ملصق فيلم " خلطة فوزية " لمجدي احمد علي
أوراق من مهرجان
مهرجان القاهرة السينمائي 32 ماذا حقق ؟
( 1 من 2 )
بقلم صلاح هاشم
ليس المهرجان ، اي مهرجان، مجرد شاشة فقط لعرض الافلام السينمائية الاجنبية والعربية الجديدة بل هو ايضا ساحة تتلاقي فيها الافكار والمشروعات والمناقشات الجدية المثمرة، التي لاتخص مستقبل وواقع السينما في مصر فقط ، بل في المنطقة العربية والمتوسطية من العالم، وذلك في مواجهة زحف الشرائط الهوليوودية الكاسح، ان علي شاشات السينما او التلفزيون وهيمنتها بخزعبلات التكنولوجيا الرقمية، وأعمال العنف الرخيص المجاني و المطارادات علي أسواق السينما في العالم. كان القاهرة السينمائي 32 واكثر من أي وقت مضي " ساحة " تطرح فيها التساؤلات بخصوص أين نحن الآن من فن السينما الذي يتطور في العالم، ويتعثر تقدمه في بلادنا، بل يكاد يزحف علي بطنه وسط الشوارع الموحلة والملغمة بأكوام النفايات في الشارع السينمائي المصري ،الذي صار يكرس في معظمه لل " الهلس " أو الهراء العام والتهريج الرخيص، بل ويكاد ،بعد ان اصبحت السينما في مصر هي اكوام "الزبالة " تلك من الافلام ، التي تغرق أسواقنا، ويخضع توزيعها لموزع احتكاري واحد، وتوظف حفنة من انصاف النجوم في تقطيع تورتة بداية التصوير في فيلم تفرد له معظم الصحف والمجلات المصرية صدرها، لكي تباركه وتحكي عن موضوعه وتلهج بالثناء علي أبطاله..
تكاد تكون هذه السينما التي عشقناها في أفلام " درب المهابيل " " زينب " و" الفتوة " و" بداية ونهاية " و" العزيمة " و" ابن حميدو " و" اللص والكلاب " الخ الخ الخ قد ماتت بالفعل/ منذ ان هوي مشروع حماية المبدع السينمائي الفنان المصري من خلال " القطاع الخاص " في السبعينيات ، وتحول " السينما المصرية العريقة " التي صنعت وجداننا الي " تجارة "، علي يد بعض التجاراللبنانيين، واختفاء ذلك " البطل " الذي صنعته لنا السينما المصرية بأفلامها مع التقاليد التي أرستهاا- كانت مثلا في صف الفلاحين المساكين الغلابة علي طول الخط – تحولها الي مجرد تهريج وليس ترفيه، وفقدت السينما المصرية مع الثقافة المصرية ريادتها ودخلت مرحلة غيبوبة بالفعل صارت ظاهرة أعم وأشمل في الشارع العام وتللك البيوتات التي صارت تسهر شاخصة الي شاشات التلفزيون وهي تتسلي قاعدة تحته بقراطيس اللب والفول السوداني حتي تنام مع ابطال المسلسل مثلها مثل اي كائنات عدمية مستسلمة في مجتمعات الانفتاح الاستهلاكية المصرية الجديدة والمولات وغياب أي قبس للخلاص من تلك " الظلامية "الغبية المتطرفة التي يفرضها اعلام واحد بمنابره وفلوسه ورجاله ومؤسساته ، و هذا التراجع و ذاك التخلف المشين علي كافة مستويات الحياة في مصر، والاستسلام للأمر الواقع.ألم يقل أحدهم ان الشعوب علي دين ملوكهم ؟. هل من يشاطرنا الأحزان ؟..
أعتبر بداية ان مهرجان القاهرة في دورته 32 حقق الكثير، فقد بسط - اضافة الي الافلام المتميزة التي عرضها مثل " خلطة فوزية " لمجدي احمد علي و " بلطية العايمة " لعلي رجب و " بصرة " لأحمد رشوان من مصر، ومجموعة من اهم وابرز الافلام المختارة الحائزة علي جوائز في مهرجانات سينمائية عالمية مثل فيلم " 3 قرود " للتركي نوري بيلغ سيلان الخ- .بسط تلك " الساحة " للتلاقي علي "خلفية " مدينة " مدهشة " من أعرق مدن افريقيا والعالم..
فما تزال القاهرة عاصمة افريقيا ، تقف شاهدة علي معجزة الحياة في مصر كل نهار، حيث ان المرافق التي تمدها باحتياجاتها، كانت مجهزة أصلا لخدمة احتياجات 3 مليون أنسان /وليس 20 مليون بني آدم يا لطيف كما هو تعدادها الآن، ومع ذلك لاينام في تلك المدينة العملاقة أحد وهو جائع، وهي تستحق المشاهدة عن جدارة في تلك القارة – مصر التي لم نكتشفها بعد - كما ان المهرجان اذا كان يغرينا ويلوح لنا بالافلام والنجوم والبريق وأعمال قوس قزح وعروض الموضة الملونة المدهشة في حفلات الافتتاح والختام وما بينهما من حفلات، فانه يقصد من خلال توظيف كل هذه العناصر " الجاذبة " المغرية والمطلوبة، كما يفعل مهرجان " كان " مع النجوم لخدمة " سينما المؤلف " ان تتاح لنا الفرصة لكي نلتقي في رحابها ولهوها وزحامها نحن السينمائيين والمخرجين العرب ، في " مواجهة " بل مواجهات أمامية تغنينا وتثرينا بمناقشاتها وحواراتها / وهو بذلك يحقق وظيفة السينما الاصلية الحقيقية، فليس المقصود بالافلام ان تزودنا بالمعارف الجديدة – حيث يمكن الحصول علي هذه المعارف من محركات البحث علي الانترنت والاصدارات الحديثة والمكتبات العامة وغيرها خارج دور العرض السينمائي، لكن وظيفتها ان تقرب الناس من بعضهم البعض، لكي تقربنا حضارة السينما أكثر – حضارة السلوك الكبري كما أسميها- تقربنا أصلا من انسانيتنا..
وقد ظهر ذلك مثلا من خلال التجمعات واللقاءات التي كانت تعقد في كافتيريا المجلس الاعلي للثقافة ، بجوار مركز الابداع التابع لصندوق التنمية الثقافية حيث تعرض افلام المهرجان علي الجمهور والسينمائيين ، ويلتقي فيها المخرجين بالنقاد والصحفيين، يلتقي المخرج احمد رشوان بمحمد خان بالروائي بكر الشرقاوي بالمثقف السينمائي وشيخ النقاد السينمائيين في مصر د.صبحي شفيق بالمخرجة هالة لطفي ، ويتجمع ويتحلق حولهم ضيوف المهرجان القادمين من باريس ولندن وروما وبيروت الخ، ويبدأ الحوار والنقاش والجدل في أجواء حميمية تطرح فيهاالتساؤلات الخاصة بتلك السينما التي نصنع في بلادنا ، ولم تتخلف هنا – في حين تتقدم في العالم، وربما كانت تلك اللقاءات والنقاشات التي دارت خارج دوائر المهرجان الرسمية، أكثر وأعم فائدة من تللك المؤتمرات الصحفية في اعقاب عروض الافلام التي هيمن علي بعضها الفوضي و بعض المجاملات الرخيصة .ولذلك لابد أن يحرص المهرجان علي تواجد وتجمع كل الضيوف من السينمائيين العرب والمصريين في مكان واحد علي أرض القاهرة ، حيث ان ذلك التجمع هو الذي يتيح وحده ان يكون هناك " كشف حساب " سنوي للسينما العربية ، واقترح ايضا ان يفرد المهرجان مساحة لتقديم بانوراما للسينما الوثائقية وأبرز انتاجاتها لا ان يقتصر عرض هذا النوع علي مهرجان الاسماعيلية فقط واعتقد ان ادارة المهرجان لاشك ترحب باقتراحات وأفكار كل من يهمهم أمر ذلك المهرجان السينمائي القاهري المصري ، لأنه أصبح " واجهة " للسينما المصرية العريقة الملهمة ، التي صنعت وجداننا، وحبنا ومساندتنا ووقوفنا الي جانب مهرجان القاهرة وقبل اي مهرجان سينمائي عربي آخرنابع من حبنا وعشقنا أصلا لتلك السينما المصرية الجبارة - انتمائنا لها وانتمائها الينا - التي يعتبرها عمنا الروائي بكر الشرقاوي المغترب في لندن – صاحب رواية " وقائع ما حدث يوم القيامة في مصر- " أحد أعرق السينمات العالمية قاطبة ،أن لم تكن أعرق سينما في الوجود وعلي وجه الكرة الارضية..وان كان حالها الآن في التراب والعدم.
ان هذا " التجمع " السينمائي الانساني علي أرض القاهرة الذي حققه المهرجان للتواصل والتعارف وتبادل وجهات النظر والبحث في أساليب خلق وابداع السينما الجديدة والتفكير في مشروعات سينمائية حديثة، والشروع بالفعل في تنفيذها هو الشيء الذي يجب ان يحرص عليه المهرجان، ليذكر ابدا ودائما ان الريادة كانت لمصر، أم الدنيا، في السينما و الثقافة و الآداب والفنون والعلوم، ولن يستطيع اي مهرجان عربي اخر ان ينتزع من مهرجان القاهرة - ومهما كانت عثراته واخطائه ومثالبه وسوءاته- تلك الريادة، او يسلبه امتداداته العميقة السحيقة، بقيم التسامح والضيافة والكرم والمحبة ، في قلب حضارة قدماء المصريين العريقة التي تتحدي الفناء والزمن..
وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق