قاعة " ماجيك سينما " في بوبيني من الخارج وملصق فيلم " جميلة " ليوسف شاهين
ملصق التظاهرة الطموحة
الفنان النجم المصري العالمي عمر الشريف يكرمه مهرجان " مسارح في السينما " في دورته 21
لقطة من حفل الافتتاح
الفنانة الممثلة الكبيرة لبلبة ضيفة المهرجان
المنتجة ماريان خوري ضيفة المهرجان على اليمين و د. كاميليا صبحي
لوحة في معرض تصوير لمصر الاقصر دشن اثناء حفل الافتتاح
الفنان الممثل الكبير محمود حميدة ضيف المهرجان
الفنانة الممثلة الكبيرة لبلبة مع د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما في مصر
د. كاميليا صبحي تعانق المنتجة ماريان خوري
نجوم من مصر
في حفل افتتاح تكريم يوسف شاهين
في بوبيني
بقلم صلاح هاشم
كان حفل افتتاح تظاهرة " مسارح في السينما " التي تكرم في دورتها 21 يوسف شاهين ونجيب محفوظ و البير كامي و عمر الشريف ، مظاهرة حب للسينما المصرية التي صنعت وجداننا ، وعلمتنا أن نحب ، و صنعت إنسانيتنا عندما كانت في وقت ، رغيف العيش البلدي الذي نأكله في سينما "الاهلي" و الشرق " و " وهبي " في حي السيدة زينب الشعبي العريق ، فقد كنا نتسلل الي قاعاتها و نحن صغار، ونشاهد افلاما لانور وجدي وليلي مراد وفاتن حمامة ويحيي شاهين والمليجي و فريد شوقي ، ونهرب من اجلها من المدرسة. كان الافتتاح مظاهرة حب لتلك السينما المصرية، التي استطاع شاهين من خلال افلامه ان يجعلها تنطلق الي العالمية ، وان يصبح بنور تلك الافلام واهلها ، سحرها وألقها ، اهم و اشهر شخصية سينمائية مصرية وعربية في آن في العالم. حضر الحفل مجموعة كبيرة من الشخصيات المصرية والعربية في باريس من ضمنهم المستشارة الثقافية لمصر في باريس د.كاميليا صبحي و د. محمود اسماعيل مدير المركز الثقافي المصري في باريس، بحضور نجوم السينما المصرية المتألقة : الفنانة الممثلة الكبيرة لبلبلة والفنان الممثل الكبيرمحمود حميدة ، كما حضر حفل الافتتاح د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما في مصر، والمنتجة والمخرجة الكبيرة ماريان خوري و المنتج جابرييل خوري شقيقها وكان الاثنان شاركا في تدشين شارع جديد في ضاحية " بوبيني" باسم مخرجنا المصري الكبير يوسف شاهين اليوم الثلاثاء الموافق 30 مارس2010، و كنا نوهنا في مقال سابق نشر في جريدة " إيلاف " الاليكترونية و أيضا في " سينما إيزيس " نوهنا وذكّرنا بالمكانة التي يحتلها شاهين على خارطة تلك السينما المصرية و العالمية باكثر من 37 فيلما ، ستجد فيها على الاقل عشرة افلام، تتسامق بفنها وسحرها ، لتقف في مصاف افلام السينما الكلاسيكية العظيمة الشوامخ ، من ضمنها" باب الحديد " و " صلاح الدين " و " الارض " و " الاسكندرية ليه ؟ و " ابن النيل " " و " المصير " و غيرها من افلام ليوسف شاهين ، و كلما قدمت وشاخت ، كلما ازدادت بريقا و حلاوة، و هي يقينا لن تشيخ ابدا ولذلك نعتبر ان اقامة تلك التظاهرة ، فرصة جد ثمينة ولا تعوض، لمشاهدة تلك الروائع التي ابدعها " جو" يوسف شاهين ، وهو يتمثل مصر كلها في وجدانه ، ويعجن همومها بهمومه ، من أول " باب الحديد " وحتي " هي فوضي "
ان كنت في باريس فلا تدع إذن فرصة مشاهدة تلك الافلام تفتك باي ثمن
لقطات من الافلام المشاركة في الدورة 32 من مهرجان سينما الواقع " سينما دو ريال " في باريس. مركز جورج بومبيدو
ملصق الدورة 32 لمهرجان " سينما الواقع " في باريس في الفترة من 18 الي 30 مارس 2010
سينما الواقع
و" حرية " المبدع السينمائي في افريقيا
تكريم المخرج السنغالي سامبا فليكس نداي
في الدورة 32 من مهرجان " سينما الواقع " في باريس
بقلم صلاح هاشم
مهرجان سينما الواقع " سينما دوريال" في باريس الذي يقام في مركز جورج بومبيدو " بوبورغ " الدورة 32 في الفترة من 18 الي 30 مارس والمخصص للسينما الوثائقية ، هو أحد أهم وابرز المهرجانات السينمائية الدولية لا في فرنسا وحدها بل في العالم ، وقد نوهنا باهميته من قبل منذ زمن ، و كتبنا عن فعالياته وافلامه ، فهو يهتم بالسينما الحقيقية "النوع الوثائقي " ، المهضوم حقها و المظلومة في بلادنا ،لانها تعد في رأينا ا" قصي ممارسة مطلقة لحرية المبدع السينمائي بعيدا عن اية قيود او ضغوطات " تمارس عليه من قبل المؤسسات و الادارات والمراكز التابعة للسلطة التي تترصد " حرية " المبدع السينمائي الفنان ، وبخاصة في الدول الاستبدادية المتخلفة في بلدان العالم الثالث وتقف لها بالمرصاد والاعتقال و القمع والحبس ، وتعمل علي كبتها و اخراس الالسنة انها السينما التي تعود بالفن السينمائي الي اصله وفصله ،اي الي سينما الاخوين لوميير ( التأريخ والتحديق في والامساك بالواقع، تاريخه وتحولاته، تناقضاته وذاكرته، لتكون أداة في فهم الواقع و داة تأمل وتفكير في مشاكله في مقابل سينما جورج ميلييس، (سينما صناعة وصياغة الخيال وتشكيله )التي مهدت لظهور السينما التجارية وسنعود الي ذلك بافاضة واستفاضة لاحقا ، فلقد احببت الآن فقط ، ان اشير الي ذلك المهرجان والدعوة الي مشاهدة بعض افلامه ، حيث ينظم الي جانب العديد من المحاور والتكريمات المهمة مسابقتين : مسابقة دولية مخصصة للافلام غير الفرنسية القادمة من انحاء العالم ، ومسابقة بين الافلام الفرنسية الوثائقية ، و تعرض افلام المهرجان بالاضافة الي الندوات في مركز جورج بومبيدو طول النهار ، حيث تشغل افلام التظاهرة شاشات المركز الكبيرة والصغيرة ، و تنقل اليها عبر ثيماتها و موضوعاتها وانشغالاتها هموم و مشاغل عصرنا ، تغيراته وتحولاته ، وتكشف عن "رؤية " المبدع السينمائي تجاه ما يحدث في عالمنا من صراعات و أزمات، كما تقدم و تطرح نموذجا باهرا لـ "ممارسات حرية التعبير في العالم " وأشكال السينما المستقلة على تعددها و تنوعها ، و لا يهم هنا كما نوهنا طول وعرض الفيلم ، المهم كيف هي احوال البشر فيه/ مم تتألم يا تري و لم تعاني وهل هي حقا جد سعيدة في مناخات التلوث و الحروب والاستغلال البشع للانسان في مكل مكان، ام انها تتأسي حقا لقدرها ، و تسعي الي نقطة ضوء تخرج بها من عتمة نفق الحياة المظلم في تلك المدن العربيدة ، و هي تبحث عن خلاص و مخلص كما احببت ايضا ان اكتب هذه الكلمة لدعوتكم اليوم السبت 27 مارس على الساعة السابعة مساء الي حضور تكريم المخرج السنغالي الراحل سامبا فليكس نداي الذي توفي في العام الماضي ، تكريمه في الدورة 32 فقد كان احد ابرز المخرجين السنغاليين والافارقة في مجال السينما الوثائقية ، و كنا درسنا السينما معا في قسم السينما والدراسات السمعية البصرية في جامعة فانسان باريس 8 ايام مجدها وعزها في فترة الثمانينيات ( كان يدرس معنا آنذاك المخرج اللبناني جان شمعون وكان متقدما عنا بسنة في القسم )اي منذ اكثر من ثلاثين عاما ، و كان يدرس لنا في تلك الفترة مجموعة من ابرز النقاد والكتاب والمخرجين السينمائيين ، وكانوا وقتها يحررون مجلة " كاييه دو سينما " او " كراسات السينما الشهيرة " ويكتبون في النقد السينمائي ايضا ، ومن ضمنهم المخرج الفرنسي سيرج لو بيرون ، وقد شجعونا علي الانحياز الي هذا النوع الوثائقي سينما الواقع ،(فانجزت خلال فترة الدراسة فيلمي الوثائقي الاول " كلام العيون " دوبل باند ، وعرضته في الجامعة ، وكان من ضمن الحاضرين المرحوم علي الشوباشي الصحفي المصري الكبير و د. ماجدة واصف و مجموعة كبيرة من العرب و المصريين وسامبا فليكس زميلي في القسم و، كان سامبا كلما التقينا ، يذكرني بكلام العيون ، علي الرغم من اني اتجهت بعدالتخرج للعمل في الصحافة) ونبهونا الي اهميته كممارسة مطلقة لحرية المبدع السينمائي الفنان و كان سامبا فليكس الذي عاش في باريس لفترة بعد تخرجنا في القسم ، كرس جل حياته في ما بعد لاخراج هذا النوع الوثائقي من الافلام ، ليحكي عن احوال ومشاغل و هموم بلده و، يصنع افلاما مستقلة ومتوهجة بالحياة عن السنغال من التراب، و قد كتب مرة مقالا يلخص فيه تجربته كمخرج سنغالي صاعد ،و مشكلة الجيل الذي ينتمي اليه علي سكة سينما واقعية ، مع مخرجين سنغاليين مخضرمين اختاروا سكة السينما الروائية مثل المخرج السنغالي الافريقي الراحل الكبير سمبان عثمان ، و نشر المقال في كتالوج احدي دورات مهرجان سينما الواقع ، و قد تسمح الظروف بترجمته قريبا و كنت علمت فقط بوفاة سامبا فليكس بالامس فقط من صديق مشترك ، هو المخرج ومدير التصوير الانجليزي بيتر شابيل ، وكان يجهز نفسه للسفر في اليوم التالي من لندن الي باريس لحضور تكريم صديقنا المخرج الراحل سامبا فليكس في المهرجان الذي يعرض له ثلاثة افلام وثائقية في الساعة السابعة مساء اليوم في سينما 1 في المركز، و سوف تكون هناك ندوة لمناقشة اعمال وانجازات سامبا على مستوي السينما الوثائقية الافريقية بحضور مجموعة من اصدقائه و تلاميذه و من شاركوه مغامرة سينما الواقع في السنغال ولنا وقفة مع اعمال وافلام المهرجان في عدد مقبل
لقطة من فيلم صراع في الوادي ليوسف شاهين يظهر فيها عمر الشريف وفاتن حمامة
يوسف شاهين في " بوبيني" وشارع بإسمه
بقلم صلاح هاشم
بمناسبة تنظيم مهرجان " تياتر او سينما "THEATRES AU CINEMA " مسارح في السينما" الذي يعرض في الفترة من 30 مارس و حتى 11 ابريل 2010 في ضاحية "بوبيني". باريس، وخلال دورته الحادية والعشرين كل افلام يوسف شاهين الطويلة والقصيرة( أكثر من 37 فيلما ) ويكرم نجيب محفوظ والفرنسي البيركامو الحاصلين على جائزة نوبل للأدب ، بعرض الاعمال السينمائية المرتبطة بهما، أعيد هنا نشر بعض ما كتبت و نشرت عن مخرجنا السينمائي الكبير في بعض الدوريات المصرية والعربية، آملا التذكير بانجازاته ،والاشارة الي موقعه علي خريطة التراث السينمائي المصري تاريخه و ذاكرته..
شارع في " بوبيني " بإسم يوسف شاهين
فالمهرجان الذي سوف يفتتح في بوبيني شارعا باسم يوسف شاهين يوم 30 مارس ، بحضور المنتجة ماريان خوري " مصر فيلم " و د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما في مصر، و حضورنجوم مصر الذين تألقوا في افلامه من أمثال : يسري و عمر الشريف ومحمد منير ، سوف يتيح للفرنسيين و الجاليات العربية المهاجرة الي فرنسا من مصر والعراق و الجزائر و تونس ولبنان والمغرب وغيرها فرصة مشاهدة" روائع" شاهين السينمائية مثل " باب الحديد " و" الأرض " و "الاسكندرية ليه " و " ابن النيل " و " صراع في الوادي " وغيرها من الدرر السينمائية الحقيقية التي دلفت الي حياتنا من اوسع باب وصارت قطعة منا..
صلاح هاشم
------------------
*شاهين : مبحث " الهوية "
و فن "عدم الخضوع "
بقلم صلاح هاشم
يوسف شاهين الذي توفي عن 82 عاما ، هو ببساطة، هرم ثقافي من اهرامات مصر الثقافية، انه اشهر واهم مخرج مصري عربي في العالم كله، وأفلام شاهين، هي كنز من كنوز وتراث مصر الثقافي السينمائي العريق. انه " بوابة " ثقافية عملاقة، الي تاريخ هذا البلد مصر الذي انجبنا وحضارته
وأفلامه في مجملها، التي تنضح عذوبة وحلاوة بحب هذا الوطن، الذي ينتمي اليه بافتخار، وعشق أهله في بر مصر العامرة بالخلق، تقدم أعظم " بانوراما " اي مسح دقيق شامل ، لتاريخ مصر الثقافي والاجتماعي والسياسي ، والتطورات والتغيرات التي طرأت عليه، بل لقد دخلت مجموعة من افلام شاهين العملاقة، مثل " الارض " و " حدوتة مصرية " و " العصفور " و " باب الحديد " و " الاسكندرية ليه " و " الناصر صلاح الدين " وغيرها، دخلت تاريخ السينما باقتدار من اوسع باب، وتعد الآن من " كلاسيكيات " السينما العظيمة
ان جو - لقب يوسف شاهين - هو الأب الروحي للسينما العربية الحديثة، بأسلوبه السينمائي الذي استحدثه، فهو المؤسس لهذه " السينما الحديثة " منذ بداية الستينيات في أفلام مثل " الاختيار " و" عودة الابن الضال "ن التي تتجاوز حدود الوطن, وتستشرف - بعد هضم وتمثل - انجازات السينما الحديثة - علي مستوي المضمون والشكل ، في أعمال فيلليني وانطونيوني من ايطاليا، وجان لوك جودار، ورواد " الموجة الجديدة الفرنسية " في أواخر الخمسينيات، آفاق المستقبل، سينما تتجاوز الحكاية التقليدية المكررة المعادة، لكي تبحر في بحر سينما الحداثة ، وتدلف الي داخل المياه من دون خوف او وجل
شاهين المتمرد ضد كافة أشكال القهر ، وظلم السلطة ، هذه السلطة التي لم تنجح ابدا في تدجينه وترويضه ، لكي يشتغل لحسابها، هو أيضا المؤسس لهذا التيار في السينما المصرية، تيار " المكاشفة وسؤال الذات " ، سينما الأنا في " الاسكندرية ليه " و " الاسكندرية كمان وكمان " ثم " الاسكندرية - نيو يورك " وغيرها ، التي تطرح مشاكلها الذاتية الفردية ، وتتواصل من خلال هذه المكاشفة ، تتواصل بجرأة مع الآخر، وتعانق - حين تنطلق من اسرها - تعانق الوجود كله
سينما المتناقضات هذه، التي يمثلها شاهين، هي سينما سياسية بالدرجة الاولي، لأنها تكشف من خلال أزمة الذات ، أزمة وطن، وبحث متواصل عن " هوية " وهي تستكشف تناقضات المجتمع المصري في مناخات القمع السياسي والفكري، والديمقراطية المجهضة ، وغياب المشروع القومي
شاهين هو " رفاعة الطهطاوي " السينما في مصر، ففي حين يعتبر رفاعة ( 1801-1873) رائد نهضة مصر الحديثة ، يجيي حفيده شاهين من بعده ، ليؤسس لرفاعة مصري سينمائي جديد - بعد ان سافر الي امريكا وعاد وهو يحمل حلم التغيير والنهضة مثل جده - ويفرش بساط السينما الحديثة في مصر، ويحقق بافلامه، كما حقق رفاعة بنضاله وكتبه وافكاره ومدرسة الالسن- يحقق دخول السينما المصرية الي عالم جديد وعصر جديد،وتواصلها مع العالم. جرب شاهين كل الانواع السينمائية ، وحقق افلاما ممتازة في كل نوع، كما في فيلمه " بياع الخواتم " بطولة فيروز الكوميدي الموسيقي، وتبعه بعد سنوات بفيلم من نفس النوع ، فيلم " سكوت حنصور " ، وفي " نوع" الفيلم التاريخي ايضا ، حقق شاهين فيلم " صلاح الدين " و" وداعا بونابرت " و " المهاجر " ، وهي افلام شلمخة علي مستوي النوع، وتحسب لشاهين، و ذلك قبل ان تصبح افلامه في ما بعد، افلاما هاربة من حدود النوع ، و منفتحة اكثر علي كل التصورات والاحتمالات والرؤي، ومثيرة بالتالي اكثر للنقاش والجدل، ولم يهدأ شاهين ابدا ، وكان ينفخ من روحه في نفس تلك الاجيال التي وعت درسه الحداثي ، وتعلمت منه ، وحتي من دون ان تلتقي به ، فقد كانت افلام شاهين ذاتها " كائنات حية " او كيانات حية ، مشحونة بالتأمل والفكر، ومعجونة او بالاحري مخبوزة في فرن شاهين المصري البلدي الاسكندراني بالاسي والهم والفن والضجر والتهكم والتمرد، وهي تحمل هوية مصر الجديدة، أساها وهمها وضياعها وحزنها وتمردها علي اليأس والظلم والقهر، ولا " هي فوضي " وتصرخ كفاية كفاية
ثم تروح تطوف العالم، فتصبح سفيرة لنا في انحاء الدنيا ، وتمنح دور الريادة في الفن السينمائي لمصر من دون جدال وهي تشمخ ب" الفن " الشاهيني ، ومن دون ان يستطيع احد ان ينتزع من مصر هذا الشرف ، لانه مصير مصر وقدرها
قدرها في ان تكون من خلال فنانيها السينمائيين والكتاب والمبدعين دوما في مقدمة المسيرة، و في طليعة الثورة علي الظلم ، وطليعة النهضة ، والكرم المصري الاصيل ، وقد كانت مصر منذ اقدم العصور أول من يفتح للمشردين في العالم حضنها ،اول من يفتح الابواب لاستفبال المنفيين المعذبين والغرباء في اوطانهم وحتي داخل جلودهم، وهي تقول لهم اهلا ومرحبا ، وكان هذا وما يزل دورها أم الدنيا
وأفلام شاهين بالذات ، تحتاج الي أكثر من مشاهدة ، لأنها أفلام تحرض - بعد استمتاعنا بقيمتها الفنية وجمالياتها الخاصة ( انظر مثلا الي تكوين الكادر في افلام شاهين، الذي يحتاج وحده الي رؤية متعمقة وتحليل ودراسة مستقلة لا يتسع المجال لها هنا ) تحرض علي التفكير، وتحثنا علي التعبير ، بجرأة مذهلة، بل ولا تستكنف الوقاحة في بعض الاحيان والعنف - أليس العنف الواقع علينا، من طرف السلطات والحكومات اكثر قسوة وعنفا وتوحشا ودموية من عنف السينما ووقاحتها ؟ - وتعلمنا منظومة من القيم ، لعل أهمها قيمة التسامح. أو ليست السينما كما نري حضارة " السلوك " الكبري أولا
افلام شاهين كانت وسوف تبقي" مدرسة " تفتح أبوابها لاجيال السينما العربية الجديدة ، لكي يتعلموا فيها ابجدية الفن السينمائي، ليس فن السينما فحسب ، بل " فن عدم الخضوع " أيضا
وداعا شاهين ، وداع لقطعة شامخة عملاقة، من هذه البلاد التي نعشق، ومؤسسة فنية سينمائية متوهجة و " منورة بأهلها " ، ومتجددة دوما بالعطاء والسخاء والمعارف الجديدة
عن جريدة " النهار " اللبنانية
*اعتمدت في كتابة هذا المقال ، علي مقال لي بعنوان " يوسف شاهين في السينماتيك الفرنسي " ، كنت كتبته بمناسبة تكريم لشاهين في دار الافلام الفرنسية الشهيرة عام 1996 وكان عمره 72 سنة آنذاك ،وعرض له 31 فيلم في تلك التظاهرة . وكان السينماتيك عرض بالمناسبة فيلم شاهين " الناس والنيل " ، الذي هرب نسخته الي فرنسا بعد ان منعت الرقابة عرض الفيلم في مصر
ونشر المقال في جريدة " الاهرام الدولي " بتاريخ 16 اكتوبر 1996 ، ثم اعيد نشره في كتابي " السينما العربية خارج الحدود " الصادر عن المركز القومي للسينما في مصر عام 1999
----------
*وصية شاهين
حب الوطن ، وعشق الإنسان
بقلم صلاح هاشم
اعتبر ان يوسف شاهين، الذي توفي اليوم الاحد 27 يوليو 2008 عن 82 عاما هو مؤسس تيار " المكاشفة " وحساب الذات في السينما العربية الجديدة، اذ يجسد المخرج المصري يحيي الاسكندراني في فيلم " الاسكندرية كمان وكمان " من انتاج 1990 حالة خاصة، في اطار عملية الخلق الفني ، داخل بلد محدد هو مصر. وهذه الحالة الخاصة، في اطار الظروف الموضوعية العامة ، اجتماعية وفكرية وسياسية واقتصادية التي تعيشها ، هي موضوع فيلم شاهين، الذي يضع نفسه أمام المرآة،لكي يكتشف ملامح وقسمات تلك " الحالة " الخاصة جدا في شخصية يحيي الاسكندراني..
الاسكندرية كمان وكمان هو فيلم أقرب مايكون إلي افلام " السيرة الذاتية " التي تسلط الضوء علي وضع انساني محدد، خلال فترة بعينها، وهو من هذا المنطلق فيلم للتاريخ وعن التاريخ، ينضم الي فيلمين سابقين من افلام شاهين هما " الاسكندرية ليه ؟ " انتاج 1979 وفيلم " حدوتة مصرية " 83 ليشكل " ثلاثية " هي الأولي من نوعها في السينما العربية، فها هو شاهين، وبعد مرور اكثر من عشر سنوات علي انتهاء الجزء الاول في المرحلة الفرنسية الذي شهد فيلمي " الوداع بونابرت " 85 و " اليوم السادس " 86..
هاهو " جو " يعود في هذا الفيلم، الي وقائع شخصية وتاريخية محددة، ويطرح هذه الوقائع من خلال مرآة الشخصية، في علاقتها بالتاريخ، حين تكون " الأنا " هي المحور الأساسي في الفيلم، ولذلك يعد " الاسكندرية كمان وكمان احد اهم الأفلام العربية في تاريخها، اذ يؤسس لما نحب ان نطلق عليه " سينما المكاشفة " الذي يؤكد علي قيم " الفردية " من حيث هي " بلورة " لفكر فردي فريد ونبيل وأصيل ومتفرد، في مواجهة تلك الافكار والجماعات التي تحارب كل ما هو نبيل وانساني، وتريد ان تكتسح بتياراتها السلفية الظلامية المتعصبة الفكر الآخر، وتعمل علي اخراس الالسنة..
يركز فيلم " الاسكندرية كمان وكمان" علي هواجس وهموم يحيي الاسكندراني، الذي يعيش حالة " انفصام " عن النجم – أو الذات الاخري – الذي كان يقوم ببطولة أفلامه، وقد انشغل هذه المرة عن مخرجنا بمسلسلات وأفلام تليفزيونية مشبوهة بأموال مشبوهة..
ندلف الي الاسكندرية من أول لقطة ونلتقي بيحيي المخرج الاسكندراني ونسافر معه الي مهرجان برلين، حيث حصل فيلمه علي جائزة الدب الذهبي جائزة احسن فيلم ،ثم نتجه معه الي مهرجان " كان " الذي لم يحصد فيه الا مرارو الفشل، ونعيش معه قصة انفصال نجمه الذي يقوم ببطولة افلامه عنه، كما نعيش معه علاقته بفنه حيث يخرج فيلما بعنوان " هاملت الاسكندراني، ولا ينجح عمر " نجم افلامه " لا ينجح للأسف في تقمص شخصية هاملت كما يريدها المخرج ويطلبها..
يمنحنا الفيلم مخرجا شابا جديد هو يوسف شاهين، حيث يمثل ويرقص ويغني في الفيلم،ويطلب منا في اغنيته ان نري العالم بعيونه.. وان نتفحص جيدا في عينيه لنري شهادة الحب.حب الوطن مصر وعشق الانسان.
ويشارك يحيي المخرج الاسكندراني الذي يلعب دوره شاهين ذاته في اضراب الفنانين في مصر ضد سلطة النقابة، واذا به يلتقي بهذه الممثلة الشابة " نادية " وتقوم بدورها الفنانة يسرا ، فيقع في حبها، ولا يستطيع أن يصارحها بحبه، ومن خلال علاقته بها تتفتح ذاته علي أشياء ووقائع وأحداث، مشاعر وأحاسيس ورؤى لم يكن يفهمها، او يستشعرها من قبل – من خلال المشاهد التي تظهر فيها يسرا في دور الملكة " كليوباترا " ويوسف شاهين في دور أنطوني مرة ، ثم في دور الاسكندر الاكبر مرة اخري ، وهكذا يقدم لنا شاهين " رؤية " ذاتية تهكمية ساخرة في آن، لبعض الشخصيات التاريخية التي تركت بصماتها علي حياة وتاريخ المدينة..
كما ان " الاسكندرية كمان وكمان " في رأينا ، يطرح أيضا " رؤية " ذاتيه لهذه المدينة المتوسطية العريقة – كانت أول " عاصمة " لمصر – التي تشكل في جوهرها مساحة للتواصل والتسامح والتعارف والتفاهم وتبادل الثقافات بين جميع الأمم والأجناس، كما يتمثلها فنان كبير مثل يوسف شاهين..
نتابع في الفيلم أيضا مشاكل وهموم عملية الخلق الفني السينمائي، حيث يصنع يحيي مخرجنا الاسكندراني فيلما عن " هاملت " لشكسبير ويضع له عنوان " هاملت الاسكندراني "، وهي بالطبع تحية إلي مسرحية هاملت الشهيرة وتحية الي مؤلفها الكاتب المسرحي الانجليزي وليام شكسبير، فقد كان شاهين يحلم بتمثيل دور هاملت عندما كان يدرس في كلية فيكتوريا وقبل ان يشد الرحال للسفر والذهاب لدراسة السينما في أمريكا..
يكشف الفيلم الذي يجسد " فن المكاشفة " من ابتداع شاهين وعند شاهين عن جدارة، يكشف أيضا عن التناقض بين شخصية الممثل وشخصية المخرج في ذات المخرج شاهين.لكنه هاهو شاهين يحل لنفسه هذه المشكلة، فيقوم ببطولة الفيلم بعد أن قام محسن محيي لدين بدور شاهين في " الإسكندرية ليه ؟ " الذي حكي لنا فيه عن رحلته لدراسة السينما بأمريكا، وقام الممثل نور الشريف بدور شاهين في ذلك الجزء الثالث من " الثلاثية " ونعني به فيلم " حدوتة مصرية " ويحكي لنا فيه عن عملية تغيير شرايين القلب التي أجريت له..
فيلم " الإسكندرية كمان وكمان يضع رؤية الذات علي حقيقتها ، من خلال أزماتها وهمومها، مع رؤية الواقع علي حقيقته، من خلال الإضراب في النقابة، يضعهما مع حال السينما العربية في المهرجانات الدولية مثل فينيسيا وكان داخل بوتقة الفن الشاهيني، ليصنع لنا " تركيبة " مدهشة وساحرة من الأحاسيس والمشاعر والأفكار والأغاني والمواقف، تنفخ من جديد الروح في السينما العربية وتمسح عنها التراب. وفيلم " الإسكندرية كمان وكمان "، عندما يطلق للذات في السينما العربية حريتها،ويوفر لها إمكانيات القول والبوح- بلا كسوف او خجل ، يحرر السينما العربية من الاطر الكلاسيكية القديمة التي تحبس فيها نفسها، بموضوعاتها المكررة المعادة المملة الثرثارة ، ويفتح لها نافذة علي بحر الإسكندرية، لكي تسافر في أفق ثقافتنا العربية المعاصرة، وتبحر في سلام مع الذات، داخل بحر الناس الكبير، وتكتشف ولأول مرة ربما نفسها والعالم .
غلاف كتاب " إيجيبت " مصر ، لكريستوف عياد و نبيل بطرس
لقطة لحضارة مصر الفرعونية القديمة من الكتاب
لقطة لظهر الكتاب
كتاب " إيجيبت" مصر
لكريستوف عيّاد ونبيل بطرس
يؤسس لـ "نظرة" جديدة
بقلم : صلاح هاشم
باريس- سينما إيزيس
من أجمل الكتب التي صدرت حديثا في فرنسا عن دار نشر " شن" CHENE كتاب بالنصوص والصور ( نصوص الصحفي الفرنسي الكبير كريستوف عيّاد من جريدة" ليبراسيون" و صور المصورالمصري الفنان المتميز نبيل بطرس) بعنوان " إيجيبت " EGYPTEيحكي عن مصر أم الدنيا وهو يفرش بنصوصه وصوره سجادة ، تتمدد عليها روح مصر الحقيقة،وتحشرنا في زحام الناس في البيوتات و الشوارع والمزارع والمخابز والكنائس والحقول والمقاهي، وتقودنا الي الصحراء و الوادي و الواحات والجبل ، وتتوهج في كل صفحة اكثر من خمسمائة صفحة تقريبا من الكتاب ، حين تمسك بتلك الالفة والبساطة المحببة و " العشرة" وقيم الشهامة والجدعنة التي تظل ركائز وثوابت شامخة في الشخصية المصرية التي تسع ابتسامتها العريضة العالم كله، و من أرادها بسوء كما في كلام للمؤرخ الكبير ابن إياس – من أرادها بسوء قسمه الله..
كتاب يمسك بتلافيف و تفاصيل الحياة اليومية وبهجتها و عزتها وألوانها، ليكشف عن حيوية الحاضر المعاش المتدفقة ، وشعلة الحياة التي تدب في مصر على الارض ، وهي تتشعبط من اتوبيس الي اتوبيس ، وتخترق زحام الاسواق والميادين ، وتدخل وهي دوما متألقة في لحم الواقع ، من دون تردد او وجل..
تلك الروح التي تصارع كل صباح عواصف القهر والظلم و الفناء و العدم والفوضي الكبري المنظمة، وتريد ان تبتلع العالم كله ، وتلتهم الحياة التهاما ، وتتظاهر - تعمل روحها بالبلدي - كما لوكانت تريد فقط ان تعب منها
تلك الروح هي التي ورثناها، وهي المحرك الذي يدور في مصر كل صباح لدي الانسان المصري، لكي ينطلق - يعلم الله - ويريد ان يقرقش الحياة قرش ويمضغها باسنانه..
كتاب في " وصف مصر" لاعادة اكتشافها من ثاني ، يحتضن بنصوصه الجميلة العذبة لكريستوف عياد ، وصور نبيل بطرس المتألقة بتلقائيتها وبساطتها وانسانيتها ، يحتضن مصر كلها بيوتاتها و مساجدها و كنائسها ويرسم شارة حب على صدرها..
وقد بدا لي كما لوان تلك النصوص والصور هي شهادة اعتراف بجميل يدين به كلاهما للشعب المصري، فكريستوف عمل مراسلا لجريدة " ليبراسيون " الفرنسية اليومية في مصر في الفترة من1993 الى 2000 اي انه قضي 8 سنوات من حياته في " المحروسة " واختلط باهلها ، وحين عاد الى فرنسا وضع كتابا عن الجغرافية السياسية في مصر، وحصل به على جائزة البرت لوندر عام 2004..
أما المصور المصري الفنان المتميز نبيل بطرس المقيم في فرنسا ، فهو من مواليد القاهرة وهو سينيغراف اي مصمم ديكورات مسرحية الي جانب عمله بالتصوير الفوتوغرافي ، ويشتغل على موضوع " الظاهرة الدينية في واقع " الحداثة " في مصر " وقد اقام العديد من المعارض في فرنسا ودول العالم ، وله كتاب حكايات بعنوان " حكايات النيل " الصادر بالفرنسية عن دار نشر" اركانج مينوتور " عام 2007 ، و يعتبر نبيل بطرس ابن مصر البلاد حاليا من أنشط وأبرز المصورين الفوتوغرافيين المصريين الذين يعيشون في فرنسا حاليا.لذلك بدا لي الكتاب كما لو كان اعترافا منهما بجميل مصر عليهما ، و قصيدة عشق لمصر الوطن..
كتاب "إيجيبت لو رف " يؤسس ل " نظرة " جديدة ، نظرة تتطلع الي مصر من الداخل و لا تكتفي بصور الادلة السياحية البراقة اللامعة العابرة من شباك الاتوبيس ، نظرة تحشر نفسها مع الناس في طوابير العيش والقوارب في نزهات على النيل بل وحتي داخل المقابر لكي تمسك بحميمية الحياة في مصر غبطتها والفتها ، ولا تأنف من الجلوس مع الناس في المقاهي او الصعود معهم الي السطوح، لكي تطل علي كرنفال البهجة المدلوق في الشوارع والأزقة، و تحلم بان يكون الغد و بكل الوان قوس قزح ، اكثر انسانية وعدالة و تسامحا..
كتاب لايكتفي فيه كاتبه كريستوف عياد بالنصوص التي كتبها ، بل يضيف اليها فقرات من روايات وكتب لمؤلفين وكتاب مصريين شكلوا وجداننا من امثال نجيب محفوظ و يحيي حقي ويوسف ادريس وجمال الغيطاني وغيرهم يحكون فيها عن تلك البلاد مصر التي احبوا، وروحها العميقة ، ويبدو حرصه على التركيز على عنصر " الاستمرارية " في الحضارة المصرية من خلال إضافة بعص صور الكارت بوستال القديمة لمصر، الي صور الحاضر التي التقطتها عدسة بطرس، هكذا كانت مصر أيام زمان فانظر كيف هي الآن ، لتكتشف ان ثمة اسلوب حياة وفلسفة وجود واستمرارية ، فالمجتمع او المجتمعات المصرية التي يحكي عنها كتاب " إيجيبت " كما نعرف، شيدت أول حضارة إنسانية على وجه الدنيا ، وان هذه الحضارة كما يذكر د. سيد عويس في كتابه " قراءات في موسوعة المجتمع المصري " ومن دون شوفينية " كانت ولاتزال مصدرا للعديد من العناصر الثقافية الاجتماعية لحضارات الدنيا بأسرها، فقد اخترعت مصر المدنية الاولى ، ثم تفشت هذه المدنية في أنحاء العالم، وذلك لاننا حتى وقتنا هذا ، نستطيع ان نرجع بعادات العالم في نظم الحكومة و القضاء والزواج وتقاليد الموت و الدفن بل في قصص الاطفال الي المصريين القدماء "..
كتاب " مصر " لكريبستوف عياد و نبيل بطرس يبهرك بحيويته والوانه، تلك الالوان التي يحب المصريون ان يعيشوا وسطها، و يذكرها الكتاب ، الالوان : الازرق مثل النيل و البحر ، و الاخضر مثل الوادي و مثل الاسلام والاحمر مثل العيد والاصفر مثل الذهب..
كتاب هو بمثابة " دعوة متجددة " للسفر الي ام الدنياومصر البلاد،التي نعتبرها بمثابة " قارة " لم تكتشف بعد ، و تدعونا الي اكتشاف سرها وسحرها في كل لحظة
يسعدني ان اقدم هنا قراءة لفيلم " عصافير النيل " اخراج المصري مجدي احمد علي ، للصحفي و الناقد الفلسطيني الصديق رياض ابو عواد ، و كنت شاهدت الفيلم معه اثناء تواجدي في مهرجان القاهرة السينمائي الفائت 33 وكتبت عن ذلك ، في مجموعة تحقيقات عن المهرجان بعنوان " طقوس الخروج ليلا " ، كتبت منها جزأين و نشرتهما في " سينما ايزيس " و لم اكمل الجزء الثالث كما وعدت، بسبب انشغالي مهنيا بوضع قاموس بالفرنسية للعامية المصرية مع مجموعة من الباحثين و الدارسين العرب في ياريس ،حملني الي منطقة اخري من مناطق ابحاثي و انشغالاتي ، و اعد بان اعود الى طقوس الخروج ليلا عندما تسمح الظروف وعلها تسمح قريبا جدا
دخلت مع رياض الفيلم ، وخرجت منه في ذلك العرض الاول للفيلم في المهرجان حيث شارك في مسابقة مهرجان القاهرة وانا استشعر حالة انسجام وفرح و شجن ، و حين سألني رياض عن رأيي في الفيلم ، لخصت الحالة كالعادة في جملتين :( اعتبر ان فيلم " عصافير النيل" بمثابة "قصيدة " تشدو بحب الحياة ، رغم الواقع السريالي العبثي المفروض على المواطن المصري أن يعيشه ) فاحتفظ بهما و اوردهما في مقاله وانا لجميله شاكر و ممتن ، واسرعت بالخروج ، حتي اذهب واكتب عن تلك الحالةالجميلة التي وضعني فيها الفيلم ، في خلوتي بغرفة الفندق التي تطل على نيل القاهرة ، بعيدا عن صخب هذا العالم المسعور
واثناء سيري باتجاه الفندق ،التقيت بالصحفي الكاتب الصديق سعد القرش الذي نادى علي من شباك سيارة وعرض ان يوصلني لميدان التحرير في طريقة وآخذ من هناك تاكسي الي الفندق او اروح اتمشي وتحدثنا في السكة عن الفيلم ، و كان سعد مهتما بالحديث عن التطابق بين الفيلم و الرواية وان كان الفيلم نجح في نقلها للشاشة ، و لم يكن ذلك بالنسبة الي مهما ، و لم اكن قرات الرواية او بالاحري قرات عدة صفحات منها ثم تركتها ، و كنت مشغولا فقط بهم ان اكتب عن تلك الحالة و الحالات التي تنتابني وانا اشاهد افلام مجدي وبعض المخرجين المجيدين في مصر مثل المخرج داود عبد السيد الذي سعدت بصحبته في لجنة تحكيم مسابقة الافلام الروائية القصيرة في مهرجان ساقية الصاوي في مصر
. سينما مجدي احمد علي في " عصافير النيل " تظل امينة لمشاغل و انشغالات مجموعة من المخرجين المتميزين في البلاد من ضمنهم داود ، تسعي الي تكملة مشوار الرواد الاوائل الذين صنعوا لمصر بافلامهم كيانا سينمائيا مصريا و عربيا شامخا بافلام من نوع " درب المهابيل " لتوفيق صالح ، و " السقامات " لصلاح ابو سيف و "صراع في الوادي" ليوسف شاهين ، وغيرهم ، على سكة صنع " صورة " تشبهنا ، و تحكي عنا ، تحكي عن مصر وشعبها
يشتغل مجدي باخلاص علي ذلك الهم الاساسي ، من خلال الحكايات و الروايات التي تحكي دوما عن الناس في مصر وهي تبرز القيم الانسانية الاصيلة التي صنعتنا ، و تكشف في آن عن احلام و اوهام عصافير النيل الصغيرة والكبيرة معا
يحكي مجدي في فيلمه الجديد بعد ان اتحفنا ب "خلطة فوزية" المدهشة ، عن عملية تفتيش داخل كيانات مهمشة بسبب ظروف الحياة القاسية ، تفتيشها عن اصلها و فصلها و حقيقة رغباتها الحقيقية، و هي تبحث عن صيغ وأساليب حياة جديدة تتعايش بها من خلال بحثها عن ذاكرتها في الفيلم ، تتعايش مع واقع حياتي عبثي راهن بائس وطارد ، حتي ان تلك الكيانات لم يعد لديها لتعيش اي فرح في الحاضر ، سوي التعلق بتلك الذكريات الجميلة ، و قد شعرت ان مجدي في ذلك الفيلم هو اكثر حرية وتحررا منه في اي فيلم مضي وهو يحاول و يجرب ، وربما كانت تللك الحرية التي مارسها في صنع فيلمه ن بعد ان تذهب حكايات الناس والذكريات ، هي اهم انجاز حققه مجدي في فيلمه بل و في كل افلامه، و معني ذلك ان مجدي ماشي في السكة السليمة ، سكة صنع تلك الافلام المصرية الجميلة الاصيلة التي بمجرد مشاهدتها تصبح قطعة منا ، وتحية الي مجدي على فيلمه الجميل
القاهرة - رياض أبو عواد - يصور فيلم "عصافير النيل" لمجدي احمد علي الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية للدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي حالة انسانية متدفقة في حب الحياة في ظل واقع سريالي مليء بالحياة والاغتراب
والفيلم المستند الى رواية تحمل العنوان نفسه للروائي ابراهيم اصلان، قادر على المنافسة على جوائز المسابقة الرسمية للمهرجان وكذلك المسابقة العربية بقوة، فهو "قصيدة تشدو بحب الحياة رغم الواقع السريالي العبثي المفروض على المواطن المصري ان يعيشه" على ما يقول الناقد المصري المقيم في فرنسا صلاح هاشم.
ويصور الفيلم الذي تتعدد مستويات السرد الروائي والبصري فيه، مسار عائلة تعيش في منطقة امبابة الشعبية في الثمانينات من القرن الماضي حين يأتي شاب من الريف (فتحي عبد الوهاب) للعيش مع شقيقته (دلال عبد العزيز) وزوجها (محمود الجندي) لحصوله على وظيفة ساعي بريد في القاهرة.
ويبدأ الفيلم بمشهد لقاء فتحي عبد الوهاب مع حبيبته القديمة جارة شقيقته في السكن عبير صبري في المستشفى بعد سنوات فراق طويلة وكلاهما يعاني من مرض السرطان، مما يثير شجنهما ويعيدهما الى زمان مضى في حالة من الاستذكار الجميل.
ويتنقل الفيلم في الزمان من الماضي الى الحاضر والعكس، فيتذكران معا بداية تعرفهما من خلال مشهد يشير الى سيريالية الواقع المعاش حيث يذهب الشاب الريفي لصيد السمك فبدلا من ان تصطاد صنارته سمكة تصطاد عصفورا فلا يملك سوى ان يبدأ في الجري الى ان يصل الى قسم شرطة امبابة فيتم اعتقاله والاعتداء عليه.
هذا المشهد السريالي بما يحمله من عبثية وفي الوقت نفسه من حالة تمرد ومواجهة مع النظام القائم تحمل اشارة واحدة ومحددة: محاولة الخروج للحرية الا ان ذلك يبدو بعيدا فلا يحصل سوى عودة بطل الفيلم الى روتين الحياة اليومية.
لكن هذا الحدث ايضا يؤسس لبداية علاقة مع عبير صبري تعيش في داخلهما الى ان يلتقيا من جديد بعد عشرات السنين في المستشفى.
ويصور كيفية انتهاء العلاقة بينهما عندما ترفض الزواج منه بعد رفضه الرد على سؤال وجودي بالنسبة لها وهو "فيما اذا ما كان يؤمن بان سمعتها سيئة كما يقول الجيران ام انها انسانة حقيقية تبحث عن حياة جديدة في القاهرة بعد طلاقها من زوجها في مدينة بورسعيد؟"
وعندما لم يجب على سؤالها بشكل مباشر اعتبرت ذلك ادانة هجرت الحي بعد رفضها الزواج منه.
الا ان الحياة تستمر فيخطب من ممرضة تقوم برعايته خلال اجراءه عملية في مستشفى لكنه يفترق عنها لانها تجعل الحياة اكثر تعقيدا من البساطة التي يراها فيها.
ثم يتزوج امرأة تعيش على راتب زوجها المتوفي، سرا وعندما يطالبها بالاعلان عن زواجهما تطلب الطلاق فينفصل مجددا عنها ليتزوج فتاة ريفية من بلده حيث ينجب منها اطفالا لكنها لا تشكل جزءا حقيقيا من حياته لان قلبه مع امرأة اخرى لم ينسها طوال عمره.
ويصور الفيلم ايضا اشارات الى تصاعد دور المد الديني في المنطقة "وهي الفترة التي دعم فيها النظام الحركات الدينية لمواجهة اليساريين والناصريين حتى انقلب السحر على الساحر وادى بعد ذلك الى مقتل الرئيس محمد انور السادات" كما يؤكد المخرج مجدي احمد علي في الندوة التي اعقبت عرض الفيلم.
وهناك الكثير من اللقطات الجميلة التي تضمنها الفيلم منها قيام محمود الجندي بالقاء مقطع كامل من مسرحية هاملت لشكسبير "ان تكون او لا تكون" مرفقة بمشاهد حول مصائر شخصيات الفيلم.
كذلك الحوار بين محمود الجندي ودلال عبد العزيز وخوفها من الظلام ورغبتها باضاءة قبرها لمدة اسبوع بعد وفاتها الى جانب العديد من المشاهد التي لها جماليتها التي جمعت فتحي عبد الوهاب مع نسائه عبير صبري ومنى حسين ومشيرة احمد وحواراته مع ابن شقيقته اليساري (احمد مجدي) ابن المخرج