الاثنين، فبراير 03، 2014

بورتريه ليوسف شاهين الانسان المعلم والمربي بقلم المخرجة العراقية خيرية المنصور


بورتريه
يوسف شاهين الانسان والمربي
بقلم
خيرية المنصور *



يوسف شاهين مع تلميذته مساعد مخرج خيرية منصور العراقية



شهادة من المخرجة العراقية خيرية المنصور التي تتلمذت على يد شاهين وتعلمت منه


قيمة شاهين الفنية والفكرية وسيرته الفنية تحدث عنها الكثيرون ...ولكني اتحدث عن يوسف شاهين الانسان المعلم المربي ... لقد عملت مع شاهين اربعة افلام كمساعدة مخرج ... حدوتة مصرية .. اسكندرية كمان وكمان .. المصير .
. كلها خطوة ..وهو اول من وضع الحجر الاساس في مسيرتي الفنية و جعلني احب السينما الى حد العشق ... ابتدا حكايتي .. حينما كان يكتب السيناريو لفيلم حدوتة مصرية ومعه الاستاذ يوسف ادريس .. كان النقاش يحتدم الى ان يصل الى قناعة بالمشهد فكريا وهذه التحولات الفكرية والسياسية هي التي وضعت اشكالية شاهين بين النقاد والجمهور ...كان يؤمن ان السينما اداة تغير لا تعطي الحل الجاهز للمشاهد عليه ان يفكر ويفكر وياخذ قراره.. فلذلك سميت سينماه بسينما المثقفين.. فكان يحرص وهو يكتب على ايصال الحقيقة للمشاهد باي ثمن وتحسه مرشدا ينوء تحت ثقل الحقيقة وواجب ايصالها الى المشاهد في اسلوب سينمائي يكون المشاهد معه مفكرا وواضعا للحلول ...في فيلمه حدوته مصرية كان يحرص ان يحرر السينما من الاطر الكلاسيكية القديمة المملة الثرثارة كانت حوارته قليلة يركز على الفكرة ويجعل الاخر يفكرمعه ...تسع شهور واحيانا اكثر من سنة يعد ورق فيلمه ليل نهار وبعد ان ينتهي من النص الادبي ... يبدأ تحويل تلك المادة الادبية الى الديكوباج - السيناريو التنفيذي للفيلم - يرسم ويحدد زمن اللقطة .. نقرا بامعان ونساله ويرد علينا وياخذ راينا نحن تلاميذه الصغار.. كان معي يسري نصر الله علاء كريم - الله يرحمه نقرا ونتناقش وما ان نصل الى نقطة مسدودة.. نذهب اليه يشرح لنا ويؤكد على القيمة الفكرية لاي مشهد وماذا يقصد بكل كلمة كتبها ..وحدوته مصرية خطورته في سيرته الذاتية التي تعامل معها بصدق ومواجهة ذاته بطريقة المكاشفة وحساب الذات بكل صدق .. وتعلمنا منه الايمان بقضية ونقاتل من اجلها طالما نحن مقتنعين بها ومهما كان الثمن ...علمنا التمرد والمشاكسة والدفاع عن حقنا .. لقد اخذت منه الشيء الكثير بالتمسك بما اريده وخلقت لي مشاكل مع الادارة في معطم افلامي التي اخرجتها ....,وان كل تجربتي مع شاهين لخصتها في كتاب تحت الطبع الان اسمه ( شرنقة شاهين الحريرية المعرفية ) .

لقد علمني الشيء الكثير .. ولا يبخل باي سؤال.. كنت مبهورة بالعمل معه.. ليلا استلم منه الديكوباج - السيناريو التنفيذي للعمل - يعني اقرا نظريا ثم اري التطبيق العملي وهذه فرصة ودراسة عميقة لا تتوفر في اي معهد تعليمي سينمائي ...وحينما يجدني واقفة حائرة كان يحس بي فيبادرني مالك ؟ فاقول لماذا هدمنا الحائط لكي ندخل سكة الشاريوه - والتي توضع عليها الكاميرا لعمل حركة - اليس من الممكن نستعمل عدسة الزوم ونخلص من وجع القلب وهذا التاخير ؟؟ نظر الي وقال بالاستراحة اشرح لك ... وفعلا بالاستراحة بدا جو -اسم التدليع الذي يحب ان نناديه به - بدا يشرح لي الفرق بين هذه اللقطة ولماذا لا يستعمل عدسة الزوم .. وشرح لي عن اختصاص عدسات الزوم والتي يعتبرها ضعف للمخرج لكي يلم مشهده بسرعه وينهي موضوعه ...من حسن حظي ان عملت معه فلمين عن سيرته الذاتية وكان ايماني به يزداد يوما بعد يوم لصدقه وحرصه على العمل ..واخذنا منه متابعة العمل من بدايته الى النهاية واشرف عليه بنفسي الى يومنا هذا ... كان نشيطا لا يتعب ولا يمل من العمل وحينما كنا نعمل كشف مواقع التصوير كان اسرعنا وانشطنا حركة ويشرف على الصغيرة والكبيرة ...وعندما يغير في الديكوباج.. يخبرنا باي وقت كان.. اتذكر في يوم ما رجعت من عنده الساعة الثانية بعد منتصف الليل .. وبعد ساعة جاء سمير السائق قائلا : ان الاستاذ يريدك ..وذهبت اليه قال لي: انا غيرت في الديكوباج احسبوا حسابكم انا عايز شمعدان وتربيزة ومفرش وكرسي من سنة 1935 تصرفوا ...كلمت علاء وذهبنا للهرم الى بيت مسوؤل الاكسسوار الاسطة عباس صابر وجو يحب عباس جدا .. صحينا الرجل من النوم مفزوعا واخبرناه بما يريد الاستاذ ... قال شوية اخروا تصوير الزاوية دي بعد الساعة الواحدة ظهرا ....وفي التصوير اطمأن جو ان الاشياء ستاتي هنا سالته لماذا نرجع لسنة 1935 ؟ قال لي: اريد اكسر الايهام عند المشاهد بطريقة برشتية لكي لا يندمج المشاهد مع الحدث اريده متحفزا مفكرا .. كم عظيم انت يا استاذي ...ان يوسف شاهين كما وصفه النقاد - مؤسس تيار المكاشفة وحساب الذات في السينما العربية الجديدة والذي يؤكد على قيم الفردية لفكر فردي ونبيل واصيل ومتفرد وفي مواجهة تلك الافكار التي تحارب كل ماهو نبيل وانساني وتريد ان تكتسح بتياراتها السلفية الظلامية المتعصبة لفكر الاخر وتعمل على اخراس الالسنة - هذا هو شاهين الذي وقف مع الشعب العراقي في محنته اثناء الحصار وجلب الادوية لاطفال العراق ووقف بفكره ضد عنجهية الدول الامبريالية ... واهدى كل افلامه لمؤسسة السينما لكي لا تنقطع اواصر الثقافة لدي المشاهد العراقي ..وعقد المحاظرات في اكاديمية الفنون الجميلة لطلبة السينما ... الحديث عن شاهين وانسانيته يطول ويطول .. ولا انسى ابدا تمسكه بي حينما طلبت مؤسسة السينما ان ارجع عند نهاية التصوير ولكنه اصر ان ابقى في المونتاج والمكساج وان اسافر معه لفرنسا لطبع الفيلم لحين الانتهاء من النسخة النهائية للفيلم ..لكي استفاد.افادة كاملة .. وفي المهرجانات حينما يشارك الفيلم ..ارسل في طلبي لحضور مهرجان البندقية في ايطاليا ... كان دائم السؤال عنا ..واذا مرض احد المساعديين كانت رعايته لا توصف ...ويتابع اخبارنا ... وعند التحضير لفيلمي الاول 6 على ستة ..حملت السيناريو وجئت الى القاهرة لاخذ ملاحظاته عليه ... وقراه بامعان وصلحت على ضوء ملاحظاته ... وبالرغم من اعتراض الرقابة على كثير من المشاهد ولحد هذه اللحظة لا اعرف كيف اجيز الفيلم ... وقبل عرضه ارسلت اليه تلكس لكي يحضر ويرى الفيلم ... اقسم .. لقد حضر وراى الفيلم وكنت خائفة واقفة خارج غرفة المونتاج ارتجف من الخوف ...وعندما انتهى من المشاهدة قبلني وقال بك الخير.. مش خسارة بك التعب .. لقد سعدت بعملك ..وقتها صرح للصحافة رايه بالفيلم ومحتفظة به لانه شهادة من استاذ كبير اعتز بها ما حييت ... واخر نصيحة له لي قبل مرضه بشهرين كنت وقتها متالمة وطالعة روحي من العمل في الفضائيات بعد ان احسست انها تاكل كل الابداع ..قادني لفتح شركة حتى لا اكون تابعة لاحد وان اكون اميرة لافكاري ..ولي حكاية معه في شركة ام تي اس التي قادني اليها استاذي شاهين في مقالة اخرى .

تعلمنا منه وعلم الكثير وحتى طلبة معهد السينما المصريين كانوا يجلسون في اخر البلاتوه على استولات صغيرة يكتبوا ما يقوله .. لقد علم وتخرجت من مدرسته كثير من السينمائيين وفي كافة الاختصاصات وليس الاخراج فقط ...شاهين في كل فيلم كان يقول ان هذا الفيلم يجعلني حازق - يعني حاموت - كان قلبه نقطة ضعفه ولكن الموت اصاب الراس ... يبقى شاهين الغائب الحاضر بتلاميذه ومدرسته وبافلامه التي هي ثروة لكل سينمائي الوطن العربي ...ولكل العالم.. جو انت في فكرنا وفي كل خطوة نخطيها بالحياة ومنار لكل تلاميذك ..

ليست هناك تعليقات: