لقطة من فيلم مواقيت ورياح التركي
السينما المتوسطية : مهد التراجيديا و" صرة " العالم
في " مواقيت ورياح " : السينما أصدق من نشرات الإخبار
والفيلم قصيدة في مجد الحياة
هنا في تلك البقعة الجغرافية المقدسة أشعر قسطنطين كفافي، وروي محفوظ ، وصور فيلليني وانجلو بولوس وانطونيوني ورينوار وصلاح ابو سيف ويوسف شاهين ، وصدحت ماريا كالاس وشدت أم كلثوم.ولذلك كانت الافلام التي شربت من نبع المتوسط،، وشبت وترعرعت تحت شمسه، وارتوت من ارضه، خليقة - اكثر من تلك الاخبار التي يقصفنا بها التلفزيون- بأن تكون معبرة عن حالته، ومزاجه وبؤسه، وقلقه وتناقضات مجتمعاته الغنية والفقيرة علي حد سواء، وتصدمنا بواقعيتها ومصداقيتها
باريس- صلاح هاشم
هل صحيح كما يقول جان فرانسوا برجو مدير مهرجان مونبلييه السينمائي 28 ان الاخبار والانباء والمعارف التي تحملها لنا الافلام، تكون احيانا اهم بكثير وأكثر مصداقية، من الاخبار التي تحملها لنا وتبثها نشرات الاخبار علي شاشات التلفزيون، وتقصفنا بها ليل نهار؟..
ان المتأمل في انتاجات السينمات المتوسطية الجديدة التي عرضها المهرجان في دورته الفائتة في الفترة من 27 اكتوبر الي 5 نوفمبر، والقادمة من مصر والمغرب وتركياوفلسطين وغيرها سوف يكتشف انه ربما يكون علي حق ، بعد ان صارت عمليات تشكيل وتوجيه الرأي العام من خلال الشاشات الصغيرة التلفزيون، تخضع لهيمنة الحكومات والشركات والاحزاب والانظمة، واقرب ما تكون الي " الدعاية " ان لم نقل " البروباجندا " الخالصة، ولم تعد هناك اخبارا " موضوعية او محايدة او نزيهة، بل قل ان جل الاخبار التي تبث وتنشر، صارت مثل الرسائل والدعايات الموجهة لتلحس دماغ المشاهدين ، وتوجههم الي حيث تريد الحكومات، كي تتحكم في حياتنا، وتحركنا كما عرائس الماريونيت الخشبية، في استعراض قائم الآن، وفي كل لحظة ومستمر، تحت خيمة المتوسط الكبير..
مهد التراجيديا وصرة العالم
ولذا اصبحت تلك الصور والمعارف والانباء التي تنقلها لنا السينما ، من صنع الخيال، اكثر دفئا وحرارة ومصداقية من ذلك ألخطاب التلفزيوني " الموجه. وكما يقول ناعومي تشومسكي ان الاخبار التي يبثها التلفزيون، ليس القصد منها ان تزيد من معارفنا بالعالم والدنيا والناس ، بل القصد منها ان تجعلنا نحب التلفزيون كصندوق للمتع الحسية، ومتاح للفرجة في كل وقت. القصد منها ان يصبح الهدف من الخطاب التلفزيوني، هو التلفزيون ذاته، فنحبه أكثر ، ونحس انه قد صار حاجة اساسية من احتياجاتنا الطبيعية الضرورية، مثل الاكل والشرب والنوم واستنشاق الهواء النقي . ولم يعد هناك أي هواء نقي بالطبع، وعلي مايبدو، في أي مكان في العالم كما تصور، الا امام الشاشة الصغيرة. في حين ان التلفزيون كما يؤكد العالم الكبير تشومسكي، يستطيع ان يكون جامعة مجانية مفتوحة علي الهواء الطلق، وليس ساحة للدعاية والاعلان،كما هوالآن، لبث الهراء العام، في انحاء البلدان المتوسطية، لكي ليغربنا هكذا عن حياتنا وواقعنا، ويحولنا الي " مسخ " في اجمل بقعة جغرافية علي وجه الارض..
تلك الرقعة الجغرافية المتوسطية الشاسعة التي تطل علي البحر الكبير بقدسيتها، واديانها السماوية الرائعة، وحضاراتها وتاريخها وثقافاتها العريقة، وهي عندنا يقينا بمثابة صرة العالم..
الصرة التي تشرق عليها الشمس الافريقية المتوهجة بالنور، وتلك المراعي الخضراء الممتدة في توسكانيا في ايطاليا الي ما لانهاية. هي " رغيف " العيش المصري، وألفة الناس الطييبين و "الطبطبطة " فوق الظهر، وهي أيضا مهد التراجيديات والدراما العظيمة، وهنا كما يقول المخرج السينمائي والشاعرالايطالي بيير باولو بازوليني تخلق " الحكواتي " ، وولدت الحكاية مع جدنا الاكبر اليوناني هوميروس، وظهرت " الف ليلة وليلة ". وهنا – نضيف - أشعر قسطنطين كفافي، وروي محفوظ ، وصور فيلليني وانجلو بولوس وانطونيوني ورينوار وصلاح ابو سيف ويوسف شاهين ، وصدحت ماريا كالاس وشدت أم كلثوم.ولذلك كانت الافلام التي شربت من نبع المتوسط، وشبت وترعرعت تحت شمسه وارتوت من ارضه، خليقة - اكثر من تلك الاخبار التي يقصفنا بها التلفزيون- بأن تكون معبرة عن حالته، ومزاجه وبؤسه، وقلقه وتناقضات مجتمعاته الغنية والفقيرة علي حد سواء، وتصدمنا بواقعيتها .. ومصداقيتها. كما في فيلم " مثل ظل " الايطالي علي سبيل المثال الذي يذكرك بأفلام انطيوني ( الليل .الصحراء الحمراء. المغامرة ) ويحكي عن تلك الوحدة الباردة في المجتمع الايطالي الاستهلاكي الجديد، وذلك النزوح مثل النزيف من الجنوب الفقير المعدم الي أرض الاحلام والاوهام في المدن الصناعية العملاقة التي تقتل الروح،وحصد جائزة النقاد عن جدارة..
وكما في فيلم " البنات دول " من مصر لتهاني راشد، الذي تتضاءل امامه اعتي الريبورتاجات والافلام التسجيلية من صنع التلفزيون المصري والمركز القومي للسينما ، ولن يحول دون زيارة السياح لبلدنا مصر، لأنه كما يدعي البعض ينشر غسيلنا الوسخ علي السطح، ويكشف عن تناقضاتنا وعيوبنا، واذا به يتوهج سينمائيا في " كان "، ويشارك من بعد في مسابقة الافلام التسجيلية في مونبلييه السينمائي 28 ، ويحصد جائزتها عن استحقاق..
المتوسط يضبط إيقاعه علي مواقيت الصلاة
كما عرض المهرجان " تحفة " سينمائية من تركيا في فيلم هو أشبه مايكون بقصيدة في مجد الحياة ونرشحه للعرض في مهرجان الاسكندرية السينمائي القادم بعد أن أسرنا بجماله وعمقه وعذوبته، الا وهوفيلم " مواقيت ورياح "des tempe et vents للمخرج التركي أريحا أرديم الذي حصد جائزة انتيجون الذهبية كاحسن فيلم بين 12 فيلما شاركت في مسابقة المهرجان. يحكي الفيلم عن ايقاع ودورة الحياة في قرية صغيرة من قري الاناضول البعيدة عن العمران، فلا راديو هناك ولا تلفزيون يزعجك، بل هناك فقط اصوات الطبيعة: زقزقزقة العصافير وهمس الريح وشجر المشمش واللوز العالي ، وتلك الحيوانات التي تتناسل براحتها في طرقات وازقة القرية الصغيرة في حضن الجبل، والمطلة علي البحر المتوسط الكبير، وسط الزهور. هناك حيث يضبط المتوسط ايقاعه علي مواقيت الصلاة، و يقعد اطفال القرية فوق ربوة، ويتأملون وهم ينصتون الي صوت المؤذن،يتأملون في تلك السحب الراحلة في السماء بلا عودة، فيفكرون متي ينتهي ياتري ظلم الاهالي وتعسفهم واستعبادهم للصغار وتوحشهم، وكيف يستميلون مدرستهم الشابة التركية الجميلة بهداياهم المتواضعة كي تعطف عليهم و تحنو عليهم وتحبهم اكثر والغريب انها وهي الغريبة النازحة الي المكان تفهمهم اكثر من امهاتهم وذوييهم. الطفل عمر بطل الفيلم يكره الأب مؤذن القرية فالأب يتباهي بشقيقه الاصغر الذكي الشاطر في الحساب ويحفظ القرآن، في حين ان عمر يبدو في تلك السن مثله مثل أي مراهق غارقا في في تأملاته حالما ومسافرا دوما الي البعيد، ويروح يدخن في الخفاء مع صديقه اللفائف، ويتصعلكان سويا في حضن الطبيعة ويتلصصان علي الفتيات الصغيرات اللواتي يغتسلن في النبع، وتتفتح حواسهما علي مشاعر الجنس، في مواجهة التقاليد العائلية البالية الصارمة، وتراثها العريق في القمع والكبت، حتي انه من فرط قسوة الاب علي ابنه عمر ذاك الحالم،يقرر عمر ان يتخلص من ابيه بأية طريقة، فمرة يفكر في ان يسممه، ومرة اخري يفكر في ان يدفعه من فوق قمة مئذنة جامع القرية العالية، لكي يسقط من حالق ويتهشم جسده ويموت، ويستريح عمر من ظلمه وقسوته، ومرة ثالثة يصطاد عمر مجموعة من العقارب الكبيرة السامة،ويضعها في علبة من الصفيح، وينتظر كي ينتهز أول فرصة ليطلقها في فراش الوالد فتلسعه بابرها المسمومة، ولايهم ان يقبض البوليس عليه، فالصغار في عمره من القاصرين لا يلقي بهم في الحبس اذا ارتكبوا جريمة ..
ويفكر صديق عمر ان ينتقم ايضا من والده الذي ضبطه وهو يتلصص علي مدرسة القرية العازبة التي يحبها ، ويحمل اليها في عيد الاضحي فخذة خروف، فاذا به يكتشف ان الاب يهيم حبا هو الآخر بمدرسته العازبة، التي تعيش بمفردها في سكن خاص بالقرية الصغيرة في حضن الجبل ، التي تصبح مع تعاقب الاحداث في الفيلم وتطورها، تصبح صورة مصغرة لذلك المتوسط وقسوته وظلمه وقمعه للصغار، ومن اعظم مشاهد الفيلم تلك اللقطات التي يظهر فيها الاطفال ابطال الفيلم، وقد راحوا في سبات عميق عذب، في حضن الارض والطبيعة، وكأنها هي الارض ذلك الرحم الكبير الذي يضمنا في ذلك المتوسط الي صرة العالم والكون، في حياتنا ومماتنا ويجعلنا نتصالح مع كل الكائنات والموجودات..
عن " القاهرة " بتاريخ 19 ديسمبر 2006
في " مواقيت ورياح " : السينما أصدق من نشرات الإخبار
والفيلم قصيدة في مجد الحياة
هنا في تلك البقعة الجغرافية المقدسة أشعر قسطنطين كفافي، وروي محفوظ ، وصور فيلليني وانجلو بولوس وانطونيوني ورينوار وصلاح ابو سيف ويوسف شاهين ، وصدحت ماريا كالاس وشدت أم كلثوم.ولذلك كانت الافلام التي شربت من نبع المتوسط،، وشبت وترعرعت تحت شمسه، وارتوت من ارضه، خليقة - اكثر من تلك الاخبار التي يقصفنا بها التلفزيون- بأن تكون معبرة عن حالته، ومزاجه وبؤسه، وقلقه وتناقضات مجتمعاته الغنية والفقيرة علي حد سواء، وتصدمنا بواقعيتها ومصداقيتها
باريس- صلاح هاشم
هل صحيح كما يقول جان فرانسوا برجو مدير مهرجان مونبلييه السينمائي 28 ان الاخبار والانباء والمعارف التي تحملها لنا الافلام، تكون احيانا اهم بكثير وأكثر مصداقية، من الاخبار التي تحملها لنا وتبثها نشرات الاخبار علي شاشات التلفزيون، وتقصفنا بها ليل نهار؟..
ان المتأمل في انتاجات السينمات المتوسطية الجديدة التي عرضها المهرجان في دورته الفائتة في الفترة من 27 اكتوبر الي 5 نوفمبر، والقادمة من مصر والمغرب وتركياوفلسطين وغيرها سوف يكتشف انه ربما يكون علي حق ، بعد ان صارت عمليات تشكيل وتوجيه الرأي العام من خلال الشاشات الصغيرة التلفزيون، تخضع لهيمنة الحكومات والشركات والاحزاب والانظمة، واقرب ما تكون الي " الدعاية " ان لم نقل " البروباجندا " الخالصة، ولم تعد هناك اخبارا " موضوعية او محايدة او نزيهة، بل قل ان جل الاخبار التي تبث وتنشر، صارت مثل الرسائل والدعايات الموجهة لتلحس دماغ المشاهدين ، وتوجههم الي حيث تريد الحكومات، كي تتحكم في حياتنا، وتحركنا كما عرائس الماريونيت الخشبية، في استعراض قائم الآن، وفي كل لحظة ومستمر، تحت خيمة المتوسط الكبير..
مهد التراجيديا وصرة العالم
ولذا اصبحت تلك الصور والمعارف والانباء التي تنقلها لنا السينما ، من صنع الخيال، اكثر دفئا وحرارة ومصداقية من ذلك ألخطاب التلفزيوني " الموجه. وكما يقول ناعومي تشومسكي ان الاخبار التي يبثها التلفزيون، ليس القصد منها ان تزيد من معارفنا بالعالم والدنيا والناس ، بل القصد منها ان تجعلنا نحب التلفزيون كصندوق للمتع الحسية، ومتاح للفرجة في كل وقت. القصد منها ان يصبح الهدف من الخطاب التلفزيوني، هو التلفزيون ذاته، فنحبه أكثر ، ونحس انه قد صار حاجة اساسية من احتياجاتنا الطبيعية الضرورية، مثل الاكل والشرب والنوم واستنشاق الهواء النقي . ولم يعد هناك أي هواء نقي بالطبع، وعلي مايبدو، في أي مكان في العالم كما تصور، الا امام الشاشة الصغيرة. في حين ان التلفزيون كما يؤكد العالم الكبير تشومسكي، يستطيع ان يكون جامعة مجانية مفتوحة علي الهواء الطلق، وليس ساحة للدعاية والاعلان،كما هوالآن، لبث الهراء العام، في انحاء البلدان المتوسطية، لكي ليغربنا هكذا عن حياتنا وواقعنا، ويحولنا الي " مسخ " في اجمل بقعة جغرافية علي وجه الارض..
تلك الرقعة الجغرافية المتوسطية الشاسعة التي تطل علي البحر الكبير بقدسيتها، واديانها السماوية الرائعة، وحضاراتها وتاريخها وثقافاتها العريقة، وهي عندنا يقينا بمثابة صرة العالم..
الصرة التي تشرق عليها الشمس الافريقية المتوهجة بالنور، وتلك المراعي الخضراء الممتدة في توسكانيا في ايطاليا الي ما لانهاية. هي " رغيف " العيش المصري، وألفة الناس الطييبين و "الطبطبطة " فوق الظهر، وهي أيضا مهد التراجيديات والدراما العظيمة، وهنا كما يقول المخرج السينمائي والشاعرالايطالي بيير باولو بازوليني تخلق " الحكواتي " ، وولدت الحكاية مع جدنا الاكبر اليوناني هوميروس، وظهرت " الف ليلة وليلة ". وهنا – نضيف - أشعر قسطنطين كفافي، وروي محفوظ ، وصور فيلليني وانجلو بولوس وانطونيوني ورينوار وصلاح ابو سيف ويوسف شاهين ، وصدحت ماريا كالاس وشدت أم كلثوم.ولذلك كانت الافلام التي شربت من نبع المتوسط، وشبت وترعرعت تحت شمسه وارتوت من ارضه، خليقة - اكثر من تلك الاخبار التي يقصفنا بها التلفزيون- بأن تكون معبرة عن حالته، ومزاجه وبؤسه، وقلقه وتناقضات مجتمعاته الغنية والفقيرة علي حد سواء، وتصدمنا بواقعيتها .. ومصداقيتها. كما في فيلم " مثل ظل " الايطالي علي سبيل المثال الذي يذكرك بأفلام انطيوني ( الليل .الصحراء الحمراء. المغامرة ) ويحكي عن تلك الوحدة الباردة في المجتمع الايطالي الاستهلاكي الجديد، وذلك النزوح مثل النزيف من الجنوب الفقير المعدم الي أرض الاحلام والاوهام في المدن الصناعية العملاقة التي تقتل الروح،وحصد جائزة النقاد عن جدارة..
وكما في فيلم " البنات دول " من مصر لتهاني راشد، الذي تتضاءل امامه اعتي الريبورتاجات والافلام التسجيلية من صنع التلفزيون المصري والمركز القومي للسينما ، ولن يحول دون زيارة السياح لبلدنا مصر، لأنه كما يدعي البعض ينشر غسيلنا الوسخ علي السطح، ويكشف عن تناقضاتنا وعيوبنا، واذا به يتوهج سينمائيا في " كان "، ويشارك من بعد في مسابقة الافلام التسجيلية في مونبلييه السينمائي 28 ، ويحصد جائزتها عن استحقاق..
المتوسط يضبط إيقاعه علي مواقيت الصلاة
كما عرض المهرجان " تحفة " سينمائية من تركيا في فيلم هو أشبه مايكون بقصيدة في مجد الحياة ونرشحه للعرض في مهرجان الاسكندرية السينمائي القادم بعد أن أسرنا بجماله وعمقه وعذوبته، الا وهوفيلم " مواقيت ورياح "des tempe et vents للمخرج التركي أريحا أرديم الذي حصد جائزة انتيجون الذهبية كاحسن فيلم بين 12 فيلما شاركت في مسابقة المهرجان. يحكي الفيلم عن ايقاع ودورة الحياة في قرية صغيرة من قري الاناضول البعيدة عن العمران، فلا راديو هناك ولا تلفزيون يزعجك، بل هناك فقط اصوات الطبيعة: زقزقزقة العصافير وهمس الريح وشجر المشمش واللوز العالي ، وتلك الحيوانات التي تتناسل براحتها في طرقات وازقة القرية الصغيرة في حضن الجبل، والمطلة علي البحر المتوسط الكبير، وسط الزهور. هناك حيث يضبط المتوسط ايقاعه علي مواقيت الصلاة، و يقعد اطفال القرية فوق ربوة، ويتأملون وهم ينصتون الي صوت المؤذن،يتأملون في تلك السحب الراحلة في السماء بلا عودة، فيفكرون متي ينتهي ياتري ظلم الاهالي وتعسفهم واستعبادهم للصغار وتوحشهم، وكيف يستميلون مدرستهم الشابة التركية الجميلة بهداياهم المتواضعة كي تعطف عليهم و تحنو عليهم وتحبهم اكثر والغريب انها وهي الغريبة النازحة الي المكان تفهمهم اكثر من امهاتهم وذوييهم. الطفل عمر بطل الفيلم يكره الأب مؤذن القرية فالأب يتباهي بشقيقه الاصغر الذكي الشاطر في الحساب ويحفظ القرآن، في حين ان عمر يبدو في تلك السن مثله مثل أي مراهق غارقا في في تأملاته حالما ومسافرا دوما الي البعيد، ويروح يدخن في الخفاء مع صديقه اللفائف، ويتصعلكان سويا في حضن الطبيعة ويتلصصان علي الفتيات الصغيرات اللواتي يغتسلن في النبع، وتتفتح حواسهما علي مشاعر الجنس، في مواجهة التقاليد العائلية البالية الصارمة، وتراثها العريق في القمع والكبت، حتي انه من فرط قسوة الاب علي ابنه عمر ذاك الحالم،يقرر عمر ان يتخلص من ابيه بأية طريقة، فمرة يفكر في ان يسممه، ومرة اخري يفكر في ان يدفعه من فوق قمة مئذنة جامع القرية العالية، لكي يسقط من حالق ويتهشم جسده ويموت، ويستريح عمر من ظلمه وقسوته، ومرة ثالثة يصطاد عمر مجموعة من العقارب الكبيرة السامة،ويضعها في علبة من الصفيح، وينتظر كي ينتهز أول فرصة ليطلقها في فراش الوالد فتلسعه بابرها المسمومة، ولايهم ان يقبض البوليس عليه، فالصغار في عمره من القاصرين لا يلقي بهم في الحبس اذا ارتكبوا جريمة ..
ويفكر صديق عمر ان ينتقم ايضا من والده الذي ضبطه وهو يتلصص علي مدرسة القرية العازبة التي يحبها ، ويحمل اليها في عيد الاضحي فخذة خروف، فاذا به يكتشف ان الاب يهيم حبا هو الآخر بمدرسته العازبة، التي تعيش بمفردها في سكن خاص بالقرية الصغيرة في حضن الجبل ، التي تصبح مع تعاقب الاحداث في الفيلم وتطورها، تصبح صورة مصغرة لذلك المتوسط وقسوته وظلمه وقمعه للصغار، ومن اعظم مشاهد الفيلم تلك اللقطات التي يظهر فيها الاطفال ابطال الفيلم، وقد راحوا في سبات عميق عذب، في حضن الارض والطبيعة، وكأنها هي الارض ذلك الرحم الكبير الذي يضمنا في ذلك المتوسط الي صرة العالم والكون، في حياتنا ومماتنا ويجعلنا نتصالح مع كل الكائنات والموجودات..
عن " القاهرة " بتاريخ 19 ديسمبر 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق