الخميس، ديسمبر 28، 2017

حول معضلة التراث السينمائي بقلم أمير العمري في مختارات سينما إيزيس




مختارات سينما إيزيس

زاوية ننشرفيها " مختارات " من مقالات ودراسات، ولا يلزم بالضرورة،  أن تكون معبرة عن رأي المجلة

***


حول معضلة التراث السينمائي


بقلم

أمير العمري

ناقد سينمائي مصري


  العرب بشكل عام غير مهتمين بحفظ التراث السينمائي من الأفلام وكل ما يتعلق بها، أي الصور والديكورات والملصقات (الأفيشات) والملابس ونسخ السيناريوهات الأصلية، وكل ما يوثق لتاريخ السينما، فالفيلم ليس فقط أداة لرواية قصة مسلية أو للتعبير عن فكرة ما من خلال شكل فني خاص، بل إن كل فيلم هو عالم قائم بذاته. ومهما ابتعد الفيلم عن الواقع فإنه يظل وثيقة فنية كاشفة. عشاق السينما في العالم منذ وقت مبكر، أي منذ أن أصبح الفيلم فنا معترفا به، له جمالياته ومعاهده ومناهجه وطلابه وأبحاثه ومراجعه، وليس مجرد “صنعة، أو وسيلة من وسائل التسلية، ابتكروا كيانا يسمى “السينماتيك”، على غرار “دار الكتبأي دار للمحفوظات السينمائية، ويشمل حفظ الأفلام في نسخها الأصلية وغير ذلك مما يشهد على تاريخ صناعة الفيلم. في العالم العربي يغيب حضور “السينماتيك، باستثناء تلك الموجودة في الجزائر التي ورثها الجزائريون عن الفرنسيين ثم أهملوها فأصبحت حاليا في حالة تدعو للرثاء. وظلت فكرة السينماتيك فكرة نظرية، أو مجرد “رغبة”، أو أملا يراود بعض عشاق السينما في مصر التي تعتبر من أقدم دول العالم في علاقتها بالسينما. لذلك ظل العثور على الأفلام القديمة المجهولة، أو إنقاذها مسألة تعتمد بكل أسف على الجهود الشخصية تماما. كان الباحث عبدالحميد سعيد مثلا هو الذي اكتشف وجود فيلم كلاسيكي قديم هو فيلم “لاشين” (من عام 1938 (في الأرشيف السينمائي بألمانيا الشرقية في الستينات من القرن الماضي وحصل على حق نقل النسخة الأصلية من الفيلم إلى مصر، وكان سعيد يحلم ويسعى عمليا لإنشاء السينماتيك المصرية لكنه انتهى بأن خرج مطرودا من وزراة الثقافة لخلافه مع الوزير. واكتشف المخرج الراحل محمد كامل القليوبي بالصدفة، عددا من أفلام رائد الفيلم المصري محمد بيومي (1894- 1963 (خلال بحثه الخاص تمهيدا لإخراج فيلم تسجيلي عن بيومي


الباحث والناقد السينمائي سامح فتحي

كتاب أنبياء في السينما العالمية لسامح فتحي طباعة وفي كل كتبه على أرقى مستوى


اليوم ظهر لدينا الباحث السينمائي سامح فتحي المولع بالأفلام المصرية القديمة من عصر الأبيض والأسود، وقد سعى سامح فتحي، ليس فقط للعثور على كل ما يرتبط بهذه الأفلام من مواد ومعلومات، لكنه يرغب أيضا في ترميم ما فسد منها وطبعه وإصداره في أسطوانات مدمجة ووضع ترجمة إنكليزية وفرنسية عليها وتوزيع هذه الأفلام في الداخل والخارج. ولا يتوقف طموح سامح عند هذا الحد، بل قام أيضا بشراء عدد كبير من الملصقات السينمائية، أي أفيشات الأفلام المصرية القديمة، وملصقات الكثير من الأفلام الأجنبية الكلاسيكية، وقد دفع مقابل ذلك مبالغ طائلة لم يكن يمتلكها مما اضطره لبيع شقته. وقد أصدر سامح ثلاثة كتب منها كتابه البديع الذي يحتوي على عدد كبير من ملصقات الأفلام المصرية الأصلية بألوانها الطبيعية كما كانت في الأصل، وهو كتاب صدر في طبعة شديدة الأناقة على أرقى مستوى ينافس ما يصدر عن أكبر دور النشر في العالم في هذا المجال، كما أصدر كتابه الموسوعي عن أهم مئة فيلم مصري من وجهة نظره كناقد، وزينه بملصقات وصور أصلية نادرة ليصبح مرجعا نظريا نقديا عن تلك الأفلام ومرجعا بصريا أيضا. جهود سامح فتحي الفردية التي تنطلق من حبه للسينما وإيمانه بأهميتها، تحتاج إلى مؤسسات قوية ترعاها وتتبناها بحيث يمكن أيضا توسيع مجالها والانطلاق في عملية جادة يساهم فيها الباحثون والنقاد الشباب، لإنقاذ التراث القديم من الأفلام المفقودة. وكما هو معروف ليس هناك فيلم مفقود طالما ظل البحث عنه قائما!


عن جريدة " العرب " التي تصدر في لندن
بتاريخ الخميس 28 ديسمبر

ليست هناك تعليقات: