الاثنين، سبتمبر 23، 2013

مجدي الطيب يكتب من أم الدنيا لـ "سينما إيزيس " في باريس عاصمة النور عن : " الخروج من القاهرة " على طريقة صلاح جاهين


لقطة من فيلم الخروج من القاهرة المحظور عرضه للأسف في مصر


مجدي الطيب  يكتب من أم الدنيا الى " سينما إيزيس " في باريس عاصمة النور


 مجدي الطيب



" الخروج من القاهرة" على طريقة صلاح جاهين !



  أحدثكم عن فيلم مصري محظور عرضه في مصر بأمر الرقابة على المصنفات الفنية،التي اتهمته بالإساءة للأديان،والإضرار باستقرار الوطن،وعاقبت مخرجه الشاب هشام عيسوي لأنه تجرأ وعرض الفيلم من دون تصريح منها في المسابقة الرسمية لمهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته السابعة العام 2010،ورأت في ما حدث "جريمة" !

  من ناحيته لم يأبه المخرج،الذي درس وعمل في أميركا،بالإجراءات البيروقراطية للرقابة،ولم يتوقف كثيراً عند تعنتها وتربصها،وحساسيتها المفرطة،وشارك بالفيلم في الدورة التاسعة لمهرجان "آمال" السينمائي العربي الأوروبي بأسبانيا العام 2011،وحصل على جائزة أفضل فيلم مناصفة مع الفيلم العراقي "ابن بابل"،كما حصلت بطلته الشابة "مريهان" على جائزة أفضل ممثلة،وتكررت المشاركة في الدورة الثانية لمهرجان مالمو للسينما العربية العام 2012،وحصد جائزة أفضل فيلم روائي طويل .

  عنوان الفيلم،الذي انفردت بعرضه قناة "آرتيه" arte  الفرنسية الألمانية،هو "الخروج من القاهرة"،الذي نجح في تقديم صورة واقعية لمصر التي أغلقت أبواب الأمل في وجوه أبنائها فأصبحوا مجبرين على أن يبيعوا أنفسهم،لو أنهم تشبثوا بالبقاء على أرضها،أو "الخروج" منها،حتى لو أدى بهم الأمر إلى التضحية بالنفس في قارب تتقاذفه الأمواج المتلاطمة في بحر عات لا يرحم !

  قبل نزول التترات وفي اللقطة الأولى من الفيلم تبدو السماء زرقاء صافية ورحبة وصوت النورس يجلجل في المكان ولا تكاد تستطيع التفريق بين السماء وشاطئ البحر الممتد،وصوت الأمواج المتلاطمة التي تُنذر بالخطر المخيم على الأجواء .وفي لقطة تالية لاحقة نتابع فتاة لا نتبين ملامحها تهرول نحو الأفق بينما تبدو مكبلة ومقيدة بأعمدة الإنارة التي تُحاصرها على جانبي الجسر الذي تهرول فوقه.

  هذه البداية التي تنم عن حس تشكيلي،كما تكشف عن عين خبيرة،وأسلوبية فنية،للمخرج هشام عيسوي،الذي كتب الفكرة والفيلم مع الكسندر كينياس،وصاغ السيناريو والحوار مع أمل عفيفي،تتواصل في الفيلم،الذي يُبهرك بقدرته على أن يملك مشاعرك،ويحافظ على تركيزك،من خلال نقلات  ـ مونتاج نهاد سامي ـ تقودك إلى الحدث مباشرة،وتدفعك لأن تعيش الهم،وتتوحد مع أزمة الأبطال جميعاً،وعلى رأسهم "طارق" ـ محمد رمضان ـ و"أمل" ـ مريهان ـ اللذان يعيشان قصة حب مجهضة ليس فقط بسبب الظروف الاقتصادية،وإنما،وهذا هو المهم في التجربة،بسبب اختلاف الديانة؛فالأول مسلم بينما الثانية مسيحية،وهو ما يواجه بمعارضة شديدة من العائلتين 



  لن تستشعر،مطلقاً،وأنت تتابع أحداث فيلم "الخروج من القاهرة"،أنك أمام مخرج "متفرنج" يقدم الواقع،في مصر، بروح "المستشرق" أو بمنظور "السائح" الذي يتعامل مع ما يراه بوصفه "فولكلور"،لكنك حيال مخرج عاشق لمصر،على طريقة صلاح جاهين في قصيدته الشهيرة "على اسم مصر" :"بأحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء .. واكرهها وألعن أبوها بعشق زى الداء"؛فاختياراته لأماكن التصوير الطازجة،وزوايا الكاميرا ـ تصوير باتريك ثلاندر ـ يعكسا مقدرة فائقة،وموهبة كبيرة،من جهته،مثلما يؤكدا عشقه الواضح للقاهرة،ورفضه الاستسلام لغواية تقديم عشوائيتها  بشكل قبيح؛إذ تفنن في رصد "السحر الخفي" للقاهرة،بتناقضاتها وغرائبها، واحتفظ بالتفاصيل التي تخدم الرؤية،وأكد العلاقة الوثيقة بين البطل والبحر،الذي يمثل بالنسبة له طوق نجاة،ومن ثم لا يرى فارقاً بين الغرق في طوفان واقع يومي متردي،والغرق في البحر أثناء هجرة غير شرعية !

  طوال الأحداث يبدو المخرج شديد الاقتصاد في استخدام الحوار،شديد البراعة في توظيف الصورة لتوصيل الرسائل التي أرادها؛فالفقر،والهوة الشاسعة بين الطبقات،أصل البلاء في المجتمع المصري ثم يأتي التطرف الديني،وغياب روح التسامح.وبنفس الكفاءة حالف المخرج التوفيق في إسناد مسئولية وضع الموسيقى التصويرية لتامر كروان؛الذي أبدع كما لم يفعل من قبل،حيث استوعب التجربة،وتجاوبت موسيقاه مع جرعة المشاعر والعواطف،كما نجح المخرج في توظيف الأغنيات،التي أدت دورها الدرامي المُكمل للصورة والحوار،لكن يُحسب له احترامه للمشاهد،وجرأته في مناهضة التطرف الديني،وتوجيه أصابع الاتهام للكنيسة"،التي قدمها في لقطة وهي محاطة بسياج كبير،وكأنها سجينة أفكار قديمة وجب عليها أن تُبادر بالتخلص منها .

لم تخسر "الرقابة" عندما حظرت عرض فيلم "الخروج من القاهرة"،كونها اعتادت مصادرة الإبداع،وملاحقة المبدعين،والتنكيل بأصحاب السينما التي تسبح ضد التيار،لكننا خسرنا تجربة جريئة نجحت في إثارة الجدل، وألقت حجراً في المياه الراكدة،مثلما أماطت اللثام عن "المسكوت عنه" في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر،وأكدت أن هوس التطرف الديني أصاب الجانبين على حد سواء !

             magditayeb@yahoo.com





ليست هناك تعليقات: