أناقش من يُهاجمون كتاب:
"أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية"
بقلم أمل الجمل
هناك إشاعة يتم ترويجها أن كتاب "أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية" - لكاتبة هذه السطور - وإن كان به جهد توثيقي كبير نادر الحدوث لكن مؤلفته لم تكتب وجهة نظرها الخاصة، ولم تخرج بنتائج تُفيد صناعة السينما لأنها لم تُحلل ما كان بين أيديها من معلومات، وأن هذا الجهد التوثيقي يحتاج إلى شخص آخر أكثر قدرة ودراية على التحليل وطرح وجهة نظره ليُحقق ما فشلت هى فيه.
والرأي السابق، في تقديري، يفتقد الصواب، أحادي النظرة، ويكشف عن قراءة ضحلة متعجلة، بدليل أن من قرأوا الكتاب بدقة ورويِّة وصفوه بخلاف ذلك ومنهم كُتاب ونقاد كبار مثل كمال رمزي، وسمير فريد، وإبراهيم العريس، ومحمد عبد الفتاح، د/ حسن عطية، د/ شريف حتاتة ومحمود قاسم ومحمود عبد الشكور وآخرين. الأمر الآخر أنه لا يُوجد فيلم واحد من أفلام الدراسة لم أذكر رأيي حوله بشكل واضح وصريح في عدة صفحات أو على الأقل في فقرة كاملة حسب أهمية الفيلم. هذا إلى جانب رأيي الضمني الموجود عبر اختياراتي لآراء معينة وترجيح آراء آخرى عليها. إضافة إلى ستة وثلاثين صفحة تشتمل على جداول وتحليلات لمضمون الأفلام ولمستواها الفني والفكري تتضمن ملامح الإستشراق ومدى صدقية تهمة الإساءة لسمعة مصر، وتوظيف الفلكلور، ومعالجة قضايا المرأة والفقراء ومشاكل المجتمع، وهامش التنازلات التي تعرض لها صُناع هذه الأفلام.
لا أنفي وجود أشياء أنا غير راضية عنها بالكتاب. أشياء بسيطة أكتشفها مع الوقت، ولا أعتبره كتاباً جامعاً مانعاً عن الإنتاج المشترك فلايزال الموضوع يحتمل عشرات الدراسات والتحليلات. لكني قطعاً متحيزة لكتابي عن إقتناع تام، لأني اخترت بإرادتي الحرة، بوعي وتفكير عميق، الأسلوب الذي أُعالج به مادته. كنت أرغب في تحقيق عدة أهداف: دراسة هذه القضية السينمائية الشائكة وتفنيد الاتهامات الموجهة إليها. تحديد إيجابياتها وسلبياتها، مناطق قوتها ومكامن ضعفها وهو في النهاية ما يكشف عن مدى تأثير هذا التمويل والدعم الأجنبي لبعض أفلام السينما المصرية.
كان من بين أهدافي أيضاً أن أتناول الموضوع بشكل فني وليس بأسلوب خطابي. أن أخلق حواراً بين النقاد على صفحات الكتاب، حواراً وجدلاً أناقش من خلاله أفكار ومضمون وفنية الفيلم. أن أحافظ على إيقاع الكتاب مشدوداً قدر المستطاع. أن تكون الدراسة شهادة على حالة ومستوى النقد في مرحلة ما، بتسجيل الطريقة الفكرية والثقافية التي استقبل بها النقاد والكتاب والصحفيون فيلماً ما مثلما حدث مثلاً مع فيلم "ناجي العلي" لـ"عاطف الطيب". في نفس الوقت أقوم برصد دور الرقابة وأسلوب تعاملها مع هذه الأفلام. ثم مقارنة طريقة استقبال كل من النقاد والرقابة لها، لأنه في اعتقادي وهو ما تُثبته الدراسة أن الرقابة كانت – رغم كل تحفظاتنا عليها - أكثر تنويراً وتقدماً من بعض النقاد في تعاملها مع أفلام بعينها مثل "اليوم السادس" و"القاهرة منورة بأهلها" ليوسف شاهين، و"الأبواب المغلقة" لعاطف حتاتة"، و"ناجي العلي".
الشكل الفني الذي كان يمكن أن يُحقق لي الأهداف السابقة مجتمعة هو أسلوب التحقيق بشكله التليفزيوني الذي أراه مناسباً في معالجة بعض القضايا، لأنه شكل فني يعتمد على الأسلوب العلمي وفي نفس الوقت يشد إيقاع العمل.
عبر أشهر طويلة قمت بتجميع تلال من المواد الأرشيفية الصحفية والنقدية وقليل من الكتب التاريخية وشرائط الأفلام تكفي لصناعة عشرة كتب وربما أكثر. لكني اخترت تجنيد كل هذا لإتمام كتاب واحد له منهج واحد. لم أكن كما يدعي البعض أوثق فقط الآراء، لكن كنت "أختار" منها مقتطفات معينة لغرض مُحدد في ذهني. كنت أشاهد شرائط الأفلام المتاحة لي، لأُصبح أنا نفسي حكماً عليها، ثم أكتب جزءً تحليلياً لمضمون الشريط السينمائي بعدها أناقش العمل عبر الآراء المختلفة التي تناولته بالنقد والتحليل، سواء بالهجوم أو المديح.
ميزة الأسلوب السابق أنه لا يُناقش الفيلم وحسب لكنه أيضاً يُناقش ويُحاكم الآراء النقدية نفسها المؤيدة أو المعارضة للعمل الفني. وهى مهمة شاقة وشائقة للباحث. ما أسهل أن أكتفي بكتابة رأيي. الأصعب والأكثر متعة أن أجمع تفصيلة بجوار أخرى، أن أقوم بمونتاج جملة حوار من هنا وجملة حوار من هناك، ثم أضعهما في سياق معين لتتجاوزا الأفكار والمعتقدات المثارة حول الفيلم وتخلق فضاءً تأويلياً آخر خاص بمستوى التلقي عند بعض النقاد. الأصعب والأكثر متعة أن أجدِّل هذه الآراء في ضفيرة واحدة وفي نسيج متماسك يكشف عن تباين وتناقض الآراء النقدية، أن أعمل على هذا النسج الحثيث للتفاصيل معاً، على تركيب وبناء وجهة نظري الخاصة المخبأة بين وجهات نظر الآخرين بحيث في النهاية يُصبح القاريء مُشاركاً معي في تفسير هذا العمل كما يحلو له.
لم يشغلني إبراز ذاتي أوالتأكيد على وجهة نظري. لأن المفروض أنني موجودة عبر اختياراتي. فعندما أختار جملة معينة من شخص ما ثم أقوم بوضعها في ترتيب وسياق معين لأناقشها من زواية مضادة ثم أقدم رأي شخص ثالث يُدحضها ورابع يُؤكد على هذا الإدحاض أوألجأ مثلاً للجبرتي أو للمؤرخين الأجانب أو المستشرقين لمناقشة الرأي والمعلومة من زاوية تاريخية.. هذا معناه أنني أتبنى وجهة نظر معينة وأقصد شيء معين من وراء هذا المونتاج.
ظاهرياً، أنا ووجهة نظري الذاتية، لم نتواجد بشكل مرئي مكثف واضح للعيان. لكن حقيقة أنا موجودة بشكل أكثر فاعلية، بشكل ماكر فنياً وفق تعبير د/ شريف حتاتة وأ/ ستاذ محمد عبد الفتاح. وأنا لا أدِّعي أنني رائدة في هذا المجال، لأن من شاهد "الأقدار الدامية" 1980 أول أفلام "خيري بشارة" الروائية يعرف جيداً أنه استخدم أسلوباً مشابه في صناعة فيلمه، ومن المؤكد أن آخرين في مجال البحث العلمي استخدموا هذا المنهج.
في النهاية أقول: مَنْ لم يُعجبه كتابي أمامه حل من اثنين: إما ألاَّ يقرأه وإما أن يُؤلف كتاباً آخر يرد به عليَّ. هكذا يكون الرد. لكن من غير اللائق ترديد آراءا لا تستند إلى القراءة المتأملة، بل من العيب ترديد وترويج آراء تعتمد على تصفح الكتاب أو قراءته قراءة عابرة سريعة وسطحية، أو قراءة الخطف والهبش كما وصفها من قبل أحد النقاد المهمين.
أما بخصوص ما طرحه الكاتب والناقد محمود قاسم في مقاله بجريدة "القاهرة" عدد 500 بتاريخ 8 ديسمبر 2009، فلابد في البداية أن أشكره على تقديره للجهد الذي بذلته. كذلك لي بعض التوضيحات: أولها أنني لم أُحدد أفلام الإنتاج المشترك بـ 66 فيلماً. أنا ذكرت في القائمة بنهاية الكتاب أسماء ما أُتيح لي من بيانات مُؤكدة بشأن 66 فيلماً. مع العلم أنني في مقدمة الكتاب صـ12 وكذلك في نتائج الدراسة صـ 367 ذكرت أن عددهم "نحو" 72 فيلماً لأن هناك أفلام مشكوك في صحتها، مُوضحة في الهامش أننا إذا أضفنا إليهم فيلمي "هى فوضى" و"جنينة الأسماك" يُصبح المجموع "نحو" 74 فيلماً.
ثانيها: أتفق معه فيما يتعلق بالإنتاج السينمائي المشترك بين مصر والدول العربية، وتحديداً التجربة اللبنانية بما فيها من لبس كثير على الأخص أن بعض أسماء الشركات يُوحي بأنها لبنانية مصرية مشتركة وهذا غير صحيح، أو أن الأفلام يشترك في تمثيلها أبطال من البلدين بينما في الحقيقة أن رأسمالها إما مصري خالص وإما لبناني خالص باستثناء تجارب قليلة منها "حبيبتي" و"أجمل أيام حياتي" لهنري بركات. ينطبق الأمر أيضاً على سلفة التوزيع التي كان يحصل عليها المنتج المصري من الموزع الخليجي. لأنهما من الأمور التي يلفها الغموض والضبابية، ولا أحد من صُناعها يُريد أن يُفصح عن حقيقة ما تم فيها من اتفاقات، ويتطلب البحث والتنقيب فيها أن يرتدي الباحث طاقية الإخفاء أو يكون ضليعاً في قراءة الغيب للإطلاع على ما خفي من أسرارها.
النموذج الوحيد الذي نجحت في الوصول إليه وتأكدت أنه إنتاج مشترك مصري سعودي هو فيلم "عصفور الشرق" الذي قام ببطولته نور الشريف وأخرجه يوسف فرنسيس. الفيلم من إنتاج شركتي أفلام الأندلس العربية وأفلام الاتحاد لعباس حلمي. الشركة الأولى رأسمالها سعودي لصاحبتها "سميرة خاشقجي" لكنها شركة "مصرية" رضوخاً للقانون الذي يشترط ألاَّ تزيد أسهم الأجنبي على 49% من أسهم الشركة وألاَّ يقل رأس المال الوطني عن 51%. أما تجربة "روتانا" في الإنتاج السينمائي مع مصر فكانت خارج الحيز الزمني لدراستي حيث تتوقف الدراسة عند 2006.
أخيراً هناك مصادر متابينة تذكر أفلام مثل: بنت عنتر- ابن الشرق – الحب والفلوس – من يُطفيء النار- البدوية العاشقة – شياطين البوسفور – رجل لا يعرف الخوف - الحسناء والوحش -بعت حياتي، على أنها إنتاج مشترك سواء مع لبنان أو مع تركيا لكن هذا غير صحيح وهو ما يُؤكده إما تتر الشريط الفيلمي أو الإعلان المنشور للأفيش في الصحف. أما فيلم "فن الحب" أو "لغة الحب" فهو إنتاج بولندي خالص واقتصرت مساهمة الشركة المصرية على تقديم خدمات ومن المؤكد أنها لم تكن طرفاً في الإنتاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق