فقرة بعنوان
" طفولة إيزيس "
من كتاب " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس. سيرة ذاتية مختصرة "
لصلاح هاشم..
" كان يا مكان بحار، زرع حديقة على شاطيء البحر، وجعل من نفسه بستانيا، فلما أزهرت، ترك متجره للنهب، وأنطلق في بحار الله "
هذه صورة لأبي ياكزانتزاكيس، أبي المرحوم عم هاشم مصطفى عبد الفتاح، من منيا القمح شرقية، همفري بوجارت. القدوة ، والأناقة، والجمال والمثال. حكواتي" شرقاوي" أصيل، ومحارب من عصر الأسرات، ووريثا لجدنا الأكبر هوميروس، وعاشقا للأفلام الأجنبية في سينما إيزيس، و زوربا المصري الذي عرفته، ونمت في حضنه، قبل أن أشاهد الفيلم المأخوذ عن روايتك البديعة، رواية " زوربا اليوناني "، وقبل أن التهم كل أعمالك الروائية والفلسفية، وأكتب لك هذا التقرير..
كان نجمه المفضل همفري بوجارت، وكان اصطحبني في صغري الى قاعة سينما إيزيس" في شارع مراسينا ، بجوار حديقة ومستشفى حوض المرصود،على بعد خطوات من مسجد أحمد بن طولون، وسينما الهلال الصيفي،ومسمط الركيب، وسينما الأهلي ، وسينما الشرق، 4 قاعات سينمائية، في مربع جد صغير، في حينا العريق الكبير " السيدة زينب " ..
وجعلني وانا لم أتجاوز الرابعة من عمري، أشاهد معه سلاسل أفلام " شارزام " و" زورو" وسلاسل أفلام الكاوبوي، وسلاسل أفلام دينية ،وسلاسل أفلام شارلي شابلن وغيرها. وكان فيلم " كينج كونج " اول فيلم كامل، خارج تلك المسلسلات، أشاهده في حياتي..
هذا هو يا كازانتزاكيس أبي عم هاشم، الذي جعلني أحب السينما، وأعشق أفلام طرزان ، وشارلي شابلن، ولوريل وهاردي ،وبستر كيتون، واسافر مع كل أفلام السينما العظيمة، .انظر ياكازانتزاكيس كم هو جميل، مثل الممثل الأمريكي القدير همفري بوجارت بطل فيلم " كازابلانكا " مع إنجريد برجمان..
.لقد كان صديقا وعما لكل أصحابي وأصدقائي ، عبد العظيم الورداني ،وخالد جويلي، ومحمد سيف ،والشيخ ابراهيم ، وعبد السلام من بورسعيد ، ومحمد خليل، وكانوا يحبونه ويستمتعون بأحاديثه، وحكاياته، وحكايات أسفاره ، ومغامراته التي لاتنتهي، ويتناقشون معه في الأفلام..
وعندما كبرت، والتحقت بالجامعة لدراسة الأدب الانجليزي، وقراءة شكسبير بلغته الأصلية. كانوا يزورونني في حينا العريق قلعة الكبش، فيستقبلهم " عم هاشم "بكل تواضع وترحاب وحب، ويصنع لهم الشاي،وهو يجلس على الأرض، ويتركهم يجلسون على الكنبة، ويروح وهو يداري حرجه من السؤال، يروح يطمئن منهم، على أن الحصان الشارد -ابنه الصعلوك - الذي لم يعد يتردد على المنزل، بخير..
هذا هو ياكزانتزاكيس، أبي عم هاشم الكبير،الذي كان يعلق صورة " بن آب " لحسناء هوليوود إستر ويليامز، من فيلم" السابحات الفاتنات " من أعظم الأفلام الموسييقة التي شاهدتها في صغري في سينما إيزيس، كان يعلقها على جدران شقتنا في "بيت الشيخ راشد" في حينا العريق الصغير " قلعة الكبش " مدينة "القطائع " القديمة ،عاصمة مصر، التي شيدها أحمد بن طولون، والي الخليفة على مصر، في القرن الثامن الميلادي، و" صرة " السيدة زينب..
هذا هو أبي عم هاشم الجميل - كانت نجمته المفضلة هيدي لامار في فيلم " شمشون ودليلة " - الذي علمني القراءة والكتابة، ودروس الإملاء ، وأنا " عيل " طفل صغير، فصرت اقرأ قصص الأطفال التي كان يجلبها لي عمي عبد الرحمن مصطفي، كان يستعيرها لابن أخيه ، من مكتبة مطبعة البابي الحلبي وأولاده، في حي الأزهر العتيق..
وكنت عندما أنتهي من قصة، أحملها اليه، فيردها الى مكتبة المطبعة، التي كان يعمل بها آنذاك ، مطبعة البابي الحلبي وأولاده في حي الأزهر، ثم يأتي الي بقصة جديدة، وهكذا كنت اقرأ بنهم قصص الأطفال، وأسافر مع السندباد، وأحلم بقصص ألف ليلة وليلة ، وتاجر البندقية، واركب البساط السحري، في فيلم لص بغداد، وأنا لم ألتحق بعد بالمدرسة الابتدائية ، ولم أبلغ بعد السن القانونية....
وحين بلغت السادسة من عمري، والتحقت بمدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية في حي الحلمية ،على بعد خطوات من سينما وهبي، كان طه حسين -علمت ذلك في مابعد من أمي الحاجة سيدة سيد محمد مرزبان - هو " وزير المعارف" آنذاك في مصر، ولم أكن بحاجة ، بفضل ابي عم هاشم آنذاك ،أن أتعلم القراءة والكتابة ..
فقد كان أبي، قبل أن ألتحق بمدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية، علمني ايضا السباحة، وعمدني في بحر النيل ، وأطلقني حرا، ولذلك فأنا مدين له ، بكل ما صنعت في حياتي.
أفضل من أن تجعل السينما حياتك، أن تجعل بعشق المغامرة وحب الفضول، تجعل من حياتك سينما..
أفضل من أن تجعل السينما حياتك، أن تجعل بعشق المغامرة وحب الفضول، تجعل من حياتك سينما..
( يتبع )
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق