الجمعة، يوليو 19، 2019

لا للإخوان بقلم أسامة الغزولي في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس


لا للإخوان
بقلم

أسامة الغزولي


ما قاله عماد الدين أديب قبل أسابيع عن الحضور الإخوانى فى الشارع المصرى يذكرنى بكلام مشابه لمحمد عودة فى الستينيات نشرته مجلة «الكاتب» حين كان يرأس تحريرها أستاذى فى القاهرة وزميلى فى لندن أحمد عباس صالح. هذان رجلان مهمان فى عصرين مختلفين يطالبان باحتواء «قواعد شعبية» للإخوان بعد حظر تنظيمهم. وكلنا يعرف أنه بعد حديث عودة، وبعد الإفراج عن أعداد كبيرة من الإخوان تفجرت أزمة التكفير وتجدد الصدام مع الإخوان فى 1965. ثم تكررت المصالحات ذات النتائج الكارثية فى عهدى السادات ومبارك.

مشكلتنا مع الإخوان، عبر العهود، تتلخص فى الزعم بأن لهم «قاعدة شعبية» تطالب بعودتهم. لكن الحقيقة هى أننا إزاء شرائح واسعة من مستهلكى الشعبوية الإسلاموية الذين انقطعت عنهم إمدادات هذه الشعبوية باختفاء الإخوان المسلمين، وهم يطالبون بها. فما هى الشعبوية؟ هى الزعم بأن هناك مفتاحا سحريا لحل المشكلات بكل سهولة وبأرخص كلفة. وتتلخص شعبوية الإخوان فى شعار «الإسلام هو الحل». وإن كانت هذه هى شعبوية الإخوان، فكل شعبوية أخرى من أيام العرابين، فيها مكون إسلاموى. شعبوية الإخوان وحدها هى الإسلاموية الخالصة، كما يتضح من شعارهم «الإسلام هو الحل».

وقد بقيت شعبوية النظام القديم لعدة سنوات، حتى بعد إلغاء الملكية، ولم تتمكن شعبوية الضباط الأحرار من إزاحتها إلا بعد أن وقف ناصر على منبر الأزهر وقفته التاريخية ضد العدوان فى 1956. وبعد ذلك كانت الإنجازات والإخفاقات عظيمة، لكن الشعبوية كانت أعظم. وبعد سقوط التجربة الناصرية بقيت الشعبوية الناصرية حتى استدعى السادات الشعبوية الإسلاموية لمواجهتها. ولم يكن النبوى اسماعيل وعمر التلمسانى يجدان من يجندانه لجماعة الإخوان حين تقرر بعثها من الرماد، وفى النهاية أصبح أعضاء الجماعات التى أسسها النظام فى القاهرة والصعيد العمود الفقرى للجماعة فى طورها الساداتى- المباركى، وقد جاءوا للجماعة بسرطان الوهابية التى شجع عليها تقارب السادات ومبارك مع الخليج.

ولم يمكن لشعبوية السادات الفلاحية المنفرة لشعب أنجز ثورتى 1919و1952التحديثيتين أن تسد فراغا نشأ عن تقلص الشعبوية الناصرية بعد يناير 1977. ولم يحتمل النظام، الذى لا يمكن تلخيصه فى السادات، التعددية المقيدة، فتخلص منها فى سبتمبر 1981، ثم تخلص الإسلاميون من السادات نفسه، وانتقل بنا مبارك من السياسة إلى الإدارة، فصارت سرديات الإخوان المسلمين هى الزاد الوحيد لقطاعات واسعة أدمنت الشعبوية.

واليوم إن عاد الإخوان فسوف يعودون محملين بالسرطان الداعشى، كما عاد من سبقوهم إلى المشهد العام محملين بسرطان الوهابية. قابلية الإخوان للإصابة بهذه الأورام موجودة فى صلب تعاليم حسن البنا، التى قطع ناصر شوطا ما فى معالجة الإسلام السياسى منها حينما انتخب من كوادرهم ومن مكونات خطابهم ما ظن أنه يناسب الحداثة، لكن ديكتاتوريته أهلت جماعة الإخوان- المستعدة لذلك أصلا- للإصابة بسرطان القطبية، بعد تأزم النظام الناصرى منذ 1964، ثم أهلها خليفتاه للإصابة بالوهابية. فما هى جدوى إخراج جثة كهذه من قبرها؟

كل إخوانى هو معاد لحركة التاريخ، هو رجل غسل يديه من العقد التاريخى الذى يقضى باحترام القانون، بزعم أنه قانون وضعى، متناسين أن كل قانون هو قانون وضعى وأن الله سخر الحياة الدنيا كلها للفعل البشرى ليحاسب الناس على أفعالهم يوم الدينونة.

على أى حال، الشعبوية الإخوانية تتراجع، وإن بمعدل بطىء، والدعوة للتفاهم مع الإخوان اليوم قد تكون دعوة لإنقاذهم من الانقراض، وإن لم يدرك ذلك من تصدى لها. والحل ليس فى الاستجابة لهذه الدعوة بل فى تعزيز ثقافة العقلانية وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية للخروج من عنق الزجاجة فى أقرب وقت. وبعد ذلك قد يكون فى وسعنا إعادة صوغ الإسلام السياسى، مستلهمين تجربة الأحزاب المسيحية الديمقراطية فى أوروبا.
عن جريدة المصري اليوم

ليست هناك تعليقات: