الخميس، يونيو 04، 2009

سينما ايزيس في (التحدي) بقلم أسامة الغزولي

صلاح هاشم الناقد والاديب المصري المهاجر

بقلم:أسامة الغزولي
رئيس المؤسسة العربية لدراسات الهجرة


من أهم الكتب التي أصدرتها العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة كتاب بعنوان "السينما الفرنسية: تخليص الإبريز في سينما باريز" للناقد والأديب المصري المهاجر صلاح هاشم الذي يعيش ويعمل في فرنسا منذ مطالع السبعينيات.
وقد صدر الكتاب عام 2004 لكن مؤلفه أهداني نسخة منه عندما زارني قبل أيام عندما حل ضيفاً علي مهرجان سينما الإسكندرية الأخير.
في صفحة الإهداء التي هي أول ما يقابلك في الكتاب تجد أن صلاح هاشم حشد كل حياته الماضية ونقل معه. إلي فرنسا وإلي كل بلد أوروبي يحل فيه وكل صفحة جريدة أو مجلة يحتل ركنا فيها. نقل كل ما كان يحب وكل من كان يحب في حياته.
لقد نقل معه ضمن ما نقل سينما ايزيس التي كانت في شارع ماراسينا بالسيدة زينب. وأطفال قلعة الكبش الذين صادقهم وتعارك معهم. والذين أحيل أصغرهم إلي المعاش هذه الأيام وأحيل عدد لا بأس به منهم إلي المقابر. ضمن كثيرين من أبناء جيلنا الذي يعيش اليوم برسم الرحيل المرتقب.
ولم يكتف صلاح هاشم بذلك. بل إنه أسس موقعاً للنقد السينمائي علي شبكة الإنترنت العالمية باسم ايزيس تلك الدار السينمائية التي حضرت فيها عرضا في يوم من أيام شتاء 1959 ولم أشاهدها بعد ذلك أبدا. ولم أعرف أن كانت لاتزال قائمة أم انهارت كما انهارت معالم كثيرة كانت ترسم وجه تلك الفترة. ثم قرأت سطور الإهداء في كتاب صلاح هاشم فعرفت أنها صارت مجرد أطلال.
ما يفعله صلاح هاشم. كمهاجر عربي مسلم إلي أوروبا. علي الورق وبشكل أدبي راقي وملهم. يفعله مهاجرون مسلمون كثيرون في الواقع. وبشكل مادي ملموس بدأ. بالفعل. يغير الحياة في أوروبا ويغير علاقات أوروبا بالعالم الإسلامي.
فكل مهاجر يصل إلي أوروبا يكون نواة لوجود بشري متزايد ليس فقط من خلال زوجته وأطفاله. بل من خلال من يفتح لهم الباب ليلحقوا به إلي أوروبا وترصد الصحفية البريطانية سيمون كيبور. التي هاجرت مع أسرتها إلي هولندا مطالع السبعينيات حيث قضوا عقدا كاملا من حياتهم. ملامح التحول فتقول إن الحضور الاسلامي الكثيف "من وجهة نظرها" في بلد مثل هولندا بدأت المسألة "بالعمال الضيوف" الذين أتوا بهم من تركيا وسلموهم المقشات لكنس الشوارع والخوذات للعمل في مواقع البناء وبنوا لهم "جيتو" خاصاً بهم ليعيشوا كما عاش اليهود حتي القرن السابع عشر.
ويبدو أن أوروبا تصورت أن "العمال الضيوف" سيبقون كذلك. مجرد ضيوف علي الهامش يبتسمون لأهل الدار ويشكرونهم لأنهم أعطوهم فرصة عمل. وتبقي أعدادهم المحدودة وراء أسوار "الجيتو" هادئة.
وبدأت الحياة تتغير. فهذه البلاد التي لم تكن تجد فيها محلاً واحداً مفتوحاً يوم الأحد أصبحت شوارعها مزدحمة أيام الأحاد لأن الاقلية المسلمة الضخمة تعمل كل يوم من أيام الأسبوع.
وقد اندهشت سيمون كيبور عندما رأت محل كوافير اسمه استنبول في أحد شوارع لاهاي. ووجدته أيضاً مفتوحاً لزبوناته يوم الأحد.
هذا المنظر الذي أدهش الصحفية البريطانية عام 2002 كان منظراً عادياً في باريس عام .1978
أيامها كنت أعيش في أحياء عربية آكل طعاماً مغربياً وأشاهد أفلام فريد الأطرش وسامية جمال التي ظهرت في الاربعينيات علي شاشة الفيديو في أحد المقاهي وأسمع أغنيات مطربي المفضل محمد عبدالوهاب في مقهي آخر. ولم يكن الفرنسيون مرتاحين لهذا الوجود العربي الكثيف في بعض أحياء باريس لكنهم كانوا يتعايشون معه كما يتعايشون مع حقائق الحياة.
وكان الأصدقاء والصديقات من المنتمين لليسار الفرنسي يحبون السهر معنا في المقاهي والمطاعم العربية.
وإذا كانت سيمون كيبور قد اندهشت من وجود محل اسمه استنبول في لاهاي فقد قضيت سهرة جميلة في ملهي اسمه انوار البسفور في الحي اللاتيني مع شلة ضخمة لكن أحداً لم يكن يجرؤ علي انتقاد وجود المهاجرين بهذه الكثافة إلا إذا كان من عناصر اليمين الفاشستي وهذه تهمة مخجلة في أوروبا.
وعندما وقع الهجوم الإجرامي الغامض علي برجي مركز التجارة العالمي انكسر التابو وأصبح بوسع أي إنسان في أوروبا أن ينتقد الوجود الإسلامي في أوروبا وأن يواصل انتقاداته لتطال وجود المسلمين في العالم وفي التاريخ بل والدين الإسلامي أيضاً.
فسوف نجده يشير إلي الفيلم الفرنسي 11 سبتمبر الذي تشارك في صنعه 11 مخرجاً عالمياً كان بينهم المخرج المصري يوسف شاهين والبريطاني كيني لوش والمكسيكي الياندرو جونزاليس.
يعتبر صلاح هاشم أن الفقرة التي أخرجها المكسيكي من هذا الفيلم المشترك صورت سقوط برجي مركز التجارة العالمي باعتباره سقوط برج بابل وعلامة انهيار حضارة بكاملها.
وينقل عن المخرج الياندرو قوله إن حادث 11 سبتمبر سوف يغير مفاهيمنا عن العولمة وعن هذا العالم الذي نطلق عليه اسم "قرية صغيرة".
ويضيف: قد يبدو ظاهرياً أن الناس سيسيرون في اتجاه العولمة المرسوم لهم غير أن ما سيحدث. حسب ظني. هو أنهم سيرتدون إلي ثقافاتهم الوطنية وإلي تقاليدهم وسيحتمون بلغاتهم وخواصهم العرقية. وستظهر أشكال جديدة من العنصرية والقومية العدوانية والخوف المرضي من الآخر.

ليست هناك تعليقات: