"... بلاش تدوس على الورد"
هل بإمكان الوردة إقناع القنبلة بأن...
" انتظري قبل أن تنفجري ببارودك المدمر، فيفنى كلانا، انتظري على الأقل ريثما أهديك معجزة النشوة في عطري، ونبوغ الإبداع في ألواني، ورشاقة الاخضرار المختال في ساقي التي لا يضيرها الشوك، وعبقرية ملمس العذوبة في أوراقي الحائرة ما بين مخمل وحرير"؟
سخاء الحياة مع الكائنات تمثل في أنها منحتهم من الحواس خمسا، وإن كان بعضهم يزعم امتلاك السادسة، لكن المهم أنه باعتراف العلماء والباحثين تأتي حاسة اللمس في المرتبة الأولى من ناحية تطور الجنين، الذي يشعر بلمسات المحيطين به عند الولادة قبل سماعهم ورؤيتهم. دراسات جادة موثقة بتجارب تؤكد أن أطفالا فارقوا الحياة لحرمانهم كليا من لمسات أمّ حانية. ودراسات أخرى أشارت إلى نمو شخصيات معقدة في تركيبتها لدرجة احتراف الجريمة لعدم حصول أصحابها على نسبة كافية من لمس المحبة الدال بكل الأحوال على الرعاية والاهتمام.
بعضٌ من هذه النظريات يرافق، على شكل لوحات كبيرة، معرضا جادا حول "حاسة اللمس" استقر في المركز المعروف باسم "قصر الاكتشاف" في العاصمة الفرنسية باريس ويلاقي من النجاح ما يدهش.
المعرض العجيب، معرض حاسة اللمس، ندخله أولا من دون حذاء لنتذكر بداية أن هذه الحاسة تمتد على كامل الجسم، من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، وحفاة (لا عراة) نجتاز نفقاً صغيرا من الأكف البلاستيكية التي تداعب وجنتي العابر برفق شديد ممتع، خاصة إذا حلا له أن يغمض العينين... ثم ينتقل الزائر من تجربة علمية كتلك التي تحفل بها كتب الفيزياء المدرسية لمعرفة مدى تأثير شحنة كهربائية سريعة على رد فعلنا، إلى اختبار طريف لمحاولة التعرف مثلا على معالم الغضب أو الابتسام في قسمات وجه تمثال مخفي خلف حجاب من قماش داكن. ولا يقاوم الفضولي اكتشاف تأثير مسامير الهندي الفقير إذا ما لامستها قدماه المتحررتان من أسر الحذاء، ولو لحين.
نتذكر مزايا حاستنا المهمَلة، اللمس، وأهميتها في صناعة متعتنا والوجع، هي التي تحمينا عبر البشرة من التجمد أو الاحتراق في إحساسها بالبرودة والسخونة، وتقينا من مصائب كثيرة أخرى بفضل الحسّ بالخشونة الليونة. وهي التي تنوب عن العين في فك رموز الحروف عند فاقدي القدرة على الرؤية والقراءة. هي التي تداوي ماديا ومعنويا، بالتدليك العلاجي أو بلمسة المحبة على وجنة غافية أو باكية.
خبراء عارفون قالوا عن ثقة: بنقص اللمس في الصغر تقسو القلوب في الكبر، لتصبح كالحجر، تنضح باليأس، وكره الذات والآخر، فتفقد الأرواح كلَّ حسٍّ بقيمة القيم، الجمالية، العاطفية، الإنسانية.
ذاك الذي تزنّر بحزام كراهية نفسه والآخرين ووضع أصابع المتفجرات على خاصرته وأصمّ أذنيه بأصابع اللامبالاة عن سماع همس الطمأنينة الساري في ابتهالات المصلّين، هل كان مفتقدا، إلى هذا الحد، هبة اللمسة الحانية في طفولته ليتحول إلى واحد من أعداء الحياة والجمال وبهاء الورد، أتراه لم يخجل من دمع أمّه؟
ماذا لو كانت أمه جاءت في لحظة ما، ووضعت راحة كفّها على وجنته أو مرّرت أصابعها بحنان على خصلات شعره، هل كان سيذهب بكل هذا الثبات إلى حتفه وحتف من وضعهم القدر صدفة في طريقه، وهم في طريقهم للابتهال والصلاة؟
تساؤلات شبه ساذجة حول ما يسميه البعض "أثر الفراشة"، كتمهيد لاستعادة تساؤل أزلي كبير : هل نستطيع مواجهة صفعة العنف الأعمى على الخد الأيمن، بلمسة حنان
مبصر قبل أن ندير لمهاجمنا جانب الخد الأيسر، وهل تنجح الوردة في مواجهة القنبلة؟ من أين أتيت بإيمانك المسالم يا غاندي؟
هيام حموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق