مجلة مستقلة تأسست في اغسطس 2005 وتعني بفكر السينما المعاصرة EDITOR AND OWNER:SALAH HASHEM MOUSTAFA salahashem@yahoo.com
الجمعة، أبريل 29، 2011
الثقافة والتغيير وشرعية الثورة بقلم صبري حافظ
مختارات سينما إيزيس .محمد خان والتمثيل المصري في مهرجان " كان " 64
محمد خان: من صنعوا دعاية النظام السابق لا يحق لهم تمثيلنا فى (كـان)
يؤمن المخرج محمد خان أن الثورة قد أعادت الأمل للمصريين وأخرجتهم من حالة الكآبة التى فرضتها عليهم الأوقات السابقة رافضا فى الوقت ذاته مشاركة من صنعوا دعاية النظام السابق فى صفوف الاحتفالات السينمائية الدولية الكبرى بالثورة المصرية ومن هنا اعلن رفضه لبعض الاسماء التى ستشارك بأفلام قصيرة فى مهرجان كان.. وعن الثورة وأهم مشاهدها وحال صناعة السينما يفتح خان قلبه لـ«الشروق».
● اختار مهرجان كان هذا العام مصر كضيف شرف له وخصص لها يوما كاملا لعرض مجموعة من الأفلام المصرية الروائية القصيرة كيف تجد ذلك؟
ــ ما قرأته فى حديث للمخرج يسرى نصرالله أنه كان قد أجرى لقاء مع قناة فرنسية فى قلب ميدان التحرير وهو الحوار الذى شاهده رئيس مهرجان كان والذى قام بدوره بالاتصال بيسرى ومن هنا بدأ الإعداد لهذا اليوم.
● ألمح من طريقة الحديث بعض ملامح عدم الرضا عن هذا الحدث؟
ــ هو ليس رضا كاملا وأنا بالفعل لدى اعتراض على بعض الأسماء التى قدمت مجموعة من الأفلام القصيرة فليس معقولا أن يكون اليوم عن الثورة المصرية ويكون من ضمن مخرجى الأفلام من كانوا يقومون بإخراج حملة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك والذى قامت عليه الثورة أساسا خصوصا حملته فى عام 2005 وهى الحملة التى كان يعارضها المصريون ولكن هذا البعض قام بإخراجها بل أعلن أنه ينفذها مجانا والبعض الآخر هو من أخرج البرنامج التى ظهر فيها مبارك مع عماد أديب فكيف يتفق هذا وذاك؟! وما أقوله هو حق الثورة نفسها.
● أنت تتحدث عن أسماء بعينها فلماذا لا نذكرها للناس خصوصا ان الأمثلة التى قمت بضربها يعرفها الجميع؟
ــ لن أذكر أسماء وأنا شخصيا لست ضد أحد ومن أقصده يعرف نفسه وهو ليس خلافا شخصيا بينى وبينهم بالعكس انا لست على خلاف مع أحد ولكن إحساسى الشخصى ان ما يحدث هو عملية قفز على الثورة وركوب للموجة وحتى عندما شرح يسرى نصرالله ما حدث لست مقتنعا بشرحه أو تفسيره وما أقوله أن البعض يشارك من أجل عيون مهرجان كان وحتى لا يقوم أحد بتأويل ما أقوله على أى محمل أكرر ما سبق أن قلته إننى ضد أى أفلام روائية عن الثورة الآن لأنه لم يمر عليها سوى أقل من ثلاثة أشهر ودعنى أكون أكثر صراحة وأشير إلى أنه لن يستفيد أى شخص مما سيحدث فى مهرجان كان باستثناء المهرجان نفسه.
● إذن فأنت تعارض مبدأ تقديم افلام روائية عن الثورة من أصله؟
ــ بالطبع، فتخيل كم المشاريع التى يعلن أصحابها أنها عن الثورة أو تم تغيير وقلب نهاياتها لتصبح عن الثورة أنها أشياء تحتاج وقتا كى نستوعبها ونفهمها وأنا شخصيا فكرتى التى أنتوى تقديمها قمت بطرحها على السيناريست رءوف توفيق وهى تحتاج لوقت حتى يتم كتابتها كى تكون تعبيرا حقيقيا للثورة وهى تطرح رؤيتى لمرحلة طويلة ممتدة ما بين ثورتى يوليو ويناير.
● إذن فأنت تتفق مع إطلاق مصطلح سبوبة الثورة على كثرة المشاريع التى يتم الإعلان عنها حاليا؟
ــ أتفق مع هذا التوصيف مائة بالمائة وارى انه حتى لجيلنا ان الأصلح لتقديم هذه المشاريع هم جيل الشباب الذى شارك فى الأحداث منذ بدايتها واستمر فيها طوال الوقت وهو ما يعيدنى لاعتراضى على اشتراك من كانوا يقدمون حملة مبارك والحزب الوطنى عام 2005 وهى الحملة التى رفضها الشعب المصرى كله وللعلم هو ليس موقفا شخصيا منى فهناك أحد الزملاء من المخرجين ممن هاتفنى مؤكدا أنه هو الآخر يرفض مشاركة هؤلاء لكنه لن يستطيع التصريح بموقفه لحسابات تخصه.
● أعلن البعض قائمة سوداء لبعض الفنانين ممن كانوا ضد الثورة فما هو تعليقك على هذا؟
ــ هو رد فعل طبيعى ولكن لابد من التسامح مع هؤلاء الفنانين فهم فعلوا ما فعلوه لأنم هم الآخرون كانوا تحت ضغوط قوية وأنا شخصيا ضد هذه القوائم السوداء وانا حتى عندما أنتقد مشاركة البعض فى افلام كان فاعتراضى ليس من منطق وضعهم فى لائحة او موقف شخصى منهم بالعكس تماما ولكن هذه الأفلام ستمثلنا جميعا وستمثل شباب الثورة.
● بعد عدة أشهر من الثورة هل ترى انها تسير فى طريقها السليم؟
ــ بالطبع هناك مكاسب تحققت واخرى ننتظرها وهناك بعض المخاوف التى نشعر بها لكن لا توجد ثورة تتحقق امانيها فى اربعة اشهر وهى ثورة سلمية ونفخر بهذا ولو كانت ثورة ديكتاتورية لكننا قد حققنا مطالبها فى شهر واحد وليس فى أربعة أشهر ولكننى سعيد بما نقدمه للعالم من دروس.
● يرى البعض أن هذا هو التوقيت الملائم لفيلمك «المسطول والقنبلة» فهل تتفق معهم؟
ــ بالطبع خصوصا أنه عندما توقف كان بطلب من الأمن ومباحث أمن الدولة الذين أوصوا بإيقافه بداعى الانتخابات وأتمنى أن يكون فى طريقه للتنفيذ وأعتقد أن هناك لقاء قريبا سيجمعنى برئيس جهاز السينما لبحث إمكانية تحريك المشروع.
● يشير البعض إلى أنك واحد من جيل يرغب دوما فى تقديم الشارع المصرى وهذه الثورة هى ثورة شارع فأين أنتم؟
ــ دعنى ابدأ بالتأكيد على أن أفلام جيلنا الذى ضمنى ومعى عاطف الطيب وداوود عبدالسيد ورأفت الميهى كنا نقوم بتقديم النقد السياسى والمجتمعى كل بطريقته ولو شاهدت هذه الأفلام حاليا لفهمت ضرورة ثورة 25 يناير ولهذه الأسباب ما زالت هذه الأفلام مستمرة حتى الآن بالرغم من مرور كل هذه السنوات.
● ولكن أين أنتم مما حدث فكيف تكون أفلامكم بهذه الصورة فى فترة القهر والآن نحن فى حرية أكبر بكثير؟
ــ لن أستطيع تقديم المليونية بمثل روعتها الحقيقية ففى إحدى المليونيات شاهدتها من شرفة أحد المنازل المطلة على الميدان وشعرت بالرهبة وأنا شخصيا أرى أن أهم ما نحتاج لتقديمه هو هو كيف غيرت هذه الثورة من البشر وأعادت لهم الابتسامة والهدوء وهو ما تستطيع ملاحظته فى الشارع وأنا أتذكر أننى قدمت مشهدا فى أحد أفلامى وهو فيلم «يوم حار جدا» عندما اصطدم محمد فؤاد بشخص فى الشارع وتشاجرا ولكن لو حدث هذا المشهد الآن لكان الرد اعتذار وابتسامة فالثورة فرغت الشحنات المكبوتة لدى الناس.
● ولكن ما سبب غياب هذه الابتسامة من وجهة نظرك؟
ــ إحساس كامل بعدم الأمان وخوف من الإفلاس الذى قد يصيب بلدنا بكاملها وعموما أعتقد أن أهم ما عاد إلينا هو الأمل فى الغد.
● توجد بعض الدعاوى لإلغاء الرقابة ترى ما هو تعليقك على هذا المطلب؟
ــ أنا أتفق معاها وبالطبع سيكون هناك من سيستغل هذه الحرية ولكن يجب عمل كنترول وعمل درجات للأفلام ووضع تعريفات محددة للكبار فقط وفيلم عائلى أو لا يصلح للعائلة والحرية لها ثمن.
● ما هو أهم مشاهد الثورة من وجهة نظرك؟
ــ أكثر مشهد أثر فى هى الملفات التى تم حرقها بمقار أمن الدولة وأذكر أنه كانت توجد مقالة تم نشرها لديكم كتبها جميل مطر يتخيل فيها ماذا ستفعل لو وجدت ملفك فى يديك، وبالطبع هذا المشهد سيكون له تأثير على الفكرة التى حدثتك عنها
عن جريدة الشروق
الثلاثاء، أبريل 26، 2011
مصر ضيف شرف في مهرجان " كان " السينمائي64
ملصق فيلم البوسطجي
فى أول تمثيل سينمائى مصرى على مستوى العالم بعد ثورة 25 يناير
مصر أول ضيف شرف فى تاريخ مهرجان " كان "
اعلن " جيل جاكوب " رئيس مهرجان " كان " السينمائى الدولى و " تيرى فريموه " المفوض العام للمهرجان خلال مؤتمر صحفى عقد يوم 14 ابريل عن اختيار مصر ضيف شرف الدورة 64 للمهرجان التى تنطلق فعالياته فى 11 مايو المقبل و تستمر حتى يوم 22 من الشهر نفسه . و ذلك تحيه لثورة 25 يناير التى كان لها صداها فى العالم و تغيير رؤيته للشعوب العربية .
و قد خصصت إدارة مهرجان " كان " يوم 19 مايو المقبل كيوم مصرى خالص يتم خلاله عرض فيلم " 18 يوما " و هو عبارة عن 10 افلام قصيرة قام بإخراجها عشرة من كبار مخرجى السينما المصريه و شبابهاحول ثورة 25 يناير و هى أفلام : ( احتباس إخراج شريف عرفه ، داخلى / خارجى إخراج يسرى نصر الله ، # تحرير 2/2 إخراج مريم أبو عوف ، 19-19 إخراج مروان حامد ، لما يجيك الطوفان إخراج محمد على ، خلقة ربنا إخراج كاملة أبو زكرى ، حظر تجول إخراج شريف البندارى ، كعك التحرير إخراج خالد مرعى ، شباك إخراج أحمد عبد الله ، حلاق الثورة إخراج أحمد علاء ) و سوف يصعد الوفد المصرى المشارك فى المهرجان و المكون من وزير الثقافة الدكتور عماد ابو غازى ومخرجى فيلم ( 18 يوما ) وابطاله بالإضافة الى و شخصيات سينمائيه و فنانين و مسؤولين المنتجين الذين سيشاركون فى الجناح المصرى فى سوق الفيلم و ممثلين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى على السجادة الحمراء " red carpet " تحيه لمصر و ثورتها المجيدة .
كما سيعرض فيلم المصرى " البوسطجى " قصة الأديب الكبير يحيى حقى و اخراج حسين كمال و انتاج 1968 فى قسم "كان كلاسيك "
كما سينظم مهرجان كان حفلة عشاء على شرف مصر يعقبه حفله غنائية مصرية ساهرة .
جميع الفعاليات التى يشهدها مهرجان " كان " عن مصر و السينما المصريه يشارك فيها وزارتى الثقافه و السياحة المصرية و السفارة المصرية و المكتب الثقافى فى فرنسا و العلاقات الثقافية الخارجيه المصرية و المركز القومى للسينما بالإضافة إلى عدد من الشركات السينمائية هى " العربية للسينما و مصر للسينما و روتانا ستديو و فيلم كلينك و أروما ديزين " .
جدير بالذكر أن أختيار مصر كضيف الشرف هذه الدورة يعد تقليد جديد و المرة الأولى فى تاريخ مهرجان " كان " و أن هذا التقليد سوف يستمر فى الأعوام القادمة بأن تختار كل عام دولة ما لتكون ضيف شرف المهرجان و هو ما يعمل به فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى منذ عشر سنوات .
المركز الصحفى
مهرجان القاهرة السينمائى الدولى
نبذة عن فيلم ( 18 يوما )
من 25 يناير حتي11 فبراير .... 18 يوما
عشرة مخرجين، عشرون ممثلا، ستة من الكتاب، ثمانية من مديري التصوير، ثمانية من مهندسي الصوت، خمسة من مهندسي الديكور، ثلاثة من مصممي الازياء، سبعة من المونترين، ثلاث شركات للخدمات التقنية، ونحو عشرة من الفنيين اتفقوا علي تصوير عشرة افلام قصيرة، في وقت قياسي، حول ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر وذلك بشكل تبرعي و دون ميزانيات.
عشرة افلام مستوحاة من الواقع او من الخيال.
وسوف يتم التبرع بإيراد هذه الافلام لتنظيم حملات للتوعية السياسية والحقوق المدنية في قري مصر.
قائمة الافلام التي يتكون منها الفيلم الجماعي 18 يوم
احتباس اخراج شريف عرفة
داخلي/خارجي اخراج يسري نصرالله
تحرير 2/2 اخراج مريم ابو عوف
19ـ19 اخراج مروان حامد
عندما يأتي الطوفان اخراج محمد عل
خلقة ربنا اخراج كاملة ابو ذكري
حظر تجول اخراج شريف البنداري
كعك التحرير اخراج خالد مرعي
شباك اخراج احمد عبد اله
حلاق الثورة اخراج احمد علاء
المركز الصحفي
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
السبت، أبريل 16، 2011
من يصنع الآن " ثقافة " مصر ؟ بقلم صلاح هاشم
بقلم
صلاح هاشم
جاء بريد اليوم السبت حافلا هذه المرة. الصديق جمال الدين الحزورلي من الجزائر يسأل في رسالته الى " سينما إيزيس " وبعد ان دار بيننا حوار قصير عن السينما والافلام والمهرجانات، يسأل جمال لم لاتستفيد مصر ياتري من الكفاءات المصرية المثقفة في الخارج وهي كثيرة جدا، وتستعين بها في وزارة الثقافة في البلاد.قلت لجمال ان ذلك لن يحدث قبل مائة سنة،لأن جذور الفساد في النظام الحكومي المصري الرسمي البيروقراطي المحنط جد قوية ومتأصلة، ولابد من تجديد أو غسيل شامل لمصر على كافة المستويات، وبخاصة في هياكل ومؤسسات الجهاز الاعلامي الذي يشكل ويصنع الرأي العام في البلاد، والتخلص من " وصاية " الدولة والحكومة. هذه الحكومة التي تصور للناس من خلال وزارة للثقافة انها الاقدر على صناعة الثقافة، وهي تختار للناس بمعرفتها ،على الرغم من انها معزولة ومخنوقة كما يعرف الجميع في مكاتبها ، ومشغولة بترتيب أوراقها ولجانها ومجالسها واجتماعات مجالسها
ولايشغل فكرها سوى التوقيع على جداول الاعمال الرسمية . ولو انها سمعت احدهم يتفوه بلفظ ثقافة، نزعت على الفور غدارتها، ولوحت بها مهددة، ولذلك لاتوجد ثقافة في مصر تصنعها وزارة للثقافة
لاتوجد ثقافة الا في الافراح والموالد والتجمعات الشعبية وطقوس الحياة اليومية ذاتها بنت الحياة والكدح والفناء في الغناء والأمل ، و دعك من "بكش" وزيف قوافل وكرافانات الثقافة الجماهيرية الاستعراضية المبهرجة ، التي مازالت تنظم في القري والمدن والمراكز، وتدعي بانها تقدم "خدمة ثقافية للناس ، وهي لاتعقد في الواقع الا لتبرير سفر هذا الوزير او ذاك المدير، والحصول على بدلات واعانات سفر، ثم استقبال مدير الهيئة وموظفيها في المديرية في تلك الاحتفالات التي لايؤمها سوى حضراتهم ونهب ميزانياتها
ولكي تكتشف وهم الثقافة الجماهيرية الكبير؛ حيث أن الثقافة مازالت في مصر يافطات فقط ، واستقبالات فقط ، ومناسبات لعمل احتفالات، ونهب ميزانيات فقط ، وكل شييء يتحكم فيه توقيع الامير والمدير والوزير فقط مثل الحاكم بأمر الله
ولابد أن يركع تحت أقدامه وينفذ أوامرة الموظفون الغلابة
يكفي يا جمال زيارة مكتب المدير لاكتشاف مدي " جماهيريته"
لكي تتأكد بنفسك من ان ثلث ميزانية الدعم التي منحتها الوزارة للهيئة " الجماهيرية جدا "أخيرا ذهبت للصرف على مكتب فخامته وترميمه، وتستيفه وفرشه بارفع واحدث الاثاث واجهزة التكييف، اما عن حمّام المدير فلاتحدث
فهو مؤثث بالقيشاني والبلاط الفاخر واحجارالمرمر والزجاج الملون،حتى انك اذا دخلته ياصاحبي ، فكرت ان تمكث فيه اطول فترة زمنية ممكنة، لكى تنعم براحته وفخامته واناقته، فاية ثقافة جماهيرية هذه التي تذهب ميزانياتها لتلميع المدير والوزيروبيت راحته ،واعطاء شخص واحد صلاحيات بالهبل ،والادعاء بانه قادروحده على إدارة الثقافة الجماهيرية لشعبنا المصري العظيم؟ اليس هذا تهريجا مابعده ولاقبله تهريج؟ . أوليست ادارة جهاز ثقافي جماهيري كهذا ، تحتاج الى مجلس اداري منتخب من شباب مصر ومثقفيها وفنانيها ولايجب ان توكل ادارته لمسئول واحد؟
هذه الثقافة الجماهيرية الحقة هي الثقافة التي ظهرت أثناء الثورة في ميدان التحرير في الفترة من25 يناير وحتي 12 فبراير 2011 من خلال الملصقات وصحف الحائط والنداءات والمواويل والقصائد والتظاهرات العفوية والرسومات والبيانات، وما ابدعته الريشة والقلم ، والتقطت صوره كاميرات الهواة والمحترفين من افراد الشعب لتسجيل تلك اللحظة التاريخية العفوية، والتفاعل معها والتعبير عنها ، وهي لم تقع في مكاتب، وأشرف على صياغتها وزير او مدير
بمعني ان الثقافة لاتصنعها الوزارة ، ولا الوزير ولا مدير " الثقافة الجماهيرية " ، بل تصنعها في الاساس "مناخات الحرية" التي يجب ان تكون متوافرة دوما للناس للتعبيرعن ارائهم وافكارهم واحلامهم وهمومهم وطموحاتهم
تلك المناخات التي اعتقد بأنه قد آن الاوان من دون لا مدير ولا وزير ولا وصاية رسمية حكومية بعد الثورة، أن الأوان لكي تبسط ذاتها في شوارع مصر وازقتها وميادينها وساحاتها وحواريها، وتتفجر الآن في اللحظة بكل التماعات وألوان قوس قزح
من عند باب الفتوح ، ومرورا بباب الوزير والشعرية ،
ولحد باب النصر، في كل أنحاء مصر
صلاح هاشم
الجمعة، أبريل 15، 2011
جيرار كوران في مهرجان الخليج السينمائي بقلم صلاح هاشم
جيرار كوران في مهرجان الخليج السينمائي
وسليمان سيسيه في " هذا الفيلم "
بقلم
صلاح هاشم
يحتفل مهرجان الخليج السينمائي المقام حاليا بالمخرج السينمائي الطليعي الفرنسي جيرار كوران وكنت كتبت عنه في مجلة " كل العرب " الاسبوعية التي كانت تصدر من باريس في فترة الثمانينات ، وكان يترأس تحريرها آنذاك الاستاذ الصحافي اللبناني الكبير ياسر هواري، وكان من أفضل رؤساء التحرير الذين تعاملت معهم ، وعبقريا فهامة يستطيع أن يفرق بين الصحفي نص كم والكاتب اللامع ، وليس مثل رجال الاعمال العرب الحاليين الذين كتبت عنهم ولايفقهون شيئا لا في الاعمال ولا في الصحافة ، ولايهمهم الا التربح والحصول على المال بأية طريقة ، و الاحتيال على الخلق
وقد عمل تحت ادارة الاستاذ ياسر هواري آنذاك في مجلة " كل العرب " الرائدة- وكان يطلق عليها " باري ماتش العرب " مجموعة من الكتّاب والصحفيين اللامعين المعروفين من أمثال سلوى النعيمي وقصي صالح درويش وشاكر نوري وحسين القبيسي وبسام منصور وغيرهم ونذكرهم جميعا بالخير
وفي عهد ياسر الهواري- للذاكرة والتاريخ، صعدت مجلة " كل العرب " صعودا مدويا لتصبح اولى المجلات الاسبوعية في العالم العربي كله من المحيط الى الخليج ، واعتبر الفترة التى اشتغلت فيها في المجلة، وقبل ان تودي بها حرب الخليج الاولى، من أخصب وأجمل فترات مسيرتي الصحفية الطويلة، وبخاصة على مستوي الكتابة السينمائية والتحقيقات والتغطيات، والكتابة في أدب الرحلات. وكنت حين علمت بان مهرجان الخليج سيكرم في دورته الحالية المخرج الفرنسي المذكور كوران ، وكتبت عن ذلك في " سينما إيزيس "، وذكرت انه من المحتمل أن أكون أول من كتبت عنه زمان في مجلة " كل العرب " في فترة الثمانينيات، أردت أن اتحقق من الأمر
فقمت ودعبست وفتشت عن المقال في ارشيفي الخاص، واستغرق الامر بالطبع وقتا حتى عثرت عليه ، ضمن مجموعة كبيرة جدا من المقالات السينمائية والحوارات ( مع فراشيسكو روزي وتافياني وستيفن فيرز وإليا كازان وجان ميتري وغيرهم ) والتحقيقات ايضا التي نشرت لي في مجلة " كل العرب "
ووقتا أكثر في انتزاع نفسي وبصعوبة من سعادة كبيرة..
سعادة الاستمتاع باعادة قراءة تلك المقالات التي كنت اكتبها ، وكأنها كانت لشخص آخر،وإعادة استكشاف ذلك الناقد و الكاتب الذي كنته ، ومعرفة تصوراته عن الحياة و السينما والعالم ( سعدت للغاية عندما علمت بعدها بفترة من الناقد السينمائي الاردني ناجح حسن - وهذه شهادة منه ايضا للذاكرة والتاريخ - ان تلك المقالات السينمائية التي كنت أكتبها في زاوية بعنوان" هذا الفيلم " في مجلة " كل العرب " في فترة الثمانينيات ، كان هناك من يقوم بقصها وتجميعها في الاردن ، وكانت توزع على جمهور و أعضاء نادي للسينما تأسس هناك)
و هأنذا أعيد نشر المقال هنا على شكل صورة جي بي جي ، حيث يمكنكم تكبيره وقراءته وأحب أن اضيف اليه ايضا بعض المقالات التي نشرت أنذاك في الزاوية المذكورة
وآمل ان تستمتعوا ايضا بقراءتها
صلاح هاشم
الأربعاء، أبريل 13، 2011
تسقط ديكتاتورية السرعة بقلم صلاح هاشمA BAS LA DICTATURE DE LA VITESSE
تسقط " ديكتاتورية السرعة"
بقلم
صلاح هاشم
اتصل بي حديثا صديق "ابن حلال" يعمل ويعيش في العاصمة لندن ، وطلب مني ان كنت سمعت او شاهدت فيلم (كذا) الذي تم ترميمه وعرضه حديثا ، وأحب ان اتحدث عن الفيلم - وبأجر مدفوع- لقناة تلفزيونية مصرية في باريس، فعلى ان ابلغه بموافقتي فورا، لكي يقوم بعمل اللازم، وطلب مني سرعة الرد ..
ولم أكن سمعت من قبل عن ذلك الفيلم الذي يتحدث عنه، وربما بسبب غيابي لفترة 6 اسابيع في مصر أثناء الثورة، ولم لم أسمع من قبل ايضا عن تلك القناة " المصرية " الجديدة التي تم إنشائها ، وأنا بالطبع لست كما قلت له لست ضد تأسيس قناة تلفزيونية جديدة في باريس، لكني لست متحمسا للعمل من جديد مع " رجال أعمال عرب " وفي الاعلام بالذات ،لأنهم أوأغلبهم كما شرحت له لايقيمون وزنا للحفاظ على حقوق العاملين معهم، ويتصورون ان من يعيش في باريس يعيش في الجنة ، بعيدا عن مآسي ونكبات الحياة بكل أشكالها في الوطن، وهذا غير صحيح كما يتوهمون ، وهم يظنون ان الاقامة في باريس وحدها من منظور ومنطق رجال الاعمال ، هو مكسب لايجعلهم - اعني المغتربون والمهاجرون من أمثالنا والفقراء الى الوطن - في حاجة الى مطالبتهم بأجورهم وحقوقهم
فهم محظوظون بالعيش في باريس مدينة النور التي يساقط على سكانها من السماء سمنا وعسلا وأحسن أنواع الجبن الفرنسي المعتبرة ، أفلا يكفيهم ؟ وفي طرقات باريس يتدفق النبيذ انهارا، أفلا يرضيهم ؟ يجب عليهم في كل وقت كما يتصور رجال الاعمال العرب الموقورون ان يقارنوا اوضاعهم في باريس باحوال الناس في الوطن، هؤلاء الذين يعيشون في اجواء اقرب ماتكون الى أجواء العصور الوسطى الظلامية ، بما فيها من الحبس والقمع وظلم الحكومات الديكتاتورية . تلك الحكومات التي لاتعرف الا الحوار والنقاش بالهراوات والسكاكين والبنادق المصوبة الى صدور المعتصمين والمتظاهرين
ان اغلب هؤلاء الذين يصفون أنفسهم برجال أعمال ، وهم رجال اعمال سرقة ونهب فقط ، ويتفننون في تغيير بدلهم و ثيابهم المزركشة كل ساعة - قلت لصديقي ابن الحلال وانا أشكره على مبادرته - ليسوا سوي لصوصا وحرامية، وليس لدي متسع من وقت للبحث ولا للتفتيش عن حقيقتهم، كما انهم لايحترمون " إنسانية " من يعملون معهم، والبعض منهم يشعرون بغيرة و " عقدة " تجاه المصريين بالذات ، ويميلون أحيانا الى التقليل من شأن حضارتهم المصرية التي علمت العالم ( 7 الآف سنة حضارة ) تلك الحضارة التي تجعلهم من خلال سلوكياتهم الفطرية، تجعل المصريين وحتى بدون وعي منهم يكرهون الاستبداد والظلم، ويرفضون ان يتجرأ أحد على إهانتهم أو سبهم، أو جرج مشاعرهم بالإساءة الى وطنهم مصر ، وقلت لصديقي ابن الحلال اني لاارحب بالعمل الا مع من يحترم حقوق الانسان ويحترم إنسانية البشر، ومن بعدها نستطيع أن نتحاور ونتكلم في كل الأشياء، وأضفت أن قدر المصري وبخاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، قدر المصري الآن أن لايركع لأحد ، قدره الآن أن يطالب بكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويحصل عليها بكافة الطرق السلمية وغير السلمية إن لزم الأمر. إرفع رأسك فوق أنت مصري - قلت له - اعادت للمصريين كرامتهم المنهوبة المسلوبة وجعلت من ذلك الشعار بطاقة هوية لهم الآن وأكثر، وانا تحت ضغوطات ديكتاتورية السرعة، التي صارت أبرز ظواهر المجتمعات الاستهلاكية في العالم كله ، وجعلتنا نأكل ونشرب ونقرأ ونشاهد ونتكلم ونحب ونكره وننام ونصحو بسرعة ، بسرعة تتصاعد وترتفع وتتعاظم وتيرتها في كل لحظة. بسرعة تمضي بسرعة، أسرع من سابقتها وعلى المجلس العسكري في مصر ان يحسم أمره في ظل هذه الديكتاتورية الجديدة وان يقوم بالاستجابة الى مطالب الثورة المصرية كل مطالبها قبل ان تجهض مكاسبها وينقض عليها أعداء الثورة وتضيع منا والى الابد بسبب حركته البطيئة جدا جدا جدا في التنفيذ وتحركاته مثل سلحفاة فإان كان لتلك الديكتاتورية من فضيلة فلاشك انها فضيلة " الحسم " وكل ماعدا ذلك فهو رذائل يستطيع بحسمه وسرعة تنفيذ مطالب الثوار أن يجنبنا من أضرارها وشرورها. تحرك يا مجلس عسكري ، والشعب المصري معك .
صلاح هاشم
الخميس، أبريل 07، 2011
التحالف مع الإخوان لعب مع الشيطان بقلم سعد القرش
مختارات " سينما إيزيس "
لتفتيح العيون والأذهان
"كن مع الثورة"
من السعودية إلى مصر.. التحالف مع الإخوان لعب مع الشيطان
قبل الغرق في المستنقع الوهابي
بقلم
سعد القرش
للمرة الثالثة، يكاد التاريخ يكرر نفسه، في أقل من مئة عام. في المرة الأولى تحالف عبد العزيز بن سعود وهو يؤسس "مملكة" مع الإخوان، فأخفق في بناء دولة، كما يروي صديقه محمد أسد (ليوبولد فايس)، وفي المرة الثانية تحالف السادات مع الإسلاميين، فانقلب السحر على الساحر، ولم يتمكن الذي "حضر" العفريت من التحكم في مارد لم يرض بأقل من رأس السادات، وفي الأفق تحالف سيعصف بإنجاز فكرة "الدولة" الحديثة التي تعب في إنشائها رفاعة الطهطاوي وبنوه وأحفاده. وقد بدأ التحالف الثالث مع صعود ثورة 25 يناير، قبيل وفاة النظام القديم، ويلوح هذا التحالف الأكثر خطورة، لأنه يتأسس على قواعد دستورية، و"كله بالقانون!".
ولم تكن الجريمة التي ارتكبها سلفيون في حق "مواطن" تصادف أنه مسيحي إلا "قرصة ودن" للدولة المصرية، وأستطيع القول إن المتطرفين فازوا بالجولة الأولى.
المسألة باختصار أن متطرفين في مدينة قنا نصبوا من أنفسهم قضاة وجلادين، وقضوا بإقامة ما يرون "الحد الشرعي" على مواطن، ونفذوا الحكم بالفعل، ووضعوا السلطة والمجتمع في اختبار صعب، ثم فازوا بنشر صور المصالحة في الصفحة الأولى لصحيفة الأهرام الحكومية. ووضعت الأهرام يوم الجمعة 25 / 3 / 2011 الكارثة في حجمها الطبيعي، كخبر أول يحتل النصف الأعلى للصفحة الأولى، تحت عنوان "جريمة نكراء بصعيد مصر"، ويليه عنوان ثان هو "متطرفون يقيمون الحد على أحد المواطنين بقطع أذنه.. والعلماء يبرئون الشريعة". وقال التقرير في السطر الأول إن نيابة قنا بدأت التحقيق في جريمة متطرفين قطعوا أذن المواطن أيمن متري، وأحرقوا سيارته وشقته، عقابا على شبهة إقامته علاقة مع امرأة سيئة السمعة.
هنا يمكن اعتبار المعالجة الصحفية انتصارا لهيبة الدولة، وتسمية للأشياء باسمها، انطلاقا من مصارحات ما بعد الثورة.
ولكن الطبعة الثالثة للأهرام استبدلت بهذا الخبر، في المساحة نفسها من الصفحة الأولى، موضوعا عنوانه "خلافات واسعة حول مشروع قانون تجريم الاحتجاجات"، وأزاحت خبر الجريمة إلى أسفل، مع تغيير في المعالجة الصحفية، وفقا لموازين القوى الجديدة الصاعدة والمرعبة في مصر الآن، تحت عنوانين هما "مسلمون وأقباط يطفئون نار الفتنة في قنا.. متطرفون يقيمون الحد على مواطن بقطع أذنه والعلماء يبرئون الشريعة"، وحذفوا صورة الضحية، وظلت صورة المصالحة بحضور ممثل للجيش وشيخ أزهري معمم وشاب سلفي وشقيق الضحية.
هنا مؤشر خطير على النفاق السياسي والاجتماعي، وانتصار قوى التطرف، وصعود المعادين للثورة، وإقرار الجيش بهذا الصعود، وأكاد أقول "والرضوخ له".
وفي جلسة الصلح، بحضور ممثل للقوات المسلحة، قيل كلام كثير جميل ورائع، لكنه فارغ، يفتقد إلى أي معنى، أو مضمون، فعند اختبار الكلام كانت الهمجية أسبق، وقطعت أذن الرجل بسبب شبهة اتهام، وضاعت هيبة الدولة، وفاز التطرف بجولة أولى سيكون لها ما بعدها.
يوم نشر خبر الجريمة، أوقعني الحظ السيء مع "واعظ" شاب، ارتكب في خطبة طولها خمسون دقيقة أربع خطايا منبرية، أولاها: تأكيده أن كارثة المد الزلزالي الذي أصاب اليابان يوم 11 / 3 / 2011 "مجرد جند من جنود الله ضد قوم كافرين"، ونسي أن الميكروفون الذي يصدع رؤوسنا بزعيقه من صنع اليابان، وأن كثيرا من المخترعات لليابان فيها فضل كبير. والخطيئة الثانية قوله الواثق بتحريم التدخين، مستندا إلى فتوي بعض العلماء عام 1999، "ولا يمكن القول إن التدخين حلال إلا بفتوى أخرى من هذه اللجنة"، وهذا اجتراء على الدين، أخشى معه أن يتمادى جهلاء في جسارتهم، ثم يستنكروا يوما سورة في القرآن لأن اسمها (الدخان). والأمر الثالث: هو الاستكبار عن الاعتراف بوجود مسيحيين في البلاد، حين قال إن حرب 1973 مثلا، شارك فيها المسلمون وغير المسلمين، وكأن ذكر المسيحيين وامتداحهم بما هم أهل له يسيء إليه، ويقلل من هيبة منبر الجمعة، على الرغم من وجود سورة اسمها (مريم)، وأخري اسمها (آل عمران)، وهو لا يدري أنه بهذا الشطط يعصي ربه القائل في سورة المائدة "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، وقال في سورة آل عمران مخاطبا عيسى عليه السلام "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة"، أما الأمر الثالث فليس خطيئة ولكنه غفلة، إذ قال: "لا يمكن أن أدعو مسلما لتقصير ثيابه وإطلاق لحيته وهو لا يصلي"، وكأن هذه الأمور الشكلية من الدين أو هي الدين.
خطيب الجمعة هذا لا يختلف عن المتطرف الذي قطع أذن المواطن المسيحي، كلاهما لا يعرف قانون الإجراءات الجنائية الذي أرسى دعائمه عمر بن الخطاب، إذ تربص بقوم بلغته أنباء عربدتهم، في حديقه منزل أحدهم، وانتظر إلى الليل، وتسلق الجدار وهبط عليهم، وضبطهم في ساعة أنس، والكؤوس تدور. حالة تلبس واضحة. وقبل أن يوجه اتهامه لصاحب البيت، بادره الأخير معترضا: لقد أتينا واحدة، وأتيت ثلاثا: قال تعالى "وأتوا البيوت من أبوابها"، وأنت لم تأت البيت من بابه، وقال تعالى "لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على
أهلها"، وأنت لم تسلم، والثالثة قوله تعالى "ولاتجسسوا"، وأنت تجسست علينا. فما كان من أمير المؤمنين إلا أن انصرف في صمت، معترفا بأخطائه الثلاثة، وهكذا أرسى دعائم قانون الإجراءات الجنائية.
فأين هيبة الدولة المصرية من مكافأة المجرم، وما موقعها من تمثيلية مصالحة بين مجني عليه بريء ـ على الأقل إجرائيا ـ ومتطرف جعل من نفسه قاضيا وجلادا، ثم يتحدث مندوبون عن تسامح وكلام فارغ يعد من ميراث العهد البائد. ولماذا "التسامح الإسلامي"، وما موضع هذا المصطلح في كيان دولة حديثة نسعى لتأسيسها؟ من يتسامح يستطيع ألا يتسامح، لتكن القاعدة هي تسامح إنساني لا يرتبط بدين، بدلا من هوس الاستعلاء بالإيمان يمارسه مسلمون على مسلمين، والاستعلاء بالإسلام الذي يمارسه كثير من الخطباء على المسيحيين. يرونهم كفارا خارجين على الدين، ومحرفين للكلم عن مواضعه، ناسين قول الله تعالى في سورة المائدة "لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل"، فهل يأمرهم الله أن يقيموا إلا كتابا منزلا من السماء.
في شهادته على عصر صديقه الملك عبد العزيز يسجل محمد أسد في كتابه (الطريق إلى مكة) خطورة "تحضير" العفريت السلفي إذا كنت تنوي بناء دولة. العفريت عفريت يصعب استئناسه، سيخلص لطبائعه، وسرعان ما يتسلل من الثياب ويسمم الجسد، أو يحرق الثياب، ويكون خطرا على أي تسامح. يقول الرجل: "تحول الحماس الديني للإخوان، وميلهم لخوض الحروب، إلى قوة جديدة في يد ابن سعود، وبدأت حروبه منذ ذلك الوقت تكتسب شكلا جديدا.. اكتسبت وجه الحماس الديني الذي يخوض المعارك لا من أجل مكاسب دنيوية، بل من أجل إعلاء شأن العقيدة. أما بالنسبة للإخوان، فقد كانت الولادة الجديدة للإيمان تحتوي، على الأقل، على مضمون أشمل من المضامين الشخصية الذاتية، وكانوا يلتزمون بالعقيدة وتعاليمها، بلا تهاون أو تحريف... كانت مفاهيم أغلبهم مفاهيم بدائية، وكان حماسهم يتسم بالتعصب الزائد. ولسوء الحظ، ظل ابن سعود قانعا وراضيا بما هم عليه من مظاهر بدائية، وفهم سطحي للدين، وابتعادهم عن المعارف الدنيوية. لم ير ابن سعود في حركة الإخوان إلا قوة في يد السلطة، وفي الأعوام الأخيرة قدر لهذا التصور أن ينقلب، ويصبح قوة مضادة تهدد المملكة التي شيدها بجهده".
السطور السابقة عن ترجمة رفعت السيد علي للكتاب، في طبعتي المركز القومي للترجمة بمصر ومنشورات الجمل، ولكنها وفقرات أخرى تنتقد ابن سعود حذفت من طبعة مكتبة الملك عبد العزيز العامة.
العفريت الذي استعان به ابن سعود، أكاد أرى خطوات تحضيره في مصر، وقد تابعت طوال أيام ثورة 25 يناير منحنى الحضور السلفي والإخواني، وأبديت خوفي بعد موقعة الجمل (2 فبراير)، وقلت لأصدقاء "شكلها هتقلب إخوان"، ثم لاحظت تراجع الحضور الإخواني، حين لوح لهم عمر سليمان نائب الرئيس بالحوار، وشطب لقب "المحظورة"، وخشينا من فراغ ينتج عن سحب كوادرهم من الميدان. (سيكون هذا الرصد ضمن كتاب أعده حاليا عن الثورة)، وبلغ المنحنى السلفي ذورته بعد تنحي مبارك يوم 11 فبراير، حيث ارتفع شعار "الله وحده أسقط النظام"، بديلا لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكدت أتعرض لأذى، في تلك الليلة بالميدان، بسبب اعتراضي على بروز هذه النزعة السلفية العنصرية.
لا يعلم الذين أطلقوا شعار "الله وحده أسقط النظام" حقيقة أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلا، وهم يصلون أو يقرأون القرآن، وأن العشرة المبشرين بالجنة قاتل بعضهم بعضا، وسقط قتلى في موقعة الجمل الأولى بقيادة أم المؤمنين عائشة، وبسيوف المبشرين بالجنان، ولا أحد ينكر وقوع تمثيل بجثث أشرف خلق الله، أاحفاد الرسول من ابنته السيدة فاطمة، ولم يكونوا أقل إيمانا من الثوار بميدان التحرير.
ضع شعار "الله وحد أسقط النظام"، بجوار صيحة "إسلامية إسلامية"، بجوار حضور أو استدعاء أو دعوة الشيخ القطري يوسف القرضاوي لخطبة الجمعة في ميدان التحرير، بجوار اقتراح عبود الزمر لجنة للتكفير، بجوار تصريح مهووس ـ بعد الاستفتاء على تعديل الدستور ـ عنوانه "غزوة الصناديق"، وستكون النتيجة قص شعر فتاة بقاطع حديدي (كاتر لم يصنعه المسلمون) وسط الركاب في ميكروباص، وقطع أذن مواطن مسيحي، واستنكار واعظ صغير السن أن يقول كلمة "مسيحيين"، خشية أن يتلوث المنبر!
مع صعود النفاق السياسي تتراجع هيبة الدولة، ويميع مفهوم المواطنة، ويضيع الدين نفسه، وما يضمن إقامة الدين وممارسة شعائره هو الدولة المدنية والدستور الذي لا ينص على أن للدولة دينا، الدستور المدني يحترم جميع الأديان، ولن يلاحق مسلما أو يجعل له في "أمن الدولة" ملفا لأنه يطلق لحيته أو يواظب علي صلاة الفجر.
المستنقع الوهابي الذي حال دون قيام "دولة" في الجزيرة زحف إلى مصر، منذ نحو 35 عاما، ويكاد ينجح، بنص الدستور هذه المرة، وساعتها سيقول كثيرون: دولة فاسدة يقودها أهوج مثل جمال مبارك أفضل ألف مرة من دولة دينية، سيكون الخروج عليها كفرا.
بعد ما تصورته نجاحا للثورة، أكاد لا أفهم شيئا، فمن يصنع هذا التحالف الشيطاني بين السلفيين ومؤسسات دولة يريد مواطنوها الشرفاء أن تخرج إلى النور؟ أرجوكم لا تسهموا في تحضير العفريت!
لنكن فاعلين وشهودا على ولادة دولة مدنية، لا شهداء في دولة دينية ستأكل المخالفين لها، بمن فيهم الإخوان المسلمون.