الأحد، سبتمبر 29، 2013

مجدي الطيب يكتب من أم الدنيا الى " سينما إيزيس في عاصمة النور: الأفكار لها أجنحة

فيلم الخروج من القاهرة عرضته قناة آرتيه ولقنتهم درسا

من أم الدنيا إلى "سينما إيزيس" في عاصمة النور


الأفكار لها أجنحة !

بقلم :مجدي الطيب


 فرضت قناة "آرتيه" الفرنسية الألمانية نفسها على الساحة السينمائية المصرية،بعد قيامها بعرض فيلم "الخروج من القاهرة"،الذي اتخذ جهاز الرقابة على المصنفات الفنية في مصر قراراً نهائياً بحظر عرضه،وحال دون مشاركة مخرجه في الدورة الأولى لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية،وهدد بمحاكمته  لأنه تجرأ وشارك به في  مهرجان دولي ـ دبي السينمائي في دورته السابعة العام 2010 ـ وهو يحمل الجنسية المصرية !

  استحقت القناة الكثير من الثناء،بعد خطوتها الإيجابية التي لم تجرؤ قناة مصرية على اتخاذها،لكنها فجرت عاصفة من الجدل حول الغياب الملحوظ لصناعة السينما المصرية على شاشات القنوات المصرية،الحكومية والخاصة،واكتفاء القنوات كافة ببرامج تعني بتغطية "كواليس" تصوير الأفلام أو الإفراط في إجراء حوارات تافهة مع نجوم السينما من باب "ذر الرماد في العيون" !


لقطة من فيلم " الخروج من القاهرة "


  المثير أن قناة "آرتيه" لم تكتف بعرض الفيلم المصري "الخروج من القاهرة"،وإنما نظمت برنامجاً،في إطار مشاركتها في مهرجان "زووم حول الماضي" الذي أقيم في مكتبة السينما بمدينة تولوز الفرنسية،وقامت بعرض ثلاثة أفلام مُنعت من العرض؛أولها "معركة الجزائر"(1965) للمخرج الإيطالى جيلو بونتيكورفو ،الذي منعت السلطات الفرنسية عرضه في فرنسا حتى عام 2004،بسبب إشارته إلى معارك جبهة التحرير الوطني بالجزائر ضد المحتل الفرنسي،وكشفه عن أشكال التعذيب التي مورست بحق الجزائريين. وثانيها فيلم "الباحثون عن الشمس"(1958) للمخرج الألماني الشرقي كونراد وولف،الذي لم يُمنع لأنه تناول الظروف القاسية التي عاش في ظلها عمال مناجم اليورانيوم،بل لأن السلطات في الاتحاد السوفيتي السابق رأت  أن "الكشف عن استخراج اليورانيوم يُخل بمقتضيات الأمن القومي". أما الفيلم الثالث،في إطار البرنامج،فهو "تمرد" (1970)،الذي أخرجه الألماني الغربي، أبرهارد أتزنبليتز،وتناول قصة جماعة من الشباب الألماني تقرر،هرباً من وطأة الفقر، واعتراضاً عليه،اللجوء إلى التمرد المسلح.وكانت السلطات الألمانية الغربية قد منعت عرضه بسبب "انضمام اولريكه مينهوف كاتبة سيناريو الفيلم إلى جماعة "الجيش الأحمر" !

  تبنت قناة "آرتيه" المبادرة،ولقنت القنوات المصرية،وربما العربية،درساً في كيفية دعم السينما،وإسقاط الحواجز التي تقف في طريقها،والتأكيد على أن الأفكار لها أجنحة،وأن أحداً أو جهة مهما كانت سطوته،لن يملك مصادرة الإبداع أو قمع المبدعين،لأن قرارات المنع،والحظر،لن تستمر طويلاً،ومصيرها الانهيار تحت أقدام "الحرية" .

  وجهت القناة الفرنسية الألمانية رسائل ذات مغزى إلى السلطات في مصر وفرنسا والاتحاد السوفيتي،ودول العالم قاطبة،كما برهنت على فهمها الصحيح للدور الذي ينبغي أن تلعبه القنوات الفضائية في ظل عالم تحول إلى "قرية مفتوحة"؛فالترفيه هدف مهم للقنوات الفضائية لكنه ليس الهدف الأسمى،والوحيد،بل تكتمل الرسالة الإعلامية من خلال "إستراتيجية" بناءة تقوم على تثقيف،وتوعية،جمهور المشاهدين،وهو الهدف الحيوي الذي يمكن أن تضطلع به قنوات السينما؛في حال لم ننظر إليها بوصفها "قنوات تسلية" تعمل على "تسطيح العقول"، وتسيء إلى الفن عبر التركيز على تفاهة القيمون عليه،وإظهارهم في صورة "المهرجين" !

  بمقدور قنوات السينما،والبرامج المتخصصة التي تراجع عددها بصورة ملحوظة،أن تقتدي بقناة "آرتيه"،وتُسهم بشكل كبير في إنقاذ صناعة السينما المصرية من الانهيار الخطير الذي وصلت إليه،سواء بمناقشة أسباب هذا الانهيار،في مائدة مستديرة تتبناها هذه القنوات،أو ندوات مع أصحاب الشأن تقترح الحلول التي تجنب الصناعة المصير المخيف الذي ينتظرها،أو تدعم الصناعة في وجه كل صور القمع والقهر وتكبيل الإبداع،وعلى رأسها الرقابة التي يمكن لقنوات السينما المتخصصة الحد من تسلطها،وتجبرها،ببرنامج يتوقف عند الأفلام التي امتد إليها مقص الرقيب،أو تلك التي تعرضت إلى بتر نهاياتها،ويُصبح سيفاً مُسلطاً على من تسول له نفسه اللجوء إلى سلاح المصادرة .

    غير أن المفارقة التي يجدر التنويه إليها أن قناة سينمائية متخصصة تحمل اسم "تاكسي السهرة" سبقت قناة "آرتيه" عندما أعلنت عن مبادرة لكسر الحظر المفروض على بعض الأفلام العربية،وحددت منتصف ليل أحد أيام الأسبوع لعرض الفيلم المحظور لأسباب رقابية،لكنها فوجئت بعد أسابيع قليلة من ظهور المبادرة للنور بعاصفةمن الهجوم الشرس،والاتهام بأنها تُشيع الفاحشة،وتتحدى الرقابة،وكأن ثمة من يرى أنه عاجز عن امتلاك حريته،وقراره،ولديه يقين جازم أن الرقابة "شرٌ لابد منه" !

magditayeb@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: