فهد مر من هنا . حصاد مهرجان القاهرة السينمائي 37
بقلم
صلاح هاشم
الجو العام : في جميع الأفلام التي حضرتها في مهرجان
القاهرة السينمائي - الذي وجدته منبطحا وكئيبا
جدا ومملا ومحبطا في مناخات "الغيبوبة" سياسيا واعلاميا وفكريا في مصر و
"زفة " الدورة الثانية لانتخابات مجلس النواب في الشوارع والميادين وعلى
أرصفة غربتنا في وطن الأسياد ورجال الأعمال الأثرياء وقصف الهراء العام الاعلامي اليومي
المستمرفي محطات التلفزيون الرسمية والخاصة التي تلحس دماغك في جميع الأوقات
وبلا رحمة - لم استمتع ولحد الآن - إلا بمشاهدة
فيلم " الفهد " رائعة المخرج الايطالي
العظيم فيسكونتي - فهد مر من هنا - بعدما عرض في إفتتاح قسم الأفلام المرممة في الدورة
37 وبعدها لم استمتع بأي فيلم ولحد الآن في المهرجان. وبدت لي معظم الأفلام التي شاهدتها
- في ما عدا فيلم " مدام ... " الجزائري لمرزاق علواش - أعمالا سينمائية
ناقصة وقاصرة وعلى الرغم من انها أفلام روائية طويلة إلا أنها بدت لي كما لو كانت أفلاما روائية قصيرة
في أغلبها لكن منفوخة و "ممطوطة " مثل ذلك الفيلم الياباني " العبور
الى الضفة الأخرى" الذي فتح جيدا- اعني انه فتح ببداية صحيحة مشوقة لكنه سرعان
ما إنحرف وراح يدور حول نفسه ليأخذنا عبر شطحاته الى عوالم الموتى البعيدة ويلقي علينا
دروسا مملة في أصل وفصل "الثقوب السوداء "في محيط الكون مما أفقد الفيلم غموضه و"
شاعريته " من خلال " الشرح " الذي لانحتاجه ابدا لتذوق الأفلام ،والمشاركة
أيضا بتفكيرنا وتجاربنا وخبرتنا في صنعها
ومثل فيلم " الشجرة النائمة "
من عمان الطويل الممل جدا ويدعوك الى النوم مثل شجرة الحياة النائمة في الفيلم في قلب الصحراء، ولايصلح لأن يكون فيلما روائيا طويلا بالمرة،
ويكفيه ربع ساعة ليس أكثر وهو يتقدم ببطء مثل سلحفاة وأقرب مايكون الى افلام محلك سر المخدرة من صنع الهواة،
والعجيب ان مثل تلك أفلام تحصل على مساعدات من كل مؤسسات الدعم وبخاصة في منطقة الخليج،
تلك المؤسسات التي تدعم مثل تلك افلام وتروج لها وهي لا تحمل لاهما ولا فكرا وتقتلك بسذاجتها وتفاهتها
مثل الفيلم الفلسطيني الذي يحمل إسم قصة شعر- لم أعد اتذكر اسمه- وتدور أحداثه في محل كوافيير تديره روسية
مقيمة في غزة وقتلنا من الضحك في مهرجان " كان " 67 الماضي في تظاهرة اسبوع
النقاد..
فهد مر بحضور ممثلته الايطالية الرائعة كلوديا كاردينالي عاشقة مصر وتوهج بسحر الفن
السينما فن الاقتصاد عن جدارة
وعلى الرغم من أن القيمة الأساسية في السينما تكمن
في أنها فن الاقتصاد وعن جدارة من خلال عملية التكثيف، افتقدت معظم الافلام التي شاهدتها
هذا "التكثيف" الضروري الذي يجعل الأفلام تقترب في شموليتها الفنية من روح
الشعر والقصائد الكبرى العظيمة حتى تحول بعضها بتراكم سخافاته وتفاهاته الى "
مزحة " وليس أكثر كما في الفيلم التسجيلي المصري " هدية من الماضي"-
واتعجب من ان فيلما كهذا يتم اختياره في مهرجان
سينمائي كبير لكي يعرض في قسم " عروض خاصة " فليس فيه اي شييء مميز او " خاص " على
الاطلاق إلا " ثرثراته " التافهة العقيمة التي غرقنا فيها ومن دون حساب وتستطيع
ان تلقي بنصف مشاهده في صندوق الزبالة من دون أن يتأثر الخط العام في فيلم " ساعة لقلبك"
هذا من صنع طالبة في معهد السينما الذي هلكنا بقفشاته ونكاته وانتهى على فاشوش بمشهد
في ايطاليا على الرصيف ليكشف عن طيبة وعبط المصريين وسذاجتهم وليس أصالتهم كما يدعي
أو قصد الفيلم أو ارادت .. وتوهمت مخرجته ..خسارة
!
وزاد الطين بلة تلك الحوادث الارهابية التي وقعت في باريس والتي روع لها العالم ثم وفاة الناقد السينمائي المغربي الكبير
مصطفى المسناوي أثناء حضوره لتغطية المهرجان، وهما الحدثان اللذان جعلا أجواء التشاؤم والانكسار والضياع والحزن تخيم - من وجهة نظري - على المهرجان
وتضغط وسط هذا الكم من الافلام الرديئة - للأسباب التي ذكرناها- ..وتكتم على أنفاسنا
ولولا ذلك " الفهد" الذي مر من هنا وعبر، ما كنا خرجنا من مهرجان القاهرة السينمائي في دورته 37 إلا
بحصاد هزيل جدا من الافلام الجيدةة وبما لايكفي يقينا لعمل مهرجان تجمعت جل افلامه في قسم
" مهرجان المهرجانات " و قسم الأفلام المرممة لتكبس على أنفاس " المسابقة
الرسمية " وتسحب من تحتها البساط وتقزّمها وتحيلها الى الهامش، في وقت كان يجب
فيه أن تستحوذ المسابقة - وهي بمثابة
" القلب " للمهرجان- وتستأثر على كل الأضواء كما عودتنا المهرجانات السينمائية
الكبرى، كما في مهرجان " كان " لكل سينمات العالم ،و مهرجان " نانت
" - سينما القارات الثلاث افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية و مهرجان " مونبلييه
" للسينمات المتوسطية وغيرها، التي نتابع أعمالها منذ زمن
فهد مر من هنا
لكن يحسب لمهرجان القاهرة
السينمائي الذي نحتاجه حاجتنا الى الثقافة والفن والمعارف الجديدة- مثل أكسجين الحياة على درب الوعي والتنوير- وقوفه واصراره على البقاء والاستمرارية، وتحدي اعتى وأصعب الظروف الاقتصادية
و الاجتماعية والسياسية والأمنية التي تعيشها مصر الآن ،لأن قدرنا - قدر كل المصريين
- يقينا أن لا نركع لأحد، ومعني إقامة المهرجان
في دورته 37 أن مصر يقينا لن تهزم ولن تقع ابدا ، لن تقع في معركتها ضد الارهاب والظلامية. معناه شموخ
وطن - بتوهج الحياة في بر مصر العامرة بألفة الناس الطيبين وكرم وأصالة شعب -
ويكفي المهرجان- حضن مصر الكبيروتوهج الحياة في بر القاهرة - أن فهد فيسكونتي مر من هنا وبحضور ممثلته الايطالية الرائعة بنت تونس كلوديا كاردينالي عاشقة مصر في الدورة 37 - كي يقدم لنا " درسا" في السينما العظيمة ويتألق بسحر الفن
ولنا وقفة مع أفلام المهرجان في حصاد مهرجان القاهرة السينمائي 2 قريبا
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق