مختارات إيزيس
مصر على حافة الهاوية
فى الذكرى الثانية لانطلاق ثورة يناير
العظيمة تدخل مصر تحت قيادة الرئيس محمد مرسى إلى نفق شديد الظلمة لا يبدو
أن له نهاية على الأقل حتى الآن. عشرات القتلى الشهداء ومئات الجرحى
يتساقطون فى كل بقاع مصر بحسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة، وعشرات
الآلاف من المواطنين يخرجون يومياً إلى شوارع وميادين كل المحافظات عدا
اثنتين فقط مواصلين احتجاجاتهم ورفضهم سياسات الحكم الحالى فى البلاد.
ويأتى الجديد هذه المرة متمثلاً فى إعادة وضع جهاز الشرطة فى مواجهة
الجماهير الغاضبة على سياسات الحكم وليس هذا الجهاز الذى استعاد خلال
الشهور الأخيرة بعضاً من ثقة المصريين المفقودة، ليدفع الثمن ومعه الأمن
والاستقرار المهتزان فى مصر منذ نجاح الثورة وبينهما مئات الشهداء والجرحى.
ووسط هذه المشاهد الخطيرة الآخذة فى التصاعد
فى كل ربوع مصر يبدو واضحاً أننا دخلنا إلى مرحلة استنزاف حقيقية لكل
قدرات مصر الرسمية وفى مقدمتها الجهاز الأمنى الذى يبدو أنه يموج من داخله
بمشاعر رفض وغضب واسعة لسياسة وضعه فى مواجهة الجماهير الغاضبة، والتى
يشاركها كثير من أبنائه نفس أنواع المعاناة. هذا الجهاز الأمنى هو اليوم
الأداة الوحيدة التى يعتمد عليها نظام الحكم فى البلاد للتعامل مع الأزمة
السياسية والاجتماعية الخطيرة التى تمر بها البلاد، وهو نفس ما كان يفعله
النظام السابق الذى أسقطته جماهير مصر فى ثورة يناير.
ولكن مؤشرات كثيرة تؤكد أن الشرطة التى
اعتمد عليها مبارك وسقطت يوم 28 يناير 2011 ليست هى شرطة اليوم التى يحملها
ويعتمد عليها الرئيس مرسى فى التعامل مع كل ما يجرى فى البلاد، فهى تبدو
الآن مدفوعة من صانعى القرار فى الدولة لكى تواجه الجماهير الغاضبة بدرجات
مفرطة من العنف الذى يقابل بعنف أيضاً فتكتمل الحلقة الجهنمية، إلا كثيرين
من أبناء الشرطة لا يريدون أن يكملوها فتسقط ثانية ومعها كل ما تبقى من أمن
فى البلاد كما حدث قبل عامين.
وبينما تتصاعد هذه المشاهد شديدة الخطورة
ويدفع نظام الحكم الأمن إلى معالجة ما يجب أن يعالجه هو، فإن الأرجح هو ألا
يتكرر مشهد 28 يناير 2011 بسقوط جهازه، بل أن تتعرض الشرطة من داخلها
لتشققات خطيرة لرفض أبنائها أن يعاد استخدامهم بنفس طريقة مبارك، وأن
يدفعوا ومعهم أمن البلاد نفس الثمن مرتين خلال عامين. وقد وضحت هذه
التشققات سواء فيما جرى فى السويس بخروج بعض من المجندين على قياداتهم
وإطلاق النار على المتظاهرين مما أوقع ثمانية شهداء بالإضافة إلى مجند شهيد
منهم،
كما حدث فى بورسعيد بعد صدور الأحكام فى
مجزرة الاستاد وأثناء تشييع جنازة شهدائها من الضحايا، وتم أخيراً بقيام
ضباط وأفراد الداخلية بطرد وزيرهم من تشييع جنازة الضابط الذى استشهد أمام
سجن بورسعيد قبلها بيوم واحد. الشرطة اليوم وبفعل سياسة الحكم الحالى على
وشك الانهيار والتشقق، وهو الأمر الذى يهدد فى ظل التصاعد المستمر فى
مظاهرات الغضب والاحتجاج بأن تدخل البلاد فى دوامة لا يعلم سوى الله
نتائجها الكارثية على كل شىء فى مصر.
سيدى رئيس الجمهورية: إن غيابك أنت ورئيس
وزرائك وكل أعضاء حكومته وجميع مساعديك ومستشاريك عن التعامل الجاد
والمباشر مع الأزمة الحالية شديدة الخطورة ينذر بعواقب يمكن أن يراها كل
مبتدئ فى السياسة سواء كان ناشطاً أو محللاً. سيدى الرئيس: أخطأ من ينصحونك
بألا تخاطب الشعب الذى انتخبك أثناء هذه الأزمة الأخطر بحجة أن هذا يضعف
موقفك وموقعك كرئيس للبلاد لأن ــ الأزمة بحسب تقديرهم الخاطئ ــ لا تستحق
أن يخرج رئيس الجمهورية للحديث عنها ومخاطبة المصريين بشأنها.
سيدى الرئيس: إن ما يقرؤه المصريون من غيابك
وحكومتك هو أحد أمرين: إما أنك لا تشاركهم خوفهم وقلقهم ومعاناتهم مما
يجرى اليوم فى مصر، وإما أنك غير قادر على مواجهتهم والسعى لحل الأزمة، وفى
الحالتين فإن خطراً داهماً يتهدد موقعك ومنصبك ومعهما وقبلهما شرعيتك فى
حكم البلاد.
سيدى الرئيس: إن مصر تدخل بسرعة تحت حكمك
إلى مصاف الدول التى تنهار مؤسساتها وينقسم مجتمعها ويغيب أمنها واستقرارها
وتتمزق قواها السياسية وقبل كل هذا ومعه تتدهور أحوال شعبها الاقتصادية
والاجتماعية. وكل هذه الأوضاع والتطورات الخطيرة التى تهدد مصر الدولة
والمجتمع بعد شهور سبعة من حكمك، لن يكون الخروج منها سهلاً كما يقول
مستشاروك وقيادات جماعتك، فهى تضع البلاد أمام تطورات أخطر فى الذكرى
الثانية لانطلاق ثورة يناير يمكن أن يكون ثمنها كل ما تحقق خلال العامين
السابقين.
سيدى الرئيس: ألا يلفت نظرك أن خطاب مؤيديك
وحزبك وجماعتك فى التعامل مع الأزمة الحالية هو نفسه بل أسوأ من تعامل
النظام السابق مع معارضيه والمحتجين عليه، فلا هؤلاء ولا أولئك من
المتآمرين ولا أصحاب «الأجندات» ولا الطامعين فى الحكم ولا المدفوعين من
قوى خارجية ولا دعاة الفوضى، بل هم أبناء مصر المخلصون لها المعارضون لحكمك
والمضارون من سياساتك والخائفون من توسع وهيمنة جماعتك على مفاصل الدولة
المصرية التى هى ملك لكل المصريين.
سيدى الرئيس: الوقت يمر بأسرع مما يتخيل أحد
والأحداث والتطورات آخذة فى التصاعد ودوامة العنف يزداد اتساعها، ومواجهات
الاستنزاف سوف تتواصل وسوف تكتسح فى طريقها المظلم ما بقى من أجهزة الدولة
المصرية وستزيد من الانقسامات الخطيرة التى ستطيح بوحدة البلاد الجغرافية
وتماسكها الاجتماعى. سيدى الرئيس: أنت اليوم المسؤول الوحيد فى البلاد الذى
رضى به المصريون منتخباً منهم وفوضوه بعد أن أدى القسم الدستورى فى إدارة
شؤون مصر، وأنت بذلك أيضاً ستكون المسؤول الوحيد عن أى تطورات أو خسائر
فادحة سوف تتعرض لها مصر الدولة والمجتمع خلال الفترة الحالية وما سوف يأتى
من أيام.
سيدى الرئيس: إن حكم التاريخ سيكون قاسياً
على أى تجاهل أو تأخير أو خطأ فى التعامل مع ما تشهده مصر اليوم، ولكن حكم
المصريين سيكون أكثر قسوة فى ظل غضبهم ورفضهم الحالى لما يجرى فى بلادهم،
وهو لن يكون مجرد أقوال أو مقالات بل سيكون حركة جماهيرية هائلة لن يستطيع
أحد توقع حجمها ولا مساراتها ولا نتائجها.
سيدى الرئيس: إن شرعية الحكم التى اكتسبتها
من انتخابك من المصريين هى مهددة اليوم بصورة خطيرة، وعليك ومن ينصحك ويشير
عليك أن تقدروها جدياً، فإذا تآكلت الشرعية وغابت الثقة وحل الغضب واجتاح
الاحتجاج البلاد، فالله وحده يعلم مصيرها، ومعها مصير حكمك.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد
عن جريدة المصري اليوم .
عن جريدة المصري اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق