الدورة العاشرة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام:
فشل متوقع
والكاميرا تدير ظهرها للجمهور
بقلم
انتشال التميمي
لم يكن غريباً ذلك الفشل الذريع للدورة العاشرة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام الذي تحوّل في تقارير الإدارة البائسة وفي عرف كَتَبتها إلى نجاح باهر.
بدأت بوادر الفشل في حفل افتتاح محزن حضره 20 ' ممن اعتدنا على حضورهم في الدورات المنصرمة، وتابع عرض فيلم الافتتاح ما لا يزيد عن عشرين شخصاً فقط، وأقل من ذلك بكثير خلال معظم العروض التالية، باستثناء الفيلمين المصريين المشاركين ( واللذين لم يتجاوز عدد من شاهدهما مجتمعين تسعين شخصاً)، حتى ان السفيرة الجزائرية في هولندا شاهدت فيلم ' الحراقة' مع أربعة آخرين فقط، فيما شاهد فيلم ' أمريكا' الحائز على جائزة أفضل ممثلة ( التي سمتها تقارير كتبة المهرجان الصحافية نسرين فارو بدلاً من ' فاعور') تابعه خمسة أشخاص، نصفهم من أعضاء لجنة التحكيم. تسبب كل ذلك برعب للإدارة، حملها على نقل حفل الختام من القاعة المعلن عنها في البرنامج والكاتالوغ إلى قاعة أصغر. ولم يُسعف استقدام مغن فلسطيني في جذب بعض الجمهور، إذ بدأ حفل الختام بـ 150 شخصاً وانتهى بخمسين.
وعلى غرار الدورات المنصرمة، لم تكن قرارات لجنة التحكيم بعيدة عن النزاهة. لم تشهد الأفلام الوثائقية تنافساً حقيقياً حيث لم يُستكمل عرض أحدها - ' شكري'- بسبب رداءة النسخة ) وهو بالمناسبة من إنتاج رئيس المهرجان ومديره خالد شوكات وإخراج أحد مستشاري المهرجان - أسعد الوسلاتي - والذي تم تمرير مشاركته خلسة عن المتسابقين الآخرين)، وفيما تم تجاهل سحب آخر هو ' ميناء الذاكرة' برغبة مخرجه كمال الجعفري، مما قلص عدد الأفلام المتنافسة من ستة إلى أربعة.
أما بالنسبة إلى الأفلام الروائية، فإن قرارات لجنة التحكيم كانت بعيدة عن التأثير هذه المرة أيضاً. ولعل عدم مقدرة الصديق مذكور ثابت رئيس اللجنة على إقناع باقي الأعضاء بمنح فيلم المخرجة الموهوبة كاملة أبو ذكري ' واحد - صفر' جائزة المهرجان دليلاً آخر على نزاهة لجنة التحكيم. ولكن الخلل الكبير والفضيحة تمثّلا في ' استحداث' لجنة تحكيم جديدة، لُفِّقت في آخر لحظة لكي يفوز هذا الفيلم بجائزتها ولتحظى ممثلته بجائزة أفضل دور نسائي. وهو أمر يحيلنا إلى سلوك العديد من المهرجانات الرسمية العربية أو إلى الطبعات الرديئة من مهرجانات التلفزيون والأزياء، حيث تُفصّل الجائزة على مقاس أناس محددين.
لا شك في أنه من حق الخط التجديدي للإدارة ' العتيدة' للمهرجان الراهن ( أربعة من أصل خمسة من الهيئة الإدارية استقالوا بسبب غياب الشفافية الإدارية والمالية، واستُبعد مديره الفني ومديرته الإدارية مع عدد من أهم عامليه) أن يستحدث لجنة تحكيم جديدة، ولكن بشرط أن تتم الإشارة إلى ذلك في الكتالوغ وفي النظام الداخلي للمهرجان، أو على الأقل أن يُعلن عن ذلك خلال حفل الافتتاح أو في وسائل الإعلام. ولكن أن تظهر فجأة قبل الاختتام بيوم واحد ووسط تسرب عن وجود خلاف بين أعضاء لجنة التحكيم حول الفيلم الفائز، فإن ذلك أمر لا يبعث على الريبة فقط بل يؤكد على أن اللجنة تشكلت لمحاباة الفنانة القديرة الهام شاهين التي كانت النجمة الوحيدة التي لبت دعوة المهرجان. حدا هذا التجاوز الفاضح للأعراف والتقاليد بالمدير الفني للمهرجان، الذي حل محلي هذا العام، الزميل حسونة المنصوري، لأن يحزم حقائبه ويغادر إلى أمستردام مستقيلاً من المهرجان، بعد أن علم بأمر هذه اللجنة بالصدفة وبعد تراكمات شهدتها علاقته مع مدير المهرجان، ابتدأت برفض الزميل حسونة إشراك فيلم ' شكري' في مسابقة المهرجان ولم تنتهِ بفضيحة اللجنة المبتكرة.
يعتبر فيلم ' واحد ـ صفر' واحداً من أهم الأفلام المصرية والعربية التي أُنجزت خلال العام المنصرم. وتكفيه فخراً مشاركته في مهرجان فينيسيا ( فئة ' آفاق') العريق وشهادة كبار النقاد العرب، والجوائز التي حصدتها بطلته الفنانة الهام شاهين. إلا أن الفنانة وفيلمها في غنى عن تلفيق لجنة غير شرعية لمنحهما جائزة مشكوكاً في أمرها.
وتجدر الإشارة إلى أن اثنين من أعضاء هذه اللجنة ' الطارئة' يعملان في المهرجان ( محمد حياوي مدير التحرير ومصطفى ياسين مستشار المهرجان)، ولا عذر لأعضاء اللجنة الثلاثة الذين وقعوا في مصيدة إدارة المهرجان.
حاولت إدارة المهرجان ابتكار أفكار جديدة، جاء بعضها فاشلاً وبعضها الآخر مكرراً. فقد أعلنت عن برنامج لسينما الحركة من مصر ولكنها لم تُحضر أي فيلم لهذا البرنامج، كذلك أعلنت عن برنامج السينما التركية الجديدة الذي تمخض عن فيلم يتيم من إنتاج عام 2007. وفي السياق عينه، كانت الوعود بحضور نجوم سينما عرب لفعاليات المهرجان، الأمر الذي لم يتحقق، والمعرض السياحي العقاري الذي لا وظيفة له سوى ' اصطياد' بعض الممولين والذي لم يقم بدوره. وما دعوة الفنان الفلسطيني أبو عرب وإقامة معرض لخمسة فنانين تشكيليين إلا محاولة، لم تستطع تعويض جمهور المهرجان التقليدي الذي قاطع الدورة الحالية بشكل واضح فاق التوقعات.
على الإدارة الجديدة أن تجيب على تساؤلات الضيوف والمتابعين حول ما الذي حدا بهذا الحدث الرائع ليبدو خاوياً؟ وما الذي غيّب 17 من عامليه الأصلاء؟ وما الذي حال دون حضور أهم وجوهه السينمائية العربية في هولندا؟ ثم لماذا لم يحضر من لازم سنواته التسع؟ لماذا لم نر خليل شوقي وهادي الراوي وكريم طريدية ومحمود المساد ومحمد موسى وخالد الزهراو وحميد حداد وسعد جاسم الزبيدي وصائب سلامة؟ ولماذا لم يستطع المهرجان إقناع قاسم حول وهادي الراوي وكريم طريدية بحضور الاحتفال العاشر باعتبارهم أعضاء في لجان تحكيمه لسنوات خلت؟ ولماذا لم تحضر الوجوه السينمائية الهولندية والأجنبية؟ وما الذي غيّب الجمهور العراقي الذي شكل حجر الزاوية في جميع سنواته التسع؟.
العلامة بدأت في القاهرة عندما خان الذكاء أعضاء الإدارة الجديدة وحاولوا إيهام العديد بأن ما حدث هو مجرد تغيير روتيني بسيط، وأقاموا حفلاً في القاهرة احتفاءً بذكرى المهرجان العاشرة، إلا أن مصر أدارت ظهرها لهذا الاحتفال، فتمخض الجبل وولد فأراً، إذ رغم توجيه الدعوات لعشرات المخرجين والنجوم والفنانين ممن شهدوا المهرجان، إلا أن الفضائيات العديدة التي بلعت الطعم شهدت على ذلك الفشل الذريع. فالصور المنشورة تفضح الغياب الكبير. ونتساءل مرة أخرى، لماذا قاطع الاحتفال أو تجاهله عدد كبير ممن زار مهرجان روتردام في سنواته السابقة؟ ولماذا غاب جميع المخرجين الفائزين بجوائزه ( مجدي أحمد علي الفائز بجائزتين، هالة خليل التي فازت مرتين، تامر السعيد الذي فاز بجائزتين في سنة واحدة، وغيرهم الكثير كأسامة فوزي، هالة جلال، هالة لطفي، تامر عزت، محمود سليمان، هاني خليفة، رامي عبد الجبار، إبراهيم البطوط، مها شهبة وشريف البنداري)؟
لكل من هؤلاء قصة مع إدارة المهرجان. فهالة خليل وكريم فانوس وتامر السعيد استلموا جوائزهم المالية بعد سنة من الإلحاح، ولمحمود سليمان خلاف مع الادارة تتعلق بحقوقه المالية. ويتشارك معظمهم على أرضية الشكوك والتوجس من سلوك البعض. وأذكر الراحل رضوان الكاشف حين قال لي بعد إصراره على استلام الغلاف المالي لجائزته الأولى ليلتها بعد مماطلة المدير: ' لن ينجح المهرجان ببقاء أمثاله'. وأعتقد أن العديد ممن شاركوا في دورات سابقة للمهرجان يشاطرونه الرأي مثل مجدي أحمد علي، محمد خان، سعد الهنداوي، يسري نصر الله، سمير فريد، خيري بشارة، طارق التلمساني، صلاح مرعي وعلي أبو شادي وجميعهم لم يحضروا الحفل.
كذلك تخلف عن الحفل نجوم السينما العربية الذين حضروا سابقاَ إلى روتردام خلال سنواته التسع، كالفنانين يحيى الفخراني، نور الشريف، شريف منير، أحمد حلمي، فتحي عبد الوهاب، خالد أبو النجا، باسم سمرة، ليلى علوي، لبلبة، حنان الترك، منى زكي وغيرهم. وعلى الرغم من هذا السقوط المدوي، خرج ' كَتَبة' الإدارة مزهوين بالعدد الضئيل من الحضور.
أموال لا نعرف مقدارها صُرفت على الحفل، لكن كاتالوغ المهرجان خرج للمرة الأولى منذ ست سنوات بالأبيض والأسود. فالأولويات كانت محل جدل بين ادارة المهرجان طوال السنوات المنصرمة.
وأخيراً.. صحيح أن جمهور المهرجان لم يكن يوماً ما جمهوراً غفيراً، وهذا يعود إلى عوامل عديدة ذاتية وموضوعية، ولكننا كنا نفتخر على الدوام بحفلات الافتتاح والختام وحفلات أوقات الذروة، ونجاهر بصورها. لكن الكاميرا اضطرت هذا العام ، كما يبدو، إلى أن تتجه نحو المنصة فقط في تغطية هذه الدورة، فانعدمت صور الجمهور من الصفحة الإلكترونية للمهرجان، واستعاضت إدارة المهرجان عن ذلك بعرض فيلم في القاعة الفارغة حول إنجازات السنوات الماضية، فكان بمثابة الدليل الحسي الشاهد على الفرق الكبير بين ما يعيشه وما يشاهده.
لم يكن هذا السقوط الدوي لغيابي الشخصي، بل مجموعة من الخبرات المتراكمة لمجموعة من الأشخاص هولنديين وعرباً، يتوهم أي كان تعويضهم الأوتوماتيكي، ولكن السؤال المطروح هل كان بإمكان المهرجان حتى ببقائنا أن يخرج من معضلاته الكبيرة والتي كانت تغلي تحت رماد المشاكل والتسلط وضعف الشفافية المالية والإدارية ولا اخلي نفسي من تحمل المسؤولية في التغاضي حيناً وعدم الحسم أحياناً وشفيعي انني صارعت مع زملائي طويلاً من أجل الحد من التجاوزات ورصدها وملاحقتها، حتى طفح الكيل واختنقت السبل وسوف لن يكون للموضوع صلة، فهذا المهرجان اصبح بالنسبة إليّ وإلى زملائي الكثر ميتاً.
*المدير الفني لمهرجان الفيلم العربي في روتردام 2001 - 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق