مختارات سينما إيزيس
سمير الفريد تتصدر صورته غلاف- الصفحة الأولى - العدد الجديد من جريدة القاهرة الاسبوعية
سمير فريد : شاشاتنا الذهبية تطرق باب
الخلود
بقلم
صلاح هاشم
علمت فقط في التو بخبر وفاة الصديق الناقد السينمائي
الكبير سمير فريد، خسارة كبيرة لثقافة السينما في مصر والعالم، على درب التنوير .الله
يرحمه ، البنّاء الكبير، حزنت جدا..وبكيت.. لموته، ولسوف افتقد دوما طيبته وإنسانيته
، فكره وثقافته، ومصريته العميقة، وكنت انتظر ان القاه قريبا جدا في مهرجان "
كان " السينمائي السبعين، لندخن سويا سيجارة في شرفة المكتب الصحفي للمهرجان،
ونحن نطل على البحر، ونتحدث عن حال بلدنا مصر، ونسافر مع أفلام المهرجان الى
" هند " أخرى أو " يوتوبيا
" اجديدة، لم نكتشف سحرها بعد، في ما وراء التلال ..
كان سمير فريد
عندما التقي به في المهرجان ، ومنذ أن بدأت عام 1982 أغطي المهرجان وقائعه وأفلامه لمجلة
" الوطن العربي " الاسبوعية في باريس – كان يمثل بالنسبة لي مصر كلها،
بأرضها وسماها، وعيالها وشمسها، اي كل ماهو جميل وأصيل، ويفتقده مواطن فرنسي من
قلعة الكبش، يعيش في الخارج، وهو يحمل أطفال موطنه الأصلي حي السيدة زينب فوق
جبهته ،ويروح يطوف بهم العالم، ولايستقر ابدا في مكان..
كان سمير فريد سفيرا لـ " حضارة السلوك الكبرى" –السينما
كما أحب أن أسميها - – في بلدي مصر، ومحافظا على تراثنا السينمائي المصري العريق،
بأرشيفه السينمائي الشخصي الضخم، بل وأكثر المؤرخين المصريين - بعد الأستاذ أحمد الحضري -معرفة ووعيا بأدق
تفاصيل " المشروع السينمائي المصري" – عملية زرع السينما كفن وافد في مصر– مثلها مثل الرواية، وعلى اعتبار أن –
لو دققنا فقط طويلا – أن السينما المصرية هي أعظم سينما في العالم بلا جدال- وقد
كان لها تأثيراتها الكبرى كـ" مدرسة للحياة " على " الوعي الجمعي
المصري " COLLECTIVE CONSCIOUSNESS تاريخه
وذاكرته، وقد كان سمير فريد " ضميرا " لذلك الوعي ، بقيمة السينما
المصرية العظيمة في حياتنا.ولذا كنت عندما التقي سمير فريد في المهرجان وأعانقه، كنت أشعر وكأني أعانق أهلي وأصحابي في مصر، وكل تراث السينما المصرية - بالأبيض والأسود - التي صنعتنا..
إن القيمة الكبرى لسمير فريد تكمن في أنه كرس حياته كلها
للتوثيق لذلك المشروع السينمائي المصري الكبير، تاريخه ووقائعه ، أفلامه ومخرجيه
وذاكرته، وهو الذي خلق لذلك التراث السينمائي المصري العظيم "مرجعيته "، بمقالاته وتقييماته
وكتبه ، أكثر من أي ناقد آخر– وحقق له أيضا "حضوره القوي" في المهرجانات السينمائية العالمية، مثل " كان " و " فينيسيا " و
" برلين " للتعريف بٌإضافاته من جهة ..
والتذكير من جهة اخرى بأنه مازال قادرا على العطاء ،في أعمال
السينمائيين المصريين الجدد من الشباب، كامتدادات لذلك التراث السينمائي المصري
الرائع وتقاليده ، على الرغم من كل الظروف الصعبة، وفي جميع المجالات ،التي تعيشها
حاليا مصر بلدنا ..
ومن أمتع كتب ذلك التراث السينمائي المصري العريق من
تأليف سمير فريد ، أحب أن أذكر هنا بكتابه " حوار مع السينما المصرية "
الصادر منذ أكثر من عشرين عاما عن مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي الذي يوثق للسينما المصرية وتاريخها،و الذي يتصدر مجموعة
كتب سمير فريد في مكتبتي، ولا أمل من قراءاته ،أو العودة إليه عند الضرورة وأعتبره
" كنزا " من كنوز التراث السينمائي المصري..
إذ يضم الكتاب
مجموعة من الحوارات الرائعة المهمة : مع نيازي مصطفى وأحمد كامل مرسي وهنري بركات من جيل
الأربعينيات، ومع صلاح أبو سيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين وتوفيق صالح من جيل
الخمسينيات، ومع شادي عبد السلام وحسين كمال وسعيد مرزوق ومحمد راضي من جيل
الستينيات، ومع ممدوح شكري وعلي بدرخان من جيل السبعينيات..كما يضم حوارا مع مدير
التصوير المصري العالمي الكبير عبد العزيز فهمي- مصور " المومياء "
لشادي عبد السلام و "درب المهابيل
" لتوفيق صالح وزوجتي والكلب " لسعيد مرزوق، وحوارا مع - نجمة لعصرها ولكل العصور كما يكتب سمير فريد-
سعاد حسني ..
ويكتب سمير فريد في مقدمة الكتاب : " ..هذا الكتاب
هو احتفالي الذي أقيمه لنفسي بعيد ميلادي الخمسين، وقد دعوت اليه خمس عشرة شخصية
من السينمائيين المصريين الذين تحاورت معهم عبر 25 سنة بالضبط، وهؤلاء المخرجون
الـ 13 من الأعلام الذين لا خلاف على أهمية دورهم، ولكن هذا لايعني أنه لايوجد
غيرهم ممن لاخلاف على اهمية دورهم أيضا ، ذلك لأن عندما نتحدث عن السينما المصرية
فنحن نتحدث عن سينما كبيرة من سينمات العالم ذات تاريخ عريق ونحو 3 آلاف فيلم
سينمائي.. " ..
وتتحق بالفعل عند قراءته ، ما كان يصبو ويطمح إليه سمير
فريد، حين يضيف في مقدمة الكتاب :
".. ما أتمناه أن يكون هذا الكتاب مرجعا من مراجع
دراسة هؤلاء المخرجين، ودراسة مراحل تاريخ تطور السينما المصرية في ذات الوقت..
لقد اخترت الحوارات التي يمكن ان تفيد القاريء في القاء المزيد من الأضواء على هذه
الشخصيات، والتي يمكن أن تجعل من الكتاب تاريخا للسينما في مصر من خلالهم..
وربما يتساءل القاريء ولماذا التركيز على المخرجين وأين
الحوارات مع النجوم من الممثلين والممثلات ؟..
هناك سببان لذلك : أما الأول فهو انني جئت الى عالم الصحافة الفنية، ووجدت
ان 99 في المئة من الحوارات مع نجوم
التمثيل ، و 1 في المئة مع نجوم الاخراج..
واما السبب الثاني فهو انني لا أطيق " سلوكيات
النجوم " واحساسهم عند اجراء الحوارات معهم انهم يخدمون الصحف ويروجون
للصحيفة ويحسنون اليها. النجمة الوحيدة التي عرفتها ولاحظت انها لاتسلك هذه السلوكيات
هي نجمة النجوم سعاد حسني .." ..
هذا الكتاب المهم " حوار مع السينما
المصرية " لسمير فريد تكمن قيمته ،
ليس فقط في التوثيق لمراحل تاريخ تطور السينما المصرية العظيمة التي صنعتنا، بل في
قدرة كاتبه او بالاحرى مخرجه، قدرته على أن يصنع من خلال كتابه فيلما حيا، ويجعله يحتشد
بتلك الشخصيات المصرية البديعة ، لكبار المخرجين المصريين ،بحكاياتها وبذكرياتها
وشهاداتها ودعاباتها وقفشاتها ويجعلها ، حين تتكلم هكذا
وبهذا الحس الفكاهي المصري الأصيل وتتحرك في كتابه..
تطرق هكذا باب الخلود،- تحيا سينما مصر - ضد الفناء والعدم..
صلاح هاشم
مقال الأستاذ صلاح هاشم في جريدة القاهرة الصادرة اليوم الثلاثاء 11 إبريل 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق