الجمعة، نوفمبر 03، 2017

جنّية زنجيّة تسقيني الحليب. تقديم لكتاب " الحصان الشارد " لصلاح هاشم بقلم شاهندة الباجوري




غلاف كتاب " الحصان الشارد " رسم وتصميم للفنانة أماني البابا بركات


صلاح هاشم الأديب والناقد الفنان ابن قلعة الكبش


جنّية زنجيّة تسقينى الحليب



كتبت: شاهندة الباجورى



صلاح هاشم هو أديب وناقد ومخرج سينمائى  مصرى  مقيم فى  باريس، وهو من مواليد حى  «قلعة الكبش» فى  السيدة زينب. واحد من أبرز كتّاب ما يطلق عليهم «كتّاب جيل الستينيات» فى  مصر.. سافر إلى  أوروبا مبكرا، وذلك بعد حصوله على  ليسانس الأدب الإنجليزى  من جامعة القاهرة فى  العام 1969.


ودرس السينما وموسيقى  الجاز ومسرح الزنوج فى  فرنسا، وله العديد من الكتب مثل: «الحصان الأبيض» - مجموعة قصص قصيرة حققت له شهرته ككاتب قصة فى  مصر- وكتاب «تخليص الإبريز فى  سينما باريز»، وكتاب «الوطن الآخر. سندباديات مع المهاجرين العرب فى  أوروبا وأمريكا» ويوثق فيه هاشم للهجرة العربية إلى  أوروبا وأمريكا، و«السينما العربية المستقلة، أفلام عكس التيار» وغيرها

صدر له حديثا كتاب «السينما العربية خارج الحدود» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

وحديثا انطلق هاشم ليخرج العديد من الأفلام التسجيلية الطويلة المهمة التى  توثق لتاريخ وذاكرة مصر فى  العديد من الأفلام مثل فيلم «البحث عن رفاعة» 2008 عن رائد نهضة مصر رفاعة رافع الطهطاوى، وفيلم « وكأنهم كانوا سينمائيين!.شهادات على  سينما وعصر» 2014 الذى يحكي عن سحر السينما المصرية الخفي، و يوثق للتأثيرات الهائلة التى  استحدثتها السينما المصرية على  الضمير الجمعى  المصرى.


 الحاجة سيدة وخلفها ترى مئذنة مسجد احمد بن طولون في حينا العريق قلعة الكبش  

صلاح هاشم والدته نوبية زرعت فيه مبادئ وقيم أصيلة، تحدثت معه ليروى  لى كيف أثرت الحياة النوبية فيه، وكيف التقت الحضارة النوبية بحضارة الوادى، وماذا أنتج عنها

يقول الكاتب والمخرج صلاح هاشم: تعلمت من أمى  النوبية الحاجة سيدة بنت الحاج سيد محمد مرزبان التى  تطبعت بطابعها، أن أحترم البشر وأحب الخير لكل الناس. من أول عم محمود بائع اللبن الذى  كان يأتينا فى  حينا العريق «قلعة الكبش» فى  السيدة زينب، قادما على  دراجته من أعماق مجاهل الجيزة، وهو يحمل لسكان منزلنا الحليب، ومرورا بالحاج بيومى  النجار، الذى  كان يلاحقنا نحن الصغار الأشقياء بالشتائم حين نعبر من أمام دكانه، حتى  لو لم نكن قد اقترفنا جرما، ولحد عم عوض صاحب محل البقالة فى  أول الدحديرة - الطريق الصاعد إلى  منزلنا فوق هضبة الكبش - الذى  كنت أقصده كل صباح، لكى  آتى  لمنزلنا بالخبز. وكذلك عم عربى  الترزى، والأسطى  حسين المكوجى، وعم حسن الحلاق، تعلمت أن أحترمهم جميعا.
وكانت أمى  توقظنى  وأنا طالب فى  الجامعة من (أحلاها نومة) وأنا أقف فوق مئذنة مسجد أحمد بن طولون وأستعد للقفز والتحليق، فإذا بها تقطع على  سعادتى  بالحلم، لكى  أقوم وأسلم على  عم محمود بائع اللبن الذى  يقف عند الباب، وتطلب منى  أن أعامله بمقام جدى  الحاج سيد مقرئ القرآن
 من غير "ما تبقى  كريم ونبيل وشريف فى  أفعالك، إيش تسوي؟ إيش تسوى غير حفنة تراب على  الأرض يا آدم».. هكذا كانت تردد، ولم أكن أعرف هذا الآدم الذى  تخاطبه أمى  فى  صلواتها

أخذت أيضا عن أمى «حلو الكلام» الراقى، فكانت تقول لي: «اسمع هنا ياولد. لسانك حصانك، إن هنته هانك، وإن صنته صانك» فكنت
 أنا «الحصان الشارد» بسبب شقاوتى  فى  كل بقعة وأرض أسخر منها فى  صغرى  ومن كلامها الذى  لا أفهمه ولا أقدر أن أستوعبه، فقد كنا نحن الصغار الأشقياء فى  حيّنا العريق «قلعة الكبش» في السيدة زينب، لا نتفاهم مع الآخرين وبخاصة مع أبناء «حى  طولون» المجاور، إلا بالزعيق والشخط، والضرب ونطح الرءوس، وكان عهدنا أن من نطحك بخبطة رأس، أو لطمك على  خدك الأيسر، فعالجه فورا بـ"روسيّة " تشق دماغه. والله يعلم كم وقعت بيننا - أولاد الكبش -وبين أبناء طولون من معارك وحروب!
لكن أمى  النوبية لم تيأس معى  أبدا، وظلت تصبر على، حتى  فهمت ما كانت تعنيه بكلامها، وقصدها، وشرعت أمارسه بالفعل، فأحافظ دوما على  لسانى
وعن الجديد الذى  يعمل عليه الآن، يقول هاشم: أوثق حاليا لرحلتى  الطويلة فى  كتاب بعنوان «الحصان الشارد» أحكى  فيه عن طفولتى  فى  قلعة الكبش والتأثيرات الكبيرة التى  كانت لأمى  النوبية الافريقية وأسرتى  فى  فترة التكوين وقبل أن أنطلق فى  تجوالى  وأسفاري تحت بوابات العالم، وأرى بعضا من ملامحها
 في كل إمراة عشقتها ومن فمها تسقيني الحليب


شاهندة الباجوري

عن

مجلة " صباح الخير "
25 نوفمبر 2014




كتاب " الحصان الشارد " يصدر قريبا في مصر عن دار إيزيس للفنون والنشر.

ليست هناك تعليقات: