الأربعاء، أغسطس 29، 2007

جمال الغيطاني : باقون في مصر ولن نهاجر

جمال الغيطاني




مختارات ايزيس



الارهاب والفساد


بقلم جمال الغيطاني



مايجري الآن من تشهير بالمثقفين هو حملة منسقة ضدهم تشارك فيها بعض الفضائيات العربية التي تلتقط أية اشارة من شيوخ التطرف والتزمت لتحولها إلي أخبار ولقاءات بهم، هذا المناخ الاستعدائي يمهد المناخ لإرهاب مادي، لعمليات تصفية جسدية .تمر الثقافة المصرية الآن بين خطرين، كلاهما أفدح من الآخر، الفساد المتمركز في وزارة الثقافة والذي يؤدي إلي خراب الروح والقيم، ومن ناحية أخري إرهاب بعض الشيوخ، أو المتحدثين باسم الدين، الساعين إلي إيجاد مناخ تسوده بعض قيم جماعة 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر' التي تطارد الناس في الشوارع، وتتدخل في حيواتهم. والغريب أن البلد الذي ظهرت فيه هذه الجماعة يحاول التخلص منها الآن، بينما يسعي بعض المتحدثين باسم الدين إلي فرضها كأمر واقع في مصر، من خلال مطاردة المثقفين وترويعهم، وشن الحملات ضدهم في الإعلام، واستخدام سلاح إقامة القضايا وتدبيج البلاغات، الدوافع هنا كثيرة، متداخلة. منها الطمع في المال. سواء كان مصدره داخليا، أو من مصادر أخري، والتوق إلي الشهرة، غير أن أخطر ما يترتب علي هذا الإرهاب المعنوي هو تهيئة المناخ للإرهاب المادي، ومن ناحية أخري تشويه الإسلام. وتقديم مادة مغرية للجهات المعادية للإسلام والمسلمين تساعد علي إظهار الدين الإسلامي رافضا للثقافة والحوار ومصدرا للعنف، فلنتأمل في وقع هذا التصريح المنسوب إلي أحد الشيوخ يتوعد فيه مبدعا كبيرا هو الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي، يقول فيه إنه سيطارده حتي لو جاع. هل يوجد رجل ينتسب إلي أي دين في العالم، يعلن عن مطاردة خصمه وتجويعه، هل تتسق هذه القسوة مع الرحمة التي تمثل جوهر الدين والرسالة؟.في عام تسعة وخمسين تقدم ثلاثة من الشيوخ بمذكرة إلي الرئيس عبدالناصر عن رواية 'أولاد حارتنا'، كان من نتيجتها وقف تداول الرواية بقرار غير معلن، ولم تنشر إلا بعد رحيل كاتبها العظيم الذي تحل ذكراه الأولي في هذا الأسبوع ومن أجله نخصص بستان هذا العدد ونتابع ما تم في شأن الخطوات التي أعلن عنها بعد رحيله بأيام ولم يتم منها شيء، مع أن إنشاء متحف أو تجهيز بيت قديم ليكون متحفا فيه فرصة لعملية مقاولات محترمة!لقد أوقفت رواية 'أولاد حارتنا' نصف قرن، ولكن موقف الشيوخ الثلاثة وتفسيرهم الديني للراوية ظل ينمو مثل كرة الثلج، حتي تقدم شاب مساء جمعة من الشيخ الكبير محاولا إغماد سكينه في عنق الرجل الذي مد يده مصافحا، هذا الشاب لم يقرأ حرفا لنجيب محفوظ، لكنه تلقي أمرا من أميره أو شيخه المتعصب أن يذبح محفوظ الذي كتب رواية كافرة، لا يهم إذن سواء قرأ أو لم يقرأ، لقد تحول بفضل الإرهاب المعنوي إلي قاتل لا يرد، لقد أدرك أحد الشيوخ الثلاثة الذين كتبوا التقرير ضد الرواية خطورة ما جري، ومدي الإساءة التي يمكن أن يلحقها ذلك الفعل بالإسلام والمسلمين، لذلك قام الشيخ محمد الغزالي بزيارة إلي الأستاذ في مرقده بمستشفي الشرطة. وحضر اللقاء العام الأستاذ أحمد بهجت، والزميل محمد عبدالقدوس، والصديق الأديب يوسف القعيد وقد نشر نصا للحوار الذي جري في المصور، واحتفظ بتسجيل صوتي كامل له.ما يجري الآن من تشهير بالمثقفين هو حملة منسقة ضدهم تشارك فيها بعض الفضائيات العربية التي تلتقط أية اشارة من شيوخ التطرف والتزمت لتحولها إلي أخبار ولقاءات بهم، هذا المناخ الاستعدائي يمهد المناخ لإرهاب مادي، لعمليات تصفية جسدية. جميع المثقفين المصريين في خطر، وحيواتهم مهددة. ان الفساد من ورائنا والإرهاب أمامنا، غير أن مصر لم تصبح بلدا مستباحا ولم يحكمه أشباه الطالبان بعد، فمازال للدولة مؤسسات وحضور، ان جميع المثقفين المصريين مطالبون الآن بالعلو فوق ذواتهم، وقد ضرب الدكتور جابر عصفور مثالا رفيعا في مقاله بجريدة الأهرام وعنوانه 'أيها المثقفون اتحدوا'، ان البرقيات والرسائل تنهال علي أخبار الأدب من الوطن العربي، وجميع أنحاء العالم، وخلال الأيام الماضية تلقينا مكالمات لا حصر لها للتضامن مع الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي والشخصيات الأخري موضع المطاردة، ان المثقفين المصريين هم الهدف، والدليل أن الشيخ الذي أعلن أنه سيطاردهم، اكتفي برسالة محاميه الرقيقة إلي جريدة الحياة، تعليقا علي ما كتبه الأستاذان عبده وازن، وجهاد الخازن، حول بيع أثاث بيت الشاعر الكبير حجازي.أيا كان الوضع، فنحن باقون في مصر، لن نهاجر، ولن نفر، سنقاوم الفساد حتي يسقط، والإرهاب حتي يجتث أيا كان شكله ومصدره، المهم أن يتوحد الجميع
جمال الغيطاني
رئيس تحرير مجلة اخبار الادب

عن جريدة اخبار الادب










ليست هناك تعليقات: