بينالي الفيلم العربي في باريس
مرآة لفساد الأنظمة وخدمة لمآرب خدم السلطة
بقلم : أمير العمري
في باريس مهرجان للسينما العربية ينعقد كل سنتين ويطلق على نفسه "البينالي". هذا شئ جيد في حد ذاته أليس كذلك؟
هذا المهرجان يجمع أفلاما "ناطقة بالعربية" من مشرق العالم العربي ومغربه، من تسجيلية وروائية قصيرة وطويلة بل وأفلام تصور على شرائط الفيديو أيضا.
المهرجان تنظمه مؤسسة "معهد العالم العربي" التي تأسست بتمويل مشترك من الحكومة الفرنسية والحكومات العربية "لخدمة الثقافة العربية" كما قيل في بيان تأسيسه
أما حقيقة الأمر فهي أن "المعهد" (وبالمناسبة هذا الإسم يطلقه ضباط المخابرات الإسرائيلية على "الموساد"!) مؤسسة فرانكفونية تستخدم أموال حكومات النفط وحكومات الماء العربية، لكي تخدم أساسا وفي المقام الأول، أهداف وتوجهات السياسة الاستعمارية الفرنسية في الهيمنة على عالم عربي تسود فيه الثقافة الأنجلوفونية
وقد لا يكون هناك أيضا بأس في ذلك، فمن حق المخابرات الفرنسية أن تعمل على توجيه الثقافات والسياسات وأن تسعى إلى ربط المثقف العربي (والسينمائي العربي) بسياساتها الثقافية بدعوى أنها "أم الحريات" و"قلعة صيانة الفكر"، عاصمتها هي "عاصمة النور"، كل من يدخلها من المثقفين المضطهدين فهو آمن. أما المخابرات العربية فهي مشغولة في زمن "ما بعد الهزائم" في أجواء أخرى تخلط التجسس بالفرفشة بالهمبكة، واهو كله مكسب
هذه هي على الأقل المقولات التي تتردد منذ سنوات طويلة في كتابات المثقفين والمتثاقفين العرب حتى أصبحت مدخلا لعدد كبير من الأسئلة الممجوجة المكررة المملة التي ترددها عادة مذيعات برامج التجهيل في قنوات التليفزيون العربية المعروفة بالبرامج الثقافية، والثقافة منها براء
ونعود إلى مهرجان السينما العربية الذي بدأ كنشاط خاص بمبادرة من مجموعة يقل عدد أفرادها عن عدد أصابع اليد الواحدة في العاصمة الفرنسية، يتقدمهم المرحوم غسان عبد الخالق الذي كان عاشقا حقيقيا للسينما قبل أن يكون ناقدا وكاتبا واعلاميا
وبعد أن نجح غسان عبد الخالق في تأسيس واقامة مهرجان يستقطب محبي السينما والباحثين عن فرص حقيقية لإنتاج أفلامهم الأولى وأبناء الجالية العربية المهاجرة الذين يريدون التعرف على الأفلام التي تنتج في بلادهم ويلتقون بالسينمائيين من أوطانهم ويحاورنهم، شاء العقل التآمري اقتناص الفرصة عندما تلوح
وقد لاحت الفرصة عندما تأسس معهد العالم العربي وتأسس فيه قسم للسينما. هنا جاء دور صحفية كانت تكتب في مجلة يمولها السعوديون في باريس كتابات لا يعرف القارئ ما إذا كانت قد كتبت بلغة غربية حقا أم ترجمت ترجمة رديئة ركيكة مهشمة من الفرنسية إلى العربية
هذه الصحفية التي أرادت اقتناص الفرصة للسعي إلى العمل في خدمة المعهد باعت المشروع كما لو كان من بنات أفكارها، ونجحت عن طريق استخدام "الكارت" التاريخي لابنة الأقلية الدينية القادمة من مصر لدى الفرنسيين، فحصلت بالتالي على الوظيفة وعلى تولي ادارة المهرجان
لكن الصحفية التي يتفق كثيرون على أنها لم تنجح في إثبات نفسها كناقدة يؤخذ كلامها على محمل الجد، نجحت باستخدام علاقات ترتبط بالمنفعة على طريقة "شيلني واشيلك"، في شراء رضا وتعاون رؤساء الأجهزة السينمائية في الدول العربية وعلى رأسها مصر المعروفة بفساد كل أجهزة الدولة فيها (لا أستثني منها أحدا- مع الاعتذار لمظفر النواب!) بالإضافة بالطبع لرضا وتعاون وتسهيلات وتشهيلات غير ذلك من "الأجهزة" التي لا يمكن أن يخرج فيلم أو سينمائي من البلاد إلا بأمرها وإذنها وموافقتها، وبعد قبض المعلوم أيضا
وبعد أن كانت ادعاءات المهرجان الباريسي الذي يقام في حضن الثقافة الفرنسية الرفيعة على احدى ضفتي نهر السين، أنه "موضوعي، ومحايد، ولا يحابي ولا ينحاز".. إلخ استطاعت مديرته "اللولبية الشطورة اللهلوبة" أن تحوله ببساطة، ربما من وراء ظهر الفرنسيين أو بعلمهم، إلى مهرجان على شاكلة ما يقام في بلادنا العربية من مهرجانات تقوم على الكوسة والبامية والملوخية متعدش- على رأي نجيب سرور في قصيدته الشهيرة المعروفة تأدبا بـ "الأميات
فهي تستقدم ما تشاء من أفلام، حسب المصالح بالطبع، وتضع في الافتتاح والختام - ليس ما يليق وما يستلزمه الطابع الثقافي للمؤسسة التي تقيم الحدث- بل ما يخدم توجهات ومصالح حفنة من الأفراد "ذوي النفوذ" الذين يكمنهم تقديم خدمات لا غنى عنها
ولا نعرف هنا بالضبط طبيعة ونوعية هذه الخدمات: هل هي خاصة أم عامة، لمصلحة شخصية أم لمصلحة المعهد كؤسسة، إلا أن الأمر ملتبس وفي حاجة إلى التوضيح من جانب اصحاب الشأن القائمين على أمر المعهد وفي مقدمتهم رئيسه الفرنسي
مطلوب من هؤلاء الإجابة عن أسئلة من النوع التالي
أولا: هل اختيار فيلم تجاري متهافت مثل فيلم "حليم" لشريف عرفة بإجماع كل النقاد حتى نقاد "البينالي" الذين تصر الست الدكتورة المديرة على دعوتهم في كل الدورات، يخدم هدف المهرجان والمعهد الذي يقيمه؟
ثانيا: هل لعب حقيقة أن الفيلم من إنتاج شركة يملكها ويرأسها ويديرها عماد الدين أديب المقرب من الرئاسة وقائد الحملة الدعائية التليفزيونية لإعادة انتخاب السيد الكبير قوي، لعب دورا في هذا الاختيار، أم كان الاختيار كما يقال لنا "لوجه الفن والثقافة"
ثالثا: هل كان وقف الناقد المحترف الذي تم التعاقد معه لتقديم الفيلم وإدارة الندوة التي تعقب عرضه في آخر لحظة وبعد أن أمسك بالميكروفون بالفعل في يده – كما علمنا تفصيلا- واستبداله بمندوب ترويج أفلام لدى المهرجانات الدولية يعمل لحساب الشركة المنتجة للفيلم وبناء على طلبها – وتكليفه بتقديم الفيلم ومناقشته، هل كان هذا التصرف متسقا مع الالتزام بالهدف الثقافي للمهرجان الذي بلغ ستة عشر عاما من عمره
رابعا : هل منح كل جوائز المهرجان الرئيسية للفيلم الروائي لفيلم "عمارة يعقوبيان" الذي فشل حتى في الحصول على جائزة واحدة في مهرجان آخر أقيم في روتردام، كان مجرد "مصادفة سعيدة" أم عملا مخططا بالاتفاق مع السيدة "اللهلوبة" التي تلعب بالبيضة والحجر؟
خامسا : هل يعرف السيد رئيس المعهد كل هذه الأشياء، أم أن السيدة "اللهلوبة الشطورة" التي حولت حياة كل العاملين في المعهد من العرب حتى خارج قسم السينما الذي تديره إلى جحيم بسبب الغيرة والأحقاد والرغبة في الهيمنة والخوف من المنافسة – ولدينا في هذا قصص موثقة وشهادات مكتوبة- هل يعرف رئيس المعهد ما حدث من تجاوزات في الدورة الأخيرة للمهرجان، وهل هو مطلع على أساليب الحرب الضروس التي تشنها "الشطورة" على منافيسيها المتخيلين من تفاصيل يندى لها الجبين، أم أنها أقنعته بأنها "واصلة" مع أصحاب النفوذ وأساطين الأجهزة في مصر وغيرها
هذه كلها تساؤلات، نحن في انتظار الحصول على إجابة عنها من السادة القائمين على "المعهد". ولن يتسنى الإجابة عنها إلا بعد التحقيق فيما هو منسوب من اتهامات، أصبحت اليوم "حديث المدينة" من باريس إلى ميت ابو الكوم وبالعكس
امير العمري
انظر المقال علي موقع شبكة السينما العربية أيضا
انظر سينما ايزيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق