عماد النويري
"زكي الدسوقي" عادل امام ابن الحسب والنسب وسليل آسرة باشاوية كبيرة انتهى به الحال الى شقة متواضعه فى يعقوبيان تشاركه فيها أخته دولت سليطة الطباع واللسان . درس زكى باشا بالخارج والآن يعيش بين جدران يعقوبيان ليستمتع بحياة رخيصة في بارات وسط البلد ويعاشر فتيات أكثر رخصاً.. ، تحاول دولت ( اسعاد يونس ) طرد زكى من الشقة التي يعيشا فيها سويا وتنجح في ذلك.. ينتقل للعيش في مكتبه مع خادمه "فانوس" أحمد راتب. وفى طريق مغامراته العاطفية الرخيصة يقع فى غرام بثينة ( هند صبرى ) . يعيش زكى من خلال علاقاته النسائية المتعددة والعابرة وله علاقة وثيقة بخادمه ابسخرون ( فى الرواية الاصلية ) الذى تحول فى الفيلم الى فانوس اما الاخ ملاك فقد لعب دورا رئيسيا فى مابعد حينما حاول تدبير مؤامرة تنفذها بثينة يستطيع بمقتضاها ان ينزع ملكية الشقة التى يتخذها زكى لنفسه مكتبا . وهناك علاقة زكى بالمحامى ( يوسف داود ) الذى يناصره وهو فى الحبس بعد ان ضبط زكى وبثينة فى الفراش واتهمتهما الشرطة بالزنى بناء على بلاغ من دولت اخت زكى . بثينة تبدا بها احداث الفيلم وتنتهى . فى البدايه تخبر امها عن صاحب العمل الذى يغازلها وفى النهاية تتزوج زكى الذى يكبرها باربعين عاما على الاقل بعد ان تغنى لهما كريستين ( يسرا ) عشيقة زكى السابقة اغنية قديمة اسمها الحياة وردة .
خضوع وابتزاز
ونتعرف على الحاج عزام ( نور الشريف ) : ( جاوز الستين وبدأ منذ ثلاثين عاما مجرد نفر سريح نزح من محافظة سوهاج الى القاهرة بحثا عن الرزق , والمسنون فى شارع سليمان باشا يذكرونه وهو جالس على الأرض فى ممر الاميركين بالجلباب والصديرى والعمامة وأمامه صندوق خشبى صغير حيث بدا بتلميع الأحذية وعمل فترة فراشا فى مكتبة بابيك ثم اختفى بعد ذلك اكثر من عشرين عاما وظهر فجأة وقد حقق ثروة ) سنعرف ان ماسح الأحذية هذا تحول الى مليونير من تجارة المخدرات .. يمتلك نصف محلات وسط البلد لكنه يطمح ويطمع فى المزيد ) . يدخل عزام مجلس الشعب عن طريق السياسي المشهور كمال الفولى( خالد صالح ) ولانه يحتلم اثناء نومه يتزوج سراً من سعاد ( سمية الخشاب ) وهى أرملة اسكندرانية فقيرة وجميلة فى ثلاثينات العمر ولديها طفل ليشبع غريزته الجنسية المتفجرة بالرغم من كبر سنه . ولانه لايستطيع مواجهه ام العيال فانه يكلف بعض اتباعه باجهاض سعاد بعد ان ترفض الانصياع لاوامرة بعدم الخلفة . يحاول عزام الوقوف فى وجه الفولى بعد ان يرفض الخضوع لابتزازه حيث يطالبه الاخير بنسبه من ارباحه , لكنه سرعان مايدرك انه يتعامل مع مافيا سلطوية كبيرة تستطيع الاطاحه به فى اية لحظة ويجد فى النهاية انه لامناص من الخضوع . واذا كان زكى يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لايزال فى السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه والفيلم يعطى لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته واهله وكل منهما يبدا من جديد
ارهاب وانتقام
أبن بواب العمارة طه الشاذلي ـ محمد عادل إمام ـ هو شاب مقهور بسبب عمل والده الفقير فلا يستطيع تحقيق حلمه في أن يكون ضابط شرطة.. يتحول إلي "إرهابي" ويُقتل بعد ان ينتقم لنفسه من الذين انتهكوا عرضه بعد القيض عليه فى احدى المظاهرات التى كانت تنظمها احدى الجماعات الاسلامية التى انتمى اليها . قبل موته تتركه خطيبته "بثينة" بسبب الفقر فهي فتاة جميلة تعيش فوق السطوح مع والدتها، تعمل في إحدى محلات الملابس لتصبح مطمع صاحب المحل , وتتطور حياتها بشكل سريع لتجد نفسها زوجه ل زكى باشا.
شذوذ ورزيلة
ونتعرف على الصحفي الشاذ حاتم ( خالد الصاوي ) الذى يعمل كرئيس لتحرير إحدى الصحف الفرنسية فى القاهرة , وهو ضحية لأم فرنسية كانت تخون والده الذي كان غير مهتم بتربيته فقام الخادم إدريس بمداعبته جنسيا ومعاشرته، ويكبر الفتى ليصبح شاذا جنسيا يمارس الرذيلة مع الرجال،حيث نجده في ظلام الليل يبحث عن رفيق، وفعلاً يجد مجندا بالشرطة اسمه عبد ربه ( باسم سمرة ) الذي يضحي بمبادئه وأخلاقه من أجل إعالته واعانته على الحياة الصعبة سرعان . مايفقد عبد ربه ابنه الصغير وسرعان مايترك المدينة عائدا الى بلدته بعد ان فقد اعز مالديه الشرف والابن الوحيد . وفى النهاية يموت حاتم مقتولا على يد صديق جديد .
واذا كان زكى يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لا يزال فى السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه والفيلم يعطى لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته أهله وكل منهما يبدا من جديد .
رحلة الظلم
فى الفيلم ( السيناريو ) وقبلها فى ( الرواية ) انت بصدد شخصيات مجهضة ومقهورة ومكسورة ليس فى حياتها اى بريق امل , وليس فى سلوكها مايدفع للتفاؤل ومايغرى لمواصلة الحياة . انت بصدد شخصيات يائسة ومحبطة و ( منهوك عرضها ) بفعل سلطة غاشمة سواء كانت السلطة السياسية او السلطة العسكرية او حتى السلطة الاجتماعية . فطة الشاذلي يتم قهره عندما يتم رفض التحاقه بكلية الشرطة لخدمة الوطن ويتم إجهاض حلمه وهو مازال فى عنفوان بكارته ويتم انتهاك عرضه من قبل رجال آمن الدولة عندما تسد كل المنافذ أمامه , ويجد نفسه فى أحضان احدى الجماعات الإسلامية والتى وجد بين أحضانها الطمأنينة والملاذ . وبثينه يتم انتهاك عرضها نفسيا عندما يعتدى عليها صاحب المحل , وفى النهاية تضطر للارتباط برجل من سن جدها يجسد أطلال الماضي طلبا للحياة الآمنة . والجندى عبد ربه رغم انه ينتهك عرض الصحفى حاتم رشيد فانه فى واقع الآمر قد تم انتهاك عرضه هو عندما وجد نفسه على قارعة المدينة فقيرا معدما لايجد مايسد رمق أسرته وهو أحد حراس الوطن . ورغم ذلك فقد دفع ثمنا غاليا لمحاولته الانتقام من المدينة عندما فقد ابنه الوحيد . وسعاد زوجة عزام تم انتهاك عرضها عندما تم الاعتداء عليها لاجهاضها والتخلص من حملها وكل مافعلته انها طالبت بحياة طبيعية مع عزام . وحاتم رشيد تم انتهاك عرضه عندما تم الاعتداء عليه وهو صغير بسبب الإهمال الأسرى, وتحول الى لواطى يستجلب الشباب الى شقته محاولا التنظير لمسالة حقه فى ممارسة اللواط وفى نهاية االفيلم ستجد ان كل الشخصيات التى تمتعت بقهر الاخرين بقت كما هى لتواصل رحلة الظلم والفساد . فكمال الفولى رجل السلطة القوى يختفى فى عمق كادر يتلاشى منه النور تدريجيا وهو يفرض اتاوته على عزام . وعزام رغم كل مافعل ورغم ادانته واثبات تهمة تهريب المخدرات عليه ورغم اعتدائه السافر على سعاد الا انه يخرج من أزمته مثل خروج الشعرة من العجين . وزكى الدسوقى الباشا الفاسد السكرى زير النساء العجوز المتصابى الذى يجسد الماضي بكل ظلاله الاستعمارية والفوقية فى نهاية الرواية والفيلم يحتل قلب بثينة الأبيض النقى . ربما يقصد الكاتب ان الفساد فى الواقع اكبر من مجرد نهاية سعيدة تعيد بثينة الى طة وانما الماضي المتمثل فى زكى مازال يشد الحاضر اليه بكل قوة متجاوزا كل نداءات الاصلاح . بثينة هى الحاضر وهى تفاحة عمارة يعقوبيان وهى صنيعة زمن المسخ الذى ساهم فى صناعته فى واقع الآمر زكى باشا وامثاله . فى الفيلم ( السيناريو ) انت لاتستطيع ان تتعاطف مع احد فالكل مدان والكل فى حالة تقدم الى الخلف والكل غارق فى ذاته ليجتر عذاباته او يغرق فى ملذاته عن طريق الهروب بكاس الخمر اوسيجارة الحشيش او التوهان مع أغنية قديمة تعود الى الخمسينات اسمها الحياة وردة . لكنها اية حياة وايه وردة ؟ ! . فى روايته كان من الممكن ان يكتفى علاء الاسوانى بشخصية واحدة وقصة واحدة لكن كما يبدو فان الاحداث فى عمارة يعقوبيان تشابكت وتضافرت ونسجت مع بعضها حكايات لااول لها ولااخر لانها تمس سكان عمارة باكملها تمس فى دلالات الرمز حكاية وطن على مفترق طرق كثيرة .
مخرج واعد
فى الفيلم ( الفن ) نجح مروان حامد الى حد كبير فى انطلاقته الاولى فى عالم الفيلم الروائى ان يثبت اقدامه كمخرج متمكن من ادواته السينمائية . فى إدارته للمثل ومع ممثلين كبار استطاع مروان ان يوظف كل أدوات الممثل الداخلية والخارجية فى تقديم منظومة تمثيلية جميلة وراقية فعادل امام فى تجسيده لشخصية زكى الدسوقى لم يكن هو عادل امام الذى نعرفه فقد تخلى عن الكثير من لزماته الشهيرة ليغوص اكثر فى أعماق الشخصية وليقدم لنا دورا سيحسب له فى تاريخه الفنى العريق وفى عمارة يعقوبيان نستطيع ان نقول اننا خرجنا من كاريزما النجم الى موهبة الممثل الذى يرغب فى تقديم شىْ مختلف عما قدمه من قبل . ويمكن التوقف كثيرا عند أداء هند صبرى التى جسدت دورها بتلقائية وبساطة وفهم أضافت الى نجاحاتها السابقة نجاحا جديدا . ولنا ان نذكر دورها المميز فى فيلمى ( أحلى الأوقات ) و( بنات وسط البلد ) . واستطاع نور الشريف ان يجسد دور عزام بمعلمة كبيرة كما نجح خالد صالح فى تقديم انجح أدواره حتى ألان عندما قدم درسا فى الأداء السهل الممتنع وهو يجسد دور كمال الفولى وكذلك خالد الصاوى الذى بذل جهدا كبيرا فى تقديم شخصية حاتم رشيد ويمكن الإشارة أيضا الى الممثل الصاعد محمد عادل أمام الذى أجاد تجسيد شخصية طه الشاذلي بموهبة وتمكن وكذلك يمكن التوقف عند الأداء المتمكن لكل من احمد راتب ويوسف داود واحمد بديرويسرا وسمية الخشاب واسعاد يونس الذين لعبوا ببراعة ضمن منظومة تمثيلية أراد جميع المشاركين فيها ان يقدموا افضل مالديهم . وغير الأداء التمثيلي هناك التصوير الاحترافي الذى حرص على تقديم زوايا جديدة ولقطات عامة ومتوسطة وقريبة موظفة تماما لخدمة الحدث وهناك أيضا الديكور الذى تم توظيفة ليلعب دورا مهما فى التعبير التشكيلى للصورة ونجحت الموسيقى التصويرية فى متابعة الأحداث والتمهيد لها والتعليق عليها ولا ننسى الإيقاع الناعم والمدروس للانتقال من لقطة الى الى لقطة ومن مشهد الى اخر هذا رغم التطويل الذى شعرنا بعه احيانا فى تنفيذ بعض المشاهد خاصة مشاهد الامن المركزى أثناء المظاهرة ومشاهد الوصلات الغنائية لكرستين تلك المشاهد كان يمكن اختصارها دون التأثير على تدفق الصورة وتتابع الأحداث . ويعنى كل ذلك ان المخرج مروان حامد ورغم كثرة الشخصيات ونجومية الممثلين وكثافة الأحداث استطاع ان يثبت نفسه كمخرج واعد يمكن ان نمنحه ثقه كبيرة فى تحقيق نتاجات سينمائية كبيرة ومختلفة . وتبقى اشارات لابد منها
لغة صورية
الإشارة الأولى ان الفيلم اعتمد الى حد كبير على رواية ناجحة نفدت فور صدورها ثم اعيد طباعتها ثلاث مرات ومازالت من الأعمال الأكثر مبيعا حتى الان وتجرى حاليا ترجمتها الى العديد من اللغات وهنا نؤكد الى ضرورة عودة السينما العربية لكى تسترد عافيها وازدهارها الى الرواية الأدبية , والعالم العربى يعج بالكثير من الروايات الناجحة التى قدمها كتاب لايقلون فى موهبتهم وإبداعهم عن علاء الأسواني ولنا ان نتذكر ان موروث السينما المصرية من الأفلام الناجحة يعتمد على روايات لكتاب الرواية الكبار مثل نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبداللة وثروت اباظة وعبد الرحمن الشرقاوى ولنا ان تنذكر هنا ( االارض ) و( شى من الخوف ) و( البوسطجى ) و( الوسادة الخالية ) و( بداية ونهاية وغيرها . ومن المهم الوضع فى الاعتبار ان العالم تغير ولغة السينما ايضا تغيرت ويعنى ذلك انه من المهم ونحن نبحت للسينما عن روايات صالحة ان تكون هذه الروايات بعيدة عن أساليب السرد التقليدية وان تتحلى بحكايا تكون صالحة للتعبير الصورى وليس التعبير الحكائى . فى فيلم ( عمارة يعقوبيان ) انتصرت الحكايات وكان من الممكن حذف نصف الشخصيات دون ان تختل العمارة . لقد ظهر الفيلم فى بعض الاحيان وكانه مسلسل من ثلاثين حلقة تم اختصارة الى ست او اربع حلقات. ولولا فهم المخرج مروان حامد انه يتعامل فى الاساس مع لغة صورية لكان الفيلم احدى الكوارث الكبيرة فى تاريخ السينما العربية .
رسالة نبيلة
الاشارة الثانيةهى ان الفيلم نجح الى حد كبير فى كسر التابوهات المقدسة فى تاريخ السينما العربية واستطاع ان يعرض الكثير من المشاهد الساخنة ويناقش الكثير من القضايا المسكوت عنها ولاول مرة يشير الى بعض مواطن الخلل فى التركيبة الاجتماعية والسياسية وعرض بجراة مشكلة الشواذ عل يد حاتم رشيد لكن نتمنى الا يكون كسر هذه التابوهات كان بغرض الاستفادة من هامش الحرية الذى اتسع قليل فى مصر فى الآونة الأخيرة . ونتمنى الا يكون كسر هذه التابوهات قد اضر بالفيلم من خلال التركيز على مايعرضه من هذه المشاهد بدلا من القاء الضوء على المشاكل الحقيقة للواقع السياسى والاجتماعي والوصول من خلال عرض هذه المشاكل الى بعض الحلول التى من الممكن ان تساهم فى اضاءة شمعة فى نهاية النفق المظلم . نعم ليست وظيفة الفن ان يضع توصيات واقتراحات لحل المشاكل ولكن من المهم ان الوعى بان الفن فى اشكاله المتعددة لابد وان يحمل رسالة نبيلة تقف ضد الظلم والفساد وتضع بارقة امل فى نهاية الطريق . فيلم ( عمارة يعقوبيان ) كان مفرطا فى التشاؤم الى حد كبير وكان متشحا بالسواد الى حد الشعور بالاحباط والضجر .
جهود وتحية
الاشارة الثالثة والتى لابد منها ندفع بها ناحية الشركة المنتجة وقدرتها على المغامرة ونجاحها فى فتح اسواق للفيلم العربى خارج الحدود . تحية لجهود الشركة المنتجة و نتمنى ان يشجع ( عمارة يعقوبيان ) بقية المستثمرين للخوض فى محال الإنتاج الضخم لتغيير وجه صناعة السينما العربية البائس وضرورة تغيير ملامح هذا الوجة حتى لايظل مليئا بالتشوهات
نقد سينمائي
فى ( عمارة يعقوبيان )شخصيات منتهكة، ولعب فى الحكاوى، ومخرج واعد
عرض وتحليل: عماد النويرى
عرض وتحليل: عماد النويرى
"زكي الدسوقي" عادل امام ابن الحسب والنسب وسليل آسرة باشاوية كبيرة انتهى به الحال الى شقة متواضعه فى يعقوبيان تشاركه فيها أخته دولت سليطة الطباع واللسان . درس زكى باشا بالخارج والآن يعيش بين جدران يعقوبيان ليستمتع بحياة رخيصة في بارات وسط البلد ويعاشر فتيات أكثر رخصاً.. ، تحاول دولت ( اسعاد يونس ) طرد زكى من الشقة التي يعيشا فيها سويا وتنجح في ذلك.. ينتقل للعيش في مكتبه مع خادمه "فانوس" أحمد راتب. وفى طريق مغامراته العاطفية الرخيصة يقع فى غرام بثينة ( هند صبرى ) . يعيش زكى من خلال علاقاته النسائية المتعددة والعابرة وله علاقة وثيقة بخادمه ابسخرون ( فى الرواية الاصلية ) الذى تحول فى الفيلم الى فانوس اما الاخ ملاك فقد لعب دورا رئيسيا فى مابعد حينما حاول تدبير مؤامرة تنفذها بثينة يستطيع بمقتضاها ان ينزع ملكية الشقة التى يتخذها زكى لنفسه مكتبا . وهناك علاقة زكى بالمحامى ( يوسف داود ) الذى يناصره وهو فى الحبس بعد ان ضبط زكى وبثينة فى الفراش واتهمتهما الشرطة بالزنى بناء على بلاغ من دولت اخت زكى . بثينة تبدا بها احداث الفيلم وتنتهى . فى البدايه تخبر امها عن صاحب العمل الذى يغازلها وفى النهاية تتزوج زكى الذى يكبرها باربعين عاما على الاقل بعد ان تغنى لهما كريستين ( يسرا ) عشيقة زكى السابقة اغنية قديمة اسمها الحياة وردة .
خضوع وابتزاز
ونتعرف على الحاج عزام ( نور الشريف ) : ( جاوز الستين وبدأ منذ ثلاثين عاما مجرد نفر سريح نزح من محافظة سوهاج الى القاهرة بحثا عن الرزق , والمسنون فى شارع سليمان باشا يذكرونه وهو جالس على الأرض فى ممر الاميركين بالجلباب والصديرى والعمامة وأمامه صندوق خشبى صغير حيث بدا بتلميع الأحذية وعمل فترة فراشا فى مكتبة بابيك ثم اختفى بعد ذلك اكثر من عشرين عاما وظهر فجأة وقد حقق ثروة ) سنعرف ان ماسح الأحذية هذا تحول الى مليونير من تجارة المخدرات .. يمتلك نصف محلات وسط البلد لكنه يطمح ويطمع فى المزيد ) . يدخل عزام مجلس الشعب عن طريق السياسي المشهور كمال الفولى( خالد صالح ) ولانه يحتلم اثناء نومه يتزوج سراً من سعاد ( سمية الخشاب ) وهى أرملة اسكندرانية فقيرة وجميلة فى ثلاثينات العمر ولديها طفل ليشبع غريزته الجنسية المتفجرة بالرغم من كبر سنه . ولانه لايستطيع مواجهه ام العيال فانه يكلف بعض اتباعه باجهاض سعاد بعد ان ترفض الانصياع لاوامرة بعدم الخلفة . يحاول عزام الوقوف فى وجه الفولى بعد ان يرفض الخضوع لابتزازه حيث يطالبه الاخير بنسبه من ارباحه , لكنه سرعان مايدرك انه يتعامل مع مافيا سلطوية كبيرة تستطيع الاطاحه به فى اية لحظة ويجد فى النهاية انه لامناص من الخضوع . واذا كان زكى يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لايزال فى السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه والفيلم يعطى لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته واهله وكل منهما يبدا من جديد
ارهاب وانتقام
أبن بواب العمارة طه الشاذلي ـ محمد عادل إمام ـ هو شاب مقهور بسبب عمل والده الفقير فلا يستطيع تحقيق حلمه في أن يكون ضابط شرطة.. يتحول إلي "إرهابي" ويُقتل بعد ان ينتقم لنفسه من الذين انتهكوا عرضه بعد القيض عليه فى احدى المظاهرات التى كانت تنظمها احدى الجماعات الاسلامية التى انتمى اليها . قبل موته تتركه خطيبته "بثينة" بسبب الفقر فهي فتاة جميلة تعيش فوق السطوح مع والدتها، تعمل في إحدى محلات الملابس لتصبح مطمع صاحب المحل , وتتطور حياتها بشكل سريع لتجد نفسها زوجه ل زكى باشا.
شذوذ ورزيلة
ونتعرف على الصحفي الشاذ حاتم ( خالد الصاوي ) الذى يعمل كرئيس لتحرير إحدى الصحف الفرنسية فى القاهرة , وهو ضحية لأم فرنسية كانت تخون والده الذي كان غير مهتم بتربيته فقام الخادم إدريس بمداعبته جنسيا ومعاشرته، ويكبر الفتى ليصبح شاذا جنسيا يمارس الرذيلة مع الرجال،حيث نجده في ظلام الليل يبحث عن رفيق، وفعلاً يجد مجندا بالشرطة اسمه عبد ربه ( باسم سمرة ) الذي يضحي بمبادئه وأخلاقه من أجل إعالته واعانته على الحياة الصعبة سرعان . مايفقد عبد ربه ابنه الصغير وسرعان مايترك المدينة عائدا الى بلدته بعد ان فقد اعز مالديه الشرف والابن الوحيد . وفى النهاية يموت حاتم مقتولا على يد صديق جديد .
واذا كان زكى يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لا يزال فى السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه والفيلم يعطى لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته أهله وكل منهما يبدا من جديد .
رحلة الظلم
فى الفيلم ( السيناريو ) وقبلها فى ( الرواية ) انت بصدد شخصيات مجهضة ومقهورة ومكسورة ليس فى حياتها اى بريق امل , وليس فى سلوكها مايدفع للتفاؤل ومايغرى لمواصلة الحياة . انت بصدد شخصيات يائسة ومحبطة و ( منهوك عرضها ) بفعل سلطة غاشمة سواء كانت السلطة السياسية او السلطة العسكرية او حتى السلطة الاجتماعية . فطة الشاذلي يتم قهره عندما يتم رفض التحاقه بكلية الشرطة لخدمة الوطن ويتم إجهاض حلمه وهو مازال فى عنفوان بكارته ويتم انتهاك عرضه من قبل رجال آمن الدولة عندما تسد كل المنافذ أمامه , ويجد نفسه فى أحضان احدى الجماعات الإسلامية والتى وجد بين أحضانها الطمأنينة والملاذ . وبثينه يتم انتهاك عرضها نفسيا عندما يعتدى عليها صاحب المحل , وفى النهاية تضطر للارتباط برجل من سن جدها يجسد أطلال الماضي طلبا للحياة الآمنة . والجندى عبد ربه رغم انه ينتهك عرض الصحفى حاتم رشيد فانه فى واقع الآمر قد تم انتهاك عرضه هو عندما وجد نفسه على قارعة المدينة فقيرا معدما لايجد مايسد رمق أسرته وهو أحد حراس الوطن . ورغم ذلك فقد دفع ثمنا غاليا لمحاولته الانتقام من المدينة عندما فقد ابنه الوحيد . وسعاد زوجة عزام تم انتهاك عرضها عندما تم الاعتداء عليها لاجهاضها والتخلص من حملها وكل مافعلته انها طالبت بحياة طبيعية مع عزام . وحاتم رشيد تم انتهاك عرضه عندما تم الاعتداء عليه وهو صغير بسبب الإهمال الأسرى, وتحول الى لواطى يستجلب الشباب الى شقته محاولا التنظير لمسالة حقه فى ممارسة اللواط وفى نهاية االفيلم ستجد ان كل الشخصيات التى تمتعت بقهر الاخرين بقت كما هى لتواصل رحلة الظلم والفساد . فكمال الفولى رجل السلطة القوى يختفى فى عمق كادر يتلاشى منه النور تدريجيا وهو يفرض اتاوته على عزام . وعزام رغم كل مافعل ورغم ادانته واثبات تهمة تهريب المخدرات عليه ورغم اعتدائه السافر على سعاد الا انه يخرج من أزمته مثل خروج الشعرة من العجين . وزكى الدسوقى الباشا الفاسد السكرى زير النساء العجوز المتصابى الذى يجسد الماضي بكل ظلاله الاستعمارية والفوقية فى نهاية الرواية والفيلم يحتل قلب بثينة الأبيض النقى . ربما يقصد الكاتب ان الفساد فى الواقع اكبر من مجرد نهاية سعيدة تعيد بثينة الى طة وانما الماضي المتمثل فى زكى مازال يشد الحاضر اليه بكل قوة متجاوزا كل نداءات الاصلاح . بثينة هى الحاضر وهى تفاحة عمارة يعقوبيان وهى صنيعة زمن المسخ الذى ساهم فى صناعته فى واقع الآمر زكى باشا وامثاله . فى الفيلم ( السيناريو ) انت لاتستطيع ان تتعاطف مع احد فالكل مدان والكل فى حالة تقدم الى الخلف والكل غارق فى ذاته ليجتر عذاباته او يغرق فى ملذاته عن طريق الهروب بكاس الخمر اوسيجارة الحشيش او التوهان مع أغنية قديمة تعود الى الخمسينات اسمها الحياة وردة . لكنها اية حياة وايه وردة ؟ ! . فى روايته كان من الممكن ان يكتفى علاء الاسوانى بشخصية واحدة وقصة واحدة لكن كما يبدو فان الاحداث فى عمارة يعقوبيان تشابكت وتضافرت ونسجت مع بعضها حكايات لااول لها ولااخر لانها تمس سكان عمارة باكملها تمس فى دلالات الرمز حكاية وطن على مفترق طرق كثيرة .
مخرج واعد
فى الفيلم ( الفن ) نجح مروان حامد الى حد كبير فى انطلاقته الاولى فى عالم الفيلم الروائى ان يثبت اقدامه كمخرج متمكن من ادواته السينمائية . فى إدارته للمثل ومع ممثلين كبار استطاع مروان ان يوظف كل أدوات الممثل الداخلية والخارجية فى تقديم منظومة تمثيلية جميلة وراقية فعادل امام فى تجسيده لشخصية زكى الدسوقى لم يكن هو عادل امام الذى نعرفه فقد تخلى عن الكثير من لزماته الشهيرة ليغوص اكثر فى أعماق الشخصية وليقدم لنا دورا سيحسب له فى تاريخه الفنى العريق وفى عمارة يعقوبيان نستطيع ان نقول اننا خرجنا من كاريزما النجم الى موهبة الممثل الذى يرغب فى تقديم شىْ مختلف عما قدمه من قبل . ويمكن التوقف كثيرا عند أداء هند صبرى التى جسدت دورها بتلقائية وبساطة وفهم أضافت الى نجاحاتها السابقة نجاحا جديدا . ولنا ان نذكر دورها المميز فى فيلمى ( أحلى الأوقات ) و( بنات وسط البلد ) . واستطاع نور الشريف ان يجسد دور عزام بمعلمة كبيرة كما نجح خالد صالح فى تقديم انجح أدواره حتى ألان عندما قدم درسا فى الأداء السهل الممتنع وهو يجسد دور كمال الفولى وكذلك خالد الصاوى الذى بذل جهدا كبيرا فى تقديم شخصية حاتم رشيد ويمكن الإشارة أيضا الى الممثل الصاعد محمد عادل أمام الذى أجاد تجسيد شخصية طه الشاذلي بموهبة وتمكن وكذلك يمكن التوقف عند الأداء المتمكن لكل من احمد راتب ويوسف داود واحمد بديرويسرا وسمية الخشاب واسعاد يونس الذين لعبوا ببراعة ضمن منظومة تمثيلية أراد جميع المشاركين فيها ان يقدموا افضل مالديهم . وغير الأداء التمثيلي هناك التصوير الاحترافي الذى حرص على تقديم زوايا جديدة ولقطات عامة ومتوسطة وقريبة موظفة تماما لخدمة الحدث وهناك أيضا الديكور الذى تم توظيفة ليلعب دورا مهما فى التعبير التشكيلى للصورة ونجحت الموسيقى التصويرية فى متابعة الأحداث والتمهيد لها والتعليق عليها ولا ننسى الإيقاع الناعم والمدروس للانتقال من لقطة الى الى لقطة ومن مشهد الى اخر هذا رغم التطويل الذى شعرنا بعه احيانا فى تنفيذ بعض المشاهد خاصة مشاهد الامن المركزى أثناء المظاهرة ومشاهد الوصلات الغنائية لكرستين تلك المشاهد كان يمكن اختصارها دون التأثير على تدفق الصورة وتتابع الأحداث . ويعنى كل ذلك ان المخرج مروان حامد ورغم كثرة الشخصيات ونجومية الممثلين وكثافة الأحداث استطاع ان يثبت نفسه كمخرج واعد يمكن ان نمنحه ثقه كبيرة فى تحقيق نتاجات سينمائية كبيرة ومختلفة . وتبقى اشارات لابد منها
لغة صورية
الإشارة الأولى ان الفيلم اعتمد الى حد كبير على رواية ناجحة نفدت فور صدورها ثم اعيد طباعتها ثلاث مرات ومازالت من الأعمال الأكثر مبيعا حتى الان وتجرى حاليا ترجمتها الى العديد من اللغات وهنا نؤكد الى ضرورة عودة السينما العربية لكى تسترد عافيها وازدهارها الى الرواية الأدبية , والعالم العربى يعج بالكثير من الروايات الناجحة التى قدمها كتاب لايقلون فى موهبتهم وإبداعهم عن علاء الأسواني ولنا ان نتذكر ان موروث السينما المصرية من الأفلام الناجحة يعتمد على روايات لكتاب الرواية الكبار مثل نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبداللة وثروت اباظة وعبد الرحمن الشرقاوى ولنا ان تنذكر هنا ( االارض ) و( شى من الخوف ) و( البوسطجى ) و( الوسادة الخالية ) و( بداية ونهاية وغيرها . ومن المهم الوضع فى الاعتبار ان العالم تغير ولغة السينما ايضا تغيرت ويعنى ذلك انه من المهم ونحن نبحت للسينما عن روايات صالحة ان تكون هذه الروايات بعيدة عن أساليب السرد التقليدية وان تتحلى بحكايا تكون صالحة للتعبير الصورى وليس التعبير الحكائى . فى فيلم ( عمارة يعقوبيان ) انتصرت الحكايات وكان من الممكن حذف نصف الشخصيات دون ان تختل العمارة . لقد ظهر الفيلم فى بعض الاحيان وكانه مسلسل من ثلاثين حلقة تم اختصارة الى ست او اربع حلقات. ولولا فهم المخرج مروان حامد انه يتعامل فى الاساس مع لغة صورية لكان الفيلم احدى الكوارث الكبيرة فى تاريخ السينما العربية .
رسالة نبيلة
الاشارة الثانيةهى ان الفيلم نجح الى حد كبير فى كسر التابوهات المقدسة فى تاريخ السينما العربية واستطاع ان يعرض الكثير من المشاهد الساخنة ويناقش الكثير من القضايا المسكوت عنها ولاول مرة يشير الى بعض مواطن الخلل فى التركيبة الاجتماعية والسياسية وعرض بجراة مشكلة الشواذ عل يد حاتم رشيد لكن نتمنى الا يكون كسر هذه التابوهات كان بغرض الاستفادة من هامش الحرية الذى اتسع قليل فى مصر فى الآونة الأخيرة . ونتمنى الا يكون كسر هذه التابوهات قد اضر بالفيلم من خلال التركيز على مايعرضه من هذه المشاهد بدلا من القاء الضوء على المشاكل الحقيقة للواقع السياسى والاجتماعي والوصول من خلال عرض هذه المشاكل الى بعض الحلول التى من الممكن ان تساهم فى اضاءة شمعة فى نهاية النفق المظلم . نعم ليست وظيفة الفن ان يضع توصيات واقتراحات لحل المشاكل ولكن من المهم ان الوعى بان الفن فى اشكاله المتعددة لابد وان يحمل رسالة نبيلة تقف ضد الظلم والفساد وتضع بارقة امل فى نهاية الطريق . فيلم ( عمارة يعقوبيان ) كان مفرطا فى التشاؤم الى حد كبير وكان متشحا بالسواد الى حد الشعور بالاحباط والضجر .
جهود وتحية
الاشارة الثالثة والتى لابد منها ندفع بها ناحية الشركة المنتجة وقدرتها على المغامرة ونجاحها فى فتح اسواق للفيلم العربى خارج الحدود . تحية لجهود الشركة المنتجة و نتمنى ان يشجع ( عمارة يعقوبيان ) بقية المستثمرين للخوض فى محال الإنتاج الضخم لتغيير وجه صناعة السينما العربية البائس وضرورة تغيير ملامح هذا الوجة حتى لايظل مليئا بالتشوهات
عماد النويري
ناقد سينمائي.مدير نادي الكويت للسينما
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس
واعلن معنا
سينما ايزيس لماذا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق