حصاد مهرجان " كان
" السينمائي الدورة 68 ( 2 من 2 )
"كان " يمنح جائزته الكبرى لإبن شول
بقلم
صلاح هاشم
حقق مهرجان كان في دورته 68 – في الفترة من 13 الى 24 مايو –
الكثير، من خلال الأفلام التي شاهدناها في جميع أقسام المهرجان، وكذلك التظاهرات
الموازية ، مثل تظاهرة " إسبوع النقاد" وتظاهرة نصف شهر المخرجين " وقد توزعت الإضافات
الفنية التي حققها خلال هذه الدورة في رأينا،وبخاصة في مايخص قسم المسابقة الرسمية
للمهرجان على عدة محاور : محور" كان والسياسة " وسنتحدث هنا عن أبرز
أفلامه..
ومحور"السينما الإيطالية" التي برزت
بحيويتها بشكل فائق في المهرجان، وتحدثنا في مقال سابق غن أبرزأفلامها،
ومحور"السينما والتاريخ"، الذي عرض خلال المهرجان لمجموعة من الأفلام
الوثائقية المهمة التي تحكي عن تاريخ السينما
وعن شخصياتها المهمة،وبخاصة في قسم " كلاسيكيات كان " الذي عرض اولا
مجموعة كبيرة من الافلام التي تم ترميمها ..
مثل فيلم " روكو وأخوته " للمخرج
الايطالي الكبير لوشينو فيسكونتي، وقدم ثانيا مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية
الجديدة المتميزة التي تعرض لأول مرة في الدورة 68،مثل فيلم " هيتشكوك –
تروفو " للمخرج المريكي كنت جونز، وفيلم " سمبان " لجاسون سيلفرمان
وسامبا جادجيكو،عن المخرج الافريقي السنغالي الكبيرسمبان عثمان،وفيلم "
أورسون ويلز.تشريح لعبقرية مخرج" للمخرجة الفرنسية اليزابيث كابنيست..
في محور " كان والسياسة " عرض المهرجان مجموعة من أهم
الأفلام السياسية المهمة االتي أعجبتنا كثيرا، وحصلت جميعها على جوائز في
الدورة 68 ، مثل فيلم " ابن شول " للمخرج المجري لاسلو نيميس( الجائزة
الكبرى ) وفيلم " قانون السوق " للفرنسي إستيفان بريزيه ( جائزة أحسن
ممثل ) وفيلم " ديبان " للفرنسي جاك أوديار ( جائزة السعفة الذهبية ) -
ونعني بالفيلم السياسي هنا بداية، الفيلم الذي يعرض للتحولات التي تطرا على عصرنا
بكل مافيه من إنهيارات وأزمات وحروب، ويسلط الضوء على التناقضات التي نعيشها داخل
مجتمعاتنا الإنسانية، وحيت تنهار هنا الحدود في الأفلام السياسية التي تنحاز الى
الواقع بين الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي، وبحيث يمكن أن نتحدث هنا في مايخص
الأفلام السياسية التي عرض لها المهرجان عن " الواقعية التسجيلية في السينما
الروائية العالمية" حيث تنهل هنا المخيلة الروائية لهذا المخرج أو ذاك من
الاضافات التي حققتها السينما الوثائقية وعبر تاريخها الطويل في أعمال المخرجين
التسجيليين العمالقة من أمثال الروسي ديجا فيرتوف والهولندي جوريس إيفانزوالامريكي
فردريك وايزمان والفرنسية آنياس فاردا – منحها المهرجان سعفة ذهبية تقديرا لمجمل
اعمالها في الدورة 68 – وغيرهم..
فيلم " ابن شول " للمجري لاسلو
نيميس هو في رأينا أهم فيلم سياسي عرضه المهرجان ويحكي الفيلم عن عامل يهودي مجري
يدعى " شول أوسلاندر "، من ضمن مجموعة العمال السجناء من اسرى
الحرب،الذين وظفتهم النازية او جيش هتلر النازي للعمل في معسكرات الاعنقال ،وتنظيف
غرف الغاز بعد اعدام اليهود، ثم نقل جثثهم في مابعد الى المقابر الجماعية خارج
المعسكر، وكان يطلق على هذه المجموعة من العمال إسم " سوندر كوماندو"
وإسم " حفظة السر " فقد كانوا يعرفون بـ " سر النازي " أي
بعملية الهولوكوست – التخلص من اليهود
أعداء النازي بإعدامهم حرقا وقتلا وتخليص العالم
- أي جنس هتلر الآري المتفوق - من شرورهم ..وكان يتم التخلص من " حفظة
السر " بقتلهم في مابعد، و بعد تشغيلهم لفترة، حتى لايقوموا بإفشاء " سر
" النازي..الرهيب..
فيلم" ابن شول " فيلم رهيب ومرعب
وتقشعر له الأبدان، لأنه يضعنا ومن أول لقطة يظهر فيها " شول " العامل
المجري اليهود المكلف بتنظيف غرف الإعدام بالغاز، يضعنا في قلب عملية
"الهولوكوست" – الهلاك - أو المحرقة النازية، حيث يظهر " شول
" وهو يركض بين صفوف اليهود الذين وصلوا حديثا، وتم ترحيلهم الى معسكر
أوشفيتز بيركناو عام 1944 ويطلب منهم الإسراع بخلع ملابسهم ،ودخول الحمام وأخذ
دوش، فقد تم إعداد أكواب من القهوة والشاي تنتظرهم عند الانتهاء من ذلك، وقد تبرد
القوة، ويبرد الشاي الساخن واحسرتاه إذا لم يمتثلوا للأوامر،ويروح " شول
" يتجول بينهم وهو يصرخ : إن هيا هيا عجلوا وقبل أن تبرد المشروبات الساخنة
التي تنتظركم ، بل ويساعد البعض منهم في خلع ملابسه، وقبل أن يدلفوا الى داخل
الحمام، وتغلق عليهم الأبواب، وتفتح عليهم أنابيب الغاز وتتصاعد صرخاتهم المروعة..
وذات يوم يكتشف شول جثة ابنه ضمن جثث اليهود
الذين تم إعدامهم بالغاز فيسعى بكل الطرق للحفاظ على الجثة وإخفاءها، ودفنها كما
يليق بعد إقامة الصلوات عليها بواسطة حاخام يهودي يروح " شول " يبحث عنه
بين جماعات اليهود التي تصل كل يوم بالالاف الى معسكر أوشفيتز ويركض وسطهم وقبل أن
يتم إعدامهم، إما في غرف الغاز، أو في حفر
المقابر الجماعية خارج المعسكر بعد باطلاق الرصاص على رؤؤسهم، وسقوطهم واحدا بع
الآخر في الحفر، ويروح شول يصرخ إن ياسادة هل من بينكم حاخام، فهل ينجح شول ياترى
في العثور على حاخام وسطهم كي يصلي على أبنه قبل دفنه، وهل ينجح في مابعد في دفن
الأبن ؟
من خلال " حبكة " الفيلم البسيطة
هذه يؤسس المخرج المجري لاسلو نيميس لفيلمه " السياسي التاريخي " الرائع
- في شموليته الفنية أي شكلا وموضوعا - لكي يصور عملية " الهولوكوست "
الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية بوصفها "
جريمة ضد الإنسانية "، ومن خلال الفيلم يعرض لاسلو للحياة في معسكر الاعتقال
النازي الكبير، كما يعرض أيضا لتلك الفرقة المجرية من "حفظة السر"
المقاومة، وقد نجح بعضهم في الحصول على آلة تصوير لالتقاط بعض الصور لعمليات
الإبادة، وتهريبها الى العالم خارج المعسكر
،وفضح " سر " النازي..
فيلم " ابن شول " THE SON OF SAUL تكمن أهميته في أنه
يخترع و يؤسس لـ " نظرة جديدة " في تصوير "الهولوكوست"، فقد
نجح لاسلو في تصوير عمليات الإبادة،
وتصوير الرعب بشكل محايد في الفيلم ، ومن دون استدرار عطف المشاهد، من خلال ثلاثة
ابتكارات فنية جديدة في فيلمه..
فقد
جعلنا أولا نرى شول من الخلف ،ويبدو اذا التفت الى الكاميرا واضحا في الصورة داخل
الكادر، وجعل كل مايظهر داخل الكادر من
أشياء وأشخاص – في ماعدا شول - تظهر بشكل " فلو " غير واضح ومبهم،وعلى
شكل ظلال،وهذا هو الابتكار الأول من خلال استخدام " عمق المجال " DEPTH OF FIELD على مستوى اللقطة ومنذ
أول مشهد في الفيلم،والكاميرا المحمولة على الكتف تركض خلف شول، ونحن نراه من
الظهرونتعقبه ونكاد نلتصق بلحمه في سعيه اللاهث لأداء عمله في المعسكرعلى احسن
مايكون، والابقاء على حياته باي ثمن في أجواء القتل والرعب داخل وخارج المعسكر،
وقد يثير الأسير المسكين غضب أي ضابط نازي في أي لحظة فيطلق عليه رصاصة ويقتله في
الحال، أو يدفعه ويحشره داخل غرف الغاز مع اليهود الاسرى..
كما ابتكر لاسلو اسلوب اللقطة المشهدية PLAN SEQUENCE فجعل ومنذ أول لقطة
ندخل مباشرة في لحم الفيلم ونهبط داخل المعسكر لكي تدور عجلة الفيلم اللاهث،
وتسحبنا وتجرنا الى داخل دوامة الرعب في فيلم لاسلو الرائع الذي بدا لنا كما لوكان
"لقطة مشهدية" طويلة واحدة تأخذ بخناقنا، ولاتتركنا ابدا لحالنا ،ونحن
ندور في الفيلم " اللاهث " ونتعايش معه بكل جوارحنا..
أما الابتكار الثالث في الفيلم فيظهر على
مستوى شريط الصوت " THE SOUND- TRACK "المذهل"
في الفيلم ، وهذ "التوليف العبقري" للمناخات الصوتية والسمعية في معسكر
الاعتقال النازي، والتي صارت ومنذ أن شاهدنا الفيلم تسكننا بفنيتها وعبقريتها ..
فيلم " ابن شول " أعتبره إضافة حقيقية الى فن السينما و" قيمة
" سينمائية كبرى، فقد نجح لاسلو نيميس- والعجيب انه العمل السينمائي الأول
لمخرجه - نجح في أن يصنع لنا فيلما اصيلا
ومبتكرا لهلاك اليهود " الهولوكوست على ايدي النازي، في مافشل أكبر مخرج في هوليوود
ونعني به ستيفن سبيلبيرغ في صنعه، حين صور
سبيلبيرغ " الهولوكوست " في فيلمه "قائمة شندلر" بشكل
"إستعراضي" فاقع،ومبالغ في ميلودراميته، وغيرأخلاقي بالمرة، وذلك لإستدرار
دموع وعطف العالم بأي ثمن – اللعنة !- وأنهي فيلمه في إسرائيل، بإنتصار اليهود –
المشروع الصهيوني - وإقامة دولتهم في " فلسطين " المحتلة، كما كرس
العائد من عرض فيلمه في جميع أنحاء العالم، لإنشاء مؤسسة تحافظ على ذاكرة
الهولوكوست..
فيلم "ابن شول " ولكل الأسباب التي
ذكرناها، جعلنا مع أغلب النقاد والصحفيين في مهرجان كان الكبير نرشحه للفوز بسعفة
" كان " الذهبية للدورة 68، وقد صدقت توقعاتنا بفوزه بالجائزة الثانية
من حيث الأهمية بعد جائزة السعفة الذهبية ،ونعتي بها الجائزة الكبرى، كما نرشحه من
الآن للفوز بجائزة احسن فيلم أوروبي، وجائزة أحسن فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار،
وهو يستحق المشاهدة عن جدارة،.. فترقبوه..
في نهاية المهرجان توزعت جوائز الدورة 68
كالتالي:
السعفة
الذهبية للفيلم القصير : فاز بها فيلم " أمواج 98 " لإيلي داغر من لبنان
الكاميرا
الذهبية ( لأحسن عمل أول في جميع مسابقات المهرجان): فيلم " الأرض والظل
" لسيزار أوجستو آسيفيدو المشارك في تظاهرة " أسبوع النقاد "..
جائزة
السيناريو : فيلم " كرونيك " - مزمن " لميشيل فرانكو من كولومبيا..
جائزة
أحسن ممثلة : وزعت مناصفة بين روني مارا عن دورها في فيلم " كارول "
لتيد هاينس. أمريكا، والممثلة إيمانويل بيركو ( مخرجة فيلم الإفتتاح " الرأس
المرفوع" عن دورها في فيلم " ملكي " للفرنسية مايوين..
جائزة
لجنة التحكيم الخاصة : فيلم " سرطان البحر " للمخرج اليوناني يورغوس
لانتيموس
أحسن
ممثل : فانسان ليندون عن دوره في فيلم " قانون السوق " للفرنسي ستيفان
بريزيه
أحسن
إخراج : المخرج التايواني الكبير هو سياو سين عن فيلمه البديع " القاتلة
"
الجائزة
الكبرى : فيلم " ابن شول " للمجري لاسلو نيميس
السعفة
الذهبية : فيلم " ديبان- النمر - " للمخرج الفرنسي جام أوديار
كما
منح المهرجان سعفة ذهبية الى المخرجة الفرنسية الكبيرة آنياس فاردا لمجمل أعمالها..
--
عن جريدة " القاهرة " - الصورة المرفقة - العدد الصادر في 2 يونيو 2015 والمتوافر حاليا في الأسواق
--
عن جريدة " القاهرة " - الصورة المرفقة - العدد الصادر في 2 يونيو 2015 والمتوافر حاليا في الأسواق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق