الخميس، مارس 31، 2016

رحلة نوارة من الحلم الى الكابوس بقلم حسام حافظ في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس
تنشر سينما إيزيس التي تعني بفكر السينما المعاصرة في مختاراتها مايعجبنا ويستوقفنا من مقالات ودراسات وصور في جميع مناحي المعرفة ويكون قد سبق نشرها مع الإشارة الى المصدر

رحلة "نوارة" من الحلم إلي الكابوس
رحلة نوارة من الحلم الى الكابوس
بقلم

حسام حافظ


حصل فيلم "نوارة" للمخرجة المصرية هالة خليل علي شهرة يستحقها قبل ان يشاهده الجمهور في دور العرض عندما فازت بطلته منة شلبي بجائزة أحسن ممثلة من مهرجان دبي في ديسمبر الماضي .. ثم حصل علي تكريم آخر عندما اختاره مهرجان الاقصر للسينما الافريقية ليكون فيلم الافتتاح .. وتكريم ثالث عندما اختاره مهرجان قرطاج بتونس ليمثل مصر في المسابقة الرسمية.
والحق ان فيلم "نوارة" للمخرجة هالة خليل يستحق المزيد من التكريم كواحد من الافلام التي تدور أحداثها علي خلفية ثورة يناير. لقد شاهدنا من قبل أفلاماً مهمة مثل: "بعد الموقعة" ليسري نصر الله و"فرش وغطا" لأحمد عبدالله السيد و"الشتا اللي فات" لإبراهيم البطوط و"خارج الخدمة" لمحمود كامل .. ولكن هالة خليل تختلف تجربتها فهي المؤلفة والمخرجة والمهمومة بمشاكل المرأة ، استطاعت ان تصنع من شخصية "نوارة" بقعة من الضوء الكاشف لمساحة "منسية" من الواقع الذي عشناه بعد يناير 2011 .


 المخرجة المصرية هالة خليل

وأول مزايا هالة خليل هي "فضيلة الاختيار" فقد اختارت الخادمة الفقيرة "نوارة" منة شلبي لكي تحكي قصتها.. وهي عندها مشاكل كثيرة لكن المخرجة اختارت ان تكون "مكتوب كتابها" علي الشاب الاسمر علي "أمير صلاح الدين" منذ 5 سنوات بدون زواج لعدم وجود شقة صغيرة تجمعهما وتعيش "نوارة" مع جدتها "رجاء حسين" في منطقة فقيرة ، وتختار هالة مشكلة نقص المياه فقط كنموذج لمعاناة تلك المناطق وهذه تكف .
وعندما تقوم الثورة تبحث المخرجة عما يهم هؤلاء الغلابة وتركز علي مشكلة إعادة الأموال المنهوبة والتي تم تهريبها لبنوك الخارج .. وهي فكرة طبيعية جاءت من حاجة هؤلاء الفقراء إلي المال واختارت هالة أسرة اسامة بيه "محمود حميدة" الوزير السابق لكي تعمل عندهم نوارة وهم يعيشون داخل "كامبوند" فاخر.. يمثل المستفيدين من عصر مبارك وليس بالضرورة أن يكون فاسدا وهكذا.
تعمدت المخرجة ان تكون مخلصة لابطالها أكثر من اخلاصها لموقفها السياسي .. صحيح ان الفيلم أراد إظهار التناقض الصارخ بين مستوي معيشة أسرة أسامة بيه وأسرة نوارة .. لكن المخرجة لم تقع في فخ ان الاغنياء اشرار والفقراء طيبون ، بل ان المشاهد يتعاطف مع أسرة اسامة بيه وهي مضطرة إلي السفر خارج مصر ، وفي نفس الوقت يشعر بالشفقة علي جدة نوارة التي تدخر الفلوس من اجل جنازتها وتبيع الطعمية من شباك شقتها المفتوح علي الحارة.
الفيلم ملئ بالتفاصيل التي ترسم صورة عامة لأوضاع مصر وقت قيام الثورة ، وعندما اعترضت مظاهرة طريق نوارة وهي ذاهبة لعملها اختارت المخرجة ان تهتف بشعار وحيد لخدمة دراما الفيلم "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" .. كذلك نشأت علاقة خاصة بين نوارة والكلب "بيتشو" وأصبح للكلب دور وحياة علي الشاشة تنتهي بعد ظهور شخصية شقيق أسامة "عباس أبوالحسن" ، وهو الضابط الذي يرتدي ملابس مدنية فوقها عباءة .. ولأول مرة في الفيلم تتعرض نوارة للضرب والعنف ، بعدها تغيرت شخصيتها واختلف وعيها ونظرتها للحياة ، وبدأت في البحث عن حقوقها المهدرة وأولها الحق في ان تعيش حياتها الطبيعية مع زوجها .. ولأول مرة تطلب فلوس من زوجة اسامة بيه "شيرين رضا" الهاربة في لندن.
تعتقد نوارة انها حققت احلامها وتعيش أيام من العسل مع عريسها ، ولكنها تستيقظ علي كابوس رهيب عندما جاءت النيابة لتصادر فيلا اسامة بيه وممتلكاته .. وتصادر فلوس نوارة أيضا بل وتتهمها بالسرقة ، وتسقط نوارة من احلامها الوردية إلي أرض الواقع المرير ، وتخرج من حالة الامل في انفراج الأزمة إلي الوقوع في ازمة مستمرة قد لا تجد مخرجا منها وكأنها تمثل كل البسطاء بعد الثورة.
الفيلم في مجملة تقف وراءه مخرجة علي مستوي عال من الوعي السياسي والاجتماعي ، إلي جانب مهارة فنية واضحة واختيار موفق لكل عناصر فريق العمل خاصة مدير التصوير زكي عارف - والذي يجعلك تنسي وجوده في لحظات كثيرة من الفيلم - كذلك المونتاج السلس لمني ربيع وديكور هند حيدر والتي اختارت التصوير الخارجي وموسيقي ليال وطفة معبرة وبسيطة.
التزمت هالة خليل بدراما تقليدية طوال أحداث الفيلم ، ولكن في الدقائق الأخيرة تعود إلي الواقع السياسى وكأنها تقول أنا اخلصت للدراما كثيرا وجاءت اللحظة التي اخلص فيها للواقع واقدم صورة حقيقية للوضع التي أصبحت عليه "نوارة"سجينة .. لذلك جاءت المشاهد الأخيرة للفيلم صادمة تبتعد عن الاحلام وتأخذنا إلي قلب الكوابيس التى تعيشها نوارة وغيرها من الغلابة

حسام حافظ

عن جريدة الجمهورية المصرية صفحة السينما بتاريخ الأربعاء  30 مارس  .

ليست هناك تعليقات: