الجمعة، أبريل 26، 2019

المهرجانات العربية طقوس الخواء والأطلال بقلم نبيل عبد الفتاح في " مختارات سينما إيزيس "..






مختارات
سينما إيزيس




المهرجانات العربية طقوس الخواءوالأطلال 

بقلم
 نبيل عبد الفتاح


تحولت مهرجانات السينما والمسرح والشعر والرواية ومعارض الكتب، والندوات، والمؤتمرات، ومعارض الفنون التشكيلية.. إلخ حول القضايا والظواهر الثقافية والاجتماعية والسياسية إلى جزء من طقوس الماكياج الثقافى، لعديد من الأنظمة السياسية فى عالمنا العربى، ومن ثم فقدت روحها وألقها، ودورها فى رفد الحياة الفكرية والفنية بالحيوية والحوارات حول الأفكار والمقاربات الجديدة لمشكلات تطور نظم الأفكار، والمناهج، والبحوث النظرية والتطبيقية، وكذلك أساليب الإخراج والتصوير والسرد الفيلمى، والتجريب فى الأعمال السينمائية والمسرحية، وفى متابعة الأعمال السردية الروائية والقصصية، والتجارب الجديدة فى فن الرواية، أو فى الشعر، وتقييمها نقديًا.


لم تعد غالُب الأشكال المختلفة من التظاهرات الثقافية قادرة على تحريك المشاهد الثقافية، أو فى نقل التجارب والخبرات الفنية، أو تطوير المناهج النقدية وتطبيقاتها على البُنى السردية والشعرية للأجيال المختلفة للمبدعين العرب فى المجالات المختلفة. تحولت التظاهرات إلى محضُ سفريات سياحية لبعض الكتاب أو النقاد والصحفيين والإعلاميين، فى إطار نمط من شبكات العلاقات الشخصية، والمصالح بين بعض الصحفيين والكتاب والنقاد، يتحركون من تظاهرة ثقافية إلى آخرى طول العام، أو من خلال لجان التحكيم للجوائز العربية التى باتت جزءًا من الماكياج الثقافى والاعلامى، لبعض الدول العربية، والتى سرعان ما كشفت ولاتزال عن تحيزات عديدة من هذه اللجان، التى افتقد بعضها إلى الموضوعية أو الاحتكام إلى معايير نقدية وجمالية فى تقويم بعض هذه الأعمال.

الأخطر أن النزوع إلى التحيز أدى إلى لعبة تدوير الجوائز بين المتقدمين من البلدان العربية بقطع النظر عن مستوى بعض هذه الأعمال، أو منح بعض هذه الجوائز إلى بعض الكتاب أو الكاتبات من كبار السن، وحجبها عمن يستحقها من أعمال أدبية وأشخاص من الأجيال الشابة. تأكل مصداقية المشاهد الثقافية العربية وجوائزها يعود إلى عديد من الأسباب يمكن لنا رصد بعضها فيما يلى:-

- جمود وضعف عديد من الإنتاج النقدى فى العالم العربى، وعدم متابعة بعض النقاد للحركة الإبداعية فى إطار كل بلد عربى، ثم على مستوى المناطق الثقافية العربية على اختلافها، وارتكاز غالبها على بعض من الدعاية الإعلامية، سواء فى بعض الصحف، والمجلات الورقية أو الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعى، والتى تعتمد على الترويج والمجاملات لا التقييمات النقدية المنهجية الصارمة والمنضبطة فى تحليل هذه الأعمال من حيث بنياتها السردية والجمالية والأسلوبية.. إلخ

- قلة المراجع النقدية الرصينة حول الاتجاهات والمدارس والأجيال الروائية والقصصية والشعرية والمسرحية والفنية والسينمائية فى بعض البلدان العربية على نحو يتيح للنقاد وأعضاء لجان التحكيم رؤية كلية حول الأوزان النسبية للكتاب والكاتبات والشعراء والشاعرات، والسينمائيين والمسرحيين فى كل بلد عربى من حيث الإنتاج الابداعى، والتجريب، والرؤى والعوالم والأساليب الجديدة فى مقاربة هذه الأعمال فى أجناسها المختلفة، ومستويات كل كاتب أو شاعر أو قاص أو مسرحى أو سينمائى أو فنان تشكيلى... إلخ.

- نقص المتابعات الدقيقة للمبدعين والموهوبين من الأجيال الجديدة الشابة، فى ظل طوفان من الأعمال السردية والشعرية الرديئة التى تحاط ببعض الكتابات النقدية السطحية التى تغلب عليها أحكام القيمة المعيارية، لا التحليلات العلمية الرصينة.

- فقر المكتبة السينمائية والنقدية فى عديد من البلدان العربية لعديد المراجع التأسيسية المترجمة أو المؤلفة، عن المدارس السينمائية العالمية واتجاهاتها، وقلة اطلاع بعض الصحفيين والإعلاميين على هذه الأعمال، أو حول المدارس والأجيال والأعمال السينمائية العربية، ومن ثم تسود بعض المعالجات والتقييمات الانطباعية والحكائية السطحية للأعمال السينمائية للأجيال المختلفة من السينمائيين فى العالم العربى، والاستثناءات فى هذا الإطار محدودة وقليلة ممن يطلق على بعضهم نقاد.

- غلبة بعض السرود النقدية الأيديولوجية التى يميل بعض النقاد إلى تدويرها وتطبيقها على الأعمال السردية والشعرية، أيا كانت، وهو ما شكل نمطا سائدا يستخدم بعض الكلاشيهات والمعايير الأيديولوجية التى تجاوزتها حركة التنظير المنهجى الغربى والمقارن، أو حتى بعض الاتجاهات الجديدة فى النقد الأكاديمى فى بعض البلدان العربية، على نحو أدى الى خلق فجوات بين النقد الأكاديمى فى الجامعات، وبين الإنتاج الأدبى.

- عدم متابعة مخططى المؤتمرات والندوات ومعارض الكتب ومهرجانات السينما والمسرح لتحولات وتغيرات الظواهر والقضايا الثقافية على المستويات الكونية والمقارنة، ومن ثم غلبة الموضوعات والقضايا القديمة التى يعاد إنتاجها على المستوى العربى. من الملاحظ ازدياد الفجوات المعرفية بين مخططى لجان الأعداد، وبين المتغيرات النوعية التى تتم فى عديد المجالات الثقافية والابداعية على تعددها فى ظل عمليات التحول من خلال الثورة الرقمية والذكاء الصناعى وآثارها الكبرى على الشرط الإنسانى، بل والطبيعة الإنسانية، والدول والنظم السياسية والاجتماعية والثقافية.

ـ سيادة نمط من الشللية البيروقراطية والشخصية العابرة للدول العربية وأجهزتها وسلطاتها الثقافية الرسمية، أدت إلى استبعادات وإقصاءات لبعض الكفاءات والمواهب الجيلية الجديدة من التظاهرات والمؤتمرات التى تعقد خارج بلادهم.

من ناحية أخرى اهتمام العقل البيروقراطى الثقافى العربى، بدعوة أعداد غفيرة من بعض الكتاب والنقاد الذين لاوزن لهم فى خريطة الإبداع داخل كل بلد، وذلك للإيحاء بنجاح هذه التظاهرات، أو تلك! من هنا تحول غالب المشاهد الثقافية العربية إلى طقوس شكلية يفتقر بعضها إلى الحيوية أو المساهمة فى تطوير المقاربات السوسيوـ ثقافية فى معالجة مشكلات وإعاقات التطور البنيوى للثقافات العربية على اختلافها.

عن جريدة " الأهرام



ليست هناك تعليقات: