سامح فتحي : حب مصر الوطن أكثر
من عشق السينما الفن
بقلم
صلاح هاشم
يسعد " سينما ايزيس" بنت ثقافة الحرية على الانترنت ان تقدم هنا هذه الدراسة المتميزة للناقد السينمائي الشاب المتميز سامح فتحي، وتطلب فقط حين اعادة نشر الدراسة في مكان آخر الاشارة الى المصدر، مراعاة لحقوق المؤلف، واسترشادا بالسلوكيات الجديدة الحميدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر التي أطلق شرارتها شباب الفيس بوك، وهم ايضا ابناء وبنات ثقافة الاتصال والحرية على الانترنت، وذلك باعطاء كل صاحب ذي حق حقه ، وعدم السطو على حقوق الغير، وتطهير الساحة النقدية العربية من لصوص المقالات التي كانت سمة من سمات كل الانظمة العربية القمعية الاستبدادية التي عاشت على نهب حقوقنا و ممتلكاتنا وثرواتنا عيني عينك في وضح النهار، وقد ذهبت او هي ان شاء الله في طريقها الى الذهاب والزوال ، مع كل تقاليد اللصوصية والنهب والسرقة الوسخة التي ارستها وكرست لها في الساحة قياداتها الاعلامية الضلالية التي كانت تروج عبرأغلب منابرها الاخبارية واعلامها الرسمي الحكومي للـ " الهراء العام" و..الخراء العام ايضا وارهاب وترويع المواطنين، ونريد ان يذهب زمنها الي الابد وبلا رجعة. وكانت هذه الدراسة للعلم نشرت اولا في مجلة " المصور" المصرية واعتبر سامح فتحي الذي تعرفت عليه عن قرب اثناء تواجدي في مصر الثورة من افضل الدارسين والعارفين والعاشقين للسينما المصرية وكان صدر له في العام الماضي كتاب بعنوان " ملصقات السينما المصرية " اصدره على نفقته الشخصية بعد ان داخ السبع دوخات في الحصول على تمويل او حتى أية مساعدة مادية من قبل أجهزة وادارات ووزارات الثقافةو الهيئات السينمائية الرسمية في مصر التي كانت تشتغل فقط كما يعرف الجميع لحساب عصابة مافيا مبارك ورجالاته والسيدة سوزان مبارك حرم الرئيس التي كانت كما قيل تدير حسابا خاصا بملايين الدولارات لمكتبة الاسكندرية بمعرفتها، واضطر في النهاية الى طبعه من قوت يومه وعلى نفقته وتوزيعه بمعرفته،وهو سامح للعلم ايضا يملك اضخم مكتبة لافلام السينما المصرية والافلام الروائع في تاريخ السينما العالمية ويكفي ان تفتح معه الحديث عن فيلم من هذه الافلام فاذا به تتملكه رجفة او رعشة خاصة - الم اقل انه عاشق حقيقي وسينيفيل فيل ونص للافلام ومهووس بسحر السينما- ويشرع في الحديث عن ذكرياته عن الفيلم المذكور مثل قطار ينهب الارض في طريقه من محطة مصر الى اعمق قرية على الحدود بين مصر والسودان ولايتوقف ابدا، وقد ساعدني سامح كثيرا في الحصول على نسخ نادرة من بعض الافلام المصرية الرائعة التاريخحية القديمة التي لن تجدها مهما بحثت عنها في اي سوق من اسواق الافلام ومكتباتها في بر مصر المحروسة، وكنت بحاجة ماسة الى دراستها ومشاهدتها ومراجعتها من جديد في محاولة للامساك باسرار سحرها الخاص الذي استطاعت به ان تستحوذ على قلوبنا وعقولنا حتي صارت قطعة من دمنا ومثل الدماء التي تجري في نبض وعروق شعب مصر العظيم ن فشكرا لسامح فتحي وتحية له لحبه الجليل لمصر من خلال عشقه وتقديره لفنها السينمائي وتقاليده و قيمه العريقة التي ارساها لتوظيف السينما كاداة في الثورة على الهوان والظلم والتغيير، وتمنياتنا له بالتوفيق في كل دراساته ومقالاته ومشروعاته السينمائيبة القادمة
صلاح هاشم
الثورات المصرية في عيون السينما
كتب / سامح فتحي
على الرغم من التأثير السلبي الذي انعكس على السينما المصرية من جراء ثورة شباب 25يناير ، والذي أدى إلى إغلاق دور السينما خلال موسم نصف السنة السينمائي ؛ مما نتج عنه خسائر فادحة لشركات الإنتاج السينمائي، التي كانت قد تأثرت كثيرا بسبب أحداث كنيسة القديسين في الإسكندرية، ثم جاءت الأحداث الأخيرة لتزيد من خسائر إيرادات الأفلام ،حيث يقدر منيب شافعي رئيس غرفة صناعة السينما خسائر السينما المصرية في هذا الشهر بنحو 100 مليون جنيه ،إلا أن هذه الخسائر لا تعد شيئا يذكر عند السينمائيين أنفسهم بجانب المكاسب التي حققتها هذه الثورة الفريدة من نوعها في العالم كله ؛ لذا كان تفاعل معظم السينمائيين مع أهدافها ، واشتراكهم الفعلي في تحقق نتيجتها الإيجابية ، هذا التفاعل الذي عرف عن السينما المصرية طوال مسيرتها العظيمة ، فلم تنفصل السينما يوما عن ممارسة الحقوق المشروعة للشعب المصري، وتأييد ثورته المباركة، سواء بالاشتراك الفعلي في حوادثها أو بإنتاج الأفلام التي تدعو إليها ، أو تبرز أحداثها وتصور وقائعها ، ذلك أن القطاع السينمائي هو الجزء المجسد للأحلام الشعبية بصورة مرئية على الشاشة .
فمن الأفلام ذات الصبغة الثورية على ظلم الحاكم فيلم " ليلى بنت الصحراء" 1937، عن قصة ( ليلى العفيفة) لعادل الغضبان ،الذي أنتجته الفنانة بهيجة حافظ ،وقامت بدور البطولة فيه أمام حسين رياض وزكي رستم وعباس فارس، كما قامت بوضع الموسيقى وتصميم الأزياء ، وبلغت تكاليفه حوالي 18 ألف جنيه، ولاقى نجاحاً كبيراً، كما عرض الفيلم في مهرجان برلين الدولي، كأول فيلم عربي ناطق يعرض في هذا المهرجان ويحصل علي جائزة ذهبية. ورشح للعرض في مهرجان البندقية ، وعندما سافرت بهيجة وزوجها إلى إيطاليا للاشتراك في المهرجان،فوجئا بصدور قرار من وزارة الخارجية المصرية بمصادرة الفيلم ، ومنع عرضه في الداخل والخارج لأسباب سياسية، بعد مُضي عام على عرضه الأول ، وذلك بسبب احتجاج الحكومة الإيرانية على اعتبار أن الفيلم يسيء إلى تاريخ كسرى أنوشروان ملك الفرس القديم. وبمصادرة الفيلم، تكبدت شركة فنار فيلم خسائر فادحة ، وبعد ست سنوات رفع الحظر عن فيلم ليلى بنت الصحراء وذلك بعد أن رفعت الشركة دعوى تعويض على الحكومة ، وانتهاء الظروف السياسية التي أدت إلى مصادرته، لكن الرقابة اشترطت إدخال بعض التعديلات عليه بالحذف والإضافة ، وتغيير الاسم إلى "ليلى البدوية".وفي الفيلم يظهر ظلم واستبداد الحاكم كسرى الذي يخطف الفتاة البدوية ليلى ، ويراودها عن نفسها فترفض أساليبه ؛ مما يعرضها لعذابه وقسوته حتى يستطيع ابن عمها وحبيبها البراق ، بمساعدة أحد الثوار الهجوم علي قصر كسرى ويقتلانه، وينقذان ليلى ويعودان بها إلى أهلها .
كما كان من أوائل الأفلام المصرية الداعية للثورة على النظام الملكي الفاسد – بصورة غير مباشرة بالطبع في ذلك الوقت – فيلم " لاشين " 1938 ،الذي يعده بعض النقاد من أعظم الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية ، والذي مهد الطريق لثورة يوليو 1952 ، وفتح أبواب الأمل لتحققها قبل حوادثها بأربعة عشر عاما كاملة ، وهو من إنتاج أستوديو مصر ، وبطولة حسن عزت الممثل الذي درس التمثيل بفرنسا ، وكان هذا العمل هو أول عمل له ، وشاركته البطولة نادية ناجي ، وضم الفيلم حسين رياض ومحمود السباح ، وحسن البارودي مع عشرة آلاف ممثل وممثلة ، وهو من حوار أحمد رامي ، وسيناريو أحمد بدرخان ، وإخراج الألماني فريتز كرامب. ومنعت الرقابة في وزارة الداخلية عرض فيلم لاشين في يوم عرضه ؛ لأن به مساسا بالذات الملكية. ويحكي الفيلم قصة قائد الجيش لاشين " حسن عزت " الذي يحبه الشعب كله والسلطان؛ لانتصاره على أعداء البلاد ، ويهدي لاشين للسلطان " حسين رياض " جاريه تدعى كليمة " ناديه ناجي " ، كان قد أحضرها هدية من حاكم سوهو، فيسعد بها السلطان لجمالها وتنضم لحريمه ، ويحاول السلطان معاشرتها وإظهار حبه لها، لكنها ترفض هذا الحب ، مما يجعله يغضب عليها ويأمر بسجنها ، وفي الوقت ذاته تحاول مجموعة من الفاسدين من حاشية السلطان بزعامة الوزير كنجر " فؤاد الرشيدي "الإيقاع بين السلطان ولاشين, وينضم إلى هذه المجموعة كيشار " عبد العزيز خليل " رئيس الأغوات ، وتحاول هذه الفئة الفاسدة أن تؤكد للسلطان أن سبب رفض الجارية حبه تعلقها بلاشين الذي أغواها ؛ مما يوغر صدر السلطان عليه . وتحل مجاعة كبرى بالبلاد ، ولا يجد الجائعون ما يسد رمقهم بعد تحكم الفاسدين في مخازن الطعام ، مما يدفع الفلاح الثائر يوسف " أحمد بيه " بقيادة ثورة شعبية للاستيلاء على مخزن الطعام.وتهرب كليمة من سجنها في أثناء هذه الحوادث ، لكن يتم القبض عليها وإعادتها للسلطان ، ويقترح الوزير كنجر على السلطان أن يرسل كليمة إلى لاشين ليفضح علاقة الحب بينهما ، فيستحق هنا القتل لأنه أغوى جارية السلطان التي يحبها! وتشتد ثورة المواطنين الجائعين, ويتأكد لاشين من أنه لم يتم توزيع الطعان عليهم حسب أوامر السلطان. ويلعب السلطان الشطرنج مع لاشين بحيث تنال كليمة حريتها في حالة فوز لاشين, ويفوز فعلا فيغضب السلطان ويأمر بسجن لاشين ، ويصمم على قتله، وتحاول كليمة التي تحب لاشين أن تثبت للسلطان براءة لاشين لكن السلطان يرفض ، فتنتحر بالسم من خاتم في يدها أمام السلطان ، ويقتحم الثوار السجن لإنقاذ لاشين ، ويطلب كنجر تنفيذ حكم الإعدام في لاشين فورا, ولكن الثوار ينقذون لاشين والسلطان أيضا من تآمر كنجر. وبعد انتهاء جزء كبير من تصوير الفيلم وجهت وزارة الداخلية, التي تتبعها الرقابة على الأفلام السينمائية, اعتراضها إلى مسائل تفصيلية تمس النواحي الاجتماعية والسياسية التي قد تترك في نفس الجمهور أثرا غير مستحب. واقتنعت إدارة أستوديو مصر بهذه الاعتراضات وأجريت التعديلات المطلوبة في السيناريو, . وكان فيلم لاشين يربط في شجاعة بين الفساد السياسي والخيانة والانهيار الاقتصادي, وينتهي بتحقيق إرادة الجماهير في تولي كرسي البلاد قائد محبوب من الشعب وقتل السلطان. واضطر أستوديو مصر إلى تصوير نهاية جديدة ينتصر فيها السلطان العادل، وينعم بحب شعبه بعد سحق المؤامرة! وأعيد عرض الفيلم بالنهاية السعيدة في14 نوفمبر1938.
كذلك من أفلام الثورة والوطنية فيلم " مسمار جحا " 1952 م من إخراج إبراهيم عمارة ، وتأليف على أحمد باكثير ، وسيناريو أنور وجدي ، وبطوله عباس فارس وشهرزاد ، وعبد العزيز أحمد وشفيق نور الدين ، وإسماعيل يس ، وكمال الشناوي ومارى منيب ، وزكى رستم وعدلي كاسب ، ويتناول فترة احتلال الأتراك لمدينة الكوفة ، ومظالمهم ومفاسدهم، وكان بالمدينة إمام يدعا جحا، دائما ما يدعو الناس للهدية وطريق الصلاح والاستقامة ، وكان يخطب فيهم مبينا مساوئ الاحتلال والظلم الواقع على الناس ؛مما جعل الحاكم التركي للمدينة يأمر بفصله من عمله ، ثم سجنه والاضطرار تحت ضغط الناس للإفراج عنه ، فيواصل جحا كفاحه ضد الظلم والاستبداد .
ويقوم حسين صدقي ذو النزعة الوطنية بإخراج فيلم " يسقط الاستعمار " 1952 ، وهو من تأليفه وله السيناريو أيضا ، ويحكي قصة الأستاذ فهمي مدرس التاريخ الذي خرج من منزله في مارس 1919 ليحضر طبيبا لعلاج زوجته التي تعاني آلام الوضع ، وتصادفه مظاهرة وطنية تهتف لسعد زغلول الزعيم الوطني ، فيندمج معهم ويموت شهيدا برصاص الإنجليز ، فتضع زوجته ابنه وتربيه على كراهية الإنجليز المحتلين ، ويكبر ويصبح من أكبر المقاومين للاحتلال في مصر والسودان ؛ مما يعرضه للاعتقال لكنه يصر على موقفه حتى ينجح مع رفاقه في إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية 1936 ، التي كان قد عقدها مصطفى النحاس باشا مع الإنجليز وكانت جائرة للمصريين .
ومن أعظم الأفلام الوطنية فيلم " مصطفى كامل "1952 الذي أخراجه أحمد بدرخان ، وألفه فتحي رضوان ، ووضع السيناريو أنور أحمد الذي قام بدور الزعيم مصطفى كامل ، بمشاركة ماجدة وأمينة رزق، وحسين رياض ومحمود المليجى ، وعبد العليم خطاب وعباس رحمي، وزينب صدقي ، ويحكي الفيلم قصة جهاد الزعيم مصطفى كامل الذي وهب نفسه لمواجهة المستعمر الإنجليزي لمصر، وكتب مقالات تهاجم الاستعمار ، ومرض مصطفى كامل واضطر للسفر إلى فرنسا للعلاج، وهناك تصله أخبار عما حدث في قرية دنشواي ،والمذابح التي تمت، فيجدها فرصة للسفر إلى لندن للمطالبة باستقلال بلاده، ويعود مرة أخرى إلى وطنه مصر، إلا أن المرض تمكن منه، ويساند مصطفى كامل أخوه، وأيضًا أستاذه وابنة الأستاذ التي تحبه في صمت، ويموت مصطفى كامل وقد ترك رجال حزبه يواصلون الكفاح من أجل حرية واستقلال مصر.
ويقرر الفنان سراج منير إنتاج فيلم "حكم قراقوش" عام 1953عن قصة وطنية لفترة مصرية تؤرخ ما ساد فيها من الظلم والاستبداد من قبل الحاكم ، فتكلف الفيلم مبلغا كبيرا وقتها وهو أربعون ألفاً من الجنيهات ، بينما إيراداته لم تتجاوز العشرة آلاف ، مما اضطر سراج منير أن يرهن الفيلا التي بناها لتكون عش الزوجية مع زوجته الفنانة ميمي شكيب ، وكان الفيلم من إخراج فطين عبد الوهاب ، وبطولة محمد الديب ونور الهدى ، واستيفان روستى وسراج منير ، ورياض القصبجى وميمي شكيب، وزكى رستم " قراقوش " ، وعمر الحريري واسكندر منسي وزوزو شكيب .
وفي عام 1954 ينتج جبرائيل تلحمي للسينما المصرية فيلم " صراع في الوادي " للمخرج يوسف شاهين ، وتمثيل فاتن حمامة وفريد شوقي وعمر الشريف وزكي رستم. وتدور أحداث الفيلم في صعيد مصر قبل ثوره يوليو، ويظهر علاقة الشعب المصري بطبقة الباشوات الذين يتحكمون في مصيره ، ويتنبأ باستطاعة الشعب الانتصار عليهم وكشف ألاعيبهم ضده ،فمن خلال الفيلم نجد المهندس الزراعي أحمد ابن ناظر الزراعة يساعد الفلاحين في تحسين نوعية القصب ؛ مما أدى إلى تحسن نوعية الإنتاج ، فتتعاقد شركة السكر معهم بدلا من الباشا الإقطاعي ، مما يثير غضبه ويتآمر مع ابن أخيه رياض على تدمير محاصيلهم. فيتآمر رياض ويقتل الشيخ عبد الصمد ، ويتهم صابر ناظر الزراعة والد أحمد الذي يرتبط بعلاقة عاطفية مع آمال ابنة الباشا ، ويطارد سليم ابن القتيل المهندس الزراعي طلبا للثأر ، ويحاول أحمد إثبات براءة والده لكنه يفشل، ويتم إعدام صابر.وتتأزم الأحداث عندما يرفض الباشا زواج ابنته من رياض؛ مما يدفعه إلى إبلاغ البوليس ، ويقوم رياض بقتل عمه، ويعترف الباشا بجرائمه قبل أن يموت ويتم القبض على رياض.
ويخرج أحمد بدرخان فيلم " الله معنا" 1955بطولة عماد حمدي وفاتن حمامه وشكري سرحان وماجده وحسين رياض ومحمود المليجي ، والذي كتب قصته إحسان عبد القدوس بالاشتراك مع الصحفي الكبير "سامي داود" في أعقاب الثورة مباشرة ، وكان من المفترض أن يصبح أول فيلم سينمائي يستقبل الثورة ، ولكن الرقابة التي كانت تابعة وقتها لوزارة الداخلية رفضت التصريح بالفيلم بدون إبداء الأسباب. وقد حاول "إحسان" أن يحمي فيلمه والذي تناول قضية الأسلحة الفاسدة ، والتي سبق وأن فجرها "إحسان" في أكثر من مقال صحفي على صفحات مجلة "روز اليوسف" ، وباءت كل محاولاته بالفشل، ومر على هذه الواقعة عامين ، ولم يجد أمامه سوى اللجوء إلى صديقه "جمال عبد الناصر" بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية. ووافق "عبد الناصر" على أحداث الفيلم كاملاً ، والذي كان يرمز إلى إبرز رجال الثورة بدون أن يذكر صراحة أسماءهم . ويحكي الفيلم عن ذهاب الضابط عماد للمشاركة في حرب فلسطين بعد أن يودع خطيبته ابنة عمه التاجر الثري ، ويصاب عماد ويتم بتر ذراعه ، ويعود مع عدد من الجرحى والمشوهين ، وهذا يؤدي إلى حركة تذمر بين رجال الجيش ، الذين يعرفون أن هناك رجالا وراء توريد الأسلحة الفاسدة للجيش ومنهم والد نادية . تتكون مجموعة من الضابط الأحرار الذين أخذوا على عاتقهم أن ينتقموا لوطنهم ، ويطلب عماد من نادية البحث في أوراق والدها على دليل يؤيدهم ، وعند القبض على والد نادية يموت أثر انفجار قنبلة يدوية فاسدة . وتنتهي الأحداث بالإطاحة بملك البلاد وتحرير الوطن .
ويساهم محمود المليجي في محفل الأفلام الوطنية بإنتاج فيلم " سجين أبو زعبل " 1957 من إخراج نيازي مصطفى ، وقصة محمود المليجي ، وسيناريو وحوار السيد بدير ، وتمثيل محسن سرحان ومحمود المليجي ، ومنيرة سنبل وزهرة العلا ، وإستيفان روستي وعلوية جميل ، وسعيد أبو بكر، حيث يظهر حرص أبناء مصر على الدفاع عنها ضد المحتل الغاصب ، وهو هنا العدوان الثلاثي الذي وقع على مصر ، وأصابت قنابله أسوار سجن أبي زعبل ، حيث كان رياض وعثمان يقضيان عقوبة السجن بتهمة الاتجار في المخدرات ، والحقيقة أن كلا منهما قد دبر للآخر هذه الجريمة ، فعثمان دبرها للرياض لرفض رياض حب عثمان لشقيقته سميحة ؛ مما جعل رياض يسجن ويتعطف معه في السجن أحد الأشقياء الذي ما أن يخرج حتى يدبر لعثمان جريمة الاتجار في المخدرات ، فيلتحق عثمان مع رياض بالسجن، وهنا تقع أحداث العدوان الثلاثي ، وتفجر القنابل أسوار السجن مما يجعل المساجين ومنهم رياض وعثمان يتحولون إلى وطنيين ، ويخرجون للدفاع عن مصر، ويستشهد عثمان ، ويعرف الشعب المصري بوجود جواسيس أجانب في مصر يعملون لصالح العدوان ، فيقاومهم، ويتخلصون منهم .
ويدخل فريد شوقي ملحمة الأفلام الوطنية من خلال إنتاجه فيلم "بورسعيد - المدينة الباسلة" 1957، والذي أخرجه عز الدين ذو الفقار ، وقد صورت مشاهد الفيلم الخارجية في أماكنها الطبيعية في مدينة بورسعيد الباسلة سواء في وقت العدوان ، أو عقب الانسحاب ، كما كانت مشاهده الداخلية في أستوديو مصر، وكان الفيلم بإشراف وبتكليف مباشر من رأس الدولة جمال عبد الناصر ، واشترك في الفيلم عدد كبير من نجوم الخمسينات من بينهم فريد شوقي، وهدى سلطان، وليلى فوزي، وشكري سرحان، وزهرة العلا، وأمينة رزق، وحسين رياض، وزينب صدقي، ورشدي أباظة، وتوفيق الدقن، وعدلي كاسب، ونعيمة وصفي، ونور الدمرداش، وسراج منير، وأحمد مظهر الذي كان في أدوراه الأولي ، وعز الدين ذو الفقار مخرج الفيلم. وقد أهدي فريد شوقي نسخة من الفيلم إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، وكتب فريد شوقي رسالة إلى "زعيم الحـرية جمال عبد الناصر" ، نشرتها جميع الصحف حينها بنفس العنوان ، تلخص موضوع الفيلم ، وتوضح رسالة الفن تجاه مساندة الحرية ، ومطالب الشعوب ، نرى من الأهمية ذكرها ، حيث قال فيها : " إن اللحظات التاريخية التي اجتازها شعب مصر خلال العدوان الثلاثي الغاشم أثبتت للعالم أننا شعب مجيد، قاوم بربرية المستعمرين ببسالة، وسطر في التاريخ بنصره أروع مواقف البطولة وهو يكافح من أجل القيم الإنسانية والحضارة والمستقبل، ومن أجل أن يسود السلام والحرية والطمأنينة والخير. والفن المصري الذي كان مجرد وسيلة للتسلية في العهود البائدة، التي ساندت الاستعمار ضد الشعب، عرف دوره في هذه المعركة الوطنية ،فساهم ليصنع الساعات التاريخية بما وسعه الجهد، من أجل انتصار الإنسانية على البربرية، وانتصار الخير على الشر، وانتصار الحرية على الاستعمار. كان هناك دور ينتظر الفن، دوراً أكبر مما قام به خلال المعركة ،وهو يسجل وحشية المستعمرين وبربريتهم وخستهم وفظائعهم. قررت أن أنتزع للفن شرف القيام بهذه المهمة الجليلة، فأنتجت فيلم بورسعيد؛ الذي أقدمه اليوم مسجلاً فيه ما ارتكبته قوى البغي والعدوان من همجية وبربرية ووحشية. إن فيلم بورسعيد سيقول للعالم الحر المؤمن بحق الإنسان في أن يعيش في سلام، بأنه رغم ما ارتكبته قوات الاستعمار الغاشم في المدينة الباسلة بورسعيد، إلا أنها عاشت لتعلن العالم أن الحرية ستنتصر في النهاية. إننا نؤمن اليوم بأن الفن رسالة ضخمة في الطريق الذي تسعي إليه البشرية من أجل إقرار السلام والحب والطمأنينة والخير، ولهذا جندنا كل قوانا ومواهبنا لتحقيق هذا الهدف السامي ".
ونتيجة للرابطة القوية بين يوسف السباعي ضابط الجيش والأديب الشهير ، وعز الدين ذو الفقار ضابط الجيش والمخرج المميز ، ينتج عمل " رد قلبي " 1957الذين يعكس رؤية قصصية واضحة ليوسف السباعي ، يؤمن بها تمام الإيمان عز الدين ذو الفقار ، فكلاهما ضابط في الجيش المصري في الفترة الحرجة التي شهدت معارك فلسطين في عام 1948 ، والاعتداء على مصر في عام 1956 ، ومرحلة النكسة 1967 ، حتى الانتصار في 1973 ، مع معايشتهما لثورة 1952 ، تلك الثورة التي غيرت تركيبة المجتمع المصري كله وليس الجيش فقط ، فقد انتهى بقيامها مجتمع النصف في المائة ، ليحل مكانه المجتمع الاشتراكي الذي يؤمن بالحرية والمساواة ، وأنهما حق أصيل لأبناء مصر كلها ولم يكونا أبدا حكرا على طبقة النبلاء والأجانب ، فكانت الثورة هي مراد وحلم كل مصري فضلا عن ضباط الجيش الذين عانوا بأنفسهم من ويلات فساد الملك ، وقضية الأسلحة الفاسدة التي خطفت شباب الضباط في معارك كانت محسومة للمصرين ، لولا تلك الأسلحة التي أعطت النصر لليهود بسبب فساد ورشوة الملك وانتفاعه من تجار تلك الأسلحة . وبقيام الثورة كان يوم العيد الأساسي للضباط المصرين مع كل مصري ، لذلك كانت رواية " رد قلبي " مكتوبة بإحساس فني عال ، يعكس شعور ضابط في الجيش المصري بثورة يوليو، وكان اختيار عز الدين ذو الفقار لإخراجها عاكسا للشعور ذاته ، ومن الشخص الذي اكتوى بويلات الفساد الملكي، وظهرت الحرفية العالية من الكاتب والمخرج في الفيلم فلم يكن فيلما مباشراً يتحدث عن الثورة وما كان قبلها من فساد بصورة تجعله فيلما دعائيا ، لا يجد صداه سوى عند طبقة بعينها ، لكنه صيغ في قالب جذاب لكل المشاهدين ، حيث يحمل العبرة والعظة والصورة الحقيقية بطريقة غير مباشرة ، وقد يكون تأخر هذا العمل عن قيام الثورة بخمس سنوات كاملة – حيث أنه أنتج في عام 1957 – هو العامل الأساسي في تلك الصورة البعيدة عن المباشرة ، لأن ذلك الوقت بين الثورة والفيلم كفيل لفهمها وتمثلها جيدا بروح الوعي والعقل وليس بالانفعالية والارتجال التي تسود الأعمال المعاصرة للحوادث.
وتنتج السينما المصرية فيلم " عمالقة البحار " 1960،للمخرج السيد بدير الذي كتب له السيناريو والحوار كذلك ، وكان من تأليف محمد مصطفى سامي ، ويحكي الفيلم قصة مجموعة من رجال القوات البحرية المصرية أثناء العدوان الثلاثي على مصر، من بينهم سوريون أشهرهم الملازم جول جمال الذي قاد قاذفة طوربيدات مصرية ، ونجح في أن يصيب المدمرة الفرنسية جان بارت بالشلل .
ويعد فيلم " في بيتنا رجل " 1961من إخراج بركات ، وقصة أحسان عبد القدوس ، وسيناريو يوسف عيسى وبركات ، وحوار يوسف عيسى ، وتمثيل زبيدة ثروت وعمر الشريف ، وزهرة العلا وحسن يوسف ، وتوفيق الدقن وحسين رياض ، ورشدي أباظة وناهد سمير ، ويوسف شعبان، من الأفلام المعبرة عن الثورة ، حيث أنه تناول الكفاح المسلح ضد الاستعمار في فترة ما قبل الثورة ، من خلال إبراهيم حمدي الذي يقوم باغتيال رئيس الوزراء الخائن المتعاون مع الاستعمار، وبعد أن ينجح يصبح عليه الهرب ، فيلجأ لأسرة لا علاقة لها بالسياسة ليغير من حياتهم ، ويخرج في النهاية لينهي حياته بعملية فدائية جديدة. وقد استطاع بركات تنفيذ مشهد الطلبة أعلى الكوبري وفتح النيران عليهم بكل حرفية ودقة ، فبرع في توظيف المجاميع بصوره تجسد الحدث وترسمه كما وقع بالفعل ، وكأن المشاهد يستدعيه من الماضي ، ولذلك أصبح هذا المشهد من كلاسيكيات السينما المصرية التي يستعين بها بعض المخرجين في الأعمال التي تجسد تلك الفترة .
عندما أراد القطاع العام السينمائي في الستينيات إنتاج ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة في عمل سينمائي مميز يعكس روح مصر في فترة ثورة 1919 ، وطبيعة الشعب المصري ذلك الوقت ، وتلاحمه مع عناصره المختلفة لمواجهة الظلم والاستبداد والاحتلال ، اختار حسن الإمام ليخرج فيلم " بين القصرين " 1964 ، سيناريو وحوار يوسف جوهر، وقصة نجيب محفوظ ، وتمثيل يحيى شاهين ومها صبري ، وصلاح قابيل وزيزي البد راوي، وعبد المنعم إبراهيم ونعمت مختار ، ومحمد رضا، ، فكان بين القصرين من أفضل هذه الأجزاء ، حيث وقع الاختيار على شادي عبد السلام ليكون مصمما للملابس ، ومديراً للديكورات الخاصة بتلك الفترة ، أي ما قبل ثورة 1919، وكان لهذا الاختيار أثره الكامل في نجاح العمل وقبول الجماهير له ، حتى أنه أصبح واحداً من أهم كلاسيكيات السينما المصرية التي تصور المجتمع المصري وأحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل ثورة 1919 ، كما يصور العمل بصورة لم يسبق لها حوادث ثورة 1919 كاملة ، وكأنه قد سجل تلك الحوادث من الواقع ، فأصبح العمل المرجع في هذه الحوادث رغم أنها ممثلة ومخرجة عن طريق حسن الإمام ، وصارت هذه الحوادث أرشيفا حقيقياً تنهل منه الأعمال السينمائية اللاحقة عندما تتعرض لثورة 1919، فهي تكتفي بأن تأخذ لقطات من فيلم بين القصرين لتوحي بالثورة أو تصورها في الحوادث التي تدور حولها . ولم يكن هذا النجاح ليتحقق إلا بوجود عبقري تصميم الملابس والديكور شادي عبد السلام ، الذي استطاع بهذه العبقرية أن ينقل المشاهدين إلى فترة زمنية لم يعاصروها ، وجعلهم يقفون وسط الحوادث وكأنهم من أبناء تلك الفترة ، فكانت الديكورات في منتهى التعبيرية ، معتمدة اعتماداً كاملاً على ماديات تلك الفترة التي لم يكتف شادي بمعرفتها من خلال السماع من الذين عايشوها ، ولكنه قرأ عنها بصورة مستفيضة ، ورسم لوحتها قبل أن يبدأ التصوير ، وراجع تلك اللوحات على الوقائع التاريخية حتى وجد التماثل الكبير بين الواقع الحقيقي والصورة التي رسمها وهنا بدأ التصوير .
وقد وضع القطاع العام كل الإمكانيات في سبيل إخراج عمل يجسد ثورة 1919 ، لذلك لم يتوان شادي في وضع كل ما كان موجوداً في هذه الثورة من ملابس تلائم المجاميع المختلفة رجالاً ونساء ، وأطفالاً وشيوخاً ، وأرباب حرف مختلفة ، وأماكن متباينة ، ووسائل مواصلات مثل الترام المفتوح الذي أزاحه الثوار عن مكانه ليكون ساتراً لهم من رصاص الإنجليز ، وأماكن مقدسة مثل المساجد والكنائس التي أبدع الإمام في تصوير تبادل المشايخ والقساوسة الخطب الثورية فيها ، بما يؤكد ما كان متحققا بالفعل في تلك الفترة من الروح الوطنية ، فكانت الملابس والديكورات أهم عوامل نجاح العمل ومشعره بتلك الفترة بطريقة طبيعية لافتعال فيها .
ويأتي فيلم " القاهرة 30" 1966 كصورة سينمائية للفساد الذي كان سائدا في فترة الحكم الملكي ، حيث تتنبأ روية محفوظ بثورة يوليو ، مما جعل صلاح ابو سيف يعجب بالقصة ويقرر إخراجها ويشارك في وضع سيناريو الفيلم مع على الزرقاني ووفيه خيري ،وحوار لطفي الخولي ، و تمثيل سعاد حسنى وأحمد مظهر ، وحمدي أحمد ويوسف وهبي ، وعقيلة راتب وعبد المنعم إبراهيم ، وبهيجة حافظ . فقد كتب نجيب محفوظ رواية " القاهرة الجديدة " عام 1945 ، ووضع فيها رؤيته للحياة في مصر فترة الثلاثينات ، ورأى أن مصر تنهش من ثلاث اتجاهات ، هي القصر بنظام الملكية الفاسد ، والإقطاع ، والاحتلال الإنجليزي ، ولم يجد علاجا سوى اتباع النظام الاشتراكي ليخلص البلاد من هذا البلاء ، وقد التقط صلاح أبو سيف هذه القصة وفكر في تنفيذها سينمائيا بداية من عام 1945 ، وتقدم بها للرقابة أكثر من مرة ، لكنها كانت ترفض حتى وافقت الرقابة عليها بعد الثورة 1952، وبعد أن أجرى أبو سيف بعض التعديلات مثل تغيير اسم العمل إلى " القاهرة 30 " ليدفع أي فهم خاطئ من الممكن أن يحدث عن فترة الحوادث .
ومن الأفلام التي تعكس أثر ثورة يوليو على طبقة الفاسدين من الموظفين الحكوميين فيلم " السمان والخريف " 1967 إخراج حسام الدين مصطفى ، وقصة نجيب محفوظ ، وسيناريو وحوار أحمد عباس صالح ،وتمثيل نادية لطفي ومحمود مرسى ، وعبد الله غيث وليلى شعير ، وإحسان القلعاوي ونعيمة وصفى ، وعادل أدهم . ويصور حياة عيسى الدباغ الشاب المرموق من شباب الأحزاب التي انتهى دورها بعد ثورة يوليو، حيث يفقد اتجاهه ويعجز عن الالتحام مع الثورة، ويستبعد من المراكز الحساسة، ويلتقي بفتاة الليل زيزي التي تتعلق به وتخلص له، وعندما يكتشف أنها حامل يطردها، يعيش مختبئًا ، وبعد مرور ست سنوات يفاجأ بزيزي التي تتزوج من صاحب محل عجوز.
وعلى درب الأفلام المعارضة لنظام عبد الناصر والتي ظهرت في عهده واحتاجت موافقة شخصية منه لعرضها كان فيلم " المتمردون "1968 م الذي يظهر أن هناك فئة قليلة من رجال الثورة تنعم بكل الخيرات بينما معظم الشعب يرزح تحت نير شظف العيش، وتم تقديم هذا التصور بصورة رمزية ، حيث يتحدث عن ذهب الدكتور عزيز للعلاج إلى إحدى المصحات العلاجية النائية وسط الصحراء ، ويكتشف خلال تواجده أن المصحة تنقسم إلى قسمين، أفضلهما يتواجد فيه المرضى الذين يملكون الثروة والمال ، وينعمون بالعلاج المنتظم والماء المثلج والمراوح في قيظ الحر. أما القسم الأغلب فهو مرضى الدرجة المجانية ، حيث يتكدسون في عنابر حرمت وسائل الحياة والعلاج والمعاملة الإنسانية، ويتمرد المرضى على الفساد السائد، ويستولون على المصحة ، وقد هدتهم المحنة ويطردون المدير ويختارون د. عزيز زعيمًا لهم ، ولكنهم يعجزون عن إدارتها، وتقضى السلطات على التمرد ، ولكن يبقى الأمل في التغيير.والفيلم من إخراج توفيق صالح ،وتأليف صلاح حافظ ،وسيناريو وحوار توفيق صالح ،وتمثيل شكري سرحان وتوفيق الدقن وحمدي أحمد وسعيد خليل.
ويأتي فيلم "شيء من الخوف"1969 للمخرج حسين كمال كفيلم نادر من الأفلام التي تنتقد جمال عبد الناصر ونظامه في حياة جمال عبد الناصر وبالطبع كان هذا النقد بصورة رمزية تماما بعيدا عن التصريح حيث رمز عتريس لعبد الناصر مما جعل الرقابة تعترض على العمل لهذا السبب الأمر الذي استدعى مشاهدة عبد الناصر للفيلم وتصريحه بعرضه بعدما قال : "لو كنت أنا مثل عتريس فاستحق ما جرى له في الفيلم" . وقام ببطولة الفيلم محمود مرسي وشادية ويحيي شاهين . وقد أراد حسين كمال أن يقدم صورة تنطبق في كل زمان ومكان دون تمييز لواقع محدد ، حيث الظلم والجبروت والقسوة كلها تأتى من الخضوع والاستسلام ، فكان الشكل الملحمي للفيلم هو الطريقة المثلى للتعبير كما أراده حسين كمال ،حتى لا يقع تحت طائلة زبانية النظام ،فبدأ العمل يأخذ ذلك الشكل منذ كتابة الأسماء في البداية ، فالأسماء مكتوبة بصورة قديمة مثل تلك الموجودة في المخطوطات التي كان الأبنودي يجمعها مع طريقته في حفظ التراث القديم لسيرة أبي زيد الهلالي سلامة التي عكف الأبنودي على جمعها زمنا طويلا ، فأثر بتلك الروح الملحمية في العمل ، فكانت الأسماء ترسم على صور من النوع الذي كان يزين مخطوطات التراث الشعبي في ألف ليله وليلة ، وأبو زيد الهلالي ، وسيرة عنترة وغيرها ، حيث صور لأشخاص في ملابس قديمة من عصور غابرة، وهم في حالة من الخوف وكأنهم يعطون فكرة مسبقة عن العمل وإطاره وحوادثه .
ويقدم فيلم " غروب وشروق " 1970 صورة مصر قبل الثورة ويكرس للثورة وقيمتها ، وهو من إخراج كمال الشيخ ، وقصة جمال حماد ، وسيناريو وحوار رأفت الميهي ، وتمثيل سعاد حسنى ورشدي أباظة، وصلاح ذو الفقار و محمود المليجى ، وإبراهيم خان ومحمد الدفراوي ن وكمال ياسين. ففي أول عمل له كاتبا للسيناريو استطاع رأفت الميهي أن يثبت أنه كاتب موهوب استغل قصة جمال حماد – وهو من ضابط الثورة – ووظفها بصورة سينمائية ممتازة من ناحية الترابط الدرامي ، ورسم الشخصيات في سلوكياتها ، وتصرفاتها ، بحيث تأتى مواقفها مفهومة ومبررة ، فقد كانت شخصية عزمي باشا " محمود المليجي " تعكس بصدق واجبات وظيفته كمدير قلم البوليس السياسي ، فهو إنسان قاسى القلب متحجر المشاعر لا يعير ابنته مديحه " سعاد حسنى " أي اهتمام ، ولا يشعرها بالحنان ، لذلك كانت تشعر بغلظة قلبه وقسوته ليس عليها فقط لكن على كل أفراد المجتمع في قاهرة الخمسينيات ، حيث تحكم السرايا في مقدرات الشعب مع تحكم الاحتلال الانجليزي في السرايا أو الملك وفى الشعب كذلك ، وكل ما يقدمه لابنته التي تعانى من الحرمان العاطفي مساعدتها على الزواج ، حتى إذا ملت الزوج أو صدر عنه أية متاعب تخلص منه الباشا بكل بساطة ، ولذلك لم يكن من الغريب أن تساند مديحة الخلية السرية التي تعمل ضد أبيها لتسرق مذكراته التي تدينه وتفضح أساليبه القمعية ، وتنشر هذه المذكرات فتطلب السرايا من رجالها القبض على عزمي باشا لتهدئ من ثورة المواطنين عليها ، وتقدمه كبش فداء لها ، فيعرف عزمي أن وراء الخلية السرية عصام وابنته ، بل ومساعده كذلك محمد الدفراوي .
ومن الأفلام السياسية التي انتقدت نظام عبد الناصر بعد موته بصورة مباشرة وليست رمزية فيلم " الكرنك "
1975 من إخراج علي بدرخان ، وإنتاج جمال الليثي ، عن قصة لنجيب محفوظ ، وسيناريو وحوار ممدوح الليثى ، ومن بطولة سعاد حسني وكمال الشناوي ، ونور الشريف وفريد شوقي ، ويونس شلبي ومحمد صبحي . ويحكي الفيلم عن حالة الاستبداد السياسي والفكري ، والتعتيم الإعلامي الذي انتهجه نظام الحكم المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث يتناول قصة مجموعة من الشباب الجامعي الذي يتم اعتقاله دون جريمة بسبب التقائهم في مقهى "الكرنك" الذي عرف عنه تجمع بعض المفكرين فيه ، وتعرضهم أحيانا لنقد الثورة. وفي المعتقل يتم تعذيبهم وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ويتم إجبار البعض منهم على العمل كجواسيس لصالح النظام وأجهزة الأمن داخل الجامعة ، وكتابة تقارير عن أي نشاط أو فكر معارض داخل أسوار الجامعة؛ مما تسبب في تمزق الجبهة الداخلية ، وأدى إلى هزيمة مصر في 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء مرة أخرى ، كما حدث في 1956 والتي تم الانسحاب منها سياسيا بعد الموافقة على مرور السفن الإسرائيلية في خليج العقبة عبر مضيق تيران المتاخم لسيناء دون إعلان ذلك لشعب مصر ، بل علم الشعب ذلك بالصدفة عندما تم إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية؛ مما اعتبرته إسرائيل إعلانا للحرب ،وسبقت بضرب مصر في يونيه 1967.
وعلى درب الكرنك كانت هناك أفلام أخرى مثل " احنا بتوع الاتوبيس "1979 ، الذي تدور أحداث الفيلم حول التعذيب الذي كان يحدث في مصر خلال حقبة الستينات، وهو عن قصة حقيقية في كتاب "حوار خلف الأسوار" للكاتب الصحفي جلال الدين الحمامصي. وفيلم "وراء الشمس" 1978الذي يؤرخ لفترة ما بعد الهزيمة العسكرية المروعة قي يونيو 1967، حيث يصر أحد كبار قادة الجيش على إجراء تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الهزيمة ، وهو الأمر الذي يؤدى إلى اغتياله بمعرفة قائد السجن الحربي، فعندما يرفض القائد العسكري الثائر التغاضي عن إصراره على طلب هذا التحقيق، أثناء الزيارة الخاصة التي يقوم بها "الجعفري" قائد السجن الحربي من أجل إقناعه بذلك، فإن "الجعفري" لا يجد مناصاً من اغتياله بإطلاق رصاصات مسدسه، وإن كان "منصور" الشاب ابن القائد الثائر يشاهد بعينيه واقعة اغتيال أبيه. فيفضح الفيلم السياسة الأمنية الباطشة والفاسدة في مصر في ذلك الوقت وهو يشبه فيلم الكرنك . وفيلم " البريء" 1986الذي يتحدث عن الحرية بمعناها الشامل، وذلك عن طريق إظهار لمحات من الفساد السياسي في مصر بعد سياسة الانفتاح، وبالتحديد خلال فترة ما سميت بانتفاضة 17 و18 يناير 1977, كما أن الفيلم يتحدث عن فكرة تحول الإنسان إلى آلة مبرمجة من أجل خدمة سلطة معينة، وتم عرض النسخة الكاملة لفيلم البريء من دون حذف للمرة الأولى على شاشة السينما, بعد 19 عاماً من إنتاجه. وكان الفيلم قد واجه اعتراضات رقابية, وشاهده وزراء الداخلية والدفاع والثقافة في عام 1986, وطالبوا بحذف عدد من مشاهده وتغيير نهايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق