الجمعة، نوفمبر 20، 2015

فهد مر من هنا وترشيحات سينما إيزيس لجوائز المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي 37 بقلم صلاح هاشم







فهد مر من هنا . حصاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 37

( 2 من 2 )
ترى من يفوز في الدورة 37 بجائزة " الهرم الذهبي " ؟


بقلم

صلاح هاشم 


ترى ماذ حقق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 37 ؟. حقق الكثير وجلب لجمهور المهرجان " روائع " الأفلام في ما يمكن أن يعد بمثابة " بانوراما " أو " مسح " شامل لأبرز انتاجات السينما في العالم..حيث إستحوذ قسم  "مهرجان المهرجانات " في الدورة 37 على الجزء الأكبر من كعكة أو تورتة الدورة وعرض أكثر من 41 فيلما ، كما عرض قسم " عروض خاصة " 6 أفلام من ضمنها 4 أفلام – اي الجزء الأكبر من افلام القسم – عرضت أو شاركت من قبل في مهرجانات سينمائية عالمية مثل فيلم " ديبان " للفرنسي جاك أوديار الذي فاز بسعفة مهرجان " كان " في الدورة 67، وفيلم " أختنا الصغيرة " الذي دخل أيضا المسابقة الرسمية للمهرجان، وفيلم " رحلة الى الشاطيء "  من اليابان الذي عرض في قسم " نظرة خاصة " في ذات المهرجان، وفيلم " إنجريد برجمان تتحدث عن نفسها " الذي عرض أيضا في قسم " كلاسيكيات كان " في ذات المهرجان بمعنى أن الأفلام الأربعة المذكورة كان يمكن أيضا ضمها الى قسم " مهرجان المهرجانات " وتكريس قسم " عروض خاصة " للمفاجآت والأفلام السينمائية التي تمثل حدثا وتكون من العيار الثقيل مما يمنحها مصداقية وشرعية الوجود في ذلك القسم مثال ذلك عرض فيلم مفاجأة تم العثور عليه في أرشيف الفيلم القومي أو فيلم  جديد لمخرج كبير لم يعرض من قبل في اي مهرجان، ويكون عرضه في القسم بمثابة " إختبار " لردود فعل الجمهور تجاهه وتقييمه قبل خروجه للعرض التجاري ، وأتذكر اننا شاهدنا ذات مرة في إحدي دورات مهرجان " كان " السينمائي العالمي فيلم " مفاجأة " في " عرض خاص " من دون أن نعرف ماذا يكون ومن  هو مخرجه – ومثل تلك أفلام في رأيي الشخصي هي التي تصلح لهذا القسم ومن دونها لاتكون له " ضرورة " – وبالطبع سارعنا الى مشاهدة هذا الفيلم في المهرجان في صحبة الأستاذ الناقد الكبير الراحل رفيق الصبان والناقد المصري الكبير الصديق سامي السلاموني – واستمتعنا به كثيرا فقد كان الفيلم المفاجأة هو فيلم  " تحفة " بجد ، ويستحق هذا العرض الخاص وعن جدارة. كان فيلم" إي تي " للمخرج الامريكي الكبير ستيفن سبيلبرغ..
 أما أن يعرض المهرجان لفيلم تافه وعبيط  وأهبل مثل فيلم " هدية من الماضي " لطالبة في معهد السينما فهذا لم نستسيغه ولم نبلعه وينزل من زورنا، ويجب أن نفهم أن تصفيق الجمهور واسترساله في الضحك طوال عرض الفيلم – لما فيه من جرعة كبيرة من الزغزغات و القفشات والغمزات واللزمات المضحكة الهبلة لايعني على الاطلاق انه فيلم جيد، بل لقد كشف ذلك الضحك عن ذوق الجمهور المصري الهابط المتردي وحالة " الغيبوبة " عقليا وفكريا التي يعيشها الناس في مصر بعد ثلاثين سنة من حكم الحاكم المستبد ونظام مبارك القمعي الذي هبط بالذوق الفني الى الحضيض في ظل تردي الأوضاع السياسية والثقافية التعليمية والصحية والاقتصادية والاعلامية و هيمنة ذوق موظفي وزارات الثقافة المتعاقبة على البلاد  طوال فترة حكم مبارك ودوما في خدمة مصالحهم الانانية الاستهلاكية الوظيفية وفرض حضورهم الطاغي في خدمة السياسة الرسمية للدولة والتطبيل للوزير ورؤساء قطاعات وزارة الثقافة ( وكل قطاع هو وزارة ثقافة خاصة يديرها رئيس القطاع) من الموظفين الذين لايهمهم إلا البقاء في أماكنهم وتلميع حذاء الوزير الى جانب حفنة من الصحفيين والنقاد المنتفعين الذين يروجون في كتاباتهم لهذا النزيف من " الهراء العام " الذي نقصف به في كل ساعة بترهاته وغثيانه وضجيجه على شكل مسلسلات التلفزيون المصري وبرامجه واغنياته التافهة المباشرة العقيمة في " حب مصر بلدنا "..

وعودة الى قسم " عروض خاصة " سنجد أن أفلامه مع أفلام قسم " مهرجان المهرجانات " حولت مهرجان القاهرة السينمائي الى مجرد " شاشة " لعرض الأفلام والاكتفاء بالفرجة فقط، وحولت الأنظار عن أفلام " المسابقة الرسمية " التي عادت ما تستقطب في كل المهرجانات الدولية التي نتابعها ومنذ زمن ، تستقطب كل الأضواء وتحول المهرجان الى ساحة للنقاش والحوار والجدل وتثير العديد من القضايا حول دور السينما وموقفها من اشكاليات عالمنا المعاصر بحروبه وأزماته وتناقضاته ،وتصبح  هنا موضوعات الافلام وأساليبها الفنية الجديدة المتعددة ونجومها مادة للكتابات النقدية والنقاشات المفتوحة على الواقع والحياة وتساؤلات الوجود  الانساني الكبري التي تفلسف حياتنا وتمنح للمهرجان من خلال أفلام المسابقة دفقة حياة جديدة، يتقدم ويتطور بها الى الأمام ، وأعتقد أن أفلام المسابقة الرسمية في الدورة 37 لمهرجان القاهرة التي ضمت 16 فيلم لم تحقق أي شييء من هذا بعد أن طغت مجموعة الأفلام ( أكثر من 60 فيلما) في قسمي " مهرجان المهرجانات " وقسم " عروض خاصة " على قسم المسابقة الدولية وهمشتها واكتسحتها بأفلامها وحولت عنها الأنظار وجعلت المسابقة الدولية مجرد سد خانة، ولذلك بدا لنا المهرجان مفتقدا لروح المنافسة والجدل الفكري المثير الذي يمنح كل المهرجانات السينمائية الكبيرة حضورها البهي  من خلال أفلام المسابقة  والافكار والتصورات والرؤى التي تحملها وتطرحها علينا حين تمسك السينما بنبض واقعنا  المعاش وتجعلنا نستشعر أنفاسه وندخل في لحمه  وتطور من فن السينما ذاته أيضا في نفس الوقت بكل اختراعات وابتكارات الفن المدهشة ..

فيلم البحر الابيض المتوسط


ولذا أيضا برز فقط في أفلام المسابقة الدولية عدة أفلام جيدة ومتميزة أعجبتنا كثيرا ونرشحها للحصول على جوائز يقينا في حفل ختام المهرجان وتوزيع الجوائز الليلة- ليلة الجمعة الموافق 20 نوفمبر- من ضمنها  فيلم " البحر الأبيض المتوسط " للايطالي جوناس كاربنيانو الذي يعرض لمشاكل المهاجرين واللاجئين ويتجاوز الحديث عن وتصوير " أهوال " و مشقة رحلة العبور الى " الفردوس " الأوروبي وخطر الغرق في البحر، ليحكي – وهنا يكمن تميزه - عن حلم الثراء الوهم الذي تكسر وتبخر على رصيف الواقع الايطالي ، ونرشحه للحصول على جائزة أفضل عمل أول ..

فيلم الكنز


 وفيلم " الكنز "  من رومانيا اخراج كورنيلليو بويمبويو وهو في رأيي أهم فيلم " سياسي " في المسابقة وقد جعلنا نضحك – لتفكيكه - في صحبة جهاز كشف عن المعادن " ديتيكتور " للواقع الحياتي المعاش في رومانيا والعلاقات الاجتماعية  بين الناس وحضور " السلطة " في حياتهم في كل كبيرة وصغيرة وتحكمها في مصائرهم ،من خلال قصة البحث عن كنز مدفون، ويذكرك الفيلم بمسرحيات أوجين يونسكو ( فرنسي من أصل روماني ) العبثية  ( مسرح الامعقول ) في فترة الستينيات والحس الفكاهي الروماني التهكمي الساخر الذي ينظر الى الحياة  نظرة تنهل من اضافات هذا الاتجاه الأدبي وعامل المصادفة الذي يلعب دورا كبيرا في حياتنا ولا عجب أن يكون يونسكو من أبرز كتابه ، كما يذكرك  فيلم " الكنز " بأفلام بستر كيتون الفكاهية التي يظهر فيها بوجه صارم مثل الصخر ولا يضحك بستر كيتون ابدا في أفلامه تلك التي يضطلع بكتابتها وتمثيلها واخراجها ، ولذا ينهل هنا مخرجنا الروماني من هذا " المزاج " الروماني المتوسطي ويعرض للتحولات التي طرأت على حياة الناس والتأثيرات التي استحدثتها تلك الفترة الانتقالية من مجتمع روماني شيوعي الى مجتمع روماني رأسمالي لايهتم فيه المواطن كما رأينا في الفيلم إلا بأحلام الثروة التي تهبط عليه فجأة من السماء ومعها سوف يجد يقينا حلولا لكل همومه وديونه ومشاكله، ونرشح الفيلم للحصول على جائزة ومازالت الاصوات المنبعثة من جهاز الكشف عن المعادن في الفيلم الروماني الأثير تقتلنا من الضحك..



فيلم مدام كوراج

 وفيلم " مدام كوراج " للجزائري مرزاق علواش ونرشحه للحصول على جائزة الهرم الذهبي كأحسن فيلم في أفلام المسابقة أو جائزة أحسن مخرج، لعرضه مشاكل حياة الهامشيين في عشش الصفيح والعشوائيات في الجزائر العاصمة وإنحيازه الى عالمهم وبكل مافيه من عنف وبؤس وفقر وضياع وحب أيضا ويجعل علواش نهاية الفيلم مفتوحة حتى نشارك نحن أيضا في " صنع الفيلم " ونضيف اليه بفكرنا من عندنا، حين نروح نتأمل ونتألم أيضا ونتأسي لحالهم والأوضاع الاجتماعية والحياتية المتدهورة البائسة التي أفرزتهم و تدفعهم الى الهروب من المجتمع الظالم واللجوء الى المقابر وتدخين الحشيش وتعاطي الاقراص المخدرة مثل قرص مدام كوراج في رفقة الموتى..

فيلم " مدام كوراج " صفعة من مخرج جريء على وجه جزائر الحاضر وجل مجتمعاتنا العربية القمعية الاستبدادية التي تقبل للبعض بالاستسلام لـ " عيشة الكلاب " تحت شاشات التلفزيون التي تقصفنا بمواعظ  وخطب الأئمة من الاخوان المسلمين والمتشددين السلفيين وتعمل على تغييبنا عن واقعنا وهي تعاني من ظلمها الفادح. ولاينسى علواش أن يذكرنا بأن بطل فيلمه " عمر " الذي يتعرض لاهانات الأم في كل لحظة ويريد أن يكسر لها التلفزيون، ليس كلبا بل إنسانا من لحم ودم ،وله قلب ينبض ويحب، وأنه صاحب " كرامة " فلا يقبل مثلا في الفيلم بأن يعتدي المجرمون الحقراء على شقيقته فيثأر لها ويروح ينتقم من المجرم القواد الذي اعتدى عليها في الفيلم..

فيلم " مدام كوراج " تكمن قيمته – بشريط صوت مميز ورائع-  في كونه فيلما لمجد " الكرامة " الإنسانية وكل الأفلام  "الواقعية " العظيمة التي صنعتنا والتي يتفاخر بها الإنسان..

ليست هناك تعليقات: