شباب من فلسطين يسأل : من هو الإرهابي ؟
لماذا نكتب عن السينما من باريس ؟ . حسنا . لأن باريس هي عاصمة السينما في العالم بلا جدال، حتى لو كانت " هوليوود " في أمريكا تعد أكبر مصنع للسينما في العالم من حيث الإنتاج والتوزيع وهيمنة الفيلم الأمريكي التجاري بالذات علي أسواق السينما في أنحاء المعمورة .وقد كان المخرج الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو كثيرا ما يردد أن المواطن الفرنسي يحب شيئين ويعتبرهما أهم شيئين في حياته: يحب وطنه فرنسا، ثم من بعده يحب السينما، ويضيف ان الفرنسي هو ناقد سينمائي بالفطرة، لان الفرنسيين يعشقون السينما كما يعشقون رغيف الخبز الفرنسي الشهير " الباجيت " ، ذلك الرغيف الباجيت العصا الذي حقق لفرنسا شهرتها في العالم ، أكثر من الجنرال والرئيس الفرنسي الزعيم شارل ديجول نفسه ، كما حققت السينما المصرية قديما حضورها المؤئر ثقافيا ووجدانيا وحضاريا لا علي المصريين وحدهم، وأصبحت قطعة من روحهم، بل علي مستوي شعوب العالم العربي كله..
هنا في باريس عاصمة فرنسا – التي تعد " وطن " السينما بلا جدال، أقيم أول عرض سينمائي للأخوين لوميير في 28 ديسمبر 1895 في الصالون الهندي بالمقهى الكبير " جران كافيه " في شارك كابوسين- تعرض كل أسبوع عشرات الأفلام الجديدة القادمة من أنحاء العالم، من الصين والهند ومصر وتركيا وفيتنام الخ ، كما تقام عشرات التظاهرات والمهرجانات السينمائية من جميع الأنواع بحيث أن تغطية النشاطات السينمائية وعروض الأفلام الجديدة القادمة من أنحاء كوكبنا البرتقالي الجميل ، كما يحب أن يسميه الشاعر الفرنسي لوي آراجون، تحتاج الي ترسانة من الصحفيين والنقاد وعشاق الفن السابع، ناهيك عن الإصدارات الحديثة في المكتبة السينمائية الفرنسية، ولا يمر يوم هنا من دون أن يصدر فيه كتاب سينمائي جديد ، ومتابعة عشرات المجلات السينمائية المهمة التي تصدر من هنا مثل مجلة " بوزيتيف " و مجلة " كاييه دو سينما " – كراسات السينما –التي خرج من معطفها معظم رواد حركة الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا في فترة الخمسينيات من أمثال فرانسوا تروفو وآنياس فاردا وكلود شابرول والمفكر والمخرج السينمائي الكبير جان لوك جودار. لا يوجد في باريس دور عرض في " وسط البلد " فقط. لا يوجد في باريس وسط البلد، فكل حي في باريس هو بلد منفرد له قاعاته السينمائية ، ولكل قاعة حكاية وتاريخ هما قطعة من ذاكرة البلد او الحي..
و لأن باريس مدينة النور التي قال عنها عميد الأدب العربي د. طه حسين : " في باريس الفرح والابتهاج ، وفيها البؤس والحزن، وفيها الرجاء والأمل ، وفيها اليأس والقنوط ، فيها اجتمع كل ما يحتاج اليه الناس وكل ما لا يحتاجون إليه ، فيها اجتمع كل ما يشخص الحضارة الإنسانية في هذا العصر الذي نعيش فيه " هي العاصمة الوحيدة في العالم ربما التي تأكل وتشرب سينما ، وتعج إلي جانب المقاهي، تعج بالقاعات السينمائية المتناثرة في أحيائها أو بلدانها. باريس البلد،كما عشتها وخبرتها من خلال تلك القاعات التي عشقتها بأجوائها الفريدة، ولكل قاعة جو وروح ونكهة، في أحياء " بلفيل " و " الأوبرا " و " سان ميشيل " و " الباستيل " و " التروكاديرو "، هي المدينة التي تجد فيها قاعة سينما، في المسافة التي تفصل بين قاعة وقاعة، ويقينا لم أكن استشعر متعة في حياتي، كما استشعر متعة المشي في باريس في الليل في زمن السبعينيات ، حين ينتهي العرض الاخير في " سينماتيك شايو " – دار الأفلام الفرنسية الشهيرة التي أسسها هنري لانجوا ويكون آخر مترو غادر محطة التروكاديرو، فأعود الي بيتي سيرا علي الأقدام من عند السينماتيك القديم في اقصي الشمال حيث تلك الشرفة الرائعة التي تطل علي برج ايفل المتلأ لأ بالأنوار في الليل، وحتي محطة اليزيا في الحي 14 حيث كنت أسكن في غرفة صغيرة وحدي عند صديق في جنوب باريس. وكنت اقطع في رحلتي هذه بعد مشاهدة فيلمين أو أكثر في " السينماتيك " ضمن عروضه المسائية، أقطع ثلاثة أرباع مساحة المدينة، واستعيد خلال رحلتي الليلية، وتكون الساعة تجاوزت الواحدة صباحا، أستعيد مشاهد الفيلم، وأتأمل في جمال أحياء باريس ، وشوارعها وميادينها الخالية من المارة التي كنت أعبرها، وأنهل من سحر مدينة النور. ثم تنتابني فجأة تلك الرعشة التي يهتز لها جسدي كله من الجمال والنشوة ومتعة مشاهدة كلاسيكيات السينما العظيمة ، فإذا بي لا أعرف وأنا استنشق ذلك الهواء الطري الطازج في ليل باريس إن كنت فراشة تحلم بأنها أنسا ن، أم كنت إنسانا يحلم كما في قصيدة من قصائد الزن اليابانية بأنه فراشة..
وعلي الرغم من اني درست السينما في جامعة " فانسان " الشهيرة وتتلمذت فيها علي يد كبار نقاد مجلة " كاييه دو سينما " من أمثال جان ناربوني و جي شابوييه وسيرج لو بيرون ، وأنجزت فيها فيلما وثائقيا " كلام العيون " عن بلدي مصر في اوائل السبعينيات ، إلا أني ما زلت اعتبر أني اكتشفت و أحببت السينما في قاعة " سينما ايزيس " في حي السيدة زينب العريق، ثم وعيتها وتعلمتها وهضمتها من خلال مشاهداتي لأفلام السينما العظيمة التي أهتم بجمعها هنري لانجلوا في سينماتيك تروكاديرو، وقد كانت دار الأفلام هذه، التي تعتبر أعظم أرشيف لأفلام السينما في العالم هي مدرستي الحقيقية التي تعلمت فيها السينما، كما يقول المخرج الايطالي الكبير برناردو برتولوتشي، وأتساءل : لماذا لا تكون لنا دار أفلام " سينماتيك " مثل سينماتيك باريس، تحافظ علي تراثنا السينمائي المصري الكبير المنهوب، وتعرضه علي جيل المستقبل في مصر، ليتعرف من خلال السينما حضارة السلوك الكبري كما أحب أن أسميها ، يتعرف علي صورته، ويعي تراثه وتاريخه وهويته.؟ الا تستحق مصر التي شاهدت اول عرض سينمائي في اوائل يناير 1896 في مقهي " زواني " بالإسكندرية أي بعد مرور أسبوع فقط من أول عرض سينمائي في باريس، ألا تستحق بكل التقاليد السينمائية التي أرستها وكل الانجازات والاضافات السينمائية التي حققتها منذ ذلك الوقت أن يكون عندها " سينماتيك " !..
أجل: مازالت قضية أنشاء " سينماتيك " مصري أو دار للأفلام هي أهم قضية تشغل بالي وفكري، وأنا أركض لمتابعة الأفلام والنشاطات السينمائية هنا في مدينة النور، وأفكر دوما في بلدي، ولا تغيب عني أفلامها العظيمة وتراثها السينمائي المجيد ، فأروح أردد علي الفرنسيين أن لدينا أيضا " رينوار " مصري نفتخر به في أعمال صلاح أبو سيف الرائعة التي صارت من كلاسيكيات السينما العالمية العظيمة مثل " بداية ونهاية " و " ريا وسكينة " و " السقامات " و " الفتوة " وغيرها ، وقد كانت السينما المصرية سباقة الي اكتشاف واختراع منهج " الواقعية الجديدة " في افلامها ، قبل روسوليني ودو سيكا في ايطاليا، وهذه " حكاية " اخري قد نعرض لها لاحقا . ان وجود افلام مصرية متوافرة علي اقراص دي في دي- غالبا في نسخ مشوهة وتافهة تجد طريقها فورا الي اقرب مقلب زبالة، لايعوض عن وجود " سينماتيك " في بلادنا ، ذلك لأن متعة مشاهدة الفيلم في قاعة السينما أو في " السينماتيك " هي متعة لاتقارن ب " شبه متعة " مقطعة ومنهوبة وزائفة للفيلم علي شاشة فيديو أو تلفزيون او انترنت ، وذلك بسبب من خصوصيتها في ظلام قاعة العرض، حيث يخلو كل مشاهد بالفيلم ويكون ملكا له وحده ، ولا يستطيع عندئذ أي مخلوق أن يقطع عليه لحظة استمتاعه وحده بالعمل الفني الذي يستحوذ علي أرواحنا ، ويصير في نفس اللحظة التي نشاهد الفيلم ونعجب به وندلف الي عالمه ، يصير في التو أكبر منا..وهذا ما حدث لي حين شاهدت فيلم وثائقي فلسطيني طويل وجديد، أحببته وعشقته في التو..
وأعتبره من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها حديثا ، الا وهو فيلم " مقلاع الهيب هوب " للأمريكية من أصل فلسطيني جاكي سلوم (الام فلسطينية والأب من سوريا) الذي عرض ضمن مجموعة كبيرة من الأفلام الفلسطينية الروائية والوثائقية في تظاهرة " القدس " في السينما، التظاهرة التي كرس لها مهرجان " ترافلنج " في مدينة " رين " الفرنسية – أقليم بريتاني – دورته العشرين في الفترة من 31 يناير الي 10 فبراير، وكان المهرجان كرس من قبل دورته لعام 2000 لمدينة " القاهرة " في السينما ، وعرض مجموعة كبيرة أكثر من ستين فيلما لصورة عاصمة مصر كما قدمتها السينما العالمية وعلي يد المخرجين المصريين من امثال صلاح ابوسيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين وكمال الشيخ وغيرهم ومن أنحاء العالم، وقد تزامن اختيار القدس كموضوع لهذه الدورة ، مع اختيار المدينة المقدسة كعاصمة للثقافة العربية لعام 2009 وكان اختيارا من قبل إدارة المهرجان ناجحا وموفقا..
فيلم " مقلاع الهيب هوب " من النوع الوثائقي ( 80 دقيقة ) كان عرض من قبل في مهرجان بيروت وحصلت مخرجته علي جائزة أحسن مخرجة في المهرجان، كما عرض في مهرجان صان دانس في أمريكا الذي يعتبر احد أهم مهرجانات السينما المستقلة في أمريكا والعالم، وقد أعجبني الفيلم كثيرا لبساطته وانسيابيته وانسانيته – تستطيع ان تغفر للفيلم أي شييء الا أن يكون مملا - وخلوه من أي ادعاء او وعظ وارشاد علي طريقة الافلام الكفاحية او النضالية الفلسطينية القديمة التي اعتبرها مجرد منشورات ثورية ثرثارة وجعجاعة، وحاز علي اعجاب جمهور مدينة رين – تضم 250 ألف نسمة من ضمنهم 50 ألف طالب - وكانت مخرجته حضرت الي المدينة في صحبة المخرجة الفلسطينية ايناس المظفر، وصرحت في المؤتمر الصحفي معها بعد عرض الفيلم بأن ما يحدث من قتل وتدمير وتشريد للشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين المحتلة هو " تطهير عرقي " بمعني الكلمة ، فإسرائيل تسعي بالفعل إلي إبادة الشعب الفلسطيني، وحربها الأخيرة علي غزة شاهدة علي ذلك ، كما حكت عن صعوبات اخراج الفيلم الذي استغرقت خمس سنوات في صنعه ، فقد كانت حين تهبط قادمة من امريكا الي المطار الاسرائيلي تحتجز لمدة سبع ساعات ، وتتعرض لاستجوابات قاسية جدا و لاحصر لها ، علي الرغم من جواز سفرها الامريكي، وهي سياسة تتبعها اسرائيل لزرع اليأس في قلوب الفلسطينيين المغتربين وتطفيشهم ، حتي لا يفكروا في " العودة "أبدا الي بلادهم..
يعرض فيلم " مقلاع الهيب هوب " ببساطة وحيوية فائقة للمشهد الموسيقي في فلسطين ، حيث استطاعت مجموعة من شباب موسيقي " الراب "تشمل فرقة " الدام " من اللد التي تأسست عام 1999وفرقة " عربيات " من عكا وفرقة " أولاد الحارة " من الناصرة وعبير زيناتي من اللد وفرقة " بي آر " من من غزة ومحمود شلبي تحت اقسي واطول احتلال عسكري في التاريخ في فلسطين ، وفي ظل ظروف النفي و التشرد والضياع والحبس القهري..
استطاعت أن تحول قوالب موسيقي واغنيات الراب الامريكية ، الخارجة لتوها من جيتوهات البؤس في بلاد العم سام، الي صرخة احتجاج فلسطينية، تتواصل مع شباب فلسطين والعالم ، وشهادة علي قسوة وظلم الاحتلال، وأداة للمقاومة والصمود. وقد اعجبني في الفيلم الذي يمكن اعتباره بمثابة فيلم من أفلام الطريق أو " رود موفي " ، الذي يروج لفكرة الرد علي العنف الواقع علي الشعب الفلسطيني بسلاح الفن الموسيقي ، وقوة وبأس الكلمة، وينحاز الي " سينما الواقع "، أعجبني وهو يسافر خفيفا في أقاليم فلسطين المحتلة ، بين غزة واللد وعكة وغيرها ، ويعرض لجدار العار في فلسطين ، ويكشف لنا عن نشأة وتطور هذا النوع الموسيقي الراقص ، من خلال احاديث الشباب عنه..
أنه يحاذر في الاستغراق في عرض بشاعة ظروف الاحتلال التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وقصفنا بها في كل لحظة، وبمناسبة او بدون مناسبة ،والسقوط هكذا في فخ الميلودرامية والبكائيات، بل يفرد الكلام للشباب المتحمس للصمود والمقاومة بسلاح الاغنية ، التي يسخر من اتهامه بالإرهاب، ويسال في أغنية " مين ارهابي " لفرقة " دام " - من الدوام والخلود – من اللد : أهو ذلك الانسان الفلسطيني الذي يتعرض للقتل في بلده ووطنه وعلي أرضه ، أم ذلك الجندي الإسرائيلي المحتل، الذي يغتصب الأرض، ويدمر البيوتات والمدارس والمستشفيات، و يطلق النار علي صدر الفلسطيني..
كما يعرض الفيلم في ذات الوقت لأفكار جيلين من الشعب الفلسطيني، ويكشف عن حماس جيل الشيوخ من الآباء والأمهات لفرق موسيقي الراب الفلسطيني الجديدة، وكذلك ظهور مغنيات راب يتحدثن عن ظروف القهر التي تتعرض لها البنت الفلسطينية والمرأة الفلسطينية عموما ودعوتهن الي تحررها من خلال أغنيات الراب التي تعبر الحواجز في فلسطين وتتواصل مع العالم والكون. فيلم " مقلاع الهيب هوب " يوثق من خلال توثيقه لمشهد موسيقي الراب في فلسطين ، يوثق لتاريخها وذاكرتها ايضا، ويجعلنا نخرج من الفيلم ونحن مزهووين ومنتشيين بالفرح والأمل ومتطهرين من أي غم و قنوط ونكد، وفخورين بذلك الشباب الذي يحارب جدار العار في فلسطين بكلماته الصادرة من القلب والمباشرة والشعبية، التي تنهل، كما يذكر تامر نقار مدير فرقة " دام " من اللد في الفيلم ـ تنهل من تراث الشعر الفلسطيني عند محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم من شعراء الصمود والمقاومة ، كما تنهل من فكر واغنيات الشيخ امام واشعار احمد فؤاد نجم في مصر وتراث الاغنية الفلسطينية الثورية العريق. تحية الي جاكي ريم سلوم علي فيلمها الوثائقي الجميل الذي يستحق المشاهدة عن جدارة وكان عرضه في " رين " أول عرض له في فرنسا، وهو بالقطع لن يعجب البعض الذين يفكرون بأن أي فيلم فلسطيني لابد له أن يعرض مطولا لتاريخ النكبة ويصبح محاضرة مملة سقيمة وينهل من مشاهد القتل والدمار المدوية الدموية ويقصفنا بها – الصورة النمطية التي تعرض لها نشرات الاخبار - يقصفنا بها بلا هوادة ويجعلنا نيأس مع الفلسطينيين من حياتنا، في حين يطرح فيلم " مقلاع الهيب هوب " صورة اقرب الي الحياة الطبيعية في فلسطين بزهوها وبهجتها ولذلك ينفذ أن صح التعبير الي قلوبنا مباشرة.
تري ماذا حقق مهرجان " ترافنج " السينمائي في مدينة رين ، الذي خصص دورته العشرين لمدينة " القدس " في السينما؟. حقق بالطبع الكثير فقد أتاح لسكان المدينة من عشاق الفن السابع عرض ومشاهدة " بانوراما " رائعة للسينما الفلسطينية وجواهرها مثل " عرس في الجليل " لميشيل خليفي ، المؤسس للسينما الفلسطينية الروائية في بداية الخمسينيات، و " تذكرة الي القدس " لرشيد مشهراوي و " يد الهية " لايليا سليمان و " عطش " لتوفيق ابو وائل، و " الجنة الآن " لهاني أبو أسعد و " ملح هذا البحر " لآن ماري جاسروغيرهم ، كما عرض مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة لجيل الشباب في السينما الفلسطينية الجديدة ، لصبحي الزبيدي وايناس مظفر وجاكي ريم سلوم ومؤيد موسي العيان وغيرهم ، كما عرض أيضا مجموعة كبيرة من الأفلام الإسرائيلية المهمة مثل فيلم " فالس مع بشير " للإسرائيلي آري فورمان الذي كتبنا عنه في " نهضة مصر " ونحن نحكي عن الأفلام التي شاهدناها في مهرجان " كان " السينمائي 61. عرض " ترافلنج " أكثر من ستين فيلما من جميع الأنواع لمخرجين فلسطينيين وإسرائيليين في تلك التظاهرة السينمائية المهمة التي أعتبرها من أهم التظاهرات السينمائية في فرنسا ، وكانت كما ذكرت خصصت احدي دوراتها للقاهرة والسينما المصرية ودورة أخري للعاصمة الجزائرية الجزائر والسينما الجزائرية.كما أقام المهرجان أكثر من معرض للصور الفوتوغرافية من فلسطين والقدس، وعقد عدة طاولات مستديرة للحديث عن ظروف السينما الفلسطينية وقضايا الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، تحدثت فيها المخرجة جاكي ريم سلوم والمخرجة إيناس المظفر من مواليد القدس وكان المهرجان عرض للأخيرة فيلمين هما " من الشرق الي الغرب " الذي يصور انتقال أسرتها من بيت الي بيت وهو فيلم وثائقي بسيط و جد أنساني وعميق ومشبع بالآسي ،و يصور واقع التشريد الذي تتعرض له الاسرة الفلسطينية ، وكان الأب تعرض أيضا للنفي من مدينته يافا عام 1948 ، وهاهو يضطر مرة أخري بعد إقامة لفترة 27 سنة في ذات البيت ، يضطر الي اغلاقه بالضبة والمفتاح والانتقال مع زوجته الي بيت جديد وتشرد جديد. اللعنة. وفي احد المشاهد المؤثرة في الفيلم، يحكي الاب ( 70 سنة ) كيف ظل يبكي طوال الليل حين بلغه نبأ وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ويجعلنا الفيلم نتعاطف مع حاله وهمه وغربته في وطنه وأساه ، ونكاد نعانقه ونطبطب او نربت مواسيين علي ظهره ونمسح دمعته. كما عرض لنفس المخرجة فيلما روائيا قصيرا ساخرا بعنوان " اوكيوبازيون " يمكن ترجمته ب " احتلال صهيوني " وفيه يلعب الفلسطيني دور الجندي الإسرائيلي المحتل ، ويصور للإسرائيليين والعالم ماذا سيحدث لوا نقلب الوضع في فلسطين، وصار الإسرائيليون تحت الاحتلال في مكان الفلسطينيين ، ويسأل الفيلم : أليس من الطبيعي عندئذ أن يجن المواطن الفلسطيني ويثور، تحت ظروف القمع والحبس يا للعار التي يتعرض لها في بلده ووطنه ، مثل ذلك الممثل الذي يظهر في الفيلم ويتصرف مثل المجانين وكمن فقد عقله ، بسبب الاضطهاد والاهانة والظلم ؟ وسوف نتوقف إذا سمحت الظروف ، عند بعض الأعمال السينمائية الفلسطينية المهمة التي عرضها المهرجان، في وقت لاحق..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق