بسمة الحسيني
مختارات إيزيس
حوار مع بسمة الحسيني " المورد " حول الثقافة الرسمية الآن في مصر
حوارات
|
بسمة الحسيني:
وزارة الثقافة في حاجة إلي »ريجيم« حاد |
||
عملية التغيير بعد الثورة انصبت فقط علي إرضـاء الأصـوات الغاضـبة
الأمن ما زال يتحكم في الثقافة.. والحصول علي دعم من الوزارة لا تحكمه أي شفافية |
||
03/11/2012 12:55:23 م
حوار : ياسر عبد الحافظ
|
||
تملك بسمة الحسيني من الخبرة والمعرفة بحال الثقافة المصرية والعربية
ما يجعلها قادرة علي الحديث عن أصغر تفاصيلها ودون أن يكون ذلك
كلاماً عمومياً، توثق لمعلوماتها بالأرقام والتواريخ، وإن داهمها
الشك للحظة في معلومة تلجأ إلي ملف ما للتيقن. أثناء حواري معها اقترحت
مراجع عدة بالعربية والإنجليزية رأت أنها مفيدة في قضايا تطرق إليها
النقاش.
بسمة، كما هو معروف، مديرة مؤسسة »المورد« الثقافي، الذي تمكن منذ تأسيسه العام 2004 أن يكون أحد المؤسسات البارزة في القطاع الثقافي المستقل، وأن يمد نشاطه ليقدم خدمة حقيقية للمبدعين في مصر والعالم العربي. هي كذلك عضو ائتلاف الثقافة المستقلة، والذي بدأ التأسيس ،له من قبل مثقفين وفنانين ومبدعين، منذ ما قبل سقوط مبارك، ولكنه لم يظهر إلي العلن إلا في نوفمير 2011، ليرتبط مع الجمهور بعلاقة قوية من خلال أنشطة أبرزها »الفن ميدان«. منذ 2008 عملت مؤسسة المورد علي مبادرة لتطوير السياسات الثقافية في مصر وعدد من الدول العربية، المبادرة المصرية تبناها عدد كبير من المثقفين والفنانين المصريين ومؤسسات القطاع الثقافي المستقل، إلي أن وصلت إلي مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة، وبعد مناقشات مطولة تبنت المبادرة بدورها لجنة الإعلام والثقافة بالمجلس. المبادرة تهدف، وكما يتضح من عنوانها، إلي وضع أسس ومعايير وفلسفة، لإدارة الثقافة وزيادة الميزانية المخصصة لها. وعن هذه المبادرة وقضايا ثقافية أخري كان الحوار. من خلال خبرتك في العمل الثقافي المستقل، ما أبرز ملاحظاتك علي العمل الثقافي المصري سواء علي مستوي المؤسسات الرسمية أو العمل الأهلي؟ وهل تغير المشهد بعد الثورة؟ - مؤكد أن المشهد تغير منذ بداية الثورات العربية، ويتغير بشكل يومي، قبلها كان هناك قطاع ثقافي رسمي في معظم البلاد العربية، غني نسبياً بالنسبة لميزانية كل بلد، في تونس كان أكثر من الواحد في المئة بقليل من الميزانية ينفق علي الثقافة، في سوريا ثلث الواحد في المئة، في مصر ربع الواحد في المئة. بالنظر إلي موازنات الدول تجد أن هذا مبلغ معقول إلي حد ما، أكلمك الآن عن النواحي المالية أولاً، وهذا في مقابل قطاع ثقافي ضخم يتحرك خارج المنظومة الرسمية هو فقير جداً، حتي المحظوظ منه وعنده تمويل أجنبي، لأنه ليس صحيحاً أن الكل ممول من الخارج، الذي يتلقي تمويلاً لا يتعدي الربع من هذا القطاع علي حد أقصي، الثلاثة أرباع هم نوادي الأدباء في الأقاليم، فرق المسرح في مراكز الشباب، من يكتبون إبداعاً وينشروه علي نفقتهم الخاصة، كل هذا يدخل في نطاق القطاع الثقافي المستقل والذي هو بلا أي مقدرة مالية. هذا جانب، والجانب الآخر هو العلاقة مع المجتمع، القطاعان الرسمي والمستقل كانا يشتركان في أن علاقتهما مع المجتمع فيها التباسات، بالنسبة للقطاع الرسمي علاقته مع المجتمع كانت دوما في اتجاه واحد وهو التلقين والتفهيم والتنوير والارتقاء، علي اعتبار أن المؤسسة الرسمية تملك القيمة، والأخلاق، والمعرفة، والفهم، والشعب لا يملك أياً منها، وبالتالي فدور المؤسسة الرسمية هي تعليمه، هذا كان يجعل الجمهور ينظر لتلك المؤسسة بقدر من الريبة.. من أنتم؟ ولماذا قررتم تعليمنا؟ مثل العلاقة الزوجية القائمة علي أسس خاطئة، الانسحاق الذي يضمر شراً، الشعب لا يحب الثقافة الرسمية لكنه يتظاهر بقبولها، ولهذا عمرنا ما شهدنا مثلاً حركة شعبية، أو شبه شعبية، للدفاع، أو للمطالبة، بحقوق ثقافية، علي العكس كانت هناك مظاهرات تطالب بحرق روايات، وللمطالبة بالمزيد من الرقابة علي حرية التعبير. في مواجهة هذا مؤسسة القطاع الثقافي المستقل، في أغلبها، كانت تميل أكثر إلي الاشتباك مع المجتمع، ومحاولة الدخول معه في علاقة ديناميكية، وهذا أمر صعب جدا، يعني علي سبيل المثال تجربة فرقة »الطنبورة« التي أسسها زكريا إبراهيم، مفضلا ذلك علي التواجد في الوسط الثقافي القاهري والارتباط بعلاقة مع الوزارة، عاد إلي مدينته بورسعيد وعمل هناك مع الناس علي جمع الأغاني الشعبية وإعادة غنائها. التجربة نفسها قدمها محمد عبلة وصلاح عناني، ومعهما مجموعة من الفنانين الذين أسسوا "كوم غراب"، ذهبوا إلي أحد أحياء مصر القديمة المهدد بالإزالة، وعملوا مع السكان علي تنظيفه وتجميله حتي نجحوا في إلغاء القرار، التجربة نفسها نفذتها مجموعة »جدران« في حي المكس بالإسكندرية. عبلة أيضا كانت له تجربة مهمة للغاية مع أهالي »قرصاية« والتي كانت هناك محاولات لانتزاعها من الأهالي وبيعها لمستثمر سياحي، هو اشتغل كناشط سياسي واجتماعي، وقام بحملة كبيرة مع أهالي القرية أدت إلي انتهاء الموضوع. بالنسبة لي هذا هو العمل الثقافي الحقيقي. أما الفرق الثالث بين المؤسستين بخلاف المال والعلاقة بالمجتمع، فهو في العلاقة بالمهنة الثقافية، المؤسسة الرسمية سلوكها وتعاملها مع العاملين بالثقافة أقل مهنية بكثير من القطاع المستقل رغم أنها تنفق أموالا كثيرة جدا وتنظم أنشطة ضخمة، لكن لا توجد مهنية حقيقية، ولا توجد فكرة أن هذا متخصص في أمر معين، يعني أستاذ جامعة يرأس مكتبة، أو مسرحا، شخص من الجيش أو الشرطة يتولي شئون الإعلام والعلاقات العامة. العلاقات الشخصية والتربيطات هي التي تتحكم، ونتيجة لذلك فـ 80 في المئة من الوظائف المهمة في وزارة الثقافة والتي تتطلب معرفة مهنية حقيقية يتولاها من لا علاقة لهم بهذا العمل من الأساس، وهذا عكس ما يحدث في القطاع المستقل فالسائد فيه هو التخصص والمهنية. وهل اختلف أداء الوزارة بعد الثورة؟ - حدث اختلاف، لكنه مشوش، مع بداية التغيير السياسي كان من المفترض أن تكون هناك خطة نسير وفقها، لكن ذلك لم يحدث، كل الجهد انصب في أن يأتوا بشخص ليس محل اعتراض قوي، فأصبحت المسألة مثل برامج التليفزيون التي تتم بالتصويت، لم تسر الأمور وفق خطة ما وإنما مجرد إرضاء الأصوات الغاضبة، وجاء وزير علي هذا المقياس وهو عماد الدين أبو غازي، وخلال الفترة القصيرة التي مكثها بالمنصب بدأ في محاولة إصلاحية ولكنها ليست تغييرا حقيقيا، يعني هو نفذ أمرين مهمين، الأول: تشكيل مجالس أمناء للمؤسسات التابعة للوزارة، وهذا كلام عظيم يشبه ما يحدث في الخارج، لكن عندما تنظر في العمق تصطدم بأسئلة حول هذا المقترح: هل تلك المجالس وضعها قانوني؟ هل لديها صلاحيات حقيقية؟ ما طريقة اختيار أعضائها؟ ما مدتها وكيفية التجديد لها؟ يعني الموضوع كله هو أننا سننشئ مجالس لكي نكون شبه البلاد المتقدمة، لكن في حقيقة الأمر نحن غير مؤمنين أن يكون لدينا حوكمة عادلة وديمقراطية وشفافة وخالية من الفساد، أو يعني فيها فساد أقل، فنقدم الأشياء بطريقة غير مدروسة. الأمر الآخر الذي قام به أبو غازي أنه فتح الباب لأن تمول الوزارة مشروعات ثقافية تقوم بها منظمات مجتمع مدني.. تحويل الوزارة من منتج إلي داعم. - بالضبط، وهو ما بحت أصواتنا في المطالبة به، الوزارة ليست منتجا شاطرا، وعلاوة علي ذلك ومن الناحية السياسية لماذا تقوم الوزارة بدور المنتج؟ أليس هذا ضد فكرة التعددية الثقافية؟ منتج غول يتحكم في السوق كله، فهذا يقلل تماما ويعرض للخطر فرص أي جهة أخري سياساتها لا تنطبق مع الوزارة. بالطبع تحويل الوزارة إلي داعم وليست منتجاً كلام جميل من حيث المبدأ، لكنه لم يتم حسب أصول الصنعة، المفترض في تنظيم أي مهرجان أو نشاط أن يتم الإعلان عنه لتتقدم الجهات المختلفة، ونمنح فرصة شهرين لذلك، ويتم تنظيم لجنة تنظر في الطلبات وتختار الأصلح، ويكون ذلك قاعدة عامة، وليس أن أذهب للوزير ومعي مشروع فإن اقتنع به يتم تنفيذه. نحن حصلنا علي تمويل من الوزارة مرتين، لكن كيف؟ بدون إعلان، لا نعرف لماذا أخذناه. وتقدمنا هذا العام للحصول علي تمويل لمهرجان السيرك ولم نحصل عليه، لماذا؟ لا نعرف، ما الذي أخطأنا فيه هذه المرة؟! لا توجد شفافية ولا أي قواعد متبعة، هناك فوضي وبالطبع الفساد هو المتحكم، أنت تعرف الوزير شخصيا ويحبك.. تمشي الأمور، لا يعرفك الوزير.. انتهي الموضوع، الأمن هو من أرسلك.. يكون لك حظوة أخري. ضغط المثقفين ومازال تحكم الأمن في أمور الثقافة مستمرا بعد الثورة؟ - بالتأكيد، لما يمشي العسكر والأمن من الوزارة، لا يظل عميد ولا عقيد هناك، ساعتها نقول أننا بدأنا خطوة.. المطروح حاليا أن يحل الإخوان محل الأمن والعسكر.. - بالتأكيد لا. بالنظر إلي أن الإخوان لهم أغلبية في البرلمان فمن الطبيعي أن يشكلوا حكومة، لا شيء غريب في ذلك، وفي ظل ذلك سيأتي وزير قريب من الجماعة، لا أعتقد أنه سيكون منها، سيأتي للتعامل مع قطاع الثقافة الذي يرفض الفكر الديني، سيكون هذا الوزير في مواجهة ضغطين، ضغط من الحكومة والبرلمان ذي الأغلبية الإسلامية، وضغط من المثقفين، مواقف الوزير ستتحدد تبعا لحجم ونوعية الضغط من الجهتين، وإلي الآن فإن ما أراه أن ضغط جموع المثقفين غير مؤثر لأكثر من سبب، أولا لأنه ليس لديهم تكوينات مؤسسية حقيقية، النقابات فاسدة، الأطباء مثلا قاموا بإضراب هل يستطيع المثقفون فعل هذا؟ مستحيل، ولو فعلوه لن يهتم أحد. - طيب ما هي أدواتنا في الضغط بخلاف "الفيس بوك"؟ وهو أداة جيدة بالمناسبة... و الوقفات الاحتجاجية التي يقوم بها المثقفون. - أنا رأيي أن الأمور ستتغير بالنسبة للثقافة فقط وقت أن ينزل الناس العادية معنا، إنما طول ما نحن ننظر لفوق ولا نهتم بالنظر إلي تحت فلن ننجح، طوال الوقت نشتم في الإخوان، حد فكر يوقف شتيمة ويعمل علي لم الناس بجانبه حتي إذا ما قام بشيء يكون له معني؟ بالطبع هناك ناس تعمل علي إيجاد قاعدة جماهيرية لكن عددهم قليل، ومعظم المثقفين شغالين علي فكرة المناصب، من رئيس ماذا، كيف أتوا بفلان، علي اعتبار بالطبع أنه أحق، وهي في النهاية خرابة... من رئيس الخرابة ومن نائبها. بالنسبة للسياسة الثقافية بشكل عام أنا رأيي أن الوزارة تعمل ريجيما حادا لتتحول إلي وزارة سياسية تتحدث بلسان القطاع الثقافي مع الحكومة ومع البرلمان، سيأتي لك وزير غير إسلامي لكن محافظ له ميول إسلامية، بالطبع الإخوان سيضغطون عليه ليقدم الفن الملتزم والهادف والجاد، ولاحظ أن هذه المصطلحات كانت تستخدم أيام عبد الناصر، إنما الآن يتم استخدامها لهدف مختلف، لتعليم الناس الأخلاق. هذا الوزير لابد أن يجد طريقاً بين الاثنين، لا يمكن أن يتحيز ضد الفنانين والمثقفين، ولا يمكنه أن يدخل في صدام مفتوح ومباشر مع الإخوان، هذا الطريق لابد أن يرسمه له المثقفون ويساعدوه عليه، يعني هم ما الذي يريدونه، لا يريدون عريا، ولا سب دين، وخلافه، فليكن، نقول لهم ادعوا للناس بالحسني وليس بقانون.. أنك لو فعلت ذلك سيتم سجنك، أو إغلاق مسرحك، أو أنك تدفع غرامة. فهذه تكون نقطة تفاوض، وفي المقابل حرر لي قصور الثقافة المغلقة، امنحها للناس تشتغل، في كل مدينة فيها قصر مغلق هناك عشرون مجموعة ثقافية مشردة لا تجد مكانا تجتمع فيه ولا تقدم فيه عملها، علينا الدخول في هذه العلاقة وإجبار الوزارة علي الدفاع عن القطاع الثقافي أمام البرلمان وأمام الحكومة، علاقة لا هي تبني لأفكار الإخوان ولا هي في الوقت نفسه حرب مفتوحة بلا آخر، علاقة فيها مرحلية وفيها مكاسب حقيقية، ولا تنس أن الأمر الأهم من كل ذلك أن حرية التعبير والرقابة ليست مشكلة الإخوان وإنما مشكلة الشعب، شعب منغلق ومحافظ ويتبني قيما من القرن السابع عشر والثامن عشر إلي الآن.. العملية ليست سهلة إنما يتم توجيهه، أزمة الروايات الثلاث علي سبيل المثال، ودوما من يشعل النار هم الإسلاميون.. - صحيح، إنما نحن أيضا نحاول أن نشعل النار ولا تنشعل. ما الذي يدعو الجموع كلها للنزول، أنهم ضغطوا علي عصب الناس كلها معه. جيد، وهذا يقودنا إلي نقطة مهمة، مصير هذه المعركة التي تتحدثين عنها، نزول المثقفين إلي الشارع نتيجته الوحيدة هو الخسارة بسبب هذا الجمهور صاحب التقاليد المنغلقة والمعادي للثقافة.. - عملية التغيير ليست سهلة، ولن تتم في الانتخابات القادمة أو التي تليها، إنما لو صممنا وعملنا بجهد بعد ثلاث أو أربع انتخابات ستحدث، والشرط في هذا أن نتبني الطريق الديمقراطي رغم كل عيوبه وكوارثه، وأظن أننا جميعا نعرف ما تلك العيوب والكوارث، لكن لا يوجد طريق آخر لكي نكون بلدا طبيعيا، لدينا اقتصاد حقيقي، وتعليم وخدمات صحية ومواطن يحيا مثل أي مواطن في بلد طبيعي، هذا هو الطريق الوحيد، لم تجد البشرية غيره إلي الآن، يجب ألا يقول أحد نزيح الإخوان ونأتي بالعسكر لأنهم علمانيون، هذا شيء يثير الفزع.. وفي الحقيقة العسكر ليسوا علمانيين. - لا، هناك قطاع من المثقفين كانوا ومازالوا مع شفيق وطنطاوي وعنان لأنهم ضد الإخوان والإسلاميين، وهذا في رأية لا يقل عن كونه جريمة، أنا أريد أن ينجح الإخوان مرة، واثنتين، وثلاثا، وفي الرابعة لا ينتخبهم الناس، نكون قد عملنا لنصل إلي تلك النتيجة.. الالتحام بالناس ما فهمته من كلامك أنك تطالبين المثقف بأن يتحول إلي ناشط سياسي! - أفضل أن يكون ناشطا اجتماعيا سياسيا، ليس بالمعني الحزبي، وإنما أن يكون ملتحما بالناس، يتحدث بلسانهم وهم يتحدثون بلسانه، وليس معني هذا ألا يكون له رأي شخصي، وألا يتمرد، هو كل ذلك أيضا، إنما لابد أن نجد طريقة لتحويل هذا إلي لغة تشاركنا الناس فيها، لن ينفع أنها تكون لغتنا وحدنا، أنا تكلمت مع ناس يقولون أنتم تريدون حرية التعبير ولا تريدون الحرية، واحد قال لي ذلك بالضبط، قلت له حرية التعبير جزء من الحرية، قال لي.. لا، أصحاب حرية التعبير كانوا يريدون شفيق. انظر إلي هذا الاستنتاج المنطقي، وهو طبعا غير منطقي، إنما الناس عندها تلك الفكرة، الفنانون والمثقفون يريدون أحمد شفيق الذي هو جزء من نظام مبارك، والذي هو ضد الحرية، لكي يضمن لهم حرية التعبير، فأصبح هناك مواجهة بين الحرية وحرية التعبير، وهو أمر عبثي وسوريالي تماما، إنما موجود في أذهان الناس، وللأسف نحن لا نقوم بما فيه الكفاية لإثبات أن ذلك غير حقيقي. منذ فترة ترعون مبادرة لتطوير السياسات الثقافية في مصر ودول عربية، ما المقصود هنا بالسياسات الثقافية، وما الهدف الجوهري من المبادرة، وكيف يتم تنفيذها علي أرض الواقع؟ - الأمر بدأ مع برنامج للإدارة الثقافية قمنا بتنظيمه العام 2005، بهدف تدريب العاملين في حقل الثقافة علي إدارة مهرجانات، ومسارح، وخلافه، بعد ثلاث سنوات من العمل وجدنا أننا نصطدم دوماً بالأسئلة والمشاكل نفسها.. الحكومات لا تمول، لا توجد تراخيص، لا توجد هياكل. بدأنا نفكر أننا نعلم الناس وهم لا يستطيعون العمل ليس لعجزهم عن ذلك وإنما لأن المناخ العام مستحيل العمل فيه، لا مسارح، ولاأجهز ،لا كهرباء، لا بنية تحتية، المشاكل كثيرة جدا، وكنت بشكل شخصي بدأت أقرأ في السياسات الثقافية 2006، وبدأنا نعمل مسح للحالة الثقافية في العالم العربي، ودعونا 15 باحثا وباحثة من ثماني دول عربية وعملنا لهم تدريب علي أداة بحثية وضعها معهد ألماني، وأصدرنا بناء علي ذلك كتابا مبدئياً فيه مسحا للسياسات الثقافية في تلك الدول، ونظمنا مؤتمرا في لبنان العام 2010 لنعرض فيه ما وصلنا إليه، دعونا له وزراء الثقافة من بلدان عربية محل البحث، حضره مندوب عن الوزير المصري عماد أبو غازي، وكان وقتها الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، وجاء مندوب عن الأردن، والمغرب، والبقية تجاهلونا تماما، لكن المؤتمر كان ناجحا تماما وخرجنا منه يملؤنا الحماس، وكان من توصياته أن تؤسس مجموعات ثقافية من الدول الثمانية تعمل علي رصد ما يحدث، وعلي تطوير السياسات، ووجدنا أن الموضوع صعب جدا، مجرد أن تتكون مجموعة تعلو الأسئلة.. من أنتم؟ ومن أعطاكم الحق؟ وباسم من تتحدثون؟ لكن في النهاية تكونت مجموعات نشطة في المغرب، والجزائر، ومصر، والأردن، ولبنان، وتونس في الطريق، في الجزائر كتبت سياسة ثقافية كاملة، في المغرب عرضت المجموعة الموضوع علي لجنة الدستور وتم تبنيها بالكامل.. ديمقراطية الثقافة فهل تعني السياسات الثقافية إذاً الأدوات والبنية الأساسية للثقافة وليس فلسفة العمل الثقافي نفسه؟ - هي كل ذلك، هي ببساطة خطة، علي سبيل المثال السياسة الزراعية لمصر خلال الخطة الخمسية لابد أن يكون لها فلسفة، مثلا تحقيق الاكتفاء الذاتي، أو تحقيق حصيلة نقدية عالية، أو توسيع الرقعة الزراعية، مبدأ عام يتم ترجمته إلي قوانين وتشريعات وهياكل إدارية ومؤسسية وإلي بنية تحتية... وما المبدأ العام لمبادرة السياسات الثقافية لمصر؟ - ديمقراطية الثقافة وهذه مسألة أساسية، أن تكون مفتوحة لكل الناس، وليس فقط لفئة أو لمجموعة أو لمؤسسة الرسمية. ومشاركة المجتمع تكون واسعة. المبادرة كما أعرف قطعت شوطا كبيرا وتمت لقاءات مع الوزارة ومع لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشعب قبل حله، أرغب في معرفة مدي التقبل من الجهتين للمبادرة؟ - ما حصل كالتالي، المجموعة كانت تعمل علي نموذج سياسة ثقافية نفذتها شبكة أفريقية، وكان نموذجا صعبا ومليئا بالتفاصيل، ونتيجة تسارع الأحداث قررنا تلخيص أفكارنا في بنود قصيرة وإعلانها للناس، وبالفعل بعد مناقشات مطولة خرجنا بأربع أو خمس ورقات هم الإطار العام، وبدأنا نروج لما وصلنا إليه، أنا أعطيتهم لمحمد الصاوي فدعانا لعرضه علي لجنة الإعلام والثقافة بالمجلس، وهناك وجدنا أنهم دعوا أيضا مجموعة من الوزارة تضم: أحمد مجاهد، خالد عبد الجليل، محمد أبو سعدة، وسعد عبد الرحمن، واللجنة كانت كلها من الإخوان مع بعض السلفيين، لم يكن فيها أي شخص من حزب ليبرالي، والحقيقة كان واضحا ترحيب اللجنة بالمقترح، لكن رجال الوزارة تعاملوا معنا بطريقة "الضرة"، في البداية تحدث أحمد مجاهد عن التمويل الأجنبي، وأشار علي، وكان هناك كلام أكثر في اجتماعات تالية.. عن الناس التي لم تكن تملك شيئا وأصبح لديها الملايين، طبعا كلام هزلي، لكنهم عندما وجدوا أن اللجنة غير مستجيبة لاتهاماتهم، تغيرت النبرة وأصبحت: نحن نرحب بالتعاون مع المجتمع المدني، وأنه لا خلاف علي شيء. وتم القرار علي تشكيل لجنة ثلاثية من المجموعة الوطنية، ومن الوزارة، ومن مجلس الشعب، تبحث في كيفية نشر وتفعيل المقترح، لكن ما حدث أن الاجتماعات التالية تحولت إلي مهاترات.. كلام عن التمويل والخيانة والتطبيع، ولم تسفر الاجتماعات عن شيء، وزاد علي ذلك أن رجال الوزارة ذهبوا إلي مجلس الشعب وقالوا لهم أن هؤلاء لا يمثلون سوي أنفسهم، ولا يمثلون القطاع الثقافي المستقل، فقام المجلس بدعوة كل المؤسسات الثقافية المستقلة، وحضر هذا الاجتماع ما يقرب من أربعين مؤسسة مستقلة، وأنا لم أحضره، وفيه تم تبني المقترح من لجنة الإعلام والثقافة، وفي اليوم نفسه تم حل مجلس الشعب. وهل يعني حل المجلس أن المقترح أصبح كأن لم يكن؟ - ربما، لكن ما حدث سابقة تاريخية، وفي النهاية حصل شيء يمكن أن نبني عليه، يمكننا أن نذهب من جديد إلي مجلس الشعب بعد الانتخابات لعرض المقترح مرة أخري، ولا مانع لدينا من إعادة مناقشته، أو تعديل بعض بنوده إذا كان هناك رأي غالب لذلك. وهذا تمهيد لماذا؟ لإصدار مشروع بقانون مثلاً؟ - في كل بلاد العالم السياسة الثقافية تقدم من القطاع الثقافي، هذا القطاع قد يكون وزارة الثقافة وهذا ما نطالب به، أن تكون الوزارة متحدثة باسم المثقفين وليس باسم النظام، وهذه علاقة مختلفة تماما عما هي عليه الآن. الوزارة تأخذ المقترح إلي مجلس الوزراء والبرلمان ولابد من النص فيه علي أن ميزانية الثقافة في الخطة الخمسية لا تقل عن كذا، عن نصف الواحد في المئة، نحن نطالب بأن تكون واحد ونصف بعد ثلاث سنوات، هناك من يقول لك أن ذلك سيأتي علي حساب الصحة والتعليم، نحن مع الصحة والتعليم، ما نريده أن نقلل ميزانية الأمن والدفاع ومصاريف الرئاسة لحساب الصحة والتعليم
عن جريدة " أخبار الأدب "
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق