بقلم
سيد سعيد
خلال أحداث ثورة 25 يناير .. والتى طالبت بإسقاط نظام مبارك، أطلت علينا بعض الوجوه من خلال شاشة التليفزيون، وصفحات الجرائد، لتستثمر النزوع الدينى والأخلاقى عند المصريين، وتطالب بعدم الإساءة الى الحاكم، الذى هو بمثابة الأب .. ونحن لازلنا نذكر كيف استثمر السادات هذه النزعة العاطفية والأخلاقية للمصريين، وتحدث مراراً وتكراراً مؤكداً أنه كبير العائلة، وبالطبع لا يجوز أخلاقياً معارضة كبير العائلة " سى السيد"
والواقع أن الثقافة الأبوية، والتى يطلق عليها فى أدبيات علم الاجتماع، والثقافة السياسية ما يسمى "بالبطريركية" لا زالت سائدة فى مصر، رغم أن مصر على غير الكثير من البلدان العربية قد قطعت شوطاً طويلاً فى تحلل الهياكل البطريركية، التى لم يعد لها أساس اجتماعى واقتصادى، إلا أنها استمرت كنزعة ثقافية.
ويمكن فهم استمرار هذه النزعة الثقافية، رغم انهيار الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، الى أن الدولة المركزية الشمولية قد حلت محل الأبوية، حيث خضع المجتمع المدنى لعقد إذعان سياسى واجتماعى بدلاً من عقد الإرث الاجتماعى فى النظام الأبوى "البطريركى" .
إن هيمنة السلطة على الفضاء السياسى .. واختراقها لفضاء الحياة المدنية، لا يعود للعنف فقط ، فلفترة طويلة نسبياً ، تمتع النظام التسلطى بسبب سياسة إحتكار العمل السياسى ، وما يتبعه من أجهزة أيدلوجية وإعلامية، كما أن زعيمه الأوحد احتل عند الجماهير سلطة الأب، وهو ما كان ملحوظاً فى الفترة الناصرية.
ورغم انتقال مصر من رأسمالية الدولة ، الى النظام الرأسمالى الليبرالى؟! .. إلا أنه عملياً تحول الى رأسماليات عائلية ، ذات طابع احتكارى ، والتى تزاوجت مع السلطة السياسية – التى هى عائلية أيضاً – الأمر الذى أنعش الثقافة الأبوية ، والتى أنعشت بدورها الإمتياز الشمولى، والنظام الأبوى.
يعنى النظام الأبوى الشمولى تركيز كافة السلطات والصلاحيات بيد جهة واحدة، ومركز واحد لصنع القرار، وتركيز سلطات مطلقة لرئيس الدولة وسلطاته التنفيذية، وما يتفرع عنها من سلطات، وقد أدى النظام الأبوى الذى يتحدث باسم الجميع، وبالنيابة عن الجميع الى تهميش المجتمع المدنى والذى لم يعد له القدرة على تشكيل مؤسسات تمثل مصالحه أمام السلطة التنفيذية، والتى تملك كل السلطات.
والأبوية هنا تعنى الإعتقاد بأن للحاكم، وما يتبعه من مؤسسات الحق فى الوصاية على المجتمع، لأنهم يعرفون أكثر ، ويفكرون أفضل من المجتمع الذى يعتبرونه قاصراً، ونحن نذكر ما قاله مبارك للمفكر الراحل محمد السيد سعيد ، عندما طالبه بترك السلطة عام 2005 وعلى مشهد من عدد كبير من المثقفين بالحرف " على فكرة أنا بافهم أحسن منك "
هذه الثقافة الأبوية .. هى التى شجعت مبارك على التفكير فى توريث الحكم لإبنه .
والواقع أن محاولات التوريث من الأب الحاكم الى الإبن ليصبح حاكماً بدوره، ولكنه واقع ثقافى اجتماعى ، فلقد امتد التوريث الى الوظائف العامة .. فأستاذ الجامعة يورث وظيفته لإبنه، وإبن الطبيب لابد أن يصبح طبيباً ، وابن القاضى يكون قاضياً، وابن الفنان يصبح فناناً .. هذا الوضع الغريب تدعمه ثقافة سائدة.
إن شعار السلطة الأبوية هو الإمتثال والطاعة وهى هنا تلتقى مع التيار السلفى الذى يلوح بالنصوص المقدسة فى غير سياقاتها وفى ظروف متغيرة تفرض على الجميع أحادية التفكير.
ان تفكيك الثقافة الأبوية يتمثل فى ثلاث توجهات
- تطور اقتصادى تنموى يعتمد على تطور صناعى يستند على التكنولوجيات الفائقة
والمتوسطة.
- إشاعة ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان.
- مواكبة التطورات المعرفية والعلمية.
إن معركة التغيير فى الثقافة ستكون أكثر صعوبة ، وأكثر شراسة .. لا قيمة لتغيير سياسى إن لم تدعمه ثقافة متغيرة، وهذه مهمة المثقفين الوطنيين ، علينا أن نؤسس نموذجاً ديموقراطياً متكاملاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً قبل أى شئ.
فهل نبدأ ؟..
سيد سعيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق