فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم يعرض" في أوبرا الأسكندرية"
ويحكي عن رفاعة رافع الطهطاوي " مونتسكيو العرب "
القاهرة - سينما إيزيس
كتبت: ولاء عبد الفتاح
يعرض "نادي سينما أوبرا الأسكندرية" الذي يشرف عليه الناقد أحمد عسر فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم، يوم 24 يناير المقبل، الساعة 7 مساء، في إطار احتفالية ثقافية مصرية فرنسية، ويعقب عرض الفيلم مناقشة من مخرجه الناقد صلاح هاشم..
." البحث عن رفاعة "، وثائقي طويل( 62 دقيقة ) انتاج 2008 ، سيناريو واخراج صلاح هاشم ، تصوير ومونتاج الفنان اللبناني سامي لمع، ومن إنتاج الاعلامية الكويتية نجاح كرم( 62 دقيقة ) الذي يعرض بترجمة فرنسية،والذي صورت مشاهده بين القاهرة وباريس وأسيوط، يحكي رفاعة رافع الطهطاوي رائد نهضة مصر الحديثة ، وماذا صنع لمصر، ويمثل الجزء الأول من " ثلاثية" فيلمية لصلاح هاشم، تعرض لسيرة المفكر المصري الكبير، وإضافاته وإنجازاته، لكن بإسلوب حكائي مختلف..
وقد افتتح عرض الفيلم في " قسم الدراسات الشرقية " في جامعة لندن، ثم عرض بعد ذلك في (مهرجان كارافان السينما العربية الاوروبية ) في عمان الأردن ، وقاعة " الايتوال" في باريس،وفي "المركز الثقافي الفرنسي" و "مركز الثقافة السينمائية "في القاهرة- مصر، و "متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية - MUCEM - في مارسيليا .فرنسا، في إطار تظاهرة بعنوان " الطهطاوي مونتسكيو العرب " اقيمت في المتحف المذكور..
والمعروف أن إدارة "جمعية الفيلم" إختارت الناقد صلاح هاشم مخرج فيلم " البحث عن رفاعة" لتكريمه مع 10 سينمائيين مصريين من ضمنهم المخرج الكبير داود عبد السيد وكاتب السيناريو الكبير وحيد حامد في( مهرجان جمعية الفيلم) في الفترة من 25 يناير الى 8 فبراير في القاهرة .مصر
--
كتبوا عن فيلم ( البحث عن رفاعة ) لصلاح هاشم
أنغام الموسيقى تفجر قضية النهضة والحضارة
في فيلم صلاح هاشم عن ( الطهطاوي )
نقل المخرج المصري صلاح هاشم جمهوره ،من نقاد وأكاديميين
وباحثين ودارسين , إلى قاهرة المعز، في زمنها المعاصر، للبحث عن ما تبقى من تراث رجل ، نقل العلم والحضارة والثقافة، بجناحي العدل والحرية إلى الشرق ،ليخرجه من ظلام التخلف،ألى نور ينبعث من الوعي، والإرتباط بالأمل، في بناء حياة أفضل، وبلورتها لتحدي"تيار
التراجع" كله .
وقد ذهب رفاعة رافع الطهطاوي إلى باريس، وعاد منها
في عام 1826 بزخم معرفي وعلمي ،هدفه نقل مصر والشرق إلى ضفة أخرى،تعرف عليها أثناء
إقامته في عاصمة النور،إذ أدرك أن هذه الشعوب تقدمت ،بفتح أدمغتها أمام حقائق، والوصول
إليها من خلال بطاقة مرور، ترفع راية الحرية مع العدل، إذ بدونهما لا يتحقق، لا تقدم
ولا إبداع أو إزدهار .
كان < الطهطاوي > لديه الثقة ،بأن مجرد نقل الرسالة، سيستجيب لها مواطنيه ويلتقطون شفرة حل الألغاز الحضارية , لكن على الرغم من مرور ما
يقرب من مائتي عام،لا تزال المسيرة تتعثر،بل تراكمت على الأدمغة الأحجبة، والشك
في الثوابت،, وإعتبار التقدم عاراً وتجديفاً، والعودة مرة أخرى للوقوف أمام سر الحضارة، في حالة تلعثم، وإندفاع إلى الوراء .
عرض < صلاح هاشم > في تتابع ، ينسج من معمار الموسيقى، نهج أسئلة، من خلال كلام الناس البسطاء ،وبعض رجال النخبة، الذين يبدون أكثر إرتباكاً، نتيجة عدم لمس توهج شعلة الطهطاوي، التي حملها في القرن الثامن عشر، ولم تصل إلى
بعض العقول بعد .
كانت مصر وهي تبني دولتها في عهد محمد علي، أكثر إدراكاً
لأسئلة التقدم، وبناء الصناعة، وفتح المدارس، وترجمة الكتب . وحمل الشعلة رواد مثل طه
حسين غير أن التراجع العنيف، حاصر شرارة النهضة، بحيث تعيد الأمة إفراز المواد المحبطة، وتحشو العقول، بالمعلومات الفاسدة ، حتى تصبح ضد نفسها .
تحدث رائد التنويرعن تعليم البنات، وصقلهم بالمعرفة، وتأهيلهم للمشاركة في البناء . وقد تراجعت هذه الدعوة إلى الوراء، وهناك من يُعبر
في فيلم صلاح هاشم عن معارضته لهذه الفكرة،لأن كرامة المرأة في رأيه البقاء في المنزل، وليس خارجه . لكنها إذا لم تتعلم وتتثقف، فلا قيمة لها ، ولا مكانة على الإطلاق .
وتعلل البعض، بأن أزمة البطالة، تدفع لوضع النساء في
منازلهن، حتى يعمل الرجال . وكان < الطهطاوي > القادم من صعيد مصر الجواني، أكثر
فهماً بتبشير أفكاره، عن حق التعليم ، الذي هو مثل الماء والهواء، ضرورة لكل مواطن، كما قال طه حسين بعد ذلك .
يحمل المخرج صلاح هاشم فيلمه التسجيلي غير التقليدي، المئات من الأسئلة، وهو قد حمل الكاميرا ،مع مصوره اللامع سامي لمع ، للكشف والتنقيب
في أرض مصر لمعرفة ماذا حدث للرسول الذي ذهب إلى باريس، وعاد محملاً بالأماني والعمل
والأفكار، وشيد مدرسة الألسن لتعليم اللغات ، وترجمة الكتب ونشرها، بالدعوة إلى العلم
والعدل والحرية .
والمخرج ، مثل كل جيله يطرح أسئلة، لأن مشروع النهضة
الذي بدأ مع زمن الطهطاوي، لا يزال يتعثر، بل يواجه العقبات، بعد أزمات ضارية ،عسكرية
وإجتماعية ، بدأت تشكك في التنوير الحضاري،وتتمسك بالتخلف ،تحت شعار الإلتفاف حول الجذور
.
وكان المصريون والعرب، في أحقاب مختلفة، يقودون العالم
إلى نور التنمية ،مع الحرية والعدل، لذلك ظهرت حضارات إنتعشت في ظل الرؤية الإسلامية
الحضارية، التي إحتضنت الآخر، وسمحت لفلاسفة مثل موسى بن ميمون وإبن سينا وإبن رشد بالنبوغ ،والجرأة الفكرية،ينما كان الغرب الأوروبي يخشى هذه الأفكار، وكانت الكنيسة تعتبرها تجديفاً وتثويراً خطيراً، يربك العقل الديني المتزمت .
وتقدمت أوروبا، لأنها أخذت بالمنهج الذي تركه العرب،مما سمح بتكالب التخلف والإستعمار عليه،ومع بداية القرن الماضي برقت شعلة الطهطاوي
مرة أخرى،فبدأت حركة التصنيع، وفتح استديوهات السينما ،وتألق الموسيقى، والتمثيل، وبناء
الجامعات، وتنشيط حركة الترجمة .
غير أن قبضة سوداء ،أطاحت بكل هذا ، فعاد الحجاب يخفي
نور العقل، وتسلل الغم والإحباط ،نتيجة بطالة وفساد وإستبداد، فتم خنق رحيق زهور نهضة
طه حسين وطلعت حرب، مع أنور وجدي، ومحمد عبد الوهاب ، وصوت أم كلثوم .
عاد < صلاح هاشم > المقيم في باريس، للبحث عن آثار
هذا الجد اللامع < الطهطاوي > الذي يشبه ما تحدثت عنه الأساطير اليونانية ،بشأن
سارق النار،الذي وضعها في قلب الإنسان،حتى يعرف ويتعلم ويفكر، وينطلق وجوده كله
.
المخرج المصري صلاح هاشم، المشبع بالحرارة المعرفية، وتراث مشروع
النهضة ، عاد إلى وطنه , وإلى حي السيدة زينب، ليفتش عن < الطهطاوي > في عمق أجيال
جديدة ، وداخل ساحة الحسين، وعلى صفحة النيل، وقد تدفقت مع مرور أحداث صور الفيلم، الموسيقى
المعبرة عن وجدان الناس، وأحلامهم، وبحثهم عن شوق إلى نور يهزم الظلام .
وهذا إرث حامل الشعلة ، التي لا تزال رسالتها قائمة ، وتنتظر من يحملها . ومظهر الواقع ، يسيطر عليه زحام وفوضى وعشوائيات ، وإيقاع يعود إلى
الوراء ، غير أن الموسيقى الجميلة ، تؤكد بأن هناك شعباً يعيش، ويتطلع بجموح وأمل، إلى
معانقة رسالة < الطهطاوي > ، على الرغم من غيابها، في طيات هذا الزحام المحبط والمظلم
أيضاً .
قال المخرج صلاح هاشم كل هذا الكلام، وطرح الأسئلة ،من خلال الصورة
والجملة الموسيقية، حتى الفتاة الصغيرة التي ترقص وهي محجبة، ينبض جسدها بديمومة
متألقة، تعبر عن عناق مع الأمل ، وتستجيب للموسيقى، بدفقات شعورية هائلة ، أسقطت ما تخفيه
من ملامح، إذ الحركة عبرت عن حرية ، والفتاة ملجمة،بثياب ترفضها آلة الزمن، التي تعيد
إلى فلسفة القشور. ولا نتذكر تحية كاريوكا وسامية جمال، حيث كان إبداعهما، تعبيراً
كاشفاً عن ثقة وعمق، يتحلق حول الفن، وليس بشأن أسئلة ساذجة، عن السفور والحجاب .
إن الأمم تستطيع أن تبدع ،إذا أدركت ذاتها . وكان
< الطهطاوي > على بينة من مهمة غمرت عقله ، إذ وجد < السر > في باريس، وحمل
طريقة التقدم ، وقدمها على صحن ،من العمل والجد وبناء مدرسة الألسن، والإنكباب على الترجمة
لتقديم أمهات كتب الحرية وحقوق الإنسان، مع طريقة تجريد البشر من قيود التخلف، بالعلم
والمعرفة، لصنع الحضارة .
وكلما إقتربت مصر، من هذه المعادلة تقدمت، كما حدث
في بداية القرن الماضي، وعندما تُعبر وتطرح أسئلة السذاجة، تتراكم عليها سحب وظلال، تقول بأن تعليم المرأة بدعة، وخروجها إلى العمل ضلالة. كما أن الحرية لا تستقيم ،دون
تحقيق العدل، للقضاء على التراكم الطبقي الإستغلالي، ومنح الفرص المتكافئة أمام الجميع، حتى يساهم في صنع النهضة .
وقد عرض صلاح هاشم فيلمه الجميل، في قاعة ب-(كلية الدراسات
الشرقية والإفريقية )بجامعة لندن، وتحدث عن < الطهطاوي > برحلة الإكتشاف، في هذا
الجزء الأول من " الثلاثية" الذي ينطلق من الصعيد إلى القاهرة، ويتوقف عند ما تبقى، من تراث الرجل ، وصداه في
طبقات الحياة العامة .
ولدى هاشم ،رحلة أخرى طموحة في تصوير المشهد الباريسي، ووجود الطهطاوي هناك ، ثم الجزءالثالث و الأخير، في تتبع مشواره ، ورحلة العودة بعد أن اكتشف سر
التمدن البشري .
إستخدم المخرج طريقة سردية بصرية، حيث تتدفق الصور
كما هي ، من دون تعليقات، مع حوار سلس وبسيط، لناس في الأحياء الشعبية، وأماكن التجمعات في
منطقة < الحسين > المشبعة بالتراث، لإعطاء صورة عن كيان بشري، يملك زخم الحراك، ولديه بجانب الطهطاوي،الذي رسم طريقة للخروج من المأزق، والتحليق في سماء الإبداع
الإنساني، والإصرار على صنع حضارة لا تُقلد ، وإنما تغوص في تراثها للمس الجوهر،الذي
يقف مع التقدم ..وتعليم المرأة.. والتمسك بفعل الحرية .
وكانت تعليقات د . صبري حافظ ،أستاذ الأدب المعاصر بجامعة
لندن ،تدور بشأن العلاقة بين رسالة الطهطاوي، والحاضر الراهن، وتعثر مسيرة المصريين ،في ترجمة ما قاله الطهطاوي، قبل ما يقرب من مائتي عام .
وطرح د . أيمن الدسوقي، أستاذ الأدب المقارن بالجامعة
ذاتها , بعض الأطروحات النيرة، عن مسيرة التعليم ،وفقرات من مشروع النهضة، الذي بشر به الطهطاوي
. كما تحدث حاضرون، من عرب وبريطانيين، عن معنى الحضارة، وهل هي ترتبط بالنموذج الغربي
؟ أم يمكن الأخذ بالإسباب، وصُنع النمط المحلي، لخصوصية العقائد والقيم والتقاليد ؟
.وهذا ما كان يقصده < رفاعة > المجدد، وليس المقلد على الإطلاق .
وتدفق صلاح هاشم ،بالحديث عن تجربة طويلة في عالم السينما، وقد إنتقل من المكتوب إلى المصوّر، بطريقة في فهم لغة الصورة، وترك المناظر والمشاهد، تكشف
عن مكنونها الجمالي والإبداعي والفكري أيضاً .
وقد إستمتعت بهذا الفيلم ( البحث عن رفاعة )الذي من الصعب وصفه بالتسجيلي،لأن خلفه طاقة إبداعية، تملك حس السرد الروائي، من داخل منظومة الدراما السينمائية
. إن هناك أشخاص يتحدثون ويعلقون، وصور من نمط حياة ،تم إلتقاطها كما هي ، ووظفتها
لغة التحريرالسينمائي ، في بناء متكامل، يبدو من الوهلة الأولى بأنه عفوي،ولا يخضع
لفقرات سيناريو محدد، لكن عندما تغوص في الصورالتي التقطها المخرج، تشعر بالحبكة السينمائية
قائمة، لكنها متخفية، وراء هذا النهر الغامر من لقطات ، وصور، وناس يتحدثون بعفوية تلمس
القلب .
أعطى المخرج صورة أخيرة إلى إيقاع الموسيقى، في لقطات
الطفل الذي يحبو، ويتطلع ،وينظر إلى المستقبل ، و كأنه يرى رسالة الطهطاوي ونبضها في دمه، وستكون أداته، في عالمه المقبل، لصنع حياة، أكثر علماً وجمالاً وحرية وديمقراطية.
ومعنى الصورة ، أن < الطهطاوي > يعيش، ليس عبر
تماثيل له، في قلب مصر، وإنما داخل أفئدة الأجيال، التي تعانق هذا الحلم، ويتصل، حسب قدرتها
على تحقيقه .
ودائماً هناك من يتحدث، بأن مصر في كل عصور الجدب والضباب ، كان في قلبها نقطة ضوء صغيرة ، تتجمع في داخلها أحلامها، في عدل وحرية ونماء وتعليم
. وهذا الشعب، المحاط بأسوار الإحباط ، يملك قدرة القفز عليها ، كما فعل صلاح هاشم نفسه
إبن حي < قلعة الكبش > بالسيدة زينب ، الذي ذهب إلى باريس، وفي قلبه الحلم بالسينما، والتغيير والأمل، ولذلك إختار عمنا < الطهطاوي > ،حتى يقول أن تكرار تجربته ممكن، وأن التحليق في أحلامه، يستطيع إنقاذ الواقع من تعثره وقيوده الكثيرة ، وبعض المواد
الفاسدة، التي ذهبت واستقرت، في عقول نخبة متعلمة، لكن عالمها أكثر بشاعة نتيجة الجهل، لأنه يحوط فكره بألفاظ ، تبدو قشرتها تستخدم ألفاظ العلم، بينما الجوهر، لا يخرج عن تخلف
الظلام البشع .
هذا الفيلم الجميل، صوره الفنان اللبناني سامي لمع، الذي ترجم صداقة و رحلة مع الكاتب والمخرج الفنان صلاح هاشم ، تمتد إلى أكثر عشرين عاماً .
إن المبدع المصري، مع آخر لبناني، وبدعم من مثقفة كويتية
هي نجاح كرم ، عزفوا على أوتار الخلق الفني، فجاء هذا الشريط ، بتلك الصور الدالة ،عن
معركة الحضارة، ، ولكن في صيغة تحاكي البناء الموسيقي، وتعزف بإقتدار،على تنويعات لحنية، يتدفق بين أصابعها،هذا الشجن البديع، والرغبة للقفز، خارج أسوار التعثر، من أجل اللحاق بمسيرة
العلم، وآخرين يبدعون، في نطاق الحرية، مع العدل العظيم .
لندن - يسري حسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق