حصاد مهرجان القاهرة السينمائي33
بقلم صلاح هاشم
طقوس الخروج ليلا ( 1 من 3 )
لم أجد متعة قصوي، وبخاصة بعد انتهاء عروض افلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 33الذي حضرته هذه المرة بتذكرة سفر علي حسابي، فلأول مرة لم تكن دعوة المهرجان الكريمة تشمل الي جانب الاقامة تذكرة السفر المعتادة باريس القاهرة باريس بسبب كما شرحت لي الادارة بعض المتاعب الاقتصادية والمالية التي تم حلها في ما بعد، بعد ان تدخل بعض رجال الاعمال المصريين اولاد الحلال...
وبالمناسبة، تدخلت الادارة في مابعد، لي لكي تعوضني كما شرحوا لي عن ثمن تذكرة السفر التي دفعتها من جيبي الخاص، فمدت لي فترة اقامتي في الفندق من 4 ليالي عادة للصحفيين والنقاد والضيوف الي ثمانيةأيام،عشت فيها آكل شارب نايم في فندق سوفيتل الفاخر 5 نجوم، ومتهني، فجعلت من غرفتي خلال تلك الفترة قاعدة انطلاق لتنظيم رحلات مشي ليلية مفتوحة ،علي بهجة وسحر القاهرة في الليل، كنا نتدرج فيها مع بعض الاصدقاء من أمثال الناقد السينمائي الاردني ناجح حسن والمخرجين الجزائريين بلقاسم حجاج " ماشاهو " وعبد الكريم بهلول " ليلة القدر " والاذاعي الجزائري جمال - وكانوا ثلاثتهم حضروا للمشاركة في الاحتفال بالسينما الجزائرية وتكريمها في الدورة 33 للمهرجان - والمخرج السينمائي المصري زكي النجار..
كنا نتدرج من عند خط النيل الي تلك الاحياء البعيدة والمجاورة بمقاهيها وميادينها،ونشارك الناس متعة الحياة في مصر، ونحن نختلط بالحشد الانساني، فما زالت القاهرة أكثر مدن العالم أمنا واستقرارا، بألفة اهلها الغلابة الطيبين، ومازالت أكثر مدن العالم استحواذا علي حكايات ومغامرات واجواء " ألف ليلة وليلة " الاسطورية، بل وشاهدا بحركتها وحيويتها وانطلاقتها علي معجزة الحياة كل يوم في بر مصر العامرة بالخلق وتوهج الحياة فيها بعد " حرب " النهار..
حضارة السلوك الكبري
لم اكن اجد متعة قصوي بعد مشاهدة أفلام المهرجان( أكثر من 160 فيلما جديدامن 66 دولة- وهي أرقام من عندي قابلة للتصحيح والزيادة- ) الا في ممارسة تلك الطقوس: طقوس الخروج ليلا، التي تعودت أن أمارسها في تلك المدينة القاهرة العتيدة التي انجبتني من خلال المشي والصعلكة والتشرد ليلا ،وعناق الشوارع والأزقة والحواري والبيوت والعب – من يعب عباً-من سحرها ،لكي أكون الرئة التي تتنفس بها المدينة،وأروح اصنع وانا اعيش افلام المهرجان، والتقي مخرجيه وصناع افلامه واصحاب التكريمات في النهار، اصنع مهرجاني الفردي الخاص، فامشي واتصعلك براحتي، انطلاقا من بعض قناعاتي الخاصة بشأن تلك السينما التي صارت قطعة من جسدي ولحمي وعصيرا (حلوا؟) لانسانيتي.. تلك السينما التي احب ان اطلق عليها ،عندما تجعلنا نحب الحياة ونقبل عليها اكثر :حضارة السلوك الكبري..
حتي اصبحت المهرجانات التي تقام هنا في القاهرة و في انحاء العالم العربي، قطعة من تاريخي الشخصي وذكرياتي الماضية، ومن النادرأن اذهب الي اي من تلك المهرجانات من دون ان أنشرح وابتهج، بلقاء زميل او صديق، واذا بحبل الكلام ماشاء الله يطول ويطول ولاينقطع ابدا، كما حدث مع بعض الاصدقاء القدامي الكثر، الذين التقيتهم في دورة المهرجان ال33 المنصرمة..
آدور : ساتيا جيت راي الهند ؟
من أمثال المخرج الهندي الكبير من ولاية كيرالا آدور جوبالا كريشنان الذي ترأس لجنة تحكيم المهرجان الرسمية، فقد تعرفت عليه منذ أكثر من عشرين عاما بفضل مهرجان القارات الثلاث افريقيا آسيا أمريكا اللاتينية الذي يقام في مدينة نانت في فرنسا وكتبت عن افلامه تباعا في المجلات التي كنت اكتب لها في " الوطن العربي " و " كل العرب " في فترة الثمانينيات ثم التقيت به من بعد وتوثقت علاقتنا أكثر في مهرجان لاروشيل السينمائي في فرنسا ، وأجريت معه حوارا طويلا عن أفلامه وما يطلق عليه بالسينما الاقليمية في الهند التي تصنع بعيدا عن استوديوهات بومباي والكوميديا الموسيقية الهندية المبالغة في ميلودراميتها ، و نشر الحوار علي أربع صفحات في مجلة " كل العرب "التي كانت تصدر آنذاك من باريس، وكان آدور حضر مرة الي باريس ودعوته علي كوب شاي عندي في البيت وصرنا أصدقاء، وعرفت منه أنه أخرج فيلما وثائقيا طويلا عن نهر الجانج المقدس. وحاولت لسنوات طويلة دعوة آدور للحضور الي مصر والمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان الاسكندرية الذي كنت اعمل مندوبا له في فرنسا لسنوات طويلة وكنت اختار الافلام الفرنسية للمهرجان واشارك بترشيح بعض الاسماء للجنةالتحكيم الرسمية للمهرجان من النقاد والمخرجين والسينمائيين المعروفين من فرنسا والعالم
لكني اصطدمت عندما رشحت آدور كمخرج هندي متميز للمشاركة في لجنة التحكيم بعقلية ادارة المهرجان المعفنة، التي كانت آنذاك مازالت تنظر الي السينما الهندية باستعلاء من فوق، ومتمسكة بفكرة ان السينما الهندية تعني فقط افلام بوليوود من سقط المتاع بميلودراميتها الرذيلة ولم انجح في اقناعها بأن هناك الي جانب تلك الافلام الهندية الرائعة التي عرضت في مصر مثل " أمنا الهند " و " سانجام " وغيرها من النوع الموسيقي هناك ايضا" سينما هندية اقليمية " فذة وان آدور جوبالاكريشنان يعد أحد أقطابها المتميزين وكنت أري أنه يمثل امتدادا أصيلا ل " جان رينوار " الهند وأعني به المخرج الهندي الكبير ساتيا جيت راي الذي اعتبر فيلمه " صالون الموسيقي " أحد أعظم الافلام التي شاهدتها في حياتي، وتحفة سينمائية لكل العصور الي جانب ثلاثيته " آبو " السينمائية المعروفة..
وكانت آخر مرة التقيت فيها بآدور جوبالاكريشنان منذ اكثر من 4 أو 5 سنوات في مهرجان القارات الثلاث في نانت وتحدثنا في شؤؤن الحياة والسينما وكما يحدث كل مرة حين نحط في "نانت " عاصمة اللوار العريقة في اقليم بريتاني وصار لنا هناك أهلا من كثرة ترددنا علي المهرجان لسنوات طويلة، دعتنا أسرة "المسيو رابو" RABU في المدينة علي عشاء فرنسي بعد ان توثقت علاقتنا بتلك الاسرة الفرنسية الاصيلةالكريمة المضيافة بفضل المهرجان ، وتلك السينما التي تقربنا أكثر من أنسانيتنا للتعارف والتفاهم والمحبة بين الثقافات والشعوب، فاخبرت آدور باني لم انجح في اقناع ادارة المهرجان بحضوره الي مصر للمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان الاسكندرية ، وعليه ان ينتظر بعض الوقت حتي يفرجها ربنا وتسمح ادارة المهرجان التي تتغير ياللعجب كل سنة، وهذا ا/ر لايحدث في أي مهرجان في الدنيا، تسمح بانضمام مخرج هندي الي اللجنة المذكورة، بدلا من اصرارها في كل مرة علي دعوة نجمات فرنسيات شقراوات وياحبذا لو كن بشعر ذهبي ومسبسب في لجنة التحكيم وذلك للظهور في حفل الافتتاح والتقاط الصور لهن في صحبة رئيس المهرجان والوزير، وقد تطورت الامور تباعا في الشأن المهرجاني علي ما اعتقد وارجو ان أكون مخطئا علي مستوي مصر والعالم العربي حتي انحسرت او ابتعدت السينما تدريجيا من كل المهرجانات ،او بلاش راحت تبتعد وتتراجع الي الخلف، لصالح " حفل الافتتاح " و " مصالح " وأشياءأخري ، ذلك الحفل الذي تتباري فيه نجمات السينما الموهوبات للأسف وانصاف الموهوبات بالكوم في بلدنا، ليجعلن منه عرضا لاحدث مستحضرات التجميل والباروكات والأزياء،اضافة الي الظهور فقط في حفلات العشاء والفسح والنزهات لضيوف المهرجان،حتي كادت السينما تختفي في مهرجاناتنا السينمائية الرسمية بالمرة..
ولكل تلك الاسباب التي ذكرتها، كانت سعادتي كبيرة بلقاء صديقي الفنان المخرج الهندي الكبير آدور جوبالاكريشنان في مهرجان القاهرة السينمائي 33 ،واعتبر وجوده رئيسا للجنة تحكيم المهرجان في دورته33 تحسب لصالح ادارة المهرجان الذكية، تلك الادارة التي وفقت ايضا في انتهازالفرصة لعرض بعض افلامه، وتكريمه وتكريم السينما الهندية الاخري في شخصه، واعداد تظاهرة لتكريم السينما الهندية العريقة ككل، وعرض بعض افلامها المتميزة.. وللحديث بقية..
( يتبع ،،)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق