الأربعاء، أبريل 06، 2016

مصر الآن في السينما بقلم يسري حسين في مختارات سينما إيزيس

مختارات
سينما إيزيس
سامية جمال السينما المصرية بالأبيض والأسود

مصر الآن في السينما 

بقلم


يسري حسين
كاتب وناقد مصري مقيم في لندن


مصر في أفلام الأسود والأبيض مختلفة عن مصر الحاضر ،من حيث الثقافة والعادات والذوق والسلوك

الأفلام القديمة تتحدث عن شعب متسامح يعشق الغناء والجمال ،والشوارع نظيفة وأجناس وديانات تعيش في سلام ولا توجد معارك بسبب العقيدة والمذاهب ،وإنما توافق بين اليوناني واليهودي والقبطي بلا تمييز ولا حدود فاصلة

كانت الملابس تميز الطبقات الأجتماعية فإهل الثراء تعرفهم من ملامح الثياب فالزي إوروبي ،سواء للنساء أو الرجال ،والطبقات الشعبية مميزة بالجلباب البلدي للرجال والملاية اللف للنساء ،لكن مع حقبة الستينيات بدإت مظاهر أخرى تعبر عن تطور أجتماعي بأختفاء الجلباب وارنداء الملابس الأوروبية

عكست السينما هذا التطور ،عندما تعرضت أفلام لرغبة أبناء الأحياء الشعبية خلع الجلباب وارتداء الزِّي الأوروبي تعبيرا عن لانتقال إلى الثراء والتمدن

كانت مصر تسرع الخطوات نحو التصنيع ودخول عصر الآلة مع عاملات في مصانع حديثة ،وشباب يلتحق بالجامعات ويذهب إلى دور السينما والمسارح ويستمع لموسيقى حديثة يبدعها عبد الوهاب والموجي والطويل وبليغ حمدي.

الأفلام المصرية وثيقة عن شعب تلك الحقبة بأمل في مدنية مستنيرة وحياة عصرية تدق الأبواب وبعثات إلى ألمانيا وروسيا وتصنيع ومدارس وجامعات وبنات يسرن بثقة ويوفر المجتمع حماية ممثلة في أخلاق وقيم وحرية.

مجتمع الأفلام المصرية ،يسجل حالة مختلفة ،قبل النكسة المريرة ،التي أطاحت بهذه المكتسبات ،وزرعت بدلا منها النقيض الكامل ،اذ الحرية الأجتماعية أختفت والفوضى عمت البلاد نتيجة قيم تم ترويجها ،تارة تحت دعاوى أخلاق القرية ومرة أخرى بالدفاع عن الدين والعادات والتقاليد

والغريب أن هذه الموجة التي فككت مصر المدنية بدأت بعد حرب أكتوبر ،إذ سمح نظام السادات للتخلف بالأنطلاق بظهور دعاة لا يفهمون حاجة المجتمع للأنفتاح على حضارات العالم وروجوا للعودة إلى الماضي حيث الأصالة والفضيلة

ترافق مع هذا الأتجاه غلق المصانع والأتجاه إلى الأستيراد وبدء الهجرة إلى الخليج وتبني زي المنطقة وتطويق المرأة بالقيود إذ ممنوع خروجها من المنزل الا بصحبة محرم ،مع إن المصريات كن يخرجن إلى الحقول منذ الفراعنة ،ومع بدء فتح المصانع والجامعات ذهبن اليها دون هذا المحرم

كان المجتمع في حالة هزيمة رغم نصر أكتوبر وتوجه السادات لتصفية الصحافة والإعلام من اليسار واستحضر على ومصطفى أمين لغسل دماغ الرأي العام وترويج لمجتمع متحفظ جامد يطارد حرية النساء

وكان لصدور صحف وإفلام الإخوان ودور نشرهم أكبر الأثر لخلق شعب مختلف متجهم يعادي تراثه ويتهجّم على الأديان الأخرى ويلعنها. وقد ظهرت الفتنة الطائفية في عهد السادات

إفلام الأسود والأبيض تتحدث عن شعب يثق بنفسه يحب الحياة ويتغنى بها ويستمع لأم كلثوم وهي تشدو للحب والأمل والجمال

أين هذا الشعب؟ والجواب لم يعد موجودا والدليل مظاهر التخلف الموجودة في الشارع الذي ،كان في السابق ينطق بالبهجة والنظافة ورقي السلوك والأخلاق.

لم يكن السادات متدينا لكنه أستخدم رؤية دينية شبه سلفية لإدارة الدولة مع إنه شخصيا كان مغرما بالنموذج الأوروبي والأمريكي وطبق أقتصاد رأسمالي بدائي وفرض على الشعب رجال دين روجوا للخرافة وطاعة الحاكم الؤمن الذي يطبق شرع الله ،وهو لم يكن كذلك.

جريمة السادات تحويل نصر إكتوبر ليصب في صالح اللصوص وتكوين طبقة لا ضمير وطني لديها ،وهو أراد نسف تراث عبد الناصر ففعل كل مايدمر إنجازات مهمة وحافظ على إرث القهر وتشدق بديمقراطية زائفة وسلم الحكم لمبارك الخامل والبليد فأعطى الوطن للإخوان وسلفية غارقة في الظلام

في عصر الأسود والأبيض السينمائي تهكم وعبارات صريحة على رجال دين أدعياء يبيعون الوهم والخرافة ويتجاهلون جوهر الدين بعدل ومجابهة الظلم والتمييز ورفض الآخر

افلام هذا الزمن دليل على شعب أكثر إيمانا واثق من نفسه ،إما الآن فالحالة الراهنة تكشف عن شعب لا يعمل ويتشدق بالأخلاق ومفردات دينية يعتدي عليها كل لحظة. سينما زمان مضاءة بجمال المصرين قبل خلع الزِّي المصري وارتداء الآخر الصحراوي المظلم. في هذا الزمن الجميل كنّا نستمع للقرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد ،أما الآن فأصوات غريبة آتية من وراء الحدود تعكس الحالة الدامية لأمة تخلت عن هويتها المدنية وارتدت النقاب وهجرت زمن الجمال المصري المحفوظ في أرشيف السينما التي صنعها أنور وجدي وليلى مراد وسامية جمال

يسري حسين





ليست هناك تعليقات: