لقطتان من فيلم " ماتيجي نرقص " لايناس الدغيدي
في العام 1985 فاجئتنا المخرجة الجادة "إيناس الدغيدي" بأول أفلامها الروائية الطويلة "عفوا أيها القانون" للسيناريست "إبراهيم الموجي" و الذي كان بمثابة الصفعة المثيرة للدهشة لنا جميعا، و من ثم كانت الصدمة التي أصابتنا بالصمت الذي ينتابنا بعد حدوث شئ غير متوقع، لتتتالى ردود الأفعال فيما بعد حينما رأينا ذلك الفيلم الجاد الذي ناقش قضية هامة يتغاضى عنها الجميع- في شكل تواطؤ مجتمعي غير عادل- بل و يغض عنها القانون طرفه، حينما أوضحت من خلال فيلمها الذي قدمته كيف تهضم حقوق المرأة- بشكل قانوني- و بالتالي يحق للرجل الذي يضبط زوجته في أحضان غيره أن يقتلها و يقتله، و بالرغم من ذلك لا يدينه القانون و لا يتم الحكم عليه، في حين أن المرأة التي تضبط زوجها في أحضان غيرها لا يحق لها قتله انتقاما لكرامتها المهدرة و حقها الإنساني، و إذا ما قامت بذلك تكون في نظر المجتمع و القانون- الملتبس- مدانة و من ثم تتم معاقبتها و الحكم عليها إما بالحبس أو الإعدام تبعا لما يراه القاضي.
و من هنا بدأت أفلام "إيناس الدغيدي"- الجريئة في تناولها للعديد من القضايا- تتتالى علينا عاما بعد آخر كي تقوم بتثبيت أقدامها بقوة في عالم سينمائي خاص بها يميزها عن غيرها من المخرجين و المخرجات، و من ثم تثبت لنا أن نظرية المصادفة التي يعتمد عليها بعض المبدعين- و التي قد تنقل البعض من خلال تقديم عملهم الأول إلى آفاق واسعة، ثم لا يلبث هذا المبدع أن يمر بالعديد من الإخفاقات بعد ذلك- لم تكن تعتمد عليها "إيناس"، بل أثبتت أنها مخرجة واعية لديها رؤيتها السينمائية و مشروعها الخاص الذي ترغب في تقديمه و من ثم استمراريته، فرأينا لها فيما بعد أفلاما هامة منها على سبيل المثال- لا الحصر- "زمن الممنوع"1988 ، " امرأة واحدة لا تكفي"1990 ، "قضية سميحة بدران"1990 ، " لحم رخيص"1995 ، " كلام الليل"1999 ، و غيرها من الأفلام الجادة.
و ربما كان أهم ما يميز سينما "إيناس الدغيدي" أنها سينما ذات موقف- سواء اتفقنا مع هذا الموقف الذي تتبناه أو اختلفنا معه، إلا أنه موقف جدير بالتأمل و التوقف أمامه و من ثم مناقشته- فضلا عن كونها مخرجة متميزة ذات حرفية عالية، بل و تكاد المخرجة العربية الوحيدة الحريصة على استمراريتها و تقديم مشروعها السينمائي الذي تؤمن به حتى النهاية؛ فبالإضافة إلى موقفها الأول الذي اتخذته في فيلمها " عفوا أيها القانون" نراها فيما بعد تقدم لنا موقفا آخر مختلفا و هاما في فيلمها " قضية سميحة بدران"1990 ، و الذي ناقش قضايا الفساد المالي و الغذائي الذي يمارسه بعض الطفيليين ممن يطلقون على أنفسهم رجال الأعمال، ثم نرى موقفها الهام في فيلم "لحم رخيص"1995 ، الذي ناقش قضايا زواج المصريات، أو بالأحرى بيع المصريات للعرب و تدعيرهن تحت مسمى الزواج لمن يدفع أكثر، و ليس أدل على مواقفها الهامة و الثابتة من فيلم "كلام الليل"1999 ، المأخوذ عن قصة للروائي "جمال الغيطاني" و الذي ناقش العديد من قضايا الفساد المتفشية في مجتمعنا، و التي كان من أهمها الفساد المالي و الجنسي للعديد من المسئولين سواء كانوا رجال حكومة كالوزير أو مدير البنك أو غير ذلك ممن يتولون العديد من المسئوليات الهامة داخل الجهاز الإداري للدولة، و لعل ذلك الفيلم- كلام الليل- كان من أكثر أفلام "إيناس" بلاغة سواء على مستوى المضمون أو المعالجة السينمائية، و لعلني لا أستطيع حتى الآن- منذ العرض الأول للفيلم- نسيان التعبير البليغ الذي أنهت به "إيناس" فيلمها حينما توقفت الصورة على وجه "محمود قابيل"- الوزير المتهم في قضية فساد- أمام دار القضاء العالي لينطلق صوت في الخلفية السمعية مرددا (لا تعليق) ثلاث مرات لتكون تلك أبلغ نهاية تنهي بها "إيناس" فيلمها- أي لا تعليق على كل ما يدور حولنا من فساد-.
و لعل فيلميها المثيرين للعديد من الانتقادات الحادة "دانتيلا"1998 ، "استاكوزا"1996 ، لم يكونا في مستوى أفلامها السابقة من حيث مواقفهم الجادة، إلا أننا نستطيع القول أنهما كانا من قبيل المغامرة الفنية التي يحق "لإيناس"- كما يحق لأي مبدع آخر- أن يجربها من حين لآخر، كما أنهما لم يكونا ضعيفين من حيث المستوى الفني لاسيما فيلم "دانتيلا" الذي يحمل في طياته وجهة نظر أيضا تجاه الصداقة بين امرأتين يتزوجهما رجل نتيجة لانسياقهما الغريزي تجاهه، و بالرغم من تنازعهما عليه إلا أن أواصر الصداقة المتينة تجعلهما في نهاية الأمر تفضلان صداقتهما عليه نظرا لأن ذلك الرجل يمكن تعويضه- خاصة و أنه يحب النساء و من السهل تخليه عنهما- و لكن صداقتهما لن تعوض.
و لذلك نندهش كثيرا من تلك الانتقادات الحادة التي تواجهها "إيناس الدغيدي" دائما على الرغم من كونها لا تقدم سينما مجانية، بل سينما ذات موقف هام تستحق الكثير من التأمل.
و لعل فيلمها الأخير " ما تيجي نرقص" الذي قدم المعالجة الدرامية له الدكتور "رفيق الصبان" و كتب له السيناريو "أسامة فهمي" يعد امتدادا لسينما "إيناس الدغيدي" ذات الموقف الذي لا بد أن نتأمله و نقف أمامه في الكثير من الأحيان رافعين له القبعة، على الرغم من أننا حينما شاهدنا الفيلم الأمريكي shall we dance منذ عامين تقريبا للممثل ريتشارد جير ، جينيفر لوبيز لم نكن نتوقع على الإطلاق أن نراه مرة أخرى من خلال مخرج مصري يقوم بتحويل القصة إلى فيلم مصري نظرا لأن سياق الحدث يكاد لا يتناسب مع القاعدة العريضة من المجتمع المصري، إلا أن "إيناس" نجحت ببراعة في تحويل الفيلم الأمريكي إلى فيلم مصري يتناسب تماما مع أفكارنا بإدخالها الكثير من الأمور و الأحداث الخاصة بمجتمعنا و من ثم لم نعد نشعر أن الفيلم قد تم تمصيره.
إلا أنه قبل الدخول في أحداث الفيلم لا بد لنا من الإشارة إلى الجملة التي صدّرت بها "إيناس" فيلمها لسببين هامين، حينما كتبت على الشاشة قبل نزول تيترات المقدمة (قدمت هذه الفكرة في السينما اليابانية و السينما الأمريكية و تقدم اليوم في السينما المصرية)؛ فبالرغم من أمانة النقل لدى "إيناس" و التي دعتها لكتابة هذه الجملة و بالتالي نحييها عليها من جانب، إلا أننا نراها من جانب آخر قد جاءت بشكل دعائي و من ثم لم يكن لها داع على الإطلاق كي تتصدر تيترات المقدمة حتى لا تتخذ ذلك الشكل و الإيحاء الدعائي، لاسيما أن الفكرة جميلة و بسيطة و من السهل ورودها إلى ذهن أي مبدع كي تختمر في ذهنه و من ثم يقدمها في أي شكل إبداعي دون أن يتهمه أي إنسان بالتزوير أو النقل من نص آخر، خاصة و أن "إيناس" قد استطاعت تقديمها بوجهة نظرها الخاصة و أسلوبها المميز الذي نعرفه عنها.
تلك الفكرة الجميلة التي تنحصر بين مشهدين هامين- مشهدا البداية و النهاية- حينما نرى (يسرا) "سلوى" رئيسة قسم الشئون القانونية في شركة الأهرام للمقاولات تدخل مكتبها في حالة اكتئاب و قرف من كل ما يدور حولها، حتى أنها لا تستطيع تحمل الهواء الفاسد في الشوارع، بل و نراها تقول لزميلها في العمل (طلعت زين) "أشرف" (أنا قرفانة من الدنيا كلها) فيرد عليها (ليه؟ عندك ابن زي القمر و جوزك راجل محترم جدا، انتوا فيه مشاكل بينكم؟) فترد عليه بأسف (المشكلة إن مافيش أي حاجة) و لعل هذا الرد الآسف من (يسرا) "سلوى" في بداية الفيلم لا بد أن يعطينا انطباع بأن ثمة أزمة عميقة تمر بها (يسرا) في علاقتها الزوجية بزوجها (عزت أبو عوف) "خالد" و أن هذه الأزمة لا بد أنها تنحصر في رتابة الحياة الزوجية بينهما نظرا لقولها (المشكلة إن مفيش أي حاجة)، ثم يأتي مشهد النهاية المعبر كثيرا حينما نرى الزوجين "سلوى" ، "خالد" يرقصان معا في مسابقة الرقص الدولية في حالة أقرب إلى حالات الوجد الصوفي و التوحد إلى حد التلاشي، و قد شاركهما جميع المشاركين في المسابقة رقصتهما، حتى لقد وصلت حالة الانتشاء و المشاركة الوجدانية إلى لجنة التحكيم التي لم تستطع التحكم في نفسها فقامت لمشاركة الجميع الرقص، ثم ينتقل بنا المشهد إلى الزوجين يرقصان معا في منزليهما في حالة سعادة قصوى كي تنزل تيترات النهاية.
نقول أن بين هذين المشهدين- المقدمة و النهاية- تدور الفكرة الرئيسية التي رأت فيها "إيناس" موضوعا لفيلمها و حلا سحريا لمشكلة الرتابة الزوجية التي حولت حياة زوجين متزوجين منذ عشرين عاما إلى حالة عدمية ليس لها أي معنى، و كأنها بندول ساعة يتحرك بانتظام في متتالية سيمترية لا تنتهي، و من ثم لم يعد هناك أي معنى لحياتهما سوى أنهما يعيشان تحت سقف واحد و لا بد أن تستمر الحياة هكذا نظرا لأنهما متواجدان معا.
و لعل تلك الأزمة العميقة بينهما- الرتابة و عدم الشعور بوجود الآخر- تتجلى في المشهد الذي رأينا فيه الزوجين و قد خرجا لقضاء سهرة مع ولدهما الشاب حينما يقول الابن لوالده (قوم ارقص مع مامي شوية أصل شكلها حتنام مننا) فيرد عليه الأب (عزت أبو عوف) "خالد" باستنكار (انت عاوز الناس تتفرج علينا؟) و كأن رقصه مع زوجته عار و نقيصة اجتماعية إذا ما قام بها ستكون فضيحة لهما، و بالتالي فهو يفضل القناع الزائف للوقار الذي يرتديه أمام الآخرين على الرقص مع زوجته و الشعور و من ثم التواصل الوجداني معها، و بذلك يتحول المجتمع من حولنا بما يؤمن به من أفكار بالية- قد لا يكون لها أي معنى على الإطلاق- إلى حائط صد للكثير من الرغبات التي تعتمل داخلنا، بل و حائط صد لمشاعرنا الجميلة المنطلقة؛ فنضطر دائما آسفين نتيجة انسياقنا للعقل الجمعي إلى ارتداء مجموعة من الأقنعة الزائفة لإرضاء المجتمع المتجهم- الذي ليس هو بالضرورة صحيحا في كل ما يفكر به- ، بل و تتجلى الأزمة الزوجية بينهما أيضا في أسلوب الممارسة الجنسية؛ فحينما يرغب الزوج في ممارسة علاقته الحميمة مع زوجته نراه ينكب عليها مباشرة دون أية مقدمات أو مداعبات، و بالتالي نراها غير راغبة في ممارسة العلاقة و من ثم تشعر بكونها مختنقة و راغبة في التنفس نظرا لعدم وجود تجديد في الأمر أو أية مثيرات تدفعها للاستمرار في ذلك و بالتالي يتحول الجنس إلى أمر روتيني أو واجب لا بد من أدائه بلا إحساس أو متعة لأن علاقة الزواج التي بينهما تفرضه عليهما فقط.
و نتيجة لهذه الرتابة و الفراغ الذي يحيط حياتهما يتصادف ذات مرة أن تصعد إلى عملها على الأقدام لأن المصعد متعطلا و بالمصادفة ترى مدرسة الرقص الخاصة الكائنة في أحد أدوار البناء الذي فيه شركتها فتتوقف أمام باب المدرسة المفتوح لتتأمل عالمها الداخلي، حيث يقوم (تامر هجرس) "أحمد"- مدرب الرقص- بتدريب العديد من الراقصين و الراقصات على خطوات الرقص؛ فتقف متأملة ما تراه بدهشة طفولية جميلة- أبدعت فيها يسرا كثيرا في ارتسامها على وجهها- و كأنه عالم سحري انفتح أمامها فجأة؛ و بالتالي تفضل فيما بعد الصعود و الهبوط من شركتها على الأقدام كي تتأمل هذا العالم السحري الجديد الذي يكسبها الكثير من البهجة و السعادة الداخلية، إلى أن تدعوها صاحبة مدرسة الرقص التي لاحظت توقفها كثيرا أمامهم- (ليلى شعير) "سوزي"- للدخول و تأمل ما يدور، ثم تقنعها بعد ذلك بالاشتراك في المدرسة حيث ستجد بينهم الكثير من النشوة و المتعة السحرية- نظرا لأنهم يتعاملون و من ثم يمارسون طقوس الرقص بحب شديد يكسبهم الكثير من النشوة القريبة من طقس التعبد- و بالفعل توافق على الانضمام إليهم بعد تفكير عميق و لكنها تجعل الأمر في سرية تامة لأن الرقص في نظر المجتمع نقيصة و عيبا لا يجب أن يمارسه أحد جهارا أو يعلن حبه و استمتاعه به.
و لكن طقس الرقص يحول حياتها تماما، فنراها تتحرر من الكثير من مشاكلها اليومية و من ثم تقبل على الحياة بفرح و حب و تستقبل يومها ببهجة و ابتسامة دائمة، و تبدأ بالشعور بجمال حياتها و بأنها تستحق أن تعاش، فنراها ترقص مع نفسها و مع و لدها و تدور في شقتها راقصة، بل و تعود مرة أخرى إلى الاهتمام بأنوثتها التي كانت قد نسيتها تماما في خضم الحياة الرتيبة التي كانت تحياها؛ و لذلك حينما يلاحظ صديقها في العمل (طلعت زين)" أشرف"- المتجهم و الشاعر بقرف من الحياة هو الآخر- تغيرها الكبير و إقبالها على الحياة بهذا الشكل الغريب تدعوه إلى الاشتراك في هذا العالم السحري الذي اكتشفته و بالفعل يشترك معها في ذلك كي تتحول حياته هو الآخر، و لكنه يؤكد عليها أن يبقى الأمر سرا بينهما نظرا لأن الرقص عيب في نظر المجتمع و إذا عرف عنه أحد ذلك ستكون فضيحة و انتقاصا من قدره في نظر الآخرين.
و لذلك نندهش كثيرا حينما نرى أن الأشياء التي تسعدنا قد نتبرأ منها أمام الآخرين لأنهم يرونها بنظرة مختلفة عن نظرتنا لطبيعة الأشياء، فها هي (يسرا) "سلوى" تقول (أنا حاسة إن الدنيا النهاردة حلوة قوي) في تعبير صادق و منفعل عن تغير إحساسها بالأمور، و من ثم نراها تحاول إحداث تغييرات جذرية في علاقتها بزوجها ليصبح محبا للحياة هو الآخر، فتقول له ذات مرة (ما تيجي نخرج) إلا أنه يرد عليها باقتضاب (ما إحنا لسة خارجين من يومين) و يتعلل لها بأنه وراءه الكثير من العمل في إهمال تام لحاجتها للمشاركة الوجدانية، بل نراها حينما تعد المنزل لسهرة رومانتيكية- كانت قد تناستها منذ زمن- على ضوء الشموع الخافتة يندهش زوجها تماما لعدم وجود مناسبة لذلك، و حينما تقول له (قولي كلام حب، دلعني شوية) يرد عليها باستنكار و دهشة (إيه يا سلوى؟ انتي تعبانة، أجيب لك دكتور؟) و لعل في ذلك كله ما يدلل على كيفية تحويل الرقص أو بالأحرى كسر الروتين حياة الإنسان إلى شخص آخر تماما مقبل على الحياة بحب و بهجة.
و نظرا لهذا التحول الكبير في حياتها يبدأ زوجها في التشكك بها؛ و لأنها اشتركت في إحدى المسابقات للرقص نراها تحتاج إلى الكثير من الوقت للتدريب، فتتفق مع زميلها (طلعت زين) "أشرف" على التدرب يوميا ساعتين في مكتبها، و حينما يتصل بها زوجها و يجد هاتفها المحمول مغلقا و سكرتيرتها بالعمل تدعي عدم تواجدها بناء على أوامرها يسرع إلى عملها ليدخل مكتبها و يراها مع زميلها و من ثم يتشكك في وجود علاقة بينهما و يبدأ في مراقبتها كي يكتشف أنها تتعلم الرقص، و لكنه لا يصارحها بالأمر إلى أن يفاجئها أثناء تقديم عرضها الراقص في مسابقة الرقص بوجوده، و لعل ذلك المشهد كان من أبلغ المشاهد التي قدمتها "إيناس" في فيلمها حينما يقوم ابنها مصفقا لها بحرارة قائلا (برافو يا ماما) فتتوقف عن حالة الوجد و التوحد الصوفي الأشبه بحالة من حالات النيرفانا لتقترب الكاميرا من وجهها في لقطة زووم zoom كي توضح لنا علامات الرعب و الهلع الشديد المرتسمين على قسماتها، لتبدأ في النظر حولها بخجل و خوف و كأن المجتمع كله يدينها على فعلها، ثم تنتقل الكاميرا في لقطة ذات منسوب شديد الارتفاع لتظهر (يسرا) من خلالها و كأنها قزم شديد التضاؤل و التلاشي نتيجة رعبها من وجود زوجها وولدها و خجلها من المجتمع المحيط بها، ذلك المجتمع الممثل في عبارة زوجها (الرقص بيفهموه غلط، يعني عيب و بيعتبروه قلة أدب)- و كم كانت يسرا بارعة كثيرا في هذا الفيلم خاصة في إظهار مشاعر الشخصية التي تؤديها؛ فبالإضافة إلى هذا المشهد و مشهدها حينما رأت العالم السحري الجديد في مدرسة الرقص لا نستطيع نسيان مشهدها حينما بدأ مدرب الرقص في تعليمها الخطوات الأولى للرقص حيث بدت على وجهها الكثير من المشاعر و الرغبات المنفلتة من داخلها و التي عادت من خلالها الشعور بأنوثتها حينما مرت أصابع مدربها على جسدها- و لذلك حينما تصر على وجهة نظرها و إيمانها بما تفعله يطلقها زوجها، إلا أنه بعد مراجعة نفسه كثيرا و بعد ذهاب (تامر هجرس) إليه- مدرب الرقص- ليقول له (انت بتكذب على نفسك) من خلال ذلك القناع الصارم الذي يحيط نفسه به، نقول أنه بعد الكثير من المراجعة لنفسه و محاولة التفكير في منطقها و من ثم محاولة الرقص مع نفسه في البداية، ثم طلبه من سكرتيرته تعليمه الرقص نراه ينضم إلى مدرسة الرقص في شكل سري إلى أن يلتقي بزوجته في مسابقة الرقص الدولية ليرقصا معا و يعودان إلى بعضهما و قد تغيرت حياتهما تماما.
إلا أنه من خلال هذه التفاصيل حرصت "إيناس" بذكاء فني على الوقوف أمام أزمة طاحنة أخرى تسود الفكر الاجتماعي المصري منذ عهد الرئيس الراحل السادات، ألا و هي أزمة المد الديني بشكله القمئ الذي يستفحل يوما بعد آخر حتى صار كابوسا لا نستطيع الفكاك منه، بل هو يخنقنا لحظة بعد أخرى.
فنرى بعض الفتيات المحجبات اللاتي يحاولن الانضمام إلى مدرسة الرقص، و يطلبن أن يكون هناك قسما خاصا للمحجبات في إسقاط مباشر على محاولة المد الديني في أسلمة المجتمع بأي شكل من الأشكال حتى و لو كان من خلال الرقص، و لعل هذا ليس بالغريب علينا اليوم بعد أن رأينا ظاهرة الفنانات اللاتي يعتزلن الفن و يتحجبن ثم عودتهن مرة أخرى لممارسة الفن بالحجاب و بالزي الديني و كأنها مؤامرة و مخطط عميق تم التخطيط له بدقة لأسلمة كل مظاهر الحياة الاجتماعية في مصر و غيرها من دول المنطقة العربية، أو كأنهم يرغبون في محاصرة كل من يختلف عنهم حتى يستسلم في نهاية الأمر لما هو سائد حوله لأنه ليس من سبيل آخر سوى الرضوخ لما تم من تحول مجتمعي حوله.
إلا أننا نستطيع تفسير رغبة هؤلاء الفتيات في الانضمام إلى مدرسة الرقص من وجهة نظر أخرى مغايرة و أكثر صدقا و قربا من الحقيقة، و هي أن هؤلاء الفتيات أيضا رأين في الرقص سبيلا للتحرر من جهامة و قسر و قسوة التيار الديني المفروض عليهن من قبل الأهل، لاسيما و أن الفتاة في المجتمع العربي و من وجهة نظر المتأسلمين ليس لها أية حرية في الاختيار و إبداء رأيها في أسلوب حياتها، و بالتالي تتحول حياتها بالكامل إلى شكل قسري يفرضه عليها الأهل الذين يرون في ارتداء الحجاب و الملابس الفضفاضة أمرا لا بد أن يكون و بالتالي لا بد أن تخضع له الفتاة التي لا تمتلك شيئا من حريتها، و لعله ليس أدل على ذلك- أي وجهة النظر التي ذهبنا إليها- إلا مشهد الفتاة التي أبلغ أخوها الشرطة عن مدرسة الرقص تحت دعوى أنها مدرسة ترغم المحجبات على الرقص، كما أنها تدار للأعمال المنافية للآداب و من ثم تغلق المدرسة و يتم القبض على كل أعضائها، فنرى الفتاة تشهد أمام وكيل النيابة بأنها لم تعرف المعنى الجميل للحياة إلا من خلال انضمامها إلى مدرسة الرقص، بل و تطلب من وكيل النيابة إبعاد شقيقها عنها لأنه إذا لم يفعل قد تعود إليه مرة أخرى و لكن لأنها قامت بقتل شقيقها الذي يرغمها على الحياة بالشكل الديني الذي يراه صحيحا و من ثم يرغمها عليه بالضرب و الإهانة.
و لكن بالرغم من هذا الشكل الفني الناجح الذي قدمت من خلاله "إيناس" فيلمها الجديد إلا أننا تساءلنا كثيرا عن المبرر الحقيقي لوجود حكاية (ايمي) "هبه" الفتاة التي أحبها (تامر هجرس) "أحمد" و الذي أحب الرقص من أجلها لأنها كانت تحبه، ثم محاولة تطوير تلك الحكاية الفرعية فيما بعد و التأكيد عليها؛ فأن يأتي في سياق الفيلم تذكره من خلال الفلاش باك flash back كيف تعرف على (ايمي) "هبه" و كيف أحبها و أحب الرقص و من ثم تعلمه من أجلها فهذا من الممكن قبوله و له ما يبرره داخل السياق الفيلمي لأننا نعرف من خلاله السبب في تعلمه و حبه للرقص، و لكن أن تحاول "إيناس" تطوير تلك الحكاية الفرعية بعودة (ايمي) "هبه" مرة أخرى (لتامر هجرس) "أحمد" في منتصف الفيلم ليتشاركا في علاقة جنسية عاصفة ثم تصارحه بأنها ما زالت متزوجة و أن زوجها يعتبرها باردة جنسيا لأنها لا تكن له أية مشاعر على الإطلاق و ما زالت تحب "أحمد"- أي أنها تعيش مع زوجها بجسدها فقط- و حينما يطلب منها (تامر هجرس) "أحمد" أن تطلق من زوجها كي يعيشا معا؛ و لأنه لا يستطيع الحياة معها بهذا الشكل لأنه لا يستطيع خداع رجل لا ذنب له في أي شئ، نقول أن هذا التطوير لتلك الحكاية لم يكن له أي داع على الإطلاق و ليس له ما يبرره دراميا خاصة و أن (ايمي) "هبه" لم تظهر سوى في ذلك المشهد ثم اختفت تماما لتعود "إيناس" كي تتذكرها مرة أخرى بلا داع أيضا في نهاية الفيلم، فنراها عادت إلى "أحمد" لتخبره أنها قد طلقت من زوجها و عادت إليه و من ثم نراها تبدأ الرقص معه في سعادة.
لعل هذه الحكاية التي حرصت "إيناس" على تطويرها بدت لنا جميعا من قبيل الثرثرة التي لا داع لها و من ثم لم تضف أي جديد إلى الفيلم و لم تثر أحداثه؛ و بالتالي ظهرت كالنتوء المشوه داخل السياق الفيلمي.
كذلك حرصت "إيناس" على الزج بقصة أخرى داخل سياق فيلمها لم نجد لها ما يبررها و لم يكن لها أية علاقة بالسياق الفيلمي و القضية التي تناقشها، و هي قصة الشابين المثليين العضوين في مدرسة الرقص و لذلك تساءلنا كثيرا أثناء مشاهدتنا للفيلم (ما الذي تقصده إيناس بتقديمها لتلك القصة؟) إلا أننا قد نستطيع تفسير ذلك إذا حاولنا النظر إلى الأمر بشكل كلي؛ فهذا المجتمع المريض في أفكاره الذي يرفض الرقص علانية و يمارسه سرا مصاب بحالة من حالات الشيزوفرانيا التي تجعله متناقضا في كل ما يسلك؛ و بالتالي رأينا أيضا الفتيات المحجبات اللاتي يفعلن ما يتناقض مع الشكل الظاهري و ما يدعيه التدين الظاهري الذي تدعينه، و من ثم يصبح السلوك الشاذ جنسيا المرفوض من المجتمع فعلا فصاميا أيضا تمارسه فئة ما قد تدعي رفضها له ظاهريا، إلا أن هناك تفسيرا آخر أكثر اقترابا للحقيقة و هو أن "إيناس" كانت تقصد بمدرسة الرقص أن تقدم لنا من خلالها نموذجا مصغرا للمجتمع الحالي الذي بتنا نعيش داخله و بالتالي فهذا المجتمع يضم داخله الأسوياء و الشواذ و المتدينين و المحجبات، و كل هذا قد بات واقعا حقيقيا و مؤلما يدور حولنا، إلا انه بالرغم من هذا التفسير الذي قد يبرر وجود تلك القصة فلقد بدا الأمر و كأن "إيناس" تحمّل فيلمها البسيط و الجميل في قصته أكثر مما يحتمل، فصار الأمر و كأنه محاولة للتفلسف أكثر من محاولة تفسير و تقديم ما يدور حولنا اجتماعيا.
إلا أننا لا نمتلك سوى تحية "المونتير" "معتز الكاتب" الذي أشعرنا ببهجة حقيقية كادت تدفعنا للرقص أثناء مشاهدتنا لهذا الفيلم بمونتاجه المتلاحق و الذي جعلنا نتمنى ألا ينتهي هذا الفيلم على الإطلاق.
كما نتوجه بتحية صادقة لمخرجة مبدعة في قدر "إيناس الدغيدي" التي أمتعتنا بهذا الفيلم الذي جعلنا في حالة رغبة حقيقية للرقص و الابتهاج بالحياة
انظر الموقع الجديد لسينما ايزيس
ما تيجي نرقص.. و ننسى سخافة المجتمع
بقلم محمود الغيطاني
في العام 1985 فاجئتنا المخرجة الجادة "إيناس الدغيدي" بأول أفلامها الروائية الطويلة "عفوا أيها القانون" للسيناريست "إبراهيم الموجي" و الذي كان بمثابة الصفعة المثيرة للدهشة لنا جميعا، و من ثم كانت الصدمة التي أصابتنا بالصمت الذي ينتابنا بعد حدوث شئ غير متوقع، لتتتالى ردود الأفعال فيما بعد حينما رأينا ذلك الفيلم الجاد الذي ناقش قضية هامة يتغاضى عنها الجميع- في شكل تواطؤ مجتمعي غير عادل- بل و يغض عنها القانون طرفه، حينما أوضحت من خلال فيلمها الذي قدمته كيف تهضم حقوق المرأة- بشكل قانوني- و بالتالي يحق للرجل الذي يضبط زوجته في أحضان غيره أن يقتلها و يقتله، و بالرغم من ذلك لا يدينه القانون و لا يتم الحكم عليه، في حين أن المرأة التي تضبط زوجها في أحضان غيرها لا يحق لها قتله انتقاما لكرامتها المهدرة و حقها الإنساني، و إذا ما قامت بذلك تكون في نظر المجتمع و القانون- الملتبس- مدانة و من ثم تتم معاقبتها و الحكم عليها إما بالحبس أو الإعدام تبعا لما يراه القاضي.
و من هنا بدأت أفلام "إيناس الدغيدي"- الجريئة في تناولها للعديد من القضايا- تتتالى علينا عاما بعد آخر كي تقوم بتثبيت أقدامها بقوة في عالم سينمائي خاص بها يميزها عن غيرها من المخرجين و المخرجات، و من ثم تثبت لنا أن نظرية المصادفة التي يعتمد عليها بعض المبدعين- و التي قد تنقل البعض من خلال تقديم عملهم الأول إلى آفاق واسعة، ثم لا يلبث هذا المبدع أن يمر بالعديد من الإخفاقات بعد ذلك- لم تكن تعتمد عليها "إيناس"، بل أثبتت أنها مخرجة واعية لديها رؤيتها السينمائية و مشروعها الخاص الذي ترغب في تقديمه و من ثم استمراريته، فرأينا لها فيما بعد أفلاما هامة منها على سبيل المثال- لا الحصر- "زمن الممنوع"1988 ، " امرأة واحدة لا تكفي"1990 ، "قضية سميحة بدران"1990 ، " لحم رخيص"1995 ، " كلام الليل"1999 ، و غيرها من الأفلام الجادة.
و ربما كان أهم ما يميز سينما "إيناس الدغيدي" أنها سينما ذات موقف- سواء اتفقنا مع هذا الموقف الذي تتبناه أو اختلفنا معه، إلا أنه موقف جدير بالتأمل و التوقف أمامه و من ثم مناقشته- فضلا عن كونها مخرجة متميزة ذات حرفية عالية، بل و تكاد المخرجة العربية الوحيدة الحريصة على استمراريتها و تقديم مشروعها السينمائي الذي تؤمن به حتى النهاية؛ فبالإضافة إلى موقفها الأول الذي اتخذته في فيلمها " عفوا أيها القانون" نراها فيما بعد تقدم لنا موقفا آخر مختلفا و هاما في فيلمها " قضية سميحة بدران"1990 ، و الذي ناقش قضايا الفساد المالي و الغذائي الذي يمارسه بعض الطفيليين ممن يطلقون على أنفسهم رجال الأعمال، ثم نرى موقفها الهام في فيلم "لحم رخيص"1995 ، الذي ناقش قضايا زواج المصريات، أو بالأحرى بيع المصريات للعرب و تدعيرهن تحت مسمى الزواج لمن يدفع أكثر، و ليس أدل على مواقفها الهامة و الثابتة من فيلم "كلام الليل"1999 ، المأخوذ عن قصة للروائي "جمال الغيطاني" و الذي ناقش العديد من قضايا الفساد المتفشية في مجتمعنا، و التي كان من أهمها الفساد المالي و الجنسي للعديد من المسئولين سواء كانوا رجال حكومة كالوزير أو مدير البنك أو غير ذلك ممن يتولون العديد من المسئوليات الهامة داخل الجهاز الإداري للدولة، و لعل ذلك الفيلم- كلام الليل- كان من أكثر أفلام "إيناس" بلاغة سواء على مستوى المضمون أو المعالجة السينمائية، و لعلني لا أستطيع حتى الآن- منذ العرض الأول للفيلم- نسيان التعبير البليغ الذي أنهت به "إيناس" فيلمها حينما توقفت الصورة على وجه "محمود قابيل"- الوزير المتهم في قضية فساد- أمام دار القضاء العالي لينطلق صوت في الخلفية السمعية مرددا (لا تعليق) ثلاث مرات لتكون تلك أبلغ نهاية تنهي بها "إيناس" فيلمها- أي لا تعليق على كل ما يدور حولنا من فساد-.
و لعل فيلميها المثيرين للعديد من الانتقادات الحادة "دانتيلا"1998 ، "استاكوزا"1996 ، لم يكونا في مستوى أفلامها السابقة من حيث مواقفهم الجادة، إلا أننا نستطيع القول أنهما كانا من قبيل المغامرة الفنية التي يحق "لإيناس"- كما يحق لأي مبدع آخر- أن يجربها من حين لآخر، كما أنهما لم يكونا ضعيفين من حيث المستوى الفني لاسيما فيلم "دانتيلا" الذي يحمل في طياته وجهة نظر أيضا تجاه الصداقة بين امرأتين يتزوجهما رجل نتيجة لانسياقهما الغريزي تجاهه، و بالرغم من تنازعهما عليه إلا أن أواصر الصداقة المتينة تجعلهما في نهاية الأمر تفضلان صداقتهما عليه نظرا لأن ذلك الرجل يمكن تعويضه- خاصة و أنه يحب النساء و من السهل تخليه عنهما- و لكن صداقتهما لن تعوض.
و لذلك نندهش كثيرا من تلك الانتقادات الحادة التي تواجهها "إيناس الدغيدي" دائما على الرغم من كونها لا تقدم سينما مجانية، بل سينما ذات موقف هام تستحق الكثير من التأمل.
و لعل فيلمها الأخير " ما تيجي نرقص" الذي قدم المعالجة الدرامية له الدكتور "رفيق الصبان" و كتب له السيناريو "أسامة فهمي" يعد امتدادا لسينما "إيناس الدغيدي" ذات الموقف الذي لا بد أن نتأمله و نقف أمامه في الكثير من الأحيان رافعين له القبعة، على الرغم من أننا حينما شاهدنا الفيلم الأمريكي shall we dance منذ عامين تقريبا للممثل ريتشارد جير ، جينيفر لوبيز لم نكن نتوقع على الإطلاق أن نراه مرة أخرى من خلال مخرج مصري يقوم بتحويل القصة إلى فيلم مصري نظرا لأن سياق الحدث يكاد لا يتناسب مع القاعدة العريضة من المجتمع المصري، إلا أن "إيناس" نجحت ببراعة في تحويل الفيلم الأمريكي إلى فيلم مصري يتناسب تماما مع أفكارنا بإدخالها الكثير من الأمور و الأحداث الخاصة بمجتمعنا و من ثم لم نعد نشعر أن الفيلم قد تم تمصيره.
إلا أنه قبل الدخول في أحداث الفيلم لا بد لنا من الإشارة إلى الجملة التي صدّرت بها "إيناس" فيلمها لسببين هامين، حينما كتبت على الشاشة قبل نزول تيترات المقدمة (قدمت هذه الفكرة في السينما اليابانية و السينما الأمريكية و تقدم اليوم في السينما المصرية)؛ فبالرغم من أمانة النقل لدى "إيناس" و التي دعتها لكتابة هذه الجملة و بالتالي نحييها عليها من جانب، إلا أننا نراها من جانب آخر قد جاءت بشكل دعائي و من ثم لم يكن لها داع على الإطلاق كي تتصدر تيترات المقدمة حتى لا تتخذ ذلك الشكل و الإيحاء الدعائي، لاسيما أن الفكرة جميلة و بسيطة و من السهل ورودها إلى ذهن أي مبدع كي تختمر في ذهنه و من ثم يقدمها في أي شكل إبداعي دون أن يتهمه أي إنسان بالتزوير أو النقل من نص آخر، خاصة و أن "إيناس" قد استطاعت تقديمها بوجهة نظرها الخاصة و أسلوبها المميز الذي نعرفه عنها.
تلك الفكرة الجميلة التي تنحصر بين مشهدين هامين- مشهدا البداية و النهاية- حينما نرى (يسرا) "سلوى" رئيسة قسم الشئون القانونية في شركة الأهرام للمقاولات تدخل مكتبها في حالة اكتئاب و قرف من كل ما يدور حولها، حتى أنها لا تستطيع تحمل الهواء الفاسد في الشوارع، بل و نراها تقول لزميلها في العمل (طلعت زين) "أشرف" (أنا قرفانة من الدنيا كلها) فيرد عليها (ليه؟ عندك ابن زي القمر و جوزك راجل محترم جدا، انتوا فيه مشاكل بينكم؟) فترد عليه بأسف (المشكلة إن مافيش أي حاجة) و لعل هذا الرد الآسف من (يسرا) "سلوى" في بداية الفيلم لا بد أن يعطينا انطباع بأن ثمة أزمة عميقة تمر بها (يسرا) في علاقتها الزوجية بزوجها (عزت أبو عوف) "خالد" و أن هذه الأزمة لا بد أنها تنحصر في رتابة الحياة الزوجية بينهما نظرا لقولها (المشكلة إن مفيش أي حاجة)، ثم يأتي مشهد النهاية المعبر كثيرا حينما نرى الزوجين "سلوى" ، "خالد" يرقصان معا في مسابقة الرقص الدولية في حالة أقرب إلى حالات الوجد الصوفي و التوحد إلى حد التلاشي، و قد شاركهما جميع المشاركين في المسابقة رقصتهما، حتى لقد وصلت حالة الانتشاء و المشاركة الوجدانية إلى لجنة التحكيم التي لم تستطع التحكم في نفسها فقامت لمشاركة الجميع الرقص، ثم ينتقل بنا المشهد إلى الزوجين يرقصان معا في منزليهما في حالة سعادة قصوى كي تنزل تيترات النهاية.
نقول أن بين هذين المشهدين- المقدمة و النهاية- تدور الفكرة الرئيسية التي رأت فيها "إيناس" موضوعا لفيلمها و حلا سحريا لمشكلة الرتابة الزوجية التي حولت حياة زوجين متزوجين منذ عشرين عاما إلى حالة عدمية ليس لها أي معنى، و كأنها بندول ساعة يتحرك بانتظام في متتالية سيمترية لا تنتهي، و من ثم لم يعد هناك أي معنى لحياتهما سوى أنهما يعيشان تحت سقف واحد و لا بد أن تستمر الحياة هكذا نظرا لأنهما متواجدان معا.
و لعل تلك الأزمة العميقة بينهما- الرتابة و عدم الشعور بوجود الآخر- تتجلى في المشهد الذي رأينا فيه الزوجين و قد خرجا لقضاء سهرة مع ولدهما الشاب حينما يقول الابن لوالده (قوم ارقص مع مامي شوية أصل شكلها حتنام مننا) فيرد عليه الأب (عزت أبو عوف) "خالد" باستنكار (انت عاوز الناس تتفرج علينا؟) و كأن رقصه مع زوجته عار و نقيصة اجتماعية إذا ما قام بها ستكون فضيحة لهما، و بالتالي فهو يفضل القناع الزائف للوقار الذي يرتديه أمام الآخرين على الرقص مع زوجته و الشعور و من ثم التواصل الوجداني معها، و بذلك يتحول المجتمع من حولنا بما يؤمن به من أفكار بالية- قد لا يكون لها أي معنى على الإطلاق- إلى حائط صد للكثير من الرغبات التي تعتمل داخلنا، بل و حائط صد لمشاعرنا الجميلة المنطلقة؛ فنضطر دائما آسفين نتيجة انسياقنا للعقل الجمعي إلى ارتداء مجموعة من الأقنعة الزائفة لإرضاء المجتمع المتجهم- الذي ليس هو بالضرورة صحيحا في كل ما يفكر به- ، بل و تتجلى الأزمة الزوجية بينهما أيضا في أسلوب الممارسة الجنسية؛ فحينما يرغب الزوج في ممارسة علاقته الحميمة مع زوجته نراه ينكب عليها مباشرة دون أية مقدمات أو مداعبات، و بالتالي نراها غير راغبة في ممارسة العلاقة و من ثم تشعر بكونها مختنقة و راغبة في التنفس نظرا لعدم وجود تجديد في الأمر أو أية مثيرات تدفعها للاستمرار في ذلك و بالتالي يتحول الجنس إلى أمر روتيني أو واجب لا بد من أدائه بلا إحساس أو متعة لأن علاقة الزواج التي بينهما تفرضه عليهما فقط.
و نتيجة لهذه الرتابة و الفراغ الذي يحيط حياتهما يتصادف ذات مرة أن تصعد إلى عملها على الأقدام لأن المصعد متعطلا و بالمصادفة ترى مدرسة الرقص الخاصة الكائنة في أحد أدوار البناء الذي فيه شركتها فتتوقف أمام باب المدرسة المفتوح لتتأمل عالمها الداخلي، حيث يقوم (تامر هجرس) "أحمد"- مدرب الرقص- بتدريب العديد من الراقصين و الراقصات على خطوات الرقص؛ فتقف متأملة ما تراه بدهشة طفولية جميلة- أبدعت فيها يسرا كثيرا في ارتسامها على وجهها- و كأنه عالم سحري انفتح أمامها فجأة؛ و بالتالي تفضل فيما بعد الصعود و الهبوط من شركتها على الأقدام كي تتأمل هذا العالم السحري الجديد الذي يكسبها الكثير من البهجة و السعادة الداخلية، إلى أن تدعوها صاحبة مدرسة الرقص التي لاحظت توقفها كثيرا أمامهم- (ليلى شعير) "سوزي"- للدخول و تأمل ما يدور، ثم تقنعها بعد ذلك بالاشتراك في المدرسة حيث ستجد بينهم الكثير من النشوة و المتعة السحرية- نظرا لأنهم يتعاملون و من ثم يمارسون طقوس الرقص بحب شديد يكسبهم الكثير من النشوة القريبة من طقس التعبد- و بالفعل توافق على الانضمام إليهم بعد تفكير عميق و لكنها تجعل الأمر في سرية تامة لأن الرقص في نظر المجتمع نقيصة و عيبا لا يجب أن يمارسه أحد جهارا أو يعلن حبه و استمتاعه به.
و لكن طقس الرقص يحول حياتها تماما، فنراها تتحرر من الكثير من مشاكلها اليومية و من ثم تقبل على الحياة بفرح و حب و تستقبل يومها ببهجة و ابتسامة دائمة، و تبدأ بالشعور بجمال حياتها و بأنها تستحق أن تعاش، فنراها ترقص مع نفسها و مع و لدها و تدور في شقتها راقصة، بل و تعود مرة أخرى إلى الاهتمام بأنوثتها التي كانت قد نسيتها تماما في خضم الحياة الرتيبة التي كانت تحياها؛ و لذلك حينما يلاحظ صديقها في العمل (طلعت زين)" أشرف"- المتجهم و الشاعر بقرف من الحياة هو الآخر- تغيرها الكبير و إقبالها على الحياة بهذا الشكل الغريب تدعوه إلى الاشتراك في هذا العالم السحري الذي اكتشفته و بالفعل يشترك معها في ذلك كي تتحول حياته هو الآخر، و لكنه يؤكد عليها أن يبقى الأمر سرا بينهما نظرا لأن الرقص عيب في نظر المجتمع و إذا عرف عنه أحد ذلك ستكون فضيحة و انتقاصا من قدره في نظر الآخرين.
و لذلك نندهش كثيرا حينما نرى أن الأشياء التي تسعدنا قد نتبرأ منها أمام الآخرين لأنهم يرونها بنظرة مختلفة عن نظرتنا لطبيعة الأشياء، فها هي (يسرا) "سلوى" تقول (أنا حاسة إن الدنيا النهاردة حلوة قوي) في تعبير صادق و منفعل عن تغير إحساسها بالأمور، و من ثم نراها تحاول إحداث تغييرات جذرية في علاقتها بزوجها ليصبح محبا للحياة هو الآخر، فتقول له ذات مرة (ما تيجي نخرج) إلا أنه يرد عليها باقتضاب (ما إحنا لسة خارجين من يومين) و يتعلل لها بأنه وراءه الكثير من العمل في إهمال تام لحاجتها للمشاركة الوجدانية، بل نراها حينما تعد المنزل لسهرة رومانتيكية- كانت قد تناستها منذ زمن- على ضوء الشموع الخافتة يندهش زوجها تماما لعدم وجود مناسبة لذلك، و حينما تقول له (قولي كلام حب، دلعني شوية) يرد عليها باستنكار و دهشة (إيه يا سلوى؟ انتي تعبانة، أجيب لك دكتور؟) و لعل في ذلك كله ما يدلل على كيفية تحويل الرقص أو بالأحرى كسر الروتين حياة الإنسان إلى شخص آخر تماما مقبل على الحياة بحب و بهجة.
و نظرا لهذا التحول الكبير في حياتها يبدأ زوجها في التشكك بها؛ و لأنها اشتركت في إحدى المسابقات للرقص نراها تحتاج إلى الكثير من الوقت للتدريب، فتتفق مع زميلها (طلعت زين) "أشرف" على التدرب يوميا ساعتين في مكتبها، و حينما يتصل بها زوجها و يجد هاتفها المحمول مغلقا و سكرتيرتها بالعمل تدعي عدم تواجدها بناء على أوامرها يسرع إلى عملها ليدخل مكتبها و يراها مع زميلها و من ثم يتشكك في وجود علاقة بينهما و يبدأ في مراقبتها كي يكتشف أنها تتعلم الرقص، و لكنه لا يصارحها بالأمر إلى أن يفاجئها أثناء تقديم عرضها الراقص في مسابقة الرقص بوجوده، و لعل ذلك المشهد كان من أبلغ المشاهد التي قدمتها "إيناس" في فيلمها حينما يقوم ابنها مصفقا لها بحرارة قائلا (برافو يا ماما) فتتوقف عن حالة الوجد و التوحد الصوفي الأشبه بحالة من حالات النيرفانا لتقترب الكاميرا من وجهها في لقطة زووم zoom كي توضح لنا علامات الرعب و الهلع الشديد المرتسمين على قسماتها، لتبدأ في النظر حولها بخجل و خوف و كأن المجتمع كله يدينها على فعلها، ثم تنتقل الكاميرا في لقطة ذات منسوب شديد الارتفاع لتظهر (يسرا) من خلالها و كأنها قزم شديد التضاؤل و التلاشي نتيجة رعبها من وجود زوجها وولدها و خجلها من المجتمع المحيط بها، ذلك المجتمع الممثل في عبارة زوجها (الرقص بيفهموه غلط، يعني عيب و بيعتبروه قلة أدب)- و كم كانت يسرا بارعة كثيرا في هذا الفيلم خاصة في إظهار مشاعر الشخصية التي تؤديها؛ فبالإضافة إلى هذا المشهد و مشهدها حينما رأت العالم السحري الجديد في مدرسة الرقص لا نستطيع نسيان مشهدها حينما بدأ مدرب الرقص في تعليمها الخطوات الأولى للرقص حيث بدت على وجهها الكثير من المشاعر و الرغبات المنفلتة من داخلها و التي عادت من خلالها الشعور بأنوثتها حينما مرت أصابع مدربها على جسدها- و لذلك حينما تصر على وجهة نظرها و إيمانها بما تفعله يطلقها زوجها، إلا أنه بعد مراجعة نفسه كثيرا و بعد ذهاب (تامر هجرس) إليه- مدرب الرقص- ليقول له (انت بتكذب على نفسك) من خلال ذلك القناع الصارم الذي يحيط نفسه به، نقول أنه بعد الكثير من المراجعة لنفسه و محاولة التفكير في منطقها و من ثم محاولة الرقص مع نفسه في البداية، ثم طلبه من سكرتيرته تعليمه الرقص نراه ينضم إلى مدرسة الرقص في شكل سري إلى أن يلتقي بزوجته في مسابقة الرقص الدولية ليرقصا معا و يعودان إلى بعضهما و قد تغيرت حياتهما تماما.
إلا أنه من خلال هذه التفاصيل حرصت "إيناس" بذكاء فني على الوقوف أمام أزمة طاحنة أخرى تسود الفكر الاجتماعي المصري منذ عهد الرئيس الراحل السادات، ألا و هي أزمة المد الديني بشكله القمئ الذي يستفحل يوما بعد آخر حتى صار كابوسا لا نستطيع الفكاك منه، بل هو يخنقنا لحظة بعد أخرى.
فنرى بعض الفتيات المحجبات اللاتي يحاولن الانضمام إلى مدرسة الرقص، و يطلبن أن يكون هناك قسما خاصا للمحجبات في إسقاط مباشر على محاولة المد الديني في أسلمة المجتمع بأي شكل من الأشكال حتى و لو كان من خلال الرقص، و لعل هذا ليس بالغريب علينا اليوم بعد أن رأينا ظاهرة الفنانات اللاتي يعتزلن الفن و يتحجبن ثم عودتهن مرة أخرى لممارسة الفن بالحجاب و بالزي الديني و كأنها مؤامرة و مخطط عميق تم التخطيط له بدقة لأسلمة كل مظاهر الحياة الاجتماعية في مصر و غيرها من دول المنطقة العربية، أو كأنهم يرغبون في محاصرة كل من يختلف عنهم حتى يستسلم في نهاية الأمر لما هو سائد حوله لأنه ليس من سبيل آخر سوى الرضوخ لما تم من تحول مجتمعي حوله.
إلا أننا نستطيع تفسير رغبة هؤلاء الفتيات في الانضمام إلى مدرسة الرقص من وجهة نظر أخرى مغايرة و أكثر صدقا و قربا من الحقيقة، و هي أن هؤلاء الفتيات أيضا رأين في الرقص سبيلا للتحرر من جهامة و قسر و قسوة التيار الديني المفروض عليهن من قبل الأهل، لاسيما و أن الفتاة في المجتمع العربي و من وجهة نظر المتأسلمين ليس لها أية حرية في الاختيار و إبداء رأيها في أسلوب حياتها، و بالتالي تتحول حياتها بالكامل إلى شكل قسري يفرضه عليها الأهل الذين يرون في ارتداء الحجاب و الملابس الفضفاضة أمرا لا بد أن يكون و بالتالي لا بد أن تخضع له الفتاة التي لا تمتلك شيئا من حريتها، و لعله ليس أدل على ذلك- أي وجهة النظر التي ذهبنا إليها- إلا مشهد الفتاة التي أبلغ أخوها الشرطة عن مدرسة الرقص تحت دعوى أنها مدرسة ترغم المحجبات على الرقص، كما أنها تدار للأعمال المنافية للآداب و من ثم تغلق المدرسة و يتم القبض على كل أعضائها، فنرى الفتاة تشهد أمام وكيل النيابة بأنها لم تعرف المعنى الجميل للحياة إلا من خلال انضمامها إلى مدرسة الرقص، بل و تطلب من وكيل النيابة إبعاد شقيقها عنها لأنه إذا لم يفعل قد تعود إليه مرة أخرى و لكن لأنها قامت بقتل شقيقها الذي يرغمها على الحياة بالشكل الديني الذي يراه صحيحا و من ثم يرغمها عليه بالضرب و الإهانة.
و لكن بالرغم من هذا الشكل الفني الناجح الذي قدمت من خلاله "إيناس" فيلمها الجديد إلا أننا تساءلنا كثيرا عن المبرر الحقيقي لوجود حكاية (ايمي) "هبه" الفتاة التي أحبها (تامر هجرس) "أحمد" و الذي أحب الرقص من أجلها لأنها كانت تحبه، ثم محاولة تطوير تلك الحكاية الفرعية فيما بعد و التأكيد عليها؛ فأن يأتي في سياق الفيلم تذكره من خلال الفلاش باك flash back كيف تعرف على (ايمي) "هبه" و كيف أحبها و أحب الرقص و من ثم تعلمه من أجلها فهذا من الممكن قبوله و له ما يبرره داخل السياق الفيلمي لأننا نعرف من خلاله السبب في تعلمه و حبه للرقص، و لكن أن تحاول "إيناس" تطوير تلك الحكاية الفرعية بعودة (ايمي) "هبه" مرة أخرى (لتامر هجرس) "أحمد" في منتصف الفيلم ليتشاركا في علاقة جنسية عاصفة ثم تصارحه بأنها ما زالت متزوجة و أن زوجها يعتبرها باردة جنسيا لأنها لا تكن له أية مشاعر على الإطلاق و ما زالت تحب "أحمد"- أي أنها تعيش مع زوجها بجسدها فقط- و حينما يطلب منها (تامر هجرس) "أحمد" أن تطلق من زوجها كي يعيشا معا؛ و لأنه لا يستطيع الحياة معها بهذا الشكل لأنه لا يستطيع خداع رجل لا ذنب له في أي شئ، نقول أن هذا التطوير لتلك الحكاية لم يكن له أي داع على الإطلاق و ليس له ما يبرره دراميا خاصة و أن (ايمي) "هبه" لم تظهر سوى في ذلك المشهد ثم اختفت تماما لتعود "إيناس" كي تتذكرها مرة أخرى بلا داع أيضا في نهاية الفيلم، فنراها عادت إلى "أحمد" لتخبره أنها قد طلقت من زوجها و عادت إليه و من ثم نراها تبدأ الرقص معه في سعادة.
لعل هذه الحكاية التي حرصت "إيناس" على تطويرها بدت لنا جميعا من قبيل الثرثرة التي لا داع لها و من ثم لم تضف أي جديد إلى الفيلم و لم تثر أحداثه؛ و بالتالي ظهرت كالنتوء المشوه داخل السياق الفيلمي.
كذلك حرصت "إيناس" على الزج بقصة أخرى داخل سياق فيلمها لم نجد لها ما يبررها و لم يكن لها أية علاقة بالسياق الفيلمي و القضية التي تناقشها، و هي قصة الشابين المثليين العضوين في مدرسة الرقص و لذلك تساءلنا كثيرا أثناء مشاهدتنا للفيلم (ما الذي تقصده إيناس بتقديمها لتلك القصة؟) إلا أننا قد نستطيع تفسير ذلك إذا حاولنا النظر إلى الأمر بشكل كلي؛ فهذا المجتمع المريض في أفكاره الذي يرفض الرقص علانية و يمارسه سرا مصاب بحالة من حالات الشيزوفرانيا التي تجعله متناقضا في كل ما يسلك؛ و بالتالي رأينا أيضا الفتيات المحجبات اللاتي يفعلن ما يتناقض مع الشكل الظاهري و ما يدعيه التدين الظاهري الذي تدعينه، و من ثم يصبح السلوك الشاذ جنسيا المرفوض من المجتمع فعلا فصاميا أيضا تمارسه فئة ما قد تدعي رفضها له ظاهريا، إلا أن هناك تفسيرا آخر أكثر اقترابا للحقيقة و هو أن "إيناس" كانت تقصد بمدرسة الرقص أن تقدم لنا من خلالها نموذجا مصغرا للمجتمع الحالي الذي بتنا نعيش داخله و بالتالي فهذا المجتمع يضم داخله الأسوياء و الشواذ و المتدينين و المحجبات، و كل هذا قد بات واقعا حقيقيا و مؤلما يدور حولنا، إلا انه بالرغم من هذا التفسير الذي قد يبرر وجود تلك القصة فلقد بدا الأمر و كأن "إيناس" تحمّل فيلمها البسيط و الجميل في قصته أكثر مما يحتمل، فصار الأمر و كأنه محاولة للتفلسف أكثر من محاولة تفسير و تقديم ما يدور حولنا اجتماعيا.
إلا أننا لا نمتلك سوى تحية "المونتير" "معتز الكاتب" الذي أشعرنا ببهجة حقيقية كادت تدفعنا للرقص أثناء مشاهدتنا لهذا الفيلم بمونتاجه المتلاحق و الذي جعلنا نتمنى ألا ينتهي هذا الفيلم على الإطلاق.
كما نتوجه بتحية صادقة لمخرجة مبدعة في قدر "إيناس الدغيدي" التي أمتعتنا بهذا الفيلم الذي جعلنا في حالة رغبة حقيقية للرقص و الابتهاج بالحياة
انظر الموقع الجديد لسينما ايزيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق