الثلاثاء، يونيو 06، 2006

دراسات : سينما المقاومة شاهد علي العصر


المخرج الفلسطيني ايليا سليمان


سينما المقاومة شاهد علي العصر
قراءة في كتاب " تخليص الابريز في سينما باريز " لصلاح هاشم


أن السينما بطبيعتها ..هي واحدة من أدوات المتعة ..ورسول صادق للمعرفة والطواف بين قارات العالم الثلاث.. تنقل نبض الجماهير وتحقق التواصل بإحالة الصورة إلي حوار حي غني عن الثرثرة والحكي المباشر.مئات النماذج لأفلام عربية توحدت في الهوية ونطقت بلغة سياسية واحدة رصدت بوعي تسجيلي الواقع العالمي وانعكاساته الإقليمية علي دول المواجهة متخذة من فرضية التأثير والتأثر واقعا سينمائيا تتحرك علي أرضه وتعمل وفق معطياته مع الحرص علي توافر شرط الاشتباك والاختلاف دون قصور الرؤية علي مجرد التسجيل وهو بالضبط ما أبدته الدراسة السينمائية للناقد صلاح هاشم تحت عنوان ""السينما الفرنسية.. تخليص الإبريز في سينما باريز"" المستوحي من الموسوعة الشهيرة للعلامة المصري والفقيه الديني ""رفاعة رافع الطهطاوي"".. ""تخليص الإبريز في تلخيص باريز"" وهو عنوان يوحي بأن الدراسة المعنية استهدفت حصر معظم ما أنتجته السينما العربية من أفلام حققت مبدأ التماس مع القضايا العالمية، وقد اختار الكاتب صلاح هاشم ملمحا من ذلك التماس الموجود بين السينما العربية ونظيرتها الفرنسية عبر رؤية بانورامية شاملة استقاها من المهرجانات الدولية والعالمية وكان لها بالغ الأثر في تقريب وجهات النظر بين عالمين مختلفين شكلت السينما همزة الوصل بينهما وكشفت عن أوجه التلاقي الإنساني وطرحت القضايا المصيرية علي الرأي العام العالمي ليدرك حقيقة ما أخفته السياسة الدبلوماسية من جرائم ارتكبتها الدول العنصرية تجاه أصحاب الحقوق، وبصفة خاصة كشفت النقاب عن أبعاد القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين المغتصب من خلال رؤية ""دراماتيكية"" تناولت أفلاما ذات طابع تسجيلي مثل ""حيفا"" لرشيد مشهراوي و ""وقائع اختفاء"" لإليا سليمان و""يوميات عاهر"" لتوفيق أبو وائل و""العودة"" لعمرو قطان"" و""الزواج في الأرض المقدسة"" لمشيل خليفي و""الضوء في نهاية النفق"" لصبحي الزبيدي.كما عرضت لشخصيات فلسطينية مهمة مثل ""فدوي طوقان شاعرة من فلسطين"" إخراج ليانا بدر، و""امرأة معاصرة"" عن حنان عشراوي إخراج مي المصري، و""محمود درويش"" لسيمون بيتون، ولم تنس السينما أيضا أن تطرح القضية الفلسطينية من وجهة نظر الآخرين من عرب وأجانب حيث عرضت أفلاما أخري برؤي مغايرة ­ كما هو الحال في فيلم المخرج السوري عمر أميرالاي ""ثمة أشياء كثيرة يمكن أن يقولها المرء""، وفيلم ""الاعتداء"" للمخرجة الفرنسية سيمون بيتون، وأيضا تجربة المخرج المصري سمير عبد الله ""رحلة في فلسطين"".. وقد راعت السينما إحداث التوازن الإيجابي في وجهات النظر المتعلقة بالقضية فكانت هناك أفلام ذات دلالة خاصة مثل ""القدس في يوم آخر"" للمخرج هاني أبو أسعد، و""قطف الزيتون"" لحنا إلياس و""الخبز"" لهيام عباس، و""زمن الأخبار"" لعزة الحسن و""أحلام المنفي"" لمي المصري .وعلي صعيد القضايا العربية الأخرى سلطت السينما الضوء علي مأساة العنف في الجزائر وما ترتب عليه من مساوئ أثرت في نسيج المجتمع الجزائري ككل إذ تمكنت المخرجة ""يامينا بشير"" من تلخيص المأساة في إطار درامي بسيط .وإضافة إلي ما طرحته السينما العربية وتطرحه من هموم وقضايا ذات طبيعة إنسانية وسياسية علي مستوي دول مثل مصر ولبنان والجزائر وتونس والمغرب فإن هناك فيلما شديد التميز أوردته الدراسة التي أعدها هاشم كتلون دليلا علي أهمية السينما كوسيط ثقافي وسياسي هو الفيلم الموريتاني ""انتظار السعادة"" للمخرج عبد الرحمن سيساكو الذي يحكي بشاعرية ونعومة عن مفهوم الأوطان وما تمثله من شجن عند لحظة الفراق الجبري الذي تفرضه الظروف ويحتمه الواقع القاسي المجرد أحيانا من النبل، فالفيلم يبعث برسالة حب إلي الشعب الموريتاني القابض علي الجمر ويحضه علي التمسك بالتراب والأرض ويذكره بالماضي التليد .وكذلك تقدم لنا السينما السورية مفهوما مماثلا للارتباط بالوطن من خلال فيلم ""قمران وزيتونة"" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد يروي ذكريات صبي في الريف السوري يحلم بأن يكون قمرا مضيئا يتوسط السماء فيما تعاني الأم من رعاية الزوج المشلول المصاب برصاص قناص اسرائيلي وهروب طفلتها الصغيرة إلي عوالم الخيال وأمنيتها بأن تصبح هي أيضا غصن زيتون أخضر، والفيلم يمثل في مضمونه الكلي ذكريات المخرج عبد اللطيف عبد الحميد عن طفولته الأولي وأحلام صباه وهي التي مازالت تراوده حتى الآن. وبشكل عام تعد الرسالة التي أوضحتها الدراسة توثيقا لتجارب السينما العربية في نضالها ضد فكرة الانفصال عن الواقع والالتزام بقانون المجابهة والدخول في معترك الأحداث لإمكانية الارتقاء بمستوي الصورة والموضوع كمرادفين حقيقيين لما يجري علي أرض الواقع من صراعات تعيد تشكيل الإنسان وتصوغ الحياة وفق مقتضيات جديدة لا يجب أن تكون السينما بمعزل عنها ولا تقف منها موقف المحايد أو المتأمل فقط.. ولو أن هناك من الأمثلة ما يؤكد شجاعة السينما وفاعليتها في الإدلاء برأيها دون حرج أو خوف فللسينما المصرية شرف التعبير والمبادرة في كثير من الأفلام مثل ""ناجي العلي"" للمخرج عاطف الطيب ذلك الفيلم الذي وجه نقدا لاذعا للأنظمة العربية وأدان اغتيال ناجي العلي واعتبره وأدا لحرية التعبير وعنوانا للتواطؤ، كما أن هناك من الأفلام المصرية ما يسجل العديد من التحفظات علي الممارسات القمعية وسياسة الانفتاح واتفاقيات الاستسلام والتراخي مثل فيلم أهل القمة وفتاة من إسرائيل وإعدام ميت وبطل من الجنوب والهروب والبريء وكلها أفلام لامست وجدان المثقفين وعبرت عن وجهة نظرهم في كافة القضايا المعاصرة وكانت بمثابة شهادات تسجيلية ودرامية جديرة بالإشارة والتحليل في سياق الرصد لسينما عربية عبرت عن القضايا الوطنية وجاورت القرار السياسي علي خط أفقي واحد فاستحقت أن تكون محل دراسة واهتمام
عن مجلة " الموقف العربي " الاسبوعية بتاريخ 6 يونيو 2006
.
انظر ايضا سينما ايزيس واعلن معنا

ليست هناك تعليقات: