلال السينما والمسرح والملاهى
الليلية وقبلها وعى الحركة العمالية لمايحدث حولها. ثانيا: سياسيا حيث كانت
الهدف الأول لمعركة طاحنة بين دول الحلفاء والمحور تدور فى العلمين، كما
أنها نافذة مصر البحرية على الغرب ونافذة الغرب للتعرف على الشرق أيضا.
المدينة التى أسسها الإسكندر سنة 333 ق.م وأصبحت مركزًا للثقافة العالمية
واشتهرت بمكتبتها الغنية وبمدرستها اللاهوتية والفلسفة، المدينة التى شهدت
قصة الحب الخالدة بين أنطونيو وكليوباترا، هى ملتقى حضارات وثقافات ومركز
أيضا لعالم "ذات" يوسف شاهينإذن لم يتغير حبه للمدينة من وعى يحيى الفتى ذى
الأربعة عشر عاما إلى نضج المخرج خمسينى العمر. نرى هنا امتدادا غير مباشر
لآثار نكسة 67 فى وعى يوسف شاهين وجيله. يعتقد البعض أن تأثير النكسة امتد
سينمائيا فى ثلاثية "عودة الابن الضال" و"العصفور" و"الاختيار"، الثلاثية
التى عرى فيها جيلا كاملا ومجتمعا ومشروعا سياسيا، تحدث فيها عن التناقض
الداخلى الذى يعيشه المثقف، والقهر السياسى وكبت الحريات فى الفترة
الناصرية، ودعوته الصادمة إلى هدم المنزل وإعادة بنائه من جديد. فى
"إسكندرية ليه" يحاول يوسف شاهين تبرأة نفسه من النكسة، على الأقل يتحدث عن
نفسه وربما يبرئ جيلا من المثقفين سبق وأدانهم فى أفلامه السابقة. هنا
يطرح الكثير من التساؤلات تبدأ من الخاص أو الذات لينطلق منها إلى العام،
من أين أتيت؟ كيف تكون هذا الجيل فكريا ممثلا فى شخصية يحيى؟ هل لهذه
النشأة تأثير على تفكيرى فى المستقبل؟
ظاهريا
لا أستطيع أن أقول إن هذا الفيلم امتداد لثلاثية الهزيمة أو النكسة، إنما
ضمنيا هو محاولة لتبرءة نفسه من المسئولية عن الهزيمة وهذا احتمال، ولكن
المؤكد أن نكسة 67 أثرت عليه فى كل فيلم أخرجه حتى وفاته مثله مثل جيل كامل
من المثقفين العرب٠حينما كان أحدهم يقول لشاهين "أنت عبقرى"، كان يغضب
بشدة ويقول: لا.. أنا باشتغلكان يقصد هنا أنه لو خلق عبقريا فهو بالصدفة
وقد تتوفر هذه الصفات فى أى شخص غيره، إنه يرى أنه عمل بجد وكافح حتى أصبح
عبقريا، لذا هو ليس كسولا. لقد عانى كثيرا كمثقف حتى يصل إلى ماهو عليه.
تعلم مثل يحيى الفتى المراهق.. ومازال يتعلم حتى بعد نكسة 67، يوسف شاهين
فى فيلم "عودة الابن الضال" يترك الفتى الصغير الذى يريد أن يذهب ليتعلم فى
فرنسا حيا وحده من بين جميع الشخصيات ومعه الحب متمثلا فى شخصية ماجدة
الرومى .. وانهار المنزل على رؤوس الجميع. وفى "إسكندرية ليه" يتذكر يوسف
شاهين الفتى يحيى الذى يريد أن يتعلم حتى يعود لبناء المنزل من جديد..!٠
يحيى..
مراهق لا يرى سوى نفسهإن يحيى الفتى الذى تحركه موهبته فى كل شىء منفصل عن
الواقع السياسى والاجتماعى، لأنه لا يرى سوى معهد "باسادينا" والسفر إلى
أمريكا كى يتعلم السينما، هنا نرى ازدواجية مدهشة بين الفتى المراهق الذى
تدفعه خلاياه المعجونة بماء الفن نحو إغلاق عينه أمام الواقع السياسى
والاجتماعى فى هذه الفترة، وبين هذا المخرج خمسينى العمر.. أو يحيى بعدما
نضج فكريا، من المشاهد الاولى للفيلم تستطيع أن تكتشف شخصية يحيى المولع
بالفن. غرفته التى استعرضتها الكاميرا والمعلقة فيها صور "جينجر روجرز"
و"فريد استاير"، تفضيله لمشاهدة فيلم سينمائى للمرة الثانية بدلا من التسكع
مع فتيات الليل. هو فتى لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، الحياة بالنسبة له
خشبة مسرح، يتعامل على هذا الأساس مع الجميع، لا يهتم سوى بحبه للتمثيل،
نرى هذا واضحا فى حوار له مع الأم فى أحد المشاهد٠الأم: أنا لسه راجعة من
محل وادى الرحمة.. رهنت الخاتم بتاعى٠يحيى: وأنا لسه جاى من عند البرنسيسة
شاهينور قبلت إنى أعمل الحفلة تحت رعايتها٠
ولأنه
فقير وليس وسيما فقد أصبح أهم راقص فى "فيكتوريا كولدج".. فى هذا الفيلم
كان سبب تحوّل يحيى إلى راقص بارع أنه مولع بالفن، وفى فيلم "إسكندرية
نيوورك"(2003)، رابع أفلام سيرة يوسف شاهين الذاتية، كان احترافه للرقص
وسيلة لجذب الفتيات إليه.. هكذا قال لجينجر (يسرا)٠وعلى الرغم من الظروف
المحيطة بيحيى، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فإنه لا يأبه
لها، ولا ينظر سوى إلى معهد باسدينا بالولايات المتحدة الأميركية، يتعرض
الفتى لصدمتين طوال الأحداث يشكلان وعيه، أتحدث هنا عن يحيى الفتى المراهق
وليس الفيلسوف الجالس وراء الكاميرا، الصدمة الأولى حينما يفشل عرضه الذى
أقامه على مسرح الهمبرا وبرعاية الأميرة شاهينار، اكتشف وقتها أنه لم ينضج
بعد ومازال فتى يحتاج إلى التعليم، فى هذه اللحظة يعود إلى المقابر لزيارة
قبر شقيقه الذى كانت تتمنى جدته أن يعيش مقابل موت يحيى، وهى واقعة فى
ذاكرته حينما حرق تمثالا للمسيح وتصور أن الله عاقب شقيقه بدلا منه، ومن
وقتها يشعر بتأنيب الضمير، وفى لحظات أخرى يريد أن يثبت لجدته أنه الأجدر
بالحياة.. وسينجح ويصبح فنانا كبيرا٠
الصدمة
الثانية حينما جاءه خطاب معهد باسادينا ليخبره بقبوله للدراسة هناك، ولا
يجد مالا لديه ولدى عائلته لتغطية تكاليف السفر لأمريكا، هنا يكتشف يحيى
حقيقة وضعه الاقتصادى، ويقبل للحظة ورغما عنه أن يعمل موظفا فى بنك، ثم
يعود متحديا مقررا أنه سيذهب إلى العالم الآخر وسيتعلم حتى تتغير
الأوضاع٠إن طبيعة علاقة يحيى بالأم تبدو متسامحة فى معظم أحداث الفيلم،
لكنه حينما يختار مشهدا من مسرحية "هاملت" لتمثيله فى الفصل أمام المدرس
والتلاميذ فهو يختار "المقطوعة الثانية.. مشهد الأم" وهو مشهد شديد الصعوبة
والقسوة على الأم ما يشير إلى علاقة مضطربة بالأم، تتحول فيما بعد إلى
تسامح وتعاطف ففى فيلم »حدوتة مصرية« حينما سأل أمه عن سبب زواجها من أبيه
رغم عدم حبها له؟فأجابت الأم: كان مثل أبى.وبين أم يوسف شاهين اليونانية
وأبيه 25 عاما فارقا فى العمر لصالح الأب، إلا أنه فى أفلامه كلها عاطفته
كلها كانت نحو الأب، وفى حوار ليوسف شاهين مع الناقد قصى درويش بمجلة سينما
(العدد 104 عام 2004) قال: "أنا حساس قوى وشهوانى" وهذه أشياء أخذتها من
أمى، وفى الحوار نفسه نفى شاهين أنه كان يكره أمه.. على العكس كان يحبها
وقال: "هى يمكن تظهر كده لكن الفكرة لم تكن موفقة جدا.. أنا أحببتها جدا
جدا حتى آخر يوم فى حياتها"٠ربما تلميحات شاهين حول الأم فى أفلام السيرة
الذاتية كانت من باب الثراء الدرامى وغير واقعية، وربما كانت نتاج تأثره
بمسرحية "مأساة هاملت.. أمير الدنمارك" لشكسبير، وربما كانت واقعية،
والأكيد أن شخصية الأم فى هذا الفيلم كانت مرتبطة أكثر بالعواطف والمشاعر
وينقصها العمق، وهو العمق الذى بحث عنه أكثر فى فيلم "إسكندرية كمان وكمان"
فى رحلة البحث عن الجذور.. وكيف وصلت الأم اليونانية إلى الإسكندرية٠علاقة
الكاميرا بالفتى يحيى كانت مسرحية على عكس علاقتها بيحيى الواقف وراء
الكاميرا، فى معظم المشاهد التى يظهر فيها يحيى كانت الكاميرا ثابتة يتحرك
أمامها الفتى، يذهب لها ويبتعد عنها وكأنه على خشبة المسرح، تتراقص
الكاميرا معه فى بعض الأحيان على خلفية الموسيقى التصويرية لفؤاد الظاهرى،
وأغانى الأربعينيات القادمة من أمريكا اللاتينية والغرب بصفة عامة٠أما
علاقة الكاميرا بيحيى الواقف وراءها فكانت أكثر فضولية، تتحرك بين الشخصيات
والأحداث، وتكتشف خلفيات الأشياء، بها الكثير من العمق تشبه العين البشرية
حينما تقرر أن تتلصص على شىء ما٠
يحيى..
ناضج خلف الكاميرا وصل يوسف شاهين فى »الإسكندرية ... ليه؟« إلى قمة نضجه
الفنى والفكرى، وراء هذا سنوات من الانتصار والانكسار، يقف بعد تجربة
سياسية تعلم منها الكثير فى الفترة الناصرية، بعد سلسلة من أفلام الواقعية
منها: "باب الحديد" (1958) و"الأرض" (1970). وأفلام تاريخية مثل: "الناصر
صلاحالدين" (1963) و"جميلة الجزائرية" (1958) وهو الفيلم الأول بعد ثلاثية
النكسة "الإختيار" (1971)، و"العصفور" (1974) و"عودة الابن الضال" (1976
)٠فى "إسكندرية ليه" يتجول شاهين بين أكثر من 50 شخصية رئيسية وثانوية تكشف
الواقع السياسى والاجتماعى للإسكندرية ومصر والعالم كله فى الأربعينيات،
ترى من خلالها مستقبل العالم والصراعات فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة،
ديفيد، الفتى اليهودى صديق يحيى والذى كان يتسكع معه فى المدرسة والسينمات
والشوارع، ينتهى بهما هذا المشوار فى نفس المكان وهو "أمريكا" يحيى ذهب إلى
معهد باسادينا ليتعلم التمثيل وديفيد ذهب إلى إحدى الأكاديميات العسكرية
الأمريكية ليعود إلى أرض الميعاد مقاتلا..!٠عادل (أحمد محرز) الأرستقراطى
المفعم بالوطنية.. الناقم على شاكر باشا (فريد شوقى) زوج شقيقته، لكنه فى
النهاية يعيش من أمواله، وتنشا علاقة حميمية بين تونى العسكرى الإنجليزى
وعادل "نرى تلميحا لها فى الحوار المشترك بينهما"، تنتهى العلاقة بوفاة
تونى القادم من طبقة معدومة فى مقاطعة "دوفر" أثناء الحرب، ويبكى عادل على
قبره بعدما كان يريد قتله فى اللقاء الأول..!٠مرسى (عزت العلايلى) الفاسد
الذى يعمل مع جميع الأطرف من أجل المال، وينتهى به الأمر إلى توديع يحيى فى
المشاهد الأخيرة راكبا سيارته قائلا: "ده الكارت بتاعى كلمنى علشان نعمل
بسبس سوا مع بعض.!٠إبراهيم (أحمد زكى) العامل الشيوعى الذى هو ضحية كل
السابقين من انتفاعيين ورأسماليين واحتلال، ووصل به الأمر إلى السجن
15عاماالأب (محمود المليجى) آخر من تبقى من الطبقة الوسطى.. المحامى الشريف
والفاشل فى نظر الآخرين لأنه غير فاسد، وتتلخص حالة الأب وربما حالة
الفيلم كله فى جملة الحوار الشهيرة التى قالها لإبراهيم فى السجن: "زمن
يبرروا فيه إنهم يرموا البمب على دماغ ناس ملهاش دعوة بالحرب خالص وعايزنى
أكسبها؟زمن بتتشوى فيه الناس فى الأفران علشان لون جلدها أحمر ولا أصفر ولا
عينيها مسبسبة وعايزنى أكسبها؟ ولاد الناس سن 16 و17 سنة ويدفنوهم تحت
الرمل باسم الحريات الأربعة وعايزنى أكسبها؟زمن بيكسبوا فيه فرد واحد خمس
آلاف جنيه فى دقيقة ويغلوا على التانى أجرة التروماى وعايزنى أكسبها؟ كل
اللى أتمناه إنهم يخففوا عنك الحكم٠
الضباط
الوطنيين الثلاثة الذين يخططون للتخلص من الاحتلال البريطانى سواء
بالتعامل مع الألمان أو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وتفشل جميع
مخططاتهم لأنها ليست ناضجة بعد، لكنهم بوعى يرفضون الانضمام لجماعة الإخوان
المسلمين، وفى النهاية يشير أحدهم إلى قصر الملك فى رأس التين مؤكدا أن
الحل فى التخلص منه، وهم نواة لضباط ثورة 23 يوليو 1952، ولم تخل الدراما
من سخرية منهم فى بعض الأحيان والتعاطف فى أحيان أخرى، ومن أجمل مشاهد
الفيلم مشهد النهاية، حينما تصل السفينة إلى نيويورك، ويتحول تمثال الحرية
الى امرأة شريرة أسنانها مخلوعة وتضحك مثل الساحرات الشريرات، ويجلس أسفلها
مجموعة من الحاخامات والمهاجرين اليهود، ومثلما ذهب يحيى فتى موهوبا
ليتعلم هناك، عاد إليها بعد عشرات السنين مخرجا كبيرا ناضجا يوضح لها رؤيته
فى أسباب أحداث 11 سبتمبر من خلال فيلمى "إسكندرية نيويورك" والفيلم
القصير "11 سبتمبر"٠
*
بطاقة
الفيلم
إنتاج: أفلام مصر العالمية 1978سيناريو وحوار: محسن زايدحسن عبد
ربه يوسف شاهين مدير التصوير: محسن نصرمونتاج: رشيدة عبد السلام موسيقى:
فؤاد الظاهرى تصميم مناظر: نهاد بهجت مدة الفيلم: 139 دقيقة ألوان طبع
وتحميض: ج. ت. س باريس التمثيل : محسن محيى الدين محسنة توفيق محمود
المليجي نجلاء فتحى فريد شوقى أحمد زكى يوسف وهبى يحيى شاهين عزت العلايلى
ليلى فوزى عبد الله محمود أحمد سلامةمجدى سيف أحمد بديرن عيمة الصغير
مساعدو الإخراج: أحمد محرزمحمود الخولى عبد الفتاح مدبولى عاطف الطيب
إخراج: يوسف شاهين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق