مختارات سينما إيزيس
فيلم "آخر كدبة" وحضارة إيزيس
نظرات على الفن والمجتمع
في مصر.
بقلم
يسري حسين
كاتب مصري مقيم في لندن
إذا أردت فتح "كتاب البهجة المصرية" ،شاهد فيلم فريد الأطرش وسامية جمال : اخر كدبة ،حيث غناء ورقص، وكوميديا، فيلم كتبه أبو السعود الإبياري ،بحكاية مسلية تدور في عالم الملاهي والصالات الليلية ،التي كانت منتشرة بشارع عماد الدين ،وكانت تستوعب أماكن الترفيه ،عندما كان المصريون يحبون الضحك والجمال وفنون التسلية ، قبل التخصص في بكاء ،ونقمة على العالم والجمال، وإقامة مهرجانات للقبح ،وظهور وعاظ الشيطان ،يحرضوننا على كراهية الحياة، لأنها دار الضلال ،بينما الموت هو دار الحق والنعيم الآبدي.هذاا الفيلم الذي ظهر عام ١٩٥٠ أخرجه بدرخان ،وحشد نجوم الكوميديا ،من عبد السلام النابلسي لأسماعيل ياسين ،وجمع موسيقى فريد الأطرش، مع رقص سامية جمال، اجمل من اجبيت الأرض المصرية ،قبل الجفاف، وخروج وجوه قبيحة متلفحة بسواد ،وتلعن الحياة والفن والأقباط مثل السيدة المظلمة، أم ايمن ،التي كانت عضوا بمجلس الشعب ،تعبيرأ عن الكارثة ، التي لحقت بمصر ،وجعلت الإخوان يصلون للحكم.
فيلم ( آخر كدبة ) عن عصر مختلف ،لا علاقة له بالزمن الحالي ،حيث النساء كانت جميلات، يرتدين ملابس الهوانم ويتصرفن بزهو وكبرياء ،بعيدا عن أخلاق العبيد والتخفي خلف نقاب مظلم ، لم تعرفه مصر، الا في عصر المرشد وعصام العريان وخيرت الشاطر..
ورغم وجودهم في السجون، غير أن ثقافتهم مهيمنة على الشارع المصري الذي يئن ويتألم، والحكومة تستخدم محجبات، في اهم وزارات : الصحة والصناعة.
احمد بدرخان ،جاء بفريد الأطرش وسامية جمال، وضم إليهما( كاميليا ،) فلم تعترض سامية ، بل أن المخرج الفنان ،الذي تزوج المطربة( اسمهان) في دلالة على ذوق ولطف مشاعره ،وتحرك وجدانه لجمال آسر، للمطربة السورية التي عشقت مصر ودفنت فيها..
كاميليا ،في فيلم بدرخان ،وحوار مع إسماعيل ياسين، وترديد لزمات غاية الجاذبية ،تعكس حضور تلك المرأة ،التي ظهرت في عدة أفلام وحاصرتها شائعات ،وبعد وفاتها في حادث سقوط طأئرة ،لم يكف الطعن فيها وربطها بمذاهب واديان ،وهي مصرية، تعبر عن مزيج مدهش لمصر : القبطية واليهودية واليونانية والأرمنية ،هكذا كانت اسمهان ،وفنانات أتين بجذور عرقية ودينية مختلفة ، لكن ارض النيل واحدة ولم تفرق بينهن على الأطلاق ،ولم تفحص خلايا تكونت، عبر أحقاب وقرون .
امرأة جميلة ،مثل كاميليا ،نكره أن نراها مصرية ،لأن المصرية في رأي الأخوان محجبة، وتجلس في المنزل أو الشارع، تلقي الحجارة على قوات الأمن والجيش.
تلك هي المرأة الصالحة ،أما الأخرى السافرة ،مثل كاميليا فهي جاسوسة وعشيقة للملك فاروق وساقطة ،ولا يجوز الترحم عليها، بل لعنها كما فعل ناقد متخلف وضع صورتها على غلاف كتاب، يدين يهود مصر وعملهن في الفن.
هذا تفكير عنصري ومتخلف ،لكن إذا ارت رؤية مصر الجميلة، وكاميليا مع سامية جمال ،فشاهد ظهورها المدهش في أغنية الأطرش ( أنا واللي بحبه) هذه ليس أغنية فقط ،وإنما لوحة كاملة من موسيقى وغناء ورقص بديع للممثلة الجميلة، على أنغام فريد ، التي تطوف بألحان راقية ،تمزج الشرق والغرب ،وجاءت تعبيرات كاميليا في ارقى شكل أنساني ،واختار المخرج الفنان اللون الأبيض، الذي ترتديه كاميليا ،حيث تجمع جمال الغرب مع الشرق : الحضارة، مع تتأنق في كل شيء ،الخطوات المرسومة بعفوية، وتمايل الجسد على أنغام موسيقى تنقلك في عوالم بديعة، كانت موجودة في القاهرة ،قبل أن يأتي الهمج، بملابسهم وشهواتهم وقبحهم الفج في كل شيء ،من لغة وتعبير ،ونهم حسي، وإهانة المرأة المصرية التي كانت في جمال كاميليا ،اجمل من أنتجت مصر، من جمال ودلال..
هؤلاء الهمج ،زرعوا القبح في اللغة والشارع والإعلام ،وأطلقوا الهجوم على فن مصري بديع ،انقذ مصر من تخلف ،وعندما انحسر، ظهر التوحش ،وشباب جاهل، يطلق النار على ابرياء لقتلهم، لأنهم في عقيدته من الفاسدين ،وهم مفكرون ورجال قانون وفكر..
عندما تشاهد كاميليا، في أغنية فريد الأطرش بفستانها الأبيض وشعرها الساحر،سوف تسأل بألم ، ماذا حدث لحضارة إيزيس ،التي تنكرت لتاريخ عظيم، وتتجلى في منظر مقبض، لنساء مصريات تخلين عن جمالهن، وتحولن لعبيد في بلاط المرشد القبيح ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق