الثلاثاء، يوليو 05، 2016

رصاصة في القلب .الارهاب صناعة محلية بقلم يسري حسين


رصاصة في القلب .الإرهاب صناعة محلية

بقلم
يسري حسين
كاتب مصري مقيم في لندن 


خنق ملامح الدولة المدنية التي تكونت في ظلال ثورة١٩، نجم عنه هذا الإرهاب الذي يدمر المنطقة بمباركة من حزب التخلف العربي ،الذي يتحرك بشعارات دينية ترفع الفاظ الإيمان،بينما هذا الخيار هو الكفر بعينه ، لأنه يعادي الحضارة الإنسانية وينشر الكراهية والتعصب والقبح بكل أشكاله


 لقطة من فيلم وثائقي فرنسي  عن السلفيين

كانت مصر في بداية القرن العشرين تعتمد التفكير العلمي لدحض الخرافة واللحاق بالعصر والأستفادة من علوم وآداب وفنون ترقي من المجتمع ،وتربطه بالفكر المستنير ،لذلك أرسلت الدولة الطلاب للدراسة في مجتمعات أوروبية متحضرة ،ولم يتم الأعتراض على أديان هذه المجتمعات أو الطعن فيها ،وهذا يعود لطبقة متعلمة تكونت في مصر ،وكان لدور الفن الأسهام الأكبر في احترام الشعوب والثقافات الأخرى.
لعب الفن المصري دوره في تسويق الحياة الجديدة مع بناء المصانع والشركات ووجود طبقة الأفندية التي كان عبد الوهاب يؤكد أنه يغني لها وتقبل على أفلامه ،وتتذوق موسيقاه التي طعمها بجمل غربية فيها إيقاع المرح والبهجة علامة على مجتمع يثق في نفسه ويقبل على الحياة ولا يفكر في الموت أو الانتحار .
وضع صديقي العزيز عادل الرملي على موقعة أغنية عبد الوهاب ( انسي الدنيا)التي غناها المطرب في فيلم( رصاصة في القلب) عن مسرحية لتوفيق الحكيم ،وكتب الأغنية مأمون الشناوي ،وتم عرض الفيلم في عام ١٩٤٤ بطولة اليهودية راقية إبراهيم وإخراج محمد كريم.
تصور الأغنية مصرالتي كانت في عام ١٩٤٤ حيث يغني المطرب كلمات اللحن تحوطه فتيات جميلات بملابس أوروبية حديثة ويرقصن بفرح وبهجة وسرور عن أهمية قهر الأحزان والتمتع بالحياة الجميلة التي تحوط بهن في هذا المنظر.
هذه اللقطة لم تكن تخص الطبقات الراقية فقط ،اذ أن بنات المدن المصرية كان زيهن عصري فلا حجاب أو نقاب ولا تخفي من أي نوع ،اذ كانت الحياة تمضي بلا إرهاب الطبقات المتخلفة التي روجت لمظاهرأكثر تخلُّفا تخص بيئات معينة ولا ترتبط لا بمصر إو لبنان أو العراق والمغرب وتونس .
اختفاء تلك الصورة: عبد الوهاب وحوله البنات الجميلات ،كان نتيجة حروب وانكسارات وفواجع هزمت جيل الحرية والحضارة ،ومن ركام الهزيمة خرج الظلام الذي أعاد المنطقة إلى الوراء ونزع ملابس الحضارة وألزمنا بثياب التخلف وأن المرأة عورة وتعليم البنات حرام وخروج المرإة إلى العمل جريمة.
لتمرير هذا التخاف كان لابد أولا من إلقاء الشبهات حول الفن بدعوى حماية الأخلاق ،لان صوت أم كلثوم يعلم شروط الحب ،وهذا التيار يسعى لزرع الكراهية وتدمير الخلايا الإنسانية ،مرة بالدفاع عن السنة ومرة أخرى بمحاربة الكفار والعداء لديانات أخرى.
في زمن ( أنسى الدنيا )كان هناك الحب ومشاكل الغرام ،ومسرحية الحكيم ملهاة جميلة عن عواطف القلب وأحكامه.
في زمن القرضاوي الكراهية هي الحل : كراهية سوريا والتحريض على نسفها تدعيما للديمقراطية.
الإرهاب الذي يدمر المنطقة صناعة محلية تم تشكيله من فتاوى تحريم الفن وتجريم عمل النساء وتعطيل تعليم البنات ،لأن المرأة المسلمة مكانها المنزل.
في عام ١٩٤٤ لم يكن هذا الهراء يطل علينا بهذا الإجرام والتوحش ،لأن مصر كانت قوية بطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وعبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش.عندما ضعف مشروع مصر وظهر مشروع سيد قطب تغيرت المعادلة وبدل من أغنية عبد الوهاب والجميلات حوله نشاهد اشلاء القتلى في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
الذين صنعوا هذا الإرهاب ينددون به ،وهم القتلة الذين زرعوا في عقول جاهلة أن الجهاد أن تقتل جارك وتمزق جثته بأسنانك لتدخل الجنة . وهل تلك الجنة مفتوحة لمن يقتلون شعوبهم بهذه القسوة والكراهية؟.
لا أحد يريد مواجهة الحقيقة ،وهي مسؤولية هذا التحول الخطير من الفن والثقافة إلى خرافة تدمر أوطاننا وشحن إعلامي يدفع نحو الكراهية بهذه الدرجة والتحريض على بث الفرقة بين مذاهب وأديان عاشت في انسجام وتناغم خلال زمن عبد الوهاب الجميل
.

ليست هناك تعليقات: