مهرجان روتردام للسينما العربية : ومد الجسور الثقافية بين العرب والغرب
يعتبر مهرجان الفيلم العربي في روتردام الهولندية من اهم النشاطات الثقافية والفنية السنويه للعرب المقيمين في هولندا وخارجها وسبب الاهمية في ذلك هو دعم هذا المهرجان للسينما العربية والسينمائيين العرب بالاضافة الى مد الجسور الثقافية والفنية بين العالم الغربي والعالم العربي من اجل تطوير فن السينما .
وتقدم في هذا المهرجان افلام روائية طويلة وروائية قصيرة وافلام وثائقية يكون تاريخ انتاجها حديث اي بين عامي 2008- 2009 وان يكون الفيلم المنتج من قبل مخرج عربي اينما تكون مقر اقامته او في البلد ان العربية بشكل عام ..
وعلى هذا الاساس يتم تقييم المواد الفيلمية المقدمة الى لجنة التحكيم , وهناك جوائز عديدة منها جائزة ( الصقر الذهبي ) 1500 أيرو لافضل فيلم روائي و جائزة ثانية لافضل فيلم روائي ( الصقر الفضي ) 1000 أيرو
وايضا جائزة افضل فيلم روائي قصير ( الصقر الذهبي ) 500 أيرو وكذلك جائزة افضل ثاني فيلم روائي قصير ( الصقر الفضي ) 250 أيرو
وجائزة افضل فيلم وثائقي ( الصقر الذهبي) 750 ايرو
جائزة افضل ثاني فيلم وثائقي ( الصقر الذهبي ) 500 أيرو
جائزة افضل عمل سينمائي روائي 3000 دولار امريكي
جائزة افضل ممثل
جائزة افضل ممثلة....
وقد شهدت قاعة سينراما بروتردام الهولندية حفل اعلان جوائز الدورة التاسعة لهذا المهرجان التي اقيمت بحضور محافظ مدينة روتردام السيد احمد ابوطالب (عمدة المدينة ) وعدد من الشخصيات الفنية والثقافية والنقاد .
وجاءت النتائج علي النحو التالي :
في مجال الافلام الوثائيقة :
فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فيلم من العراق ( عدسات مفتوحة ) للمخرجة( ميسون باججي ) بينما حصد جائزة ( الصقر الفضي ) الفيلم اللبناني ( سمعان بالضيعة )( لسيمون الهبر) وحصد (الصقر الذهبي) فيلم (الى ابي ) من فلسطين ( لعبد السلام شحادة ) وتكونت لجنة تحكيم هذة المسابقة من السيدة الهندية لاتيكا مديرة مهرجان الأفلام الاسيوية والعربية في نيو دلهي و التي كانت على رئاسة اللجنة التي تضم في عضويتها كل من المخرج والمنتج التونسي محمد منذر النمري ... والناقد العراقي قيس قاسم ...
اما جوائز مسابقة الافلام الروائية فقد جاءت علي النحو التالي :
في مجال الافلام القصيرة كان هناك تقييم خاص للفلم السعودي القصير( شروق وغروب) لمحمد الظاهري وتقييم مماثل للفيلم العراقي (اسمي محمد ) للمخرج العراقي محمد الدراجي ومجموعة من المخرجين الشباب ... وجاء الشاب احمد مجدي جائزة (الصقر الفضي ) عن فيلمه –( كيكة بالكريمة )- بينما حاز التونسي محمدعلي النهدي ( الصقر الذهبي ) عن فيلمه - المشروع - .
وفي الافلام الروائية الطويلة حصلت السينما المصرية هذا العام علي حصة الاسد في هذالمجال حيث حصدت الممثلة الشابة ( فاطمة عادل ) علي تقييم خاص عن فيلم (رؤية شرعية) وفيلم ( بصرة ) الذي كانت عليه ملاحظات من قبل المتفرجين والنقاد الذين شاهدوا الفيلم سنتناولها لاحقا ...وكذلك فقد حصل ( باسم سمرة ) علي جائزة احسن ممثل و (الهام شاهين ) على جائزة (احسن ممثلة ) بينما فاز ( الفيلم المصري خلطة فوزية ) لمجدي احمد على بجائزة ( الصقر الفضي ) وفاز الفيلم المغربي ( كازا نيغرا ) لنور الدين لخماري بجائزة العمل الاول او الثاني والمقدمه من اية ار تي .........
كذلك حاز فيلم ( مسخرة ) الجزائري علي جائزة ( الصقر الذهبي ) للمخرج لياس سالم ليواصل تقدمه في حصد الجوائز المستمره من المهرجانات العربية والعالمية .....
وقد حصل الفيلم السوري ( الليل الطويل ) علي تقييم خاص ...وهو من اخراج المبدع الفنان السوري ( حاتم علي ) ومن تاليف وسيناريو المبدع الفنان السوري( هيثم حقي ) وكان من الافلام التي نالت حضورا رائعا ومميزا في المسابقة حيث كبلنا بمشاهده الواقعية المؤلمة وكتم على انفاسنا لمدة تسعين دقيقة فيما ذهبت الاحداث تعصف بنا من خلال تقديم ليلة طويلة يتم فيها اطلاق سراح ثلاثة من السجناء من السجن بعدما قضوا فترة طويلة فيه ومنهم الممثل الرائع خالد تاجا ( ابو كفاح ) الذي قضى (عشرون عاما ) في دهاليز واقبية السجن العفن بعيدا عن عائلته محروما من حقوقه المدنية .... يخرج الثلاثة تحت شروط سياسية مذله مهينه ومساومات على الفكر والحياة الشريفة لكنهم يرفضون ذلك ...أما السجين الرابع يبقى حبيس الجدران ويتم التحفظ عليه في زنزانته المقرفه حتى لا يرى النور...وهكذا يبقى يحكي لنا قصة ..الليل الطويل .. بصرخاته وسكونه ... السجن الذي ليس له نهاية في عالمنا العربي الا بالموت او المساومة الدنيئة ... الفلم يروي تفاصيل مهمه جدا لحياة شريحة من السجناء تشمل كل بقاع الوطن العربي .....
وقد أسندت رئاسة لجنة الأفلام الروائية إلى السيدة دره بوشوشة المنتجة السينمائية التونسية المعروفة ومديرة مهرجان قرطاج السينمائي لعام 2008، وضمت في عضويتها كلا من الممثل والكوميدي الهولندي الجزائري الأصل حكيم طرايدية، والمخرج الفرنسي الجزائري عمر حكار فضلا عن نجم السينما المصرية خالد أبو النجا ..
ثلاثون :
كان اول افلام المهرجان للمخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري هو ثلاثون... قدم لنا شريطا سينمائيا ملئ بجمالية اخاذة حتى دفعتنا هذه الجمالية الى كتابة بعض الملاحظات الفنية التي تهتم في بناء الفيلم وعناصره ...
تروي احداث وصراعات الفيلم الفترة التي تمتد بين عام 1924-1934 والتي تتعلق في قضايا عديدة منها حقوق الانسان وحرياته وايضا عن اصلاح قضايا المرأة في المجتمع التونسي وكذلك عن تجليات الشاعر ابو القاسم الشابي المجدد للشعر العربي وهو يتامل المجتمع في مواقفه الشعريه في المجتمع العربي وما لحقه من تجديد في ذلك بين الرافض والمؤيد...
عرض لنا في هذا الشريط صورة عن المجتمع التونسي وهو كيف يكافح افة التخلف والجهل لمجتمع برزت فيه اليات التمسك البالية القديمة و بكل ماهو يقف امام التطور الحتمي والنوعي للبشر من اصلاح وتقدم نحو مستقبل افضل بكل قسوة وظلم ... جاء ذلك عبر خلال خطاب انساني يدعو الى احترام وجهات نظر جديدة تبشر بخير للمجتمع من خلال ثلاث وجهات نظر تطرق اليها الفيلم السينمائي ثلاثون وهم : العامل الذي يمثل نقابات العمال وتاسيس جديد لها يتعارض مع القيمين على السلطة انذاك والمناضل الداعي الى حقوق الانسان والحريات والى تغيير اوضاع المرأة المتدنية والمتردية في تونس والشاعر الذي اراد ان يجدد في الشعر العربي وما لحق به من مقاومة ومعارضة من قبل المؤسسات الحاكمة ...
قدم العمل عبر طريقتين او اسلوبين ممتزجين هما : ( العرض المسرحي داخل الشريط السينمائي ) .. وكان واضحا وجليا ذلك في اختيار الاماكن والفضاءات المتعددة والمختلفة/ وطريقة الاداء والتمثيل المسرحي/ بالاضافة الى سينوغرافيا الموقع وتاثيرها على المتفرج/ والتي شملت جوانب عديدة ادت واجبها وقد اكتملت العناصر الجمالية في الفيلم من خلال التشكيل البصري والسمعي الذي كون الشكل العام للعرض السينمائي/ المسرحي.
يعتبرهذا الفيلم من الاعمال المهمة والمتميزة في السينما العربية بسبب كونه يقدم لنا شريط سينمائي يعتمد على ( سينوغرافيا مسرح ) لها التاثير الواضح في ( السينما ) لكون المخرج ينتمي لعالم المسرح.. وقد شكلت جوانب عديدة ومختلفه ادت واجبها في العرض ( السينمائي – المسرحي ). وقد كان هناك اكثر من مدخل جمالي للسينوغرافيا في ظهورها البارز للتعبير بين : اولا : ( العلاقات المهمة ) التي اقامها المخرج بين عناصر العمل من خلال خطابه الفيلمي وتحديدا في التوزيع الحركي لشخصياته اثناء تقديمها بطريقة ( مسرحية داخل الفيلم ) --- وهذا اسلوب سبق وان عمل عليه المخرج العالمي البريطاني بيتر بروك في العديد من اعماله --- عبر الحوارات والحركة والديكورات ومنها في اماكن المكتبة والمطبعة( داخلية وخارجية ) لتقدم مشاهد عامة تتعلق في بناء الموضوعات المطروحة بايقاعات مستمرة وقد استند المخرج الفاضل الجزيري ايضا في عمله هذا الى ثانيا : ( الايقاع الواحد المستمر ) اثناء العرض بشكل عام دون ان تكون هناك خصوصية معينه في المشاهد المختلفة عبر لغة الفلم ومكوناتها من فعل وموسيقى وتمثيل واداء حملت لنا صيغة جمالية قامت على اساس مليء بالانفعالات والتشويق والديناميكية ...وبالتالي اعطى البناء السينوغرافي تعددات مختلفه في الجو العام من حيث الانسجام لتنوير (العوالم الداخلية للايطال او الشخصيات ) التي تتصارع في الواقع التونسي في شريط سينمائي كشف لنا عن نوع من العلاقات غير المتكافئة وغير طبيعية فنراها تارة مضطربة بافعالها وتارة مهزومة وتارة متصلبة بسبب ما يحيط بها من مؤثرات في العالم الخارجي ومن احداث.
ومع هذا كله ... و الذي يحسب للمخرج الفنان الجزيري ... الا ان الايقاع العام للفيلم صاحبته السردية الممله والبطيئة والكثيرة وكان بامكانه اي ( المخرج ) ان يحذف الكثير من المشاهد التي هي غير مهمة ( مكررة وطويلة ) لكي لاتصيب الملل عين ( المتفرج ) ويشعر بالضيق بمتابعته للشريط السينمائي ويفقد قيمته الجمالية في بعض الاماكن .
و على اعتبار ان الفيلم هو صناعة راقية في مجال مكونات السينما وتطورها من خلال تعدد المناهج والاساليب الاخراجية وهي تقدم الجديد الذي يعتمد على الصورة المكثفة التي تخلق حالة من التصادم لدى المتفرج وايضا ترمي بظلالها على على كيفية (صناعة المتفرج الجيد) ثالثا من خلال تاثيرات السينوغرافيا التي تقوم بابهاره وتجعله يطرح اسئلة مختلفة وان يكون متابع لكل ثانية ..لان هذا التفاعل مع هكذا شريط سينمائي ينشط العقل والذاكرة ويقوم على التعرية الداخلية والخارجية لكل مايحيط بالانسان واقصد هنا ايضا ( المتفرج ) لكونه يحمل معه من تناقضات كثيرة في المجتمع ...
ورابعا لابد من الاشارة الى نقطة مهمة في ان اهمية التحولات ( الدلالية لمفردات العمل ) الذي قدمه المبدع المخرج الفاضل الجزيري من حالة الى اخرى على اساس الوضعية الاساسية من خلال المشاهد المتتالية التي تتخللها لقطات توثيقية للعودة او الحنين الى الماضي يعطي شحنات جديدة للفيلم ويثير بذلك الطاقات الكامنة في كل مفردة وصورة تحمل من دلالات متعددة عبر محتواها وطريقة عرضها من خلال الزمان والمكان والشخصيات وتفاعل الاحداث... فنرى اجساد الممثلين /الحركة/ الايقاع/ الموسيقى/ تشكل توزيع فني وهندسي جميل مضيفا اليها تاثيرات متناغمة ومتناسقة في تلك ( الاماكن الخارجية والداخلية ) كما اشرت اليها والازقة والحارات الضيقة والمفتوحة و فضاء البحر المفتوح الواسع بسحر اخاذ والقصور الفارهه الفقر والنساء المظلومات كل هذا جعل من السينوغرافيا خاضعة الى حركة الممثل المسرحية داخل ( اللقطة ) الفلمية وهذا بحد ذاته فهم خاص واجتهاد خاص من المخرج في بناء خاص لهندسة السينوغرافيا ..
في فيلم ثلاثون ساهمت السينوغرافيا في السينما والمسرح بشكل واضح وهي تراعي بخصوصية مهمة جدا حياة الانسان وساهمت في التاثير والتاشير على انوع الصراعات الحقيقية التي طرحها الفيلم عبر ابطاله الثلاثة من خلال الرسائل المختلفة , وبالتالي شكلت في خلق منظومة سمعية بصرية خلقت صورتين للمتفرج مسرحية وسينمائية امامه بتفعيل شخصيات الفيلم عبر الاداء المتميز والتجسيد التلقائي للمثلين وعفويته وايضا عبر الية التلقي عبر استيعاب خطاب الفيلم واقصد بذلك الانسجام العام في اللوحة الجمالية لكل لحظات العرض في ذلك التشكيل الهارموني البصري الجميل. وقد تحقق هذا بجمالية فلسفية يمتلكها الفنان الفاضل الجزيري وسحره وتاثيره على المتفرج وعلى كيفية صناعة جديدة لمتفرج متعود على مشاهدة افلام عادية لاتكلفه عناء المتابعة لقد وضع بين ايدينا قرأة خاصة في عرضه السينمائي المسرحي هذا ....
نعمة السوداني
عضو جبهة تحرير الخيال السينمائي
كاتب وناقد عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق