ينصح بمشاهدتها لألقها.. وتوهجها الفني
" 4 أفلام على القمة "
في الدورة 39 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
" إصطياد أشباح".. وطرد كوابيس في رام
الله
بقلم
صلاح هاشم
ارشح هنا بقوة للمشاهدة في الدورة 39 لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي مجموعة من الأفلام الجميلة والمهمة التي أعجبتني، وكنت شاهدتها
من قبل في
مجموعة كبير ة من المهرجانات والتظاهرات
السينمائية التي حضرتها هذا العام، وكتبت
عن بعض أفلامها في جريدة " القاهرة " مثل مهرجان " كان "
السينمائي السبعين، ومهرجان " سينما الواقع " 38 المخصص لعرض الأفلام
الوثائقية..
المهرجان ينفتح على
الحقائق الكبرى لعصرنا
قضية المهاجرين في فيلم فانيسا ريدجريف
إعادة بناء سجن المسكوبية في رام الله لاصطياد أشباح
دايان كروجر في فيلم " في الذبول " عن قصة أم تريد أن تثأر لإبنها وتتعقب قتلته وحصلت به على سعفة كان الذهبية لأفضل ممثلة في الدورة 70
وتضم القائمة 4 افلام تستحق المشاهدة وعن جدارة خارج دائرة المسابقة الرسمية للمهرجان، التي
تشتمل على 15 فيلما جديدا، من ضمن 175 فيلم من 53 دولة تتضمنها قائمة الاختيار
الرسمية، وهو عدد كبير جدا من الافلام، التي حرص المهرجان على عرضها ضمن اقسامه
المختلفة، ليوفر ويضمن بحق عشرة ايام من المتعة والإثارة، من التشويق والترقب
واللهفة، في حضن السينما الفن وتجلياتها، لتتغذي ذلك "الفضول المعرفي " لدى المشاهد المصري،
الذي يحرص على مشاهدة الجديد ،والتعرف على اتجاهات وتحولات السينما الحديثة، ويحقق
المهرجان بذلك وظيفته الأساسية ، في الإنفتاح من خلال السينما ،على الحقائق الكبرى
لعصرنا ..
وتضم قائمة الأفلام التي نرشحها للمشاهدة عن جدارة، لتوهجها الفني وتميزها :
*فيلم " إصطياد أشباح "- اخراج رائد أنضوني –
إنتاج فرنسا، فلسطين، سويسرا – 2017- ويشارك الفيلم الفلسطيني الوحيد في المهرجان ،
في مسابقة " آفاق السينما العربية " ..
*فيلم " في الذبول "- روائي - إخراج فاتح أكين – ألمانيا – انتاج 2017
، الذي يعالج مشكلة الإرهاب وصعود الجماعات النازية العنصرية في المانيا، وتنامي
وتفشي ظاهرة الاسلاموفوبيا – الخوف من الإسلام والمسلمين في ألمانيا ،وتلعب فيه
الممثلة الألمانية دايان كروجر دور أم تريد أن تثأر لوفاة إنها في حادث إرهابي، وتتألق
كروجر بتمثيلها في الفيلم الذي يشدك بأحداثه الى مقعدك، واستحقت الفوز بجائزة أحسن
ممثلة في أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان" كان " السبعين، ويعرض الفيلم
في إطار القسم الرسمي، خارج المسابقة الرسمية..
*فيلم " أسف البحر " - فيلم وثائقي طويل – اخراج فانيسا ريد جريف – المملكة المتحدة –
انتاج 2017
وهو أول فيلم من اخراج الممثلة البريطانية الكبيرة
فانيسا ريدجريف، ويناقش مشكلة المهاجرين وواجب المملكة المتحدة والدول الأوروربية تجاههم ومنحهم حق اللجوء
والإيواء، وكما كان يحدث في الماضي، عندما رحبت الدول الأوروبية بالمهاجرين
الهاربين من جحيم النازية ومعسكرات الاعتقال أثناء وفي أعقاب الحرب العالمية
الثانية واستضافتهم ، وتطلب ريدجريف في فيلمها أن تكون الدول الأوروبية رفيقة
بهؤلاء " المهاجرين الجدد، الهاربين من جحيم وويلات الحروب والنظم
الديكتاتورية الاستبدادية العسكرية ، وأكثر تفهما و كرما .والمعروف أن ريد جريف ،"
الناشطة "المعروفة بمواقفها المتعاطفة مع قضايا و حقوق الشعب الفلسطيني من
اشهر الممثلات في بريطانيا، ولايمكن أن ينسي
عشاق السينما دورها الكبير
وتسامقها بتمثيلها وفنها – للتذكرة فقط - في فيلم " بلو آب " أو "
تكبير " للمخرج الايطالي الكبير
أنطونيوني ..
*فيلم " 7 أيام " – اخراج رولاندو كولا- انتاج
إيطاليا وسويسرا – إنتاج 2010- ويعرض الفيلم في قسم " مهرجان المهرجانات
" وتقع أحداث الفيلم في جزيرة صقلية، ويحكي عن قصة حب " إيفان " و
" كيارا " ويعرض للمنظر الطبيعي الساحر في الجزيرة التي تتحول الى شخصية
في الفيلم تفرض حضورها على علاقة الحب
التي تنشأ في الفيلم بين إيفان وكيارا وهما يجهزان لحفل زواج شقيق إيفان في
الجزيرة ويجعلنا الفيلم نحب كيارا ونتأسي لحزن إيفان وخوفه من أن يفقد حبها والى
الأبد، ونحلم أيضا بأن يضمنا ذلك الجمال الطبيعي بين حناياه ، وفي حضن تلك الجزيرة
ببحرها وصخورها وزهورها وفراشاتها، بعيدا عن صخب وضجيج عالمنا المسعور
إصطياد أشباح
لكن .. يتصدر أفلام المجموعة المختارة هنا فيلم عربي من
فلسطين - للمشاهدة بدقة ومتعة وتأمل- بل ويتصدر ذات الفيلم كذلك،قائمة أفضل 10
عربية وأجنبية شاهدتها خلال العام 2017 التي اعددها للنشر في نهاية العام، الذي اقترب
الآن،.. ونحن في نوفمبر، وأعني به فيلم " إصطياد أشباح " للمخرج
الفلسطيني رائد أنضوني، الذي سوف يأسرك ويصدمك في التو ،لأنه يحكي ومن دون مبالغة، عن تجربة مجنونة.تجربة الاعتقال والحبس والتعذيب، وكما تجري وقائعها الرهيبة داخل
معتقل إسرائيلي، وبكل تأثيراتها السيكولوجية الرهيبة في نفوس المسجونين من كل
الشعب الفلسطيني، ولا تخلو إسرة فلسطينية كما نعلم من سجين في الحبس ..
وكان رائد
أنضوني، مخرج الفيلم، بعد أن خاض تجربة اعتقاله وهو في الثامنة عشرة من عمره في
" المسكونية " – مركز التحقيق التابع للمخابرات الإسرائيلية، تركت في
نفسه شظايا ذكريات فقط ، لايعرف ما هو " الحقيقي " ، و ما هو "
المتخيل " من بينها
وفي سعيه الى
مواجهة هذه الذكريات والكوابيس التي تطارده، وتسبب له صداعا مستمرا، وأشبه ما يكون
بجرح يدمي ولا شفاء منه ابدا، يقرر أنضوني
أن يطاردها هو قبل أن تطارده، ويحاول أن
يطهر ذاته منها. يقرر انضوني أن يصير طارد أشباح كما في فيلم " طارد الأرواحEXORCIST " وأن يغتسل من أدرانها وشرورها لكي
يصبح إنسانا حرا من جديد وليس عبدا لتلك الأشباح والكوابيس التي داهمته في زنزانة " المسكوبية ".
عليه أن يبني في مكان ما تلك الزنازين، وأن يعيد تمثيل أجواء العنف والرعب التي
عاشها أثناء تجربة الاعتقال..
يقرر أنضوني إعادة بناء مكان اعتقاله الغامض، ويستجيب
بعض الفلسطينيين للإعلان الذي نشره عن توافر " وظائف شاغرة " لمعتقلين
سابقين من " المسكونية " من أصحاب الخبرة في أعمال البناء والهندسة المعمارية والدهان والنجارة –
ليشاركوا في بناء زنزانات الحبس في
المسكونية الرهيب- ويوزعوا على أنفسهم
أدوار السجناء وحراس السجن، ويعيدوا تمثيل تجربة مرعبة خاضوها بالفعل بين جدران
الحبس، والانطلاق في رحلة إكتشاف ،أو إعادة إكتشاف الآثار الدموية العميقة والمدمرة
التي تتركها تجربة الحبس والتعذيب ، العنف والضرب والصلب، وإمتهان الكرامة الإنسانية، وتحطيم هوية الإنسان
الفلسطيني..
ومنذ أول مشهد في الفيلم حين يستقبل المخرج الفلسطينيين
الذين توافرت فيهم الشروط المطلوبة ليجري لهم اختبارا في التمثيل، يسحبنا رائد
انضوني الى داخل فيلمه ويجعلنا نحبس أنفاسنا من الترقب واللهفة كما لو اننا نشاهد
فيلما بوليسيا من أفلام ملك الرعب هيتشكوك، ولا نعرف الى أين ستنتهي التجربة، وهل
ساترى سينجح رائد انضوني في مسعاه،
لاصطياد الاشباح التي صارت تسكنه، بعد أن خاض تجربة الاعتقال والحبس في
المسكونية،وطرد تلك الكوابيس التي تأخذ بخناقه وتلاحقه، وتترصده في منامه وصحوه ..
المتفرج يشارك في صنع
الفيلم
ينجح رائد انضوني في سحبنا الى داخل الفيلم، وبسرعة سوف
تجد نفسك، وانت تشاهد عملية بناء السجن ثم توزيع الأدوار، وبداية تمثيل التحقيقات
والاستجوابات في الحبس، و كذلك ممارسة تعذيب السجناء ،تدخل في لحم الفيلم رويدا
رويدا، لتصبح شخصية من شخصياته، وتشارك هكذا في صنعه، وحيث يتحقق فعل " المشاركة
" كما في كل الأفلام العظيمة من خلال حضور المشاهد ( داخل الفيلم ) وملء تلك
الفراغات الغامضة الملتبسة في لحم الفيلم وطريقة السرد والعرض وعملية المونتاج .وقد
أعجبني الفيلم جدا عندما شاهدته في مهرجان سينما الواقع في باريس، وقد حضر
للمشاركة في مسابقة المهرجان، بعد فوزه
بجائزة أحسن فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الدولي وهو المهرجان الذي يحتل
المركز الثالث في قائمة أكبر المهرجانات السينمائية العالمية بعد مهرجان كان في
المركز الأول ، ..ومهرجان فينيسيا في المركز الثاني..
وكان رائد انضوني قد سمح خلال تلك التجربة للممثلين في
الفيلم، ومع تصاعد تمثيل مشاهد العنف و
حدة نبرة " سادية " الجلادين في
السجون الاسرائيلية، سمح للممثلين بالانسحاب في اي وقت، كما أشرف على عملية إعادة
تمثيل تلك الوقائع المرعبة – الهبوط الى الجحيم-
كما في رواية الكاتب الفرنسي سيلين ( حتى نهاية الليل ) طبيب نفساني ومعتقل
سابق كان موجودا طوال فترة التصوير، حتى لاتكون هناك مبالغة أو شطط في إعادة تمثيل
ظروف الاعتقال والحبس المرعبة ..
الصيد الثمين .
بناء " الإحساس " في الفيلم
وينجح فيلم " إصطياد أشباح " هكذا ومن خلال
تجربة معايشة ظروف السجن الاسرائيلي ،من
خلال بناء سجن من كرتون وخشب ، في ساحة " جراج " قديم للسيارات لا تزيد
مساحته عن 400 متر مربع و تابع لبلدية مدينة رام الله، ينجح في جعلنا نعيش ونستشعر
" أهوال " الحبس التي عاشها الآلآف من أبناء الشعب الفلسطيني،ويعيشها
الآن أكثر من 7000 سجين فلسطيني خلف قضبان السجون الإسرائيلية..
وهنا تكمن القيمة الكبري لمغامرة صنع فيلم " أصطياد
أشباح " قيمته في " بناء
الإحساس" في الفيلم،واستنهاض تلك المعاناة والآلام من قلب جحيم ونار الحبس، ليجعلنا
نتطهر أيضا كما في التراجيديات اليونانية العظيمة- كاثارسيس CATHARSIS - من خلال فعل " المشاركة " وفعل
" المشاهدة " ونعي تلك الحقائق الكبرى، عن عملية قمع شعب بأكمله ،وتغريبه
في وطن محتل،وهي تكشف عما يكمن داخل الإنسان الفلسطيني، بعد أن يمر بتجربة السجن،
ومعركته مع نفسه ، فإما أن يهزم ، كما يقول رائد انضوني بفيلمه، يهزم بفعل مايكمن
بداخله، أو أن يهزمه مايحمله في داخله، في باطنه..
إن تحرير
المواطن الفلسطيني، يعتمد كما يكشف الفيلم على تلك المواجهة، ويجب أن تحسم ، فإما
أن تنتصر على أشباحك وكوابيسك،أو تنتصر هي عليك، ليس هناك حل آخر في تلك معركة،
فهل يخرج أنضوني منتصرا ياترى من معركته ؟.. هذا ما سوف نراه في الفيلم قبل أن نصل
الى " لحظة التنوير " النهائية والتي لن نكشف عنها هنا بالطبع حتى لا نقطع على
المشاهد فرصة الاستمتاه بـ " رائعة " رائد أنضوني..
فيلم "
إصطياد أشباح " تكمن قيمته في أنه لا يتميز فقط ،بجرأة وجنون موضوعه الذي لم
يتطرق اليه أحد من قبل، من خلال إعادة بناء زنزانة في سجن اسرائيلي، واستعادة
تجربة جهنم الحبس التي يعيشها الفلسطينيون رجالا واطفالا ونساء في بلد محتل..
بل يبرز أيضا
وينفرد، بتلك" الإضافة " الفنية القيمة التي حققها الفيلم،على مستوى تطوير
فكر وأساليب السينما الوثائقية في العالم..
وهي اضافة
" فنية " رفيعة المستوى في رأيي، وتتحقق معها ربما وظيفة السينما
الأساسية وكما اتمثلها، عندما لاتكتفي الأفلام بطرح مشكلات وتناقضات مجتمعاتنا
الإنسانية وتصويرها،بل تطور أيضا وفي نفس الوقت من فن السينما ذاته،وبكل اختراعات
وابتكارات الفن المدهشة. .ولذا يستحق الفيلم المشاهدة عن جدارة . وشكرا رائد أنضوني
على "
الصيد " الثمين ..
صلاح هاشم
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق