الجمعة، فبراير 06، 2015

فقرات من كتاب " عودة الحصان الشارد " بقلم صلاح هاشم



صلاح هاشم


حكواتي من عصرنا
 
في



عودة
 الحصان الشارد

 المصابيح التي ..ترن ..ترن.. ترن  وتصرخ في الجميع إن حذار.. فهناك قطار قادم يدخل الى الرصيف.



                                                          *
" طلبات صداقة" ..بدأت تصل اليه في الفترة الأخيرة على صفحته في " الفيس بوك " ..لكن لم تكن كلها من المعجبات. ان ذلك لن يشغله عن "المهمة" التي حضرمن أجلها والبحث عن" كلام العيون" والعثور على الفيلم المفقود. لماذا بحق الله يطلبون صداقتك، وليس عندك وقت منذ أن حضرت الى هنا لكى تعبر تلك الشوارع، وفقط الى الطوارالآخر، وقد امتلأت الشوارع عن آخرها بالسيارات.أجل أحب الاختلاط كعهدي في صغري مع الاولاد الأشقياء في حينا العريق " قلعة الكبش" الاختلاط بالحشد الانساني.لكن الحشد الانساني في القاهرة، صار غير إنساني بالمرة. بذلك التدافع العصبي المسعور،والركض اللاهث في أروقة المترو،وذلك المشهد الرهيب عند الهبوط في محطة " الشهداء "، والسير باتجاه "خط الجيزة، والوصول الى الرصيف، ومن ثم ملاقاة تلك الأمواج من البشر التي تصعد وتهبط ،وتجد طريقها الى الرصيف بحنكة راقص باليه رشيق مدهش في اوبرا عايدة، ومع تقاطعات الازمنة والالوان والوجوه والقبعات، وتلك المصابيح البرتقالية التي ترن ..ترن.. ترن.. و تصرخ في الجميع إن حذارفهناك قطار قادم يدخل الي الرصيف..

                                                             *

أخذت عن الشاعر الفرنسي الكبيربول إيلوار، من خلال تجوالي في التراث الشعري الفرنسي ، بعض القصائد عن الحرية،والكرامة الانسانية.وعلى الرغم من أن إيلوارالذي شارك في الحرب ضد الاحتلال النازي لبلاده فرنسا الجميلة، اشتهر عالميا حين كتب قصيدته المشهورة عن الحرية بعنوان " أكتب أسمك " ، كنت أحب دوما أن أردد على نفسي قصيدة " العاشقة " التي يقول فيها إيلوار".. تقف على جفوني، وشعرها في شعري، لها شكل يدي، لها لون عيني، تغوص في ظلي، كحجر على السماء، عيناها مفتوحتان،ولا تتركني أنام"،  فقد كنت بالفعل - خلال تلك الرحلة التي حملتني من حينا العريق " قلعة الكبش " في السيدة زينب وألقت بي في مجاهل حواري لاهور، ومراكش ، وباريس،- كنت عرفت ذلك  كما يقول إيلوار..مع بعض عشيقاتي ..
                                                           *

 ببركة جدي الحاج سيد محمد مرزبان، مقريء القرآن، الذي درس وتخرج في الأزهر، ثم سلك الطريق، واحترف قراءة القرآن في بيوتات الباشوات والأسر العريقة في أنحاء مصر البلاد، وتفرغ لهوايته بعد ترتيل القرآن، لجمع المخطوطات النادرة، التي حملها معهم بعض العلماء العرب الذين خرجوا من مملكة غرناطة أيام حكم العرب في الأندلس ثم تفرقت تلك المخطوطات عبر القارة. ببركة جدي الحاج سيد تزوج أبي هاشم مصطفى عبد الفتاح من مواليد " منيا القمح " شرقية، وكان يعمل موظفا في مكتب صحة العتبة التابع لمديرية القاهرة. تزوج من أمي النوبية الحاجة سيدة، بنت الحاج سيد محمد مرزبان،وكانت أجمل من جوزفين بيكر. سيدة، هكذ سماها جدي كما عرفت منه في مابعد،  تباركا بـ" أم هاشم" السيدة زينب حفيدة الرسول، وكانوا ينادونها بالحاجة سيدة في صغرها ، وحتي قبل أن تحج في ما بعد بالفعل.في ذلك الوقت السحيق حين انهارت مملكة أحمد بن طولون، لم يكن يسكن حينا " القطائع " أحد آنذاك. كانت دولة طولون قد زالت ، وهجر الناس الجامع، ثم أتي وقت بدأت فيه جماعات من الاعراب والمغاربة والنوبيين تصعد وتسكن الحي من ضمنهم جماعة الشيخ " راشد " جدي الأكبر التي أنتمي اليها، وهي جماعة " صوفية، ولايعرف أحد على وجه اليقين من أين أتت الى مصر، وصعدت الى " القطائع " عاصمة الدولة الطولونية، وسكنت " قلعة الكبش ".


                                                   

 
كنت الوحيد في الحي الذي يملك أبيه دراجة، وكانت دراجة أبي " عم هاشم " –  كان أصدقائي ينادونه بهذا الإسم - وعندما لايكون عم هاشم يعمل، يحب أن أركبها وأزهو وأنا أنطلق بها.. أزهو بحسنها وجمالها مثل عروسة . فلم تكن دراجة عم هاشم مثل اي دراجة. كانت دراجة من نوع مرسيدس في العربيات، وكانت سكتي الى الحرية. وكان أبي يفتخر بأنها من صنع إنجليزي متين، وقد أخذت هذه الدراجة من أبي الوقت الكثير،ونهلت من الحب الكبيرفي حياته، حتى صارت حبيبته التي لاتفارقه، صارت فردا من أفراد أسرتنا الكبيرة.لذلك تعلمت من أبي، العم هاشم ،أنه لايهم أن يكون الانسان مخلصا لدراجة، بل المهم – قلت لحبيبتي - أن يكون مخلصا للشييء الذي يحبه، ويتفاني في عمله،ومن يومها لا أكتب إلا في مايخصني، مايعنيني ومايهمني، وأحاول أن أخلص في عملي، وأن يخرج في أبهى صورة -  فمن عمل منكم عملا ما فليتقنه،أو فليتركه، هكذا رأيت، لأصحابه،  ... 

                                                                           
                                                                       *


كلهن كن زنجيات يسقين الحليب ؟. كنت بحسي الجواني استشعرتها ، أمي النوبية الحاجة سيدة التي أجدها في كل حضن،أو بالأحري وجدتها في كل حضن. زنجية جميلة ورشيقة مثل جوزفين بيكر، تسقيني الحليب، وتشد شعر الشمس من عند المغيب وتعمدني في ذكراها. يكفيني أن ألمس فقط شعيرات عطرها، وأن استشعر فتنتها تملأ كل كياني. أن أجعلها نغما حانيا يطربني ويشجيني، ثم يطربني من جديد، فيرق الحبيب .رق الحبيب. تقوم هي كي تحدثني من حيث يبدأ أول الكلام . من أين يبدأ أول الكلام ياتري، وأنت دوما تجلسين جواري ، .. ونفسك في نفسي؟ من عند صرخة "أم عبد الله " وهو يودع عند المغيب شمس غرناطة الذهبي والى الأبد إن " ..إبك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال " . دعيني فقط أحافظ عليك ياحبيبتي، يا ثروتي، وأنا أختال في حدائق غرناطة المفقودة في عينيك، وأدلف الى الداخل من دون خوف أو وجل ، وأشم نفسك في نفسي ....





ليست هناك تعليقات: