الأحد، أبريل 21، 2019

فيلم " رمسيس راح فين " لعمرو بيومي : بوابة الى الأبدية لروح الخلود ، ودرس في السينما العظيمة بقلم صلاح هاشم



نزهة الناقد
تأملات في سينما وعصر يكتبها صلاح هاشم


لقطة من فيلم رمسيس راح فين لعمرو بيومي


فيلم " رمسيس راح فين ? " لعمرو بيومي: بوابة الى الأبدية لروح الخلود،
ودرس في السينما العظيمة..

بقلم



صلاح هاشم


شاهدت الليلة في مركز الثقافة السينمائية وسط البلد -  فيلما وثائقيا بديعا بكل المقاييس، فيلم أعتبره بمثابة- وأنا قادم من باريس، وقد عبرت قبل حضوري الي بلدي مصرعدة رحلات،  داخل عدة مهرجانات للفيلم الوثائقي ،مثل مهرجان سينما الواقع في باريس ،ومهرجان الشاشات الوثائقية ثم مهرجان الاسماعيلية ،وكنت شاهدت خلالها عشرات الأفلام من جميع أنحاء العالم
أعتبر فيلم " رمسيس راح فين" لعمرو بيومي بمثابة " كنز" سينمائي حقيقي وبشريط صوت وموسيقى مذهل، وأعتبره إضافة الى إنجازات السينما الوثائقية وتاريخها في مصر، وليس فيلما..


اعتبره درسا في السينما العظيمة ، وهدية من عمرو بيومي لكل المصريين ، تاريخهم وسينماهم، وتراثهم الروحاني العميق ،وعلاقتهم بكل السلطات ، سلطة الأب، وسلطة الحاكم ، وعلاقتهم أيضا بخوفهم من السلطة ،ورغبتهم في الخلاص، والانعتاق ( حطمت قيودي) وبروميثيوس طليقا.ولذا فهو إذن فيلم عن الحرية، والرغبة في التحرر من كل خوف ، والمصالحة مع الذات ..

المخرج عمرو بيومي

حيث يقدم الفيلم الحميمي جدا ، في مايشبه السيرة الذاتية، حكاية الطفل عمرو بيومي من مواليد 1960 من حي السكاكيني بالقرب من ميدان رمسيس حكايته في نطاق الأسرة البرجوازية التي نشأ فيها ،مع هيمنة و سلطة الأب ،وتحكمه في مصائر افرادها، ويروح عمرو عبر شريط الصوت في الفيلم ، يحكي عن علاقته بتمثال رمسيس ،الذي كان يمكن أن يراه من بعيد من شرفة شقة الأسرة في ذلك الحي المصري العريق
ويظهر عمروفي اول لقطة من الفيلم وهو يحمل كاميرا و يصور لقطات للحي

 وعلاقة كل السلطات والحكام الذين حكموا بلدنا ،من عند سعد زغلول ومرورا بمحمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ولكل سلطة من هذه السلطات حكايتها مع تمثال رمسيس،و علاقتها مع حضارة وادي النيل، واجدادنا وكيف وظفوها ، واستغلوها لمصلحة النظام، وفي المقابل، كيف كانت علاقة الشعب مع التمثال ،الذي يمثل امتدادات لتراثنا الروحاني الحي في المكان، انها علاقتهم مع أجدادهم ،مخترعو الأبدية والضمير الانساني، وليس ابدا مع تمثال من الحجر،
ذاك التمثال الذي مازال يتذكر عمرو انه كان وهو طفل يشاهد اعلانا عبارة عن فيلم تحريك يظهر فيه كل الناس في مصر وهي تسأل أين ذهب رمسيس، ولم اختفى ياتري،
وتتعدد الاجابات في فيلم الكرتون، لتصل في النهاية الى انه قد ذهب لكي يبحث عن آيس كريم ، من منتجات ألبان خير مصر،، ها ها ها..
ومن خلال حكايته عن تمثال رمسيس، يوثق عمر في فيلمه البديع، وهو يمر بجميع مراحل انتقال- أو بالأحري إقصاء- التمثال من ممفيس القديمة في الجيزة ثم الى ميدان رمسيس ( ميدان نهضة مصر سابقا بحضور تمثال المثال المصري العبقري مختار في وسط الميدان آنذاك) والى مكانه أو منفاه الحالي
يوثق عمرولعدة أشياء في مغامرة الحياة التي عاشها ، وكل الحروب مادية ونفسانية - عمرو خدم في الجيش- التي خاضها:
يوثق أولا علاقته بسلطة الأب، وخوفه من الأب، مع استسلام ورضوخ الأم، ومحاولته عمروالدفاع عنها، وعلاقة رمسيس كحاكم وقائد عسكري، بالسلطات التي حكمت البلاد، ولم يكن لرمسيس للأسف أي محل من الاعراب مع كل سلطة،
ويوثق الفيلم أيضا للعلاقة التي تربط بين مصائر البشر وأقدار تمثال من الحجر ،لكن رمسيس ليس اي حجر، أنه رمز لحضارة مصر القديمة ، في شخص فرعون الرب والحاكم والاله ، وكل القيم الروحانية العظيمة، التي جسدتها حضارة مصر القديمة أم الدنيا ، وتراثها الانساني الرفيع

 فالمصري يعتبر على عكس كل السلطات، يعتبر أن قدماء المصريين هم أجداده..ماتوا فقط بأجسادهم، لكن أرواحهم التي تسكن كل مولود مصري جديد، تولد معه من جديد، وتبعث حية..
ويوثق لعلاقة الشعب المصري بسلطة الأب - الحاكم، ونري مثلا في الفيلم الملايين التي خرجت في الشوارع، لوداع الزعيم الأب جمال عبد الناصرعندما مات..

يتوهج الفيلم بكل حكاياته الانسانية الحميمية الآسرة، التي يجدلها عمرو بيومي ببراعة فنان صوفي، وبدفء انساني عميق، ونفس شاعر، أو كاهن مصري قديم من عصر الأسرات، ويجعلنا نشارك المصريين وداعهم لجدهم الأكبر، وحبيبهم رمسيس في رحلته الى منفاه الجديد، بمصاحبة أهازيج ومواويل وقصائد غنائية من التراث الشعبي المصري العريق، وهو ينسج من فيلمه الشخصي، قصيدة حب تطهرية، بعد أن يقهر  في الفيلم خوفه ، ويتحرر أخيرامن سلطة الأب، وينطلق حرا. 
كلا ..كلا يصرخ عمرو، حين يشاهد مظاهرات انتفاضة الخبز في فترة السبعينيات في مصر- على عكس الأب - ويررد كلا انها ليست " فوضى " أنها " ثورة " وهو يمنح الأشياء والأحداث أسمائها الحقيقية، ويجعلنا في صحبته وحكاياته، وفيلمه نتتطهر معه من كل ذنوبنا
فيلم " رمسيس راح فين " لعمرو بيومي الذي حصد جائزة أحسن فيلم في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان الاسماعيلية الدورة 21 يوثق لذاكرتنا وتاريخنا بمشاهد وثائقية رائعة،  ونادرة، وبعضها بعدسة الفنان المرحوم مجدي يوسف.. فيفتح لنا ايضا بوابة الى الأبدية،ويجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم، وهو يتسامق بانسانيتنا وروحانيتنا، وروحانية.. مصرالعميقة..
مبروك لنا،  ولمصر، فيلم عمرو بيومي البديع" رمسيس راح فين "،وتمنيتنا له بالتوفيق ، في كل اشتغالاته السينمائية المقبلة..

صلاح هاشم




رمسيس لم يكن ابدا مجرد تمثالا من حجر

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.