الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي
عندما كانت بغداد سينما للجميع
بقلم
عبدالقادر الجنابي
وفقا لأخبار موثوقة، أن عددا كبيرا من الصالات السينمائية البغدادية أغلقت أبوابها وأصبحت مواقع مهجورة بسبب
صالات السينما في بغدادالظروف السائدة حاليا... هذه الأخبار أثارت فيّ شجونا تلح علي أن أكتب عن تلك الصالات التي كانت بالنسبة إلي أشبه بقاطرات تأخذني برحلات حلمية صوب الآخر: أمريكا والغرب، العالم الآخر كله.. لكنني وجدت أن كتابة ذكريات في هذه الساعة نوعا من الاسقاط وتحريفا لتلك اللحظات التي كانت فيها بغداد سينما للجميع... غير أن الموضوع يغوي، لذا قررت أن أعيد نشر ما كتبته قبل أكثر من عشر سنوات:
1: كنت أعبر الأرصفة أو الجسر في عز الصيف حيث وهيج الشمس يذيب كل شيء، فأبحث عن كتلة ظل أتوقف عندها دقائق ثم أبدأ السيرنحو بناء مكيف بالهواء البارد الذي ينعش حاسة الحلم وتوق السفر، مفوّف بالاضواء الملونة وصور النجوم، حيطانه الداخلية ملبّسة بالمخمل الأزرق الغامق أو
واحد من أفضل أفلام صاموئيل فولرالأحمر القاني؛ ترصع سقفه نجوم صغيرة، وفي بطنه تترامى مئات المقاعد مسعّرة حسب التقسيم الطبقي: قرب الشاشة المقعد باربعين فلساً، في الوسط 80 فلساً، وفي الطابق الأول أو المقصورة 100 فلس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسس السينما لويس لوميير قال عندما تم عرض أول فيلم له في ناد: «يجب أن يدفع مقابل لصورة متحركة». وهكذا جعل المخيلة السينمائية بضاعة للاستثمار بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. صالة السينما بناء تبحر فيه الظلمة دون ما رقيب، يخترقها نور (ويالها من صدفة أن اسم لقب مءسيي فن االسينما: الأخوين نور!) يؤشر على سبورة بيضاء إلى عوالم سرعان ما نلجها حالمين بتحقيق ولو لحظة حياة واحدة مما كان تنطوي عليه من مغامرات وقصص حب نعيشها في مخيلتنا. وكالعادة كان ثمة من يستمني مباشرة وينتهي المشهد في رأسه، أو من يختزنه للمستقبل وينساه بمجرد أن يعود إلى البيت، وثمة من كان يغوص فيه هروباً من الواقع صوبه وكأن هذا الواقع الصلد بشكل مرعب ليس أكثر من سرد سينمائي في صندوق الدنيا.
2: غالباً ما كان أبي يأخذني إلى السينما. كان يضع يشماغه وعرقجينه (الكوفية والطاقي) إلى جانبه، وعيوننا تلتهم كل ما كان يقع على الشاشة الفضية من صور محمضة آنذاك بلون قهوائي أو أزرق فاتح، غير منتبهين إلى ما كان يجري من تحركات مشبوهة ومن سرقات وسط الظلام الذي يلف صالة السينما. كانت افلاماً جميلة خاصة التي كانت تعرض في سينما الرشيد (قرب حافظ القاضي) المتفرعتين إلى سينما شتوية وأخرى صيفية. طرزان، فلاش غوردن، سوبرمان، افلام الكاوبوي، العصابات كما كنا نسميها. وإذا كان الفيلم لا يضم مشاهد عنف، نعتبره فيلماً رديئاً واصفيه بأنه فيلم «ما فيه بوكسات»، وبطل الفيلم كنا نسميه «الولد»، حتى لو كان الممثل الذي يؤدي دور "الولد" مسنا. وعندما يأتي لنجدة البطلة يصرخ معظم المشاهدين: "جاء الولد"! وأحيانا يتضح عنف الفيلم عندما تحدث فجأة مشادة داخل الصالة كالتي حدثت ذات يوم، وأنا جد صغير، بين المشاهدين، وإذا بكتلة المشهد تنزلق بسرعة فائقة من الشاشة إلى الحائط الجانبي وترتج فجأة ثم تختفي. والسبب هو أن احدهم تناول جهاز العرض التي كانت موضوعة على طاولة في الخلف (لأن الغرفة، مكانها المخصص، كانت ذاك النهار في حالة ترميم)، وألقى بها على شخص آخر تحرش به. وصالة السينما أيضا مكان مثالي للصوص.. أتذكر، وذات عرض، ما إن انتهى الفيلم وأضيئت الصالة، حتى وجدنا أن «يشماغ وعرقجين» ابي قد سرقا. فزهق صارخاً مسقطاً ككل حنقه علي. غير انه بعد اسابيع استبد به الحنين إلى السينما، فقرر أن يأخذني إلى سينما غازي التي كانت تقع في رأس حديقة الأمة حيث يقع اليوم نصب الحرية في الباب الشرقي، لرؤية فيلم شارلي شابلن. «الأزمنة الحديثة»، فنغتسل بضحك غزير تنفرط معه سبحة رغبة ابي في الذهاب إلى السينمات التي كان يرتسم على سرتها الفضّية، سيل من افلام تستحق المشاهدة كـ"الشعلة والسهم»، «القرصان الأحمر»، «يوليسيس»، وافلام روك هدسن الأولى الذي لا تزال صورته وهو يلعب بمسدسه خلفه سماء اصطناعية زرقاء وتحت قدميه عشب أخضر، تتمثل في ذاكرتي، يقال أن مشهداً اعيد تصويره 38 مرة حتى يستطيع روك هدسن أن ينطق جملة واحدة كاملة في فيلمه الأول. ناهيك عن غضب رود ستايجر، أو برودة غلين فورد بدور «راعي البقر»، أو تحدي آلان لاند في «شايين»، أو ريتا هايوورث وهي تؤدي ما سمي في تاريخ السينما "ستربتيز القفاز"، عنما أخذت تنزع قفازها في فيلم «جيلدا»، أو ذاك الفيلم الذي نسيت اسمه، ممثليه، مخرجه حيث جيش الشمال يضيع في صحراء، يستبد به العطش، فيتدافع الجنود فوق الرمل صوب حفرة سراب ظنوها غديراً. ناهيك عن الافلام الهندية حيث لكل لكمة ضربة طبل قوية، التي بفضلها تصبح صالة السينما ملجأ العوائل فتختلط ضحكات المشاهدين بنداءات باعة سندويتشة العمبة والصمّون (بيض ممزوج بالمخللات الهندية)، وزعيق الاطفال بغناء شامي كابور في مسيل هائل من الدموع يتخلله تكريز الحَب والفستق الذي تمتلئ بقشوره الصالة. وحتى هذه الافلام المنحطة التي يحتقرها نقاد السينما، كـ"علي بابا والاربعون حرامي»، «الجزيرة الغامضة»، «رحلات سندباد»، «حرامي بغداد»، افلام لا يعود فيها شيء مهماً سوى الحيل حيث كل شيء ممكن فالمنطق لا تعود له قيمة كما في اجواء الحلم. عناكب هائلة، عمالقة تتناطح والجبال، بطة عملاقة تلاحق الأشخاص في الكهوف، بساط يطير، حصان طائر وإلى آخر الحيوانات الخرافية التي تسلي العين وتسوح بها إلى عوالم الخيال حيث المعرفة حاسة تشكيلية. وجورج سادول على حق عندما شبّه الشاشة الفضية ببساط سحري يحلق بنا فوق الأرض، يجعلنا نزور الهند، أميركا، الصين، القطب الشمالي، بل حتى المجرمين في مخابئهم والأولين في كهوفهم الحجرية. فبمجرد رمشة عين، ينزل بنا من أعلى أعالي السماء إلى أسحق نقطة في قاموس المحيطات، من أعمق أعماق الأدغال الأفريقية المليئة بحيوانات ضارة ووحوش بشرية، إلى أبهى قصور فيينا حيث أجمل نساء العالم يرقصن مع الامبراطور وحاشيته، من آخر كوكب مستقبلي إلى وهاد الماضي حيث نرى بأم عيننا موسى وهو يشق البحر بعصاه، أو نيرون وهو يحرق روما، أو المسيح والمسمار يُثبّت
فيلم "الجامع" لوليم وايلر
على يديه ورجليه، فينتشر الرعد وتهطل الأمطار وتحلّ الظلمات. هكذا كانت السينما في بغداد، خصوصا إبان الستينات مع بروز صالات سينمائية مختلفة، متطورة وعصرية كسينما "النصر"، "سمير أميس"، غرناطة"، وبتقنيات حديثة... وشاشات نتعرف من خلالها على الثقافة الغربية أكثر مما كنا نحاول ان نتعرف عليها عن طريق الورق. نعم بغداد عندما كانت فعلا سينما كانت أشبه بعيد أسهمه النارية صور شعرية تخترق العين لتستقر في صلب الذاكرة ملجأ نؤول إليه ضد أي ترهل تفرضه الحياة... حتى الذهاب إلى السينما كان له، آنذاك، طقسه الخاص، لكن ليس دون إزعاج: كم من شتيمة ولكمة أصابتنا ونحن مصطفون عند شباك التذاكر، بسبب شقي يأتي ويخترق الصف محاولا أن يكون الأول! ورغم هذا الازعاج الذي كنا نتوقعه عند كل فيلم عظيم، كنا نتواعد في مقهى، نأكل سندويتشة المساء، ثم ندخل السينما، وعند الخروج نقضى الطريق متناولين الفيلم من كل جانب نقاشاً واحياناً سجالاً حاداً، دون أن نخفي دهشتنا من هذه الخدعة السينمائية أو تلك الحيلة. وفي الواقع أن الخدعة السينمائية ولدت مع ولادة الفيلم السينتمائي، دون أنْ يُفكّر بها. ذاك أن في أحد أول أفلام لويس لوميير، انجز سنة 1895 تحت عنوان "تهديم جدار": ثلاثة عمال يقوضون بناء صغيرا. على أن الفيلم تم عرضه، خطأ، بالمقلوب، أي من نهايته. فإذا بنا نرى على الشاشة غيمة غبار تتضاءل حتى تختفي. ثم تنتصب فجأة أحجارا سرعان ما تتشكل جدارا يقف إزاءه ثلاثة عمال، وكأن في الأمر ثمة سحر ما. وها هي الصدفة تولّد تقنية جديدة. والصدفة، راعية المبدعين هذه كما يسميها سادول، غالبا ما لعبت دورا كبيرا في اكتشاف خدع وتقنيا سينمائية عديدة.
3: كم من امرأة أحببنا بعين ما تلقيناه من مشاهد حب فوسفورية؟ ألم تكن صالات السينما البغدادية أفضل مكان للقاء العاشقين السري؟ كم من لقاء خارج على طاعة الوالدين، بين مراهق ومراهقة، بين رجل وامرأة، بين لوطي وغلام، كان يتم في مخدع السينما الداكن والمقصورات التي كنا
مارلون براندو في "المطاردة"
نسميها ماخورا بلا سقف تتواعد فيه أجساد شبقة سرا. لم يكن لي حظ أولئك الأثرياء الذين كانوا يقضون وطرهم في تلك المقصورات. كنت التقي بفتاة مسيحية، دعوتها ذات مرة إلى رؤية فيلم لعبد الحليم حافظ، في احدى السينمات الرخيصة التي كان يعج بها باب الشرقي. فجاءت ومعها اخوتها وعمتها وعدد غفير من الاطفال. ومع هذا فاني اخترت مكاناً في المقاعد الخلفية من الطابق الأول، كنت اعتبره ملائماً لنيل قبلة حارة من شفتيها. لكن ولسوء حظي، إذ ما إن اقتربت شفتاي من شفتيها، حتى شعرت بأن لوطياً جلس إلى جانبي (رغم خلو معظم المقاعد) يحاول أن يتحرش بي، ما اضطرني إلى الغضب فبصقت في وجهه ناهراً اياه بكلمات سباب ادت إلى طردنا جميعاً من السينما، فحرمت ذلك اليوم من قبلة كنت أخطط لها منذ أيام.
4: في الستينات بدأنا نعي أن دلالة ما تحمله الافلام حتى هذه التجارية كـ"هرقل الجبار» (تمثيل ستيف ريفز) التي كانت تعرض في سينما روكسي كل ايام الأعياد ولسنوات، والتي كانت تشحذ مخيلتنا برغية شديدة لاجتراح مغامرة من أجل الجزة الذهبية الحياة. فمثلاً ان فيلم الفريد هيتشكوك «سايكو» الذي عرض في سينما الخيام، جعلنا نفهم أن القاتل الجديد مع إنه غير قادر حتى على قتل ذبابة، فإنه يرتكب جرائم بشعة في فندقه الغريب، لحظة إن تستفيق أمه في لا وعيه. أو فيلم وليام وايلر «الجامع» الذي مثله تيرنس ستامب ويروي قصة شخص قليل الثقافة يغير هوايته من تجميع الفَراش إلى احتجاز فتاة جميلة مثقفة، وها هو التملك يتراءى شكلاً من اشكال الاشتهاء إلى المعرفة الجنس. اما أفلام نجمي المفضل مارلون براندو: «عربة اسمها الرغبة»، «ذئاب الميناء»، «اورفيوس هابطاً» والخ فهي الغذاء الحلمي الروحي إلى الأبد، شاعرية براندو تتجلى عندما عمل مخرجاً لفيلمه «one eyed jacks» . كان يترك المصور يلتقط منظر البحر بينما هو يستغرق في تأمله عشرات الدقائق، ثم فجأة يستفيق ويصرخ قف، مما اضطر هذا الشركة المنتجة إلى قص تقريبا نصفه، وإلا لأستغرق عرض الفيلم خمس ساعات... افلام الموجة الجديدة الفرنسية، التي كنا نراها خصوصاً في المعهد الفرنسي قرب الجندي المجهول وكم كان بعضها مملا لكن كنا نحضرها نحن زبائن "مقهى المعقدين" فقط لنعلن نخبوية ثقافية، أو سينما الغضب البريطانية، من «حياة رياضية» أول فيلم مثل فيه ريشارد هاريس، مروراً بـ «الخادم» مسرحية هارولد بينتر الثاقبة، إلى «من يخشى فرجينيا وولف؟». أو الافلام السادية مثل «كلاب الدكتور زاروف»، أو «جزيرة الدكتور مورو» لأورسن ويلز حيث تجرى عمليات تشريح للحيوانات الحية غرض تحويلها إلى
بيكيت بطولة ريتشارد برتون وبيتر اوتول
بشر، لكنها تتحول إلى كائنات زومبية لا هي بالحيوان ولا هي بالبشر، يتدخل بينهم غريب فيحرضهم على العصيان، وبالفعل يتمردون في نهاية الفيلم ويجرون عملية تشريح مميتة للدكتور مورو نفسه. افلام باتت جزءاً من تراث ذاكرتي وتأريخها. «لورا»، الدّوامة»، «اللغز»، «انعكاس في عين ذهبية»، «الليل يجب أن يحلَّ»، «تشريح جريمة»، «القتلة»، «على الشاطئ»، «النزهة»، «وداعاً إيها السلاح»، «الشيخ والبحر»، «موبي ديك»، «قصة الحي الغربي»، «النوم العميق»، «غريبان في قطار»، «جوني غيتار»، «قطة على صفيح ساخن»، «من هنا وإلى الأبد»، «متمرد بلا قضية»، افلام ماركس بروذر الأربعة عشر كلها، افلام خمسينات مصر وستيناتها التي كان لها دور في تغذية مشاعر الحب بين المراهقين، أو «رواق الصدمة» الذي اخرجه صاموئيل فولر قصة صحفي يريد الحصول على جائزة بوليتزر، يعرف أن مجرماً مطلوباً للعدالة مختبئ في مصح المجاذيب، فيدخله بحجة انه مريض، يتعرض إلى صدمات كهربائية عديدة، ويكتشف في النهاية المجرم، فيحصل على جائزة بوليتزر، لكنها بلا فائدة لأنه اصبح واحداً من البلهاء الذين يعج بهم المصح. كل هذه الأفلام وأخرى كنا نتابعها بشغف واهتمام، وبعضها إلى اليوم. افلام أشبه بمضخات صور عرف شعراء الشاشة (اليا كازان، فريتز لانغ، سدني لوميت، اورسون ويلز، اوتو بريمنجر، هوارد هوكس، ستانلي كرامر، نيكولاس راي، جون يوستن، ستانلي كوبريك، ادوارد ديمتريك، لويس بونويل، جان رينوار) كيف يلتقطونها ويركبونها ديكوراً أشبه بالحلم يلعب الاثاث فيه دوراً له دلالة معينة وكأن كل حاجة من حوائج الحياة اليومية (كأس، كرسي، صورة مقلوبة، ضوء خافت الخ) جزء من جملة كبيرة اسمها مشهد مُجتث من تربة
عيادة الدكتور كاليغاري
المتفرج النفسية أُنير شعرياً على نحو يخترقه حلما. فالفيلم العظيم هو ذلك الذي يفتح كل النوافذ على عالم الشعر السري. وهذا ما حدث في فيلم «ليلة الصياد» (اعظم ادوار روبرت ميتشوم على الاطلاق)، الذي اخرجه الممثل الكبير شارلز لوتون. فالشعر يتدفق من كل مشهد إلى حد يستطيع المرء معه أن يجيب على السؤال القائم إلى اليوم:- لماذا لم يخرج لوتون فيلماً ثانياً وله هذه القدرة الخارقة على الاخراج؟ - لأن كل مشهد في «ليلة الصياد» كانت بحد ذاتها فيلماً مركزاً.
5: لقد سعى المنتجون منذ بداية السينما إلى استخدام الموسيقى وسيلة لجعل الصورة السنمائية تنطق بالعواطف وخلق تذاوت بين الشخصيات والمتفرج. فالموسيقى التصويرية التي كان يسميها الناقد السينمائي المشهور اندريه بازان «موسيقى من أجل العين»، روح الفيلم، ايقاع ضروري لتصعيد الصورة إلى ذروتها النفسية وشد الاحداث شداً يرتقي بالمشهد إلى سدرة الدراما المنتظرة. فبعد أن كان العرض السينمائي، أيام السينما الصامتة، يصاحبه، في أغلب الأحيان، عزف على البيانو لقطعة بيتهوفن "ضوء القمر" عندما يتعلق الأمر بمشاهد عاطفية وقطعة مندلسن "لحن سير زفافي" بمشاهد زواج، وقطعة شوبان "لحن سير مأتمي" بمشاهد موت. لكن مع ظهور الفيلم الناطق، تخصص موسيقيون بكتابة موسيقى مستوحاة من قصة الفيلم ذاته. وهاهو رئيس شركة R.K.O. يطلب من ماكس شتاينر (الذي سيعرف فيما بعد بموسيقاه التصورية لفيلم "كازابلانكا" و"ذهب مع الريح") سنة 1932، وضع موسيقى غير مكلفة لفيلم "كنغ كونغ"، لأن الشركة ليست لها الميزانية الكافية. إلا أن شتاينر اعترض وقرر الانسحاب. فتدخلا المنتج ميريان كوبر واعطى ضوء أخضر إلى شتاينر : انجز، مهما كلف الأمر، ما تراه مناسبا، فإني ساضع خمسين الف دولار تحت تصرفك، وأكثر إذا تطلب الأمر". وقد حقق ماكس شتاينر عبر هذه الحرية، عملا فاغنريا تجديديا احتاج تنفيذه إلى 46 عازفا، وهذه أكبر اوركسترا في تاريخ السينما واكبر ميزانية وضعت لموسيقى فيلم، آنذاك.تحفل السينما العالمية بأعمال موسيقيين جد عظام، أعمالهم الموسيقية اليوم من بين أكثر الاسطوانات مبيعا: فرانز ووكسمان: ("سانسيت بوليفار"، "تاراس بولبا")، برنارد هيرمان الذي كان اول عمل له الموسيقى التصويرية لأعظم فيلم في تاريخ السينما "المواطن كين" لأورسن ويلز
اول مرة أتعرف على كيرواك من خلال فيلم مأخوذ من روايته: "القبوويون"
وهيرمان تعتبر موسيقاه جزء أساسيا في نجاح عدد من أفلام الفريد هيتشكوك، والموسيقار الفريد نيومان (اناستزايا»، "مرتفعات وذرنغ"، «انتصار الغرب الأميركي»)، والموسيقار ميكلوش روشاز الذي كان يدرس كل تاريخ موسيقى العهود القديمة الرومانية لكي يكتب موسيقى فيلم "بن حور" أو موسيقى "بن حور"، و"فرسان المائدة المستديرة" (هنا مقطع من موسيقى الفيلم Prelude/Excalibur** 3:58 ) أما ديمتري تيومكين الذي كتب موسيقى فيلم مدافع نافارون»، و"في عز الظهيرة" و"ريو برافو"، والبولندي الأصل برونيسلاو كَيبر الذي وضع موسيقى فيلم "تمرد على سفينة الباونتي و"الأخوة كارامازوف" (هنا مقطع منها إذا كان لديك الريل بلاير Where Is She?/But Why?/It's Late/The Stable 4:23 ) الخ، حتى جاء اليكس نورث ليغير موسيقى الفيلم المتأثرة برومانتيكية اوروبا الوسطى، إلى موسيقى مستوحاة من صلب الواقع الأميركي. الجاز، وذلك في فيلم «عربة اسمها الرغبة» تمثيل مارلون براندو، فيفتح آفاقاً واسعة في الموسيقى التصويرية، مغيراً حاسة التلقي لدى المشاهدين ومقاربتهم. وها أن ثمة موجة جديدة من الموسيقيين أخذت تفرض نفسها منذ الخمسينات. جيري غولد سميث الذي كتب موسيقى "كوكب القردة"، وجون باري المعروف يموسيقاه لأفلام افلام جيمس بوند، ايلمر برنستاين الذي وضع موسيقى فيلم "رجل الذراع الذهبي» و"العظماء السبعة"، أما هنري مانسيني الذي وضع موسيقى "لمسة شر»، اشرس فيلم لأورسون ويلز، لكنه مشهور عن طريق موسسيقاه لأفلام البنك بانثر "... إلا أن سيرجي ليونه، مؤسس افلام السباغيتي الايطالية التي احيت السينما في الستينات كمتعة، قدم موسيقى جديدة بتشغيله واحداً من مشاهير مؤلفي موسيقى الافلام اليوم. اينو موريكونه الذي جاء بنبرة ايقاعية جديدة تنقذ المشهد السينمائي من محدوديته الحوارية طالقة ايّاه في اصداء الهورمنيكا ونقرات الطبل الرتيبة. أما فيلليني فكان يعتمد الموسيقار نينو روتا صاحب التآليف الموسيقية الطالعة من حنين الواقع الايطالي، كيف يمكن لنا أن ننسى موسيقاه التي وضعها لافلام كـ «لاسترادا»، «فيلليني روما»، «لا دولتشة فيتا» وفيلم كوبولا. «العرّاب». وهناك ايضاً موريس جار واضع موسيقى «الدكتور زيفاغو» و»لورنس العرب»، التي ما إن يسمعها أحد، حتى يحس وكأنه في سينما، رغم انه في مكتبه أو في حديقة عامة. لقد دفعني شغفي بموسيقى السينما إلى أن اصير واحدا من جامعي اسطواناتها، إذ لدي الآن اكثر من ست آلاف اسطوانة ( cd)، تضم تاريخ الموسيقى التصويرية منذ نشأتها وحتى اليوم الحاضر.
6: السينما بصالاتها ذات الأسماء الأجنبية (ديانا، روكسي، ريكس، ميامي...الخ) كانت جزء من بغداد المدينة التي كنا نترعرع فيها، وخاصة السينمات الرخيصة التي لا يرتادها إلا السكارى، اراذل المجتمع، الشحاذون وحفاة الحياة اليومية. سينمات ندخلها احياناً في نص الفيلم ونخرج منها إلى أخرى قبل انتهاء الفيلم ودون أن نعرف حتى اسم الفيلم، وكأنها مقاه أو بيوت نرتادها متى نشاء. في السينما، «هذا الجسر العظيم المنفتح الذي يربط النهار بالليل» على حد عبارة بروتون، يعيش الفرد العزلة الكبرى التي ليست لها علاقة بالعزل التي يفرضها الواقع بؤساً يومياً. ففي السينما أنت واحد لا غير وسط آلاف من الافراد، لكن اشباحاً حلمية متحركة تصهرتجاربها في وعائك الداخلي، في لا وعيك حد أن بعض سوسيولوجيي السينما لاحظ أن المتفرج غالباً ما تطفر إلى ذهنه، وهو يغسل وجهه في الصباح امام المرآة، صورة شخصية سينمائية شاهدها في فيلم ليلة امس إما بحثاً عن تشابه مفقود أو محاولة لطرد قلق يتوجسه. لكن هل يمكن لأحدنا أن ينكر تلك اللذة التي يشوبها قلق جميل، تبترق الجسد كله، لحظة انطفاء الضوء وأنت محاط باناس غرباء من كل جهاتك الأربعة، في خلد كل واحد منهم تدور افكار فتتحرك عيناك يمنة ويسرة وكلك في قشعريرة لذيذة يسببها مجهول السينما، بخار النور هذا الذي يتدفق من سرة الظلام. لذة اشبه بتلك التي يعرفها المدخنون عندما يولعون سيجارة، فإنهم يشعلون انشراحاً يحمل هو ايضاً قسطه من الترويح والقلق من مجهول يتصاعد حلقات دخانية سرعان ما تتبدد في فضاء الصالة تبدد الفيلم في خزان الذاكرة.
7: بفضل هذه السنوات التي كنت أقضيها في صالات السينما البغدادية، تأكد لي، فيما بعد، أن كل قصيدة جيدة هي سيناريو محكم التقطيع، تتحرك فيه الصور ضمن إيقاع خاص محمل بكمية هائلة من التخييل والتسامي. السينما هي الشعر في حركة. يجب أن لا ننسى أن كلمة سينما من اصل يوناني Kinema وتعني الحركة. إن قوة الشعر الجديد تكمن في تأثره بالسرد السينمائي. فالشاعر الحديث عين كاميرا تعرف كيف تلتقط العابر والزائل لتخلده في مونتاج وكأنه مستمد من صلب الحياة اليومية. وهكذا كل قصيدة جبارة تكاد تكون اشبه بجرعة صور حلمية لها طاقة على التخدير طاقة المصنع الهولييودي الذي عرف فعلاً كيف يخفف من قلقنا في تيك السنوات، بل أن نحبها كاعظم سنوات في حياتنا رغم الكوارث والانقلابات العسكرية. اما ذاك الشعر السياسي الملتزم، شعر متزمتي الواقعية الاشتراكية، الذي لم تؤثر فيه إلا «السينما» الشرطوية الوعظ في معظم الأحيان، فهو الذي كان سبب الكوارث التي يعرفها الجميع، لأنه كان معدوم المخيلة، بلا حسية، مجرد دندنة وعويل فرح بالتضحيات المازوشية. شعر لم يعرف الذين كتبوه أن للضوء مثلما للظل تدرجات وإن للإنارة قوة تأثير، وإن للموسيقى دوراً حلمياً، وأن للحوار وقعا ايحائيا، ولكل هذا ثمة رابط واحد وحاسم. السيناريو. السورياليون كانوا أول الشعراء الذين وجدوا في السينما المدهش الشعري، فتحمسوا لها دفاعاً عن وجودها في خدمة الخيال. إذ للسينما مثل ما للقصيدة، دور ثوري. تفجير الطاقة الحلمية في ملكة الادراك.
لكل منّا شريط يمرّ عميقا على شاشة حياته، مُحمّضا بألوان البعيد، طيفُه السينمائي، تذاوتهُ مع أبطال وهميين. إذ مثلما للذاكرة الشابة حصتها الثمينة من عاطفية غناء عبدالحليم حافظ، فإن في حياة كل شاعر حقيقي ثمة عمراً سينمائياً قضي بطريقة ما، وربما بادمان يومي استمر سنوات جد طويلة. ("فراديس" (العدد 9/10، باريس 1994) ).
عن " ايلاف" بتاريخ
ملصق فيلم " نفوس معقدة " اخراج البريطاني الفريد هيتشكوك
عندما كانت بغداد سينما للجميع
بقلم
عبدالقادر الجنابي
وفقا لأخبار موثوقة، أن عددا كبيرا من الصالات السينمائية البغدادية أغلقت أبوابها وأصبحت مواقع مهجورة بسبب
1: كنت أعبر الأرصفة أو الجسر في عز الصيف حيث وهيج الشمس يذيب كل شيء، فأبحث عن كتلة ظل أتوقف عندها دقائق ثم أبدأ السيرنحو بناء مكيف بالهواء البارد الذي ينعش حاسة الحلم وتوق السفر، مفوّف بالاضواء الملونة وصور النجوم، حيطانه الداخلية ملبّسة بالمخمل الأزرق الغامق أو
واحد من أفضل أفلام صاموئيل فولرالأحمر القاني؛ ترصع سقفه نجوم صغيرة، وفي بطنه تترامى مئات المقاعد مسعّرة حسب التقسيم الطبقي: قرب الشاشة المقعد باربعين فلساً، في الوسط 80 فلساً، وفي الطابق الأول أو المقصورة 100 فلس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسس السينما لويس لوميير قال عندما تم عرض أول فيلم له في ناد: «يجب أن يدفع مقابل لصورة متحركة». وهكذا جعل المخيلة السينمائية بضاعة للاستثمار بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. صالة السينما بناء تبحر فيه الظلمة دون ما رقيب، يخترقها نور (ويالها من صدفة أن اسم لقب مءسيي فن االسينما: الأخوين نور!) يؤشر على سبورة بيضاء إلى عوالم سرعان ما نلجها حالمين بتحقيق ولو لحظة حياة واحدة مما كان تنطوي عليه من مغامرات وقصص حب نعيشها في مخيلتنا. وكالعادة كان ثمة من يستمني مباشرة وينتهي المشهد في رأسه، أو من يختزنه للمستقبل وينساه بمجرد أن يعود إلى البيت، وثمة من كان يغوص فيه هروباً من الواقع صوبه وكأن هذا الواقع الصلد بشكل مرعب ليس أكثر من سرد سينمائي في صندوق الدنيا.
2: غالباً ما كان أبي يأخذني إلى السينما. كان يضع يشماغه وعرقجينه (الكوفية والطاقي) إلى جانبه، وعيوننا تلتهم كل ما كان يقع على الشاشة الفضية من صور محمضة آنذاك بلون قهوائي أو أزرق فاتح، غير منتبهين إلى ما كان يجري من تحركات مشبوهة ومن سرقات وسط الظلام الذي يلف صالة السينما. كانت افلاماً جميلة خاصة التي كانت تعرض في سينما الرشيد (قرب حافظ القاضي) المتفرعتين إلى سينما شتوية وأخرى صيفية. طرزان، فلاش غوردن، سوبرمان، افلام الكاوبوي، العصابات كما كنا نسميها. وإذا كان الفيلم لا يضم مشاهد عنف، نعتبره فيلماً رديئاً واصفيه بأنه فيلم «ما فيه بوكسات»، وبطل الفيلم كنا نسميه «الولد»، حتى لو كان الممثل الذي يؤدي دور "الولد" مسنا. وعندما يأتي لنجدة البطلة يصرخ معظم المشاهدين: "جاء الولد"! وأحيانا يتضح عنف الفيلم عندما تحدث فجأة مشادة داخل الصالة كالتي حدثت ذات يوم، وأنا جد صغير، بين المشاهدين، وإذا بكتلة المشهد تنزلق بسرعة فائقة من الشاشة إلى الحائط الجانبي وترتج فجأة ثم تختفي. والسبب هو أن احدهم تناول جهاز العرض التي كانت موضوعة على طاولة في الخلف (لأن الغرفة، مكانها المخصص، كانت ذاك النهار في حالة ترميم)، وألقى بها على شخص آخر تحرش به. وصالة السينما أيضا مكان مثالي للصوص.. أتذكر، وذات عرض، ما إن انتهى الفيلم وأضيئت الصالة، حتى وجدنا أن «يشماغ وعرقجين» ابي قد سرقا. فزهق صارخاً مسقطاً ككل حنقه علي. غير انه بعد اسابيع استبد به الحنين إلى السينما، فقرر أن يأخذني إلى سينما غازي التي كانت تقع في رأس حديقة الأمة حيث يقع اليوم نصب الحرية في الباب الشرقي، لرؤية فيلم شارلي شابلن. «الأزمنة الحديثة»، فنغتسل بضحك غزير تنفرط معه سبحة رغبة ابي في الذهاب إلى السينمات التي كان يرتسم على سرتها الفضّية، سيل من افلام تستحق المشاهدة كـ"الشعلة والسهم»، «القرصان الأحمر»، «يوليسيس»، وافلام روك هدسن الأولى الذي لا تزال صورته وهو يلعب بمسدسه خلفه سماء اصطناعية زرقاء وتحت قدميه عشب أخضر، تتمثل في ذاكرتي، يقال أن مشهداً اعيد تصويره 38 مرة حتى يستطيع روك هدسن أن ينطق جملة واحدة كاملة في فيلمه الأول. ناهيك عن غضب رود ستايجر، أو برودة غلين فورد بدور «راعي البقر»، أو تحدي آلان لاند في «شايين»، أو ريتا هايوورث وهي تؤدي ما سمي في تاريخ السينما "ستربتيز القفاز"، عنما أخذت تنزع قفازها في فيلم «جيلدا»، أو ذاك الفيلم الذي نسيت اسمه، ممثليه، مخرجه حيث جيش الشمال يضيع في صحراء، يستبد به العطش، فيتدافع الجنود فوق الرمل صوب حفرة سراب ظنوها غديراً. ناهيك عن الافلام الهندية حيث لكل لكمة ضربة طبل قوية، التي بفضلها تصبح صالة السينما ملجأ العوائل فتختلط ضحكات المشاهدين بنداءات باعة سندويتشة العمبة والصمّون (بيض ممزوج بالمخللات الهندية)، وزعيق الاطفال بغناء شامي كابور في مسيل هائل من الدموع يتخلله تكريز الحَب والفستق الذي تمتلئ بقشوره الصالة. وحتى هذه الافلام المنحطة التي يحتقرها نقاد السينما، كـ"علي بابا والاربعون حرامي»، «الجزيرة الغامضة»، «رحلات سندباد»، «حرامي بغداد»، افلام لا يعود فيها شيء مهماً سوى الحيل حيث كل شيء ممكن فالمنطق لا تعود له قيمة كما في اجواء الحلم. عناكب هائلة، عمالقة تتناطح والجبال، بطة عملاقة تلاحق الأشخاص في الكهوف، بساط يطير، حصان طائر وإلى آخر الحيوانات الخرافية التي تسلي العين وتسوح بها إلى عوالم الخيال حيث المعرفة حاسة تشكيلية. وجورج سادول على حق عندما شبّه الشاشة الفضية ببساط سحري يحلق بنا فوق الأرض، يجعلنا نزور الهند، أميركا، الصين، القطب الشمالي، بل حتى المجرمين في مخابئهم والأولين في كهوفهم الحجرية. فبمجرد رمشة عين، ينزل بنا من أعلى أعالي السماء إلى أسحق نقطة في قاموس المحيطات، من أعمق أعماق الأدغال الأفريقية المليئة بحيوانات ضارة ووحوش بشرية، إلى أبهى قصور فيينا حيث أجمل نساء العالم يرقصن مع الامبراطور وحاشيته، من آخر كوكب مستقبلي إلى وهاد الماضي حيث نرى بأم عيننا موسى وهو يشق البحر بعصاه، أو نيرون وهو يحرق روما، أو المسيح والمسمار يُثبّت
فيلم "الجامع" لوليم وايلر
على يديه ورجليه، فينتشر الرعد وتهطل الأمطار وتحلّ الظلمات. هكذا كانت السينما في بغداد، خصوصا إبان الستينات مع بروز صالات سينمائية مختلفة، متطورة وعصرية كسينما "النصر"، "سمير أميس"، غرناطة"، وبتقنيات حديثة... وشاشات نتعرف من خلالها على الثقافة الغربية أكثر مما كنا نحاول ان نتعرف عليها عن طريق الورق. نعم بغداد عندما كانت فعلا سينما كانت أشبه بعيد أسهمه النارية صور شعرية تخترق العين لتستقر في صلب الذاكرة ملجأ نؤول إليه ضد أي ترهل تفرضه الحياة... حتى الذهاب إلى السينما كان له، آنذاك، طقسه الخاص، لكن ليس دون إزعاج: كم من شتيمة ولكمة أصابتنا ونحن مصطفون عند شباك التذاكر، بسبب شقي يأتي ويخترق الصف محاولا أن يكون الأول! ورغم هذا الازعاج الذي كنا نتوقعه عند كل فيلم عظيم، كنا نتواعد في مقهى، نأكل سندويتشة المساء، ثم ندخل السينما، وعند الخروج نقضى الطريق متناولين الفيلم من كل جانب نقاشاً واحياناً سجالاً حاداً، دون أن نخفي دهشتنا من هذه الخدعة السينمائية أو تلك الحيلة. وفي الواقع أن الخدعة السينمائية ولدت مع ولادة الفيلم السينتمائي، دون أنْ يُفكّر بها. ذاك أن في أحد أول أفلام لويس لوميير، انجز سنة 1895 تحت عنوان "تهديم جدار": ثلاثة عمال يقوضون بناء صغيرا. على أن الفيلم تم عرضه، خطأ، بالمقلوب، أي من نهايته. فإذا بنا نرى على الشاشة غيمة غبار تتضاءل حتى تختفي. ثم تنتصب فجأة أحجارا سرعان ما تتشكل جدارا يقف إزاءه ثلاثة عمال، وكأن في الأمر ثمة سحر ما. وها هي الصدفة تولّد تقنية جديدة. والصدفة، راعية المبدعين هذه كما يسميها سادول، غالبا ما لعبت دورا كبيرا في اكتشاف خدع وتقنيا سينمائية عديدة.
3: كم من امرأة أحببنا بعين ما تلقيناه من مشاهد حب فوسفورية؟ ألم تكن صالات السينما البغدادية أفضل مكان للقاء العاشقين السري؟ كم من لقاء خارج على طاعة الوالدين، بين مراهق ومراهقة، بين رجل وامرأة، بين لوطي وغلام، كان يتم في مخدع السينما الداكن والمقصورات التي كنا
مارلون براندو في "المطاردة"
نسميها ماخورا بلا سقف تتواعد فيه أجساد شبقة سرا. لم يكن لي حظ أولئك الأثرياء الذين كانوا يقضون وطرهم في تلك المقصورات. كنت التقي بفتاة مسيحية، دعوتها ذات مرة إلى رؤية فيلم لعبد الحليم حافظ، في احدى السينمات الرخيصة التي كان يعج بها باب الشرقي. فجاءت ومعها اخوتها وعمتها وعدد غفير من الاطفال. ومع هذا فاني اخترت مكاناً في المقاعد الخلفية من الطابق الأول، كنت اعتبره ملائماً لنيل قبلة حارة من شفتيها. لكن ولسوء حظي، إذ ما إن اقتربت شفتاي من شفتيها، حتى شعرت بأن لوطياً جلس إلى جانبي (رغم خلو معظم المقاعد) يحاول أن يتحرش بي، ما اضطرني إلى الغضب فبصقت في وجهه ناهراً اياه بكلمات سباب ادت إلى طردنا جميعاً من السينما، فحرمت ذلك اليوم من قبلة كنت أخطط لها منذ أيام.
4: في الستينات بدأنا نعي أن دلالة ما تحمله الافلام حتى هذه التجارية كـ"هرقل الجبار» (تمثيل ستيف ريفز) التي كانت تعرض في سينما روكسي كل ايام الأعياد ولسنوات، والتي كانت تشحذ مخيلتنا برغية شديدة لاجتراح مغامرة من أجل الجزة الذهبية الحياة. فمثلاً ان فيلم الفريد هيتشكوك «سايكو» الذي عرض في سينما الخيام، جعلنا نفهم أن القاتل الجديد مع إنه غير قادر حتى على قتل ذبابة، فإنه يرتكب جرائم بشعة في فندقه الغريب، لحظة إن تستفيق أمه في لا وعيه. أو فيلم وليام وايلر «الجامع» الذي مثله تيرنس ستامب ويروي قصة شخص قليل الثقافة يغير هوايته من تجميع الفَراش إلى احتجاز فتاة جميلة مثقفة، وها هو التملك يتراءى شكلاً من اشكال الاشتهاء إلى المعرفة الجنس. اما أفلام نجمي المفضل مارلون براندو: «عربة اسمها الرغبة»، «ذئاب الميناء»، «اورفيوس هابطاً» والخ فهي الغذاء الحلمي الروحي إلى الأبد، شاعرية براندو تتجلى عندما عمل مخرجاً لفيلمه «one eyed jacks» . كان يترك المصور يلتقط منظر البحر بينما هو يستغرق في تأمله عشرات الدقائق، ثم فجأة يستفيق ويصرخ قف، مما اضطر هذا الشركة المنتجة إلى قص تقريبا نصفه، وإلا لأستغرق عرض الفيلم خمس ساعات... افلام الموجة الجديدة الفرنسية، التي كنا نراها خصوصاً في المعهد الفرنسي قرب الجندي المجهول وكم كان بعضها مملا لكن كنا نحضرها نحن زبائن "مقهى المعقدين" فقط لنعلن نخبوية ثقافية، أو سينما الغضب البريطانية، من «حياة رياضية» أول فيلم مثل فيه ريشارد هاريس، مروراً بـ «الخادم» مسرحية هارولد بينتر الثاقبة، إلى «من يخشى فرجينيا وولف؟». أو الافلام السادية مثل «كلاب الدكتور زاروف»، أو «جزيرة الدكتور مورو» لأورسن ويلز حيث تجرى عمليات تشريح للحيوانات الحية غرض تحويلها إلى
بيكيت بطولة ريتشارد برتون وبيتر اوتول
بشر، لكنها تتحول إلى كائنات زومبية لا هي بالحيوان ولا هي بالبشر، يتدخل بينهم غريب فيحرضهم على العصيان، وبالفعل يتمردون في نهاية الفيلم ويجرون عملية تشريح مميتة للدكتور مورو نفسه. افلام باتت جزءاً من تراث ذاكرتي وتأريخها. «لورا»، الدّوامة»، «اللغز»، «انعكاس في عين ذهبية»، «الليل يجب أن يحلَّ»، «تشريح جريمة»، «القتلة»، «على الشاطئ»، «النزهة»، «وداعاً إيها السلاح»، «الشيخ والبحر»، «موبي ديك»، «قصة الحي الغربي»، «النوم العميق»، «غريبان في قطار»، «جوني غيتار»، «قطة على صفيح ساخن»، «من هنا وإلى الأبد»، «متمرد بلا قضية»، افلام ماركس بروذر الأربعة عشر كلها، افلام خمسينات مصر وستيناتها التي كان لها دور في تغذية مشاعر الحب بين المراهقين، أو «رواق الصدمة» الذي اخرجه صاموئيل فولر قصة صحفي يريد الحصول على جائزة بوليتزر، يعرف أن مجرماً مطلوباً للعدالة مختبئ في مصح المجاذيب، فيدخله بحجة انه مريض، يتعرض إلى صدمات كهربائية عديدة، ويكتشف في النهاية المجرم، فيحصل على جائزة بوليتزر، لكنها بلا فائدة لأنه اصبح واحداً من البلهاء الذين يعج بهم المصح. كل هذه الأفلام وأخرى كنا نتابعها بشغف واهتمام، وبعضها إلى اليوم. افلام أشبه بمضخات صور عرف شعراء الشاشة (اليا كازان، فريتز لانغ، سدني لوميت، اورسون ويلز، اوتو بريمنجر، هوارد هوكس، ستانلي كرامر، نيكولاس راي، جون يوستن، ستانلي كوبريك، ادوارد ديمتريك، لويس بونويل، جان رينوار) كيف يلتقطونها ويركبونها ديكوراً أشبه بالحلم يلعب الاثاث فيه دوراً له دلالة معينة وكأن كل حاجة من حوائج الحياة اليومية (كأس، كرسي، صورة مقلوبة، ضوء خافت الخ) جزء من جملة كبيرة اسمها مشهد مُجتث من تربة
عيادة الدكتور كاليغاري
المتفرج النفسية أُنير شعرياً على نحو يخترقه حلما. فالفيلم العظيم هو ذلك الذي يفتح كل النوافذ على عالم الشعر السري. وهذا ما حدث في فيلم «ليلة الصياد» (اعظم ادوار روبرت ميتشوم على الاطلاق)، الذي اخرجه الممثل الكبير شارلز لوتون. فالشعر يتدفق من كل مشهد إلى حد يستطيع المرء معه أن يجيب على السؤال القائم إلى اليوم:- لماذا لم يخرج لوتون فيلماً ثانياً وله هذه القدرة الخارقة على الاخراج؟ - لأن كل مشهد في «ليلة الصياد» كانت بحد ذاتها فيلماً مركزاً.
5: لقد سعى المنتجون منذ بداية السينما إلى استخدام الموسيقى وسيلة لجعل الصورة السنمائية تنطق بالعواطف وخلق تذاوت بين الشخصيات والمتفرج. فالموسيقى التصويرية التي كان يسميها الناقد السينمائي المشهور اندريه بازان «موسيقى من أجل العين»، روح الفيلم، ايقاع ضروري لتصعيد الصورة إلى ذروتها النفسية وشد الاحداث شداً يرتقي بالمشهد إلى سدرة الدراما المنتظرة. فبعد أن كان العرض السينمائي، أيام السينما الصامتة، يصاحبه، في أغلب الأحيان، عزف على البيانو لقطعة بيتهوفن "ضوء القمر" عندما يتعلق الأمر بمشاهد عاطفية وقطعة مندلسن "لحن سير زفافي" بمشاهد زواج، وقطعة شوبان "لحن سير مأتمي" بمشاهد موت. لكن مع ظهور الفيلم الناطق، تخصص موسيقيون بكتابة موسيقى مستوحاة من قصة الفيلم ذاته. وهاهو رئيس شركة R.K.O. يطلب من ماكس شتاينر (الذي سيعرف فيما بعد بموسيقاه التصورية لفيلم "كازابلانكا" و"ذهب مع الريح") سنة 1932، وضع موسيقى غير مكلفة لفيلم "كنغ كونغ"، لأن الشركة ليست لها الميزانية الكافية. إلا أن شتاينر اعترض وقرر الانسحاب. فتدخلا المنتج ميريان كوبر واعطى ضوء أخضر إلى شتاينر : انجز، مهما كلف الأمر، ما تراه مناسبا، فإني ساضع خمسين الف دولار تحت تصرفك، وأكثر إذا تطلب الأمر". وقد حقق ماكس شتاينر عبر هذه الحرية، عملا فاغنريا تجديديا احتاج تنفيذه إلى 46 عازفا، وهذه أكبر اوركسترا في تاريخ السينما واكبر ميزانية وضعت لموسيقى فيلم، آنذاك.تحفل السينما العالمية بأعمال موسيقيين جد عظام، أعمالهم الموسيقية اليوم من بين أكثر الاسطوانات مبيعا: فرانز ووكسمان: ("سانسيت بوليفار"، "تاراس بولبا")، برنارد هيرمان الذي كان اول عمل له الموسيقى التصويرية لأعظم فيلم في تاريخ السينما "المواطن كين" لأورسن ويلز
اول مرة أتعرف على كيرواك من خلال فيلم مأخوذ من روايته: "القبوويون"
وهيرمان تعتبر موسيقاه جزء أساسيا في نجاح عدد من أفلام الفريد هيتشكوك، والموسيقار الفريد نيومان (اناستزايا»، "مرتفعات وذرنغ"، «انتصار الغرب الأميركي»)، والموسيقار ميكلوش روشاز الذي كان يدرس كل تاريخ موسيقى العهود القديمة الرومانية لكي يكتب موسيقى فيلم "بن حور" أو موسيقى "بن حور"، و"فرسان المائدة المستديرة" (هنا مقطع من موسيقى الفيلم Prelude/Excalibur** 3:58 ) أما ديمتري تيومكين الذي كتب موسيقى فيلم مدافع نافارون»، و"في عز الظهيرة" و"ريو برافو"، والبولندي الأصل برونيسلاو كَيبر الذي وضع موسيقى فيلم "تمرد على سفينة الباونتي و"الأخوة كارامازوف" (هنا مقطع منها إذا كان لديك الريل بلاير Where Is She?/But Why?/It's Late/The Stable 4:23 ) الخ، حتى جاء اليكس نورث ليغير موسيقى الفيلم المتأثرة برومانتيكية اوروبا الوسطى، إلى موسيقى مستوحاة من صلب الواقع الأميركي. الجاز، وذلك في فيلم «عربة اسمها الرغبة» تمثيل مارلون براندو، فيفتح آفاقاً واسعة في الموسيقى التصويرية، مغيراً حاسة التلقي لدى المشاهدين ومقاربتهم. وها أن ثمة موجة جديدة من الموسيقيين أخذت تفرض نفسها منذ الخمسينات. جيري غولد سميث الذي كتب موسيقى "كوكب القردة"، وجون باري المعروف يموسيقاه لأفلام افلام جيمس بوند، ايلمر برنستاين الذي وضع موسيقى فيلم "رجل الذراع الذهبي» و"العظماء السبعة"، أما هنري مانسيني الذي وضع موسيقى "لمسة شر»، اشرس فيلم لأورسون ويلز، لكنه مشهور عن طريق موسسيقاه لأفلام البنك بانثر "... إلا أن سيرجي ليونه، مؤسس افلام السباغيتي الايطالية التي احيت السينما في الستينات كمتعة، قدم موسيقى جديدة بتشغيله واحداً من مشاهير مؤلفي موسيقى الافلام اليوم. اينو موريكونه الذي جاء بنبرة ايقاعية جديدة تنقذ المشهد السينمائي من محدوديته الحوارية طالقة ايّاه في اصداء الهورمنيكا ونقرات الطبل الرتيبة. أما فيلليني فكان يعتمد الموسيقار نينو روتا صاحب التآليف الموسيقية الطالعة من حنين الواقع الايطالي، كيف يمكن لنا أن ننسى موسيقاه التي وضعها لافلام كـ «لاسترادا»، «فيلليني روما»، «لا دولتشة فيتا» وفيلم كوبولا. «العرّاب». وهناك ايضاً موريس جار واضع موسيقى «الدكتور زيفاغو» و»لورنس العرب»، التي ما إن يسمعها أحد، حتى يحس وكأنه في سينما، رغم انه في مكتبه أو في حديقة عامة. لقد دفعني شغفي بموسيقى السينما إلى أن اصير واحدا من جامعي اسطواناتها، إذ لدي الآن اكثر من ست آلاف اسطوانة ( cd)، تضم تاريخ الموسيقى التصويرية منذ نشأتها وحتى اليوم الحاضر.
6: السينما بصالاتها ذات الأسماء الأجنبية (ديانا، روكسي، ريكس، ميامي...الخ) كانت جزء من بغداد المدينة التي كنا نترعرع فيها، وخاصة السينمات الرخيصة التي لا يرتادها إلا السكارى، اراذل المجتمع، الشحاذون وحفاة الحياة اليومية. سينمات ندخلها احياناً في نص الفيلم ونخرج منها إلى أخرى قبل انتهاء الفيلم ودون أن نعرف حتى اسم الفيلم، وكأنها مقاه أو بيوت نرتادها متى نشاء. في السينما، «هذا الجسر العظيم المنفتح الذي يربط النهار بالليل» على حد عبارة بروتون، يعيش الفرد العزلة الكبرى التي ليست لها علاقة بالعزل التي يفرضها الواقع بؤساً يومياً. ففي السينما أنت واحد لا غير وسط آلاف من الافراد، لكن اشباحاً حلمية متحركة تصهرتجاربها في وعائك الداخلي، في لا وعيك حد أن بعض سوسيولوجيي السينما لاحظ أن المتفرج غالباً ما تطفر إلى ذهنه، وهو يغسل وجهه في الصباح امام المرآة، صورة شخصية سينمائية شاهدها في فيلم ليلة امس إما بحثاً عن تشابه مفقود أو محاولة لطرد قلق يتوجسه. لكن هل يمكن لأحدنا أن ينكر تلك اللذة التي يشوبها قلق جميل، تبترق الجسد كله، لحظة انطفاء الضوء وأنت محاط باناس غرباء من كل جهاتك الأربعة، في خلد كل واحد منهم تدور افكار فتتحرك عيناك يمنة ويسرة وكلك في قشعريرة لذيذة يسببها مجهول السينما، بخار النور هذا الذي يتدفق من سرة الظلام. لذة اشبه بتلك التي يعرفها المدخنون عندما يولعون سيجارة، فإنهم يشعلون انشراحاً يحمل هو ايضاً قسطه من الترويح والقلق من مجهول يتصاعد حلقات دخانية سرعان ما تتبدد في فضاء الصالة تبدد الفيلم في خزان الذاكرة.
7: بفضل هذه السنوات التي كنت أقضيها في صالات السينما البغدادية، تأكد لي، فيما بعد، أن كل قصيدة جيدة هي سيناريو محكم التقطيع، تتحرك فيه الصور ضمن إيقاع خاص محمل بكمية هائلة من التخييل والتسامي. السينما هي الشعر في حركة. يجب أن لا ننسى أن كلمة سينما من اصل يوناني Kinema وتعني الحركة. إن قوة الشعر الجديد تكمن في تأثره بالسرد السينمائي. فالشاعر الحديث عين كاميرا تعرف كيف تلتقط العابر والزائل لتخلده في مونتاج وكأنه مستمد من صلب الحياة اليومية. وهكذا كل قصيدة جبارة تكاد تكون اشبه بجرعة صور حلمية لها طاقة على التخدير طاقة المصنع الهولييودي الذي عرف فعلاً كيف يخفف من قلقنا في تيك السنوات، بل أن نحبها كاعظم سنوات في حياتنا رغم الكوارث والانقلابات العسكرية. اما ذاك الشعر السياسي الملتزم، شعر متزمتي الواقعية الاشتراكية، الذي لم تؤثر فيه إلا «السينما» الشرطوية الوعظ في معظم الأحيان، فهو الذي كان سبب الكوارث التي يعرفها الجميع، لأنه كان معدوم المخيلة، بلا حسية، مجرد دندنة وعويل فرح بالتضحيات المازوشية. شعر لم يعرف الذين كتبوه أن للضوء مثلما للظل تدرجات وإن للإنارة قوة تأثير، وإن للموسيقى دوراً حلمياً، وأن للحوار وقعا ايحائيا، ولكل هذا ثمة رابط واحد وحاسم. السيناريو. السورياليون كانوا أول الشعراء الذين وجدوا في السينما المدهش الشعري، فتحمسوا لها دفاعاً عن وجودها في خدمة الخيال. إذ للسينما مثل ما للقصيدة، دور ثوري. تفجير الطاقة الحلمية في ملكة الادراك.
لكل منّا شريط يمرّ عميقا على شاشة حياته، مُحمّضا بألوان البعيد، طيفُه السينمائي، تذاوتهُ مع أبطال وهميين. إذ مثلما للذاكرة الشابة حصتها الثمينة من عاطفية غناء عبدالحليم حافظ، فإن في حياة كل شاعر حقيقي ثمة عمراً سينمائياً قضي بطريقة ما، وربما بادمان يومي استمر سنوات جد طويلة. ("فراديس" (العدد 9/10، باريس 1994) ).
عن " ايلاف" بتاريخ
اقرأ أيضا مقال
السوريالية وتحولاتها عند عبد القادر الجنابيhttp://www.jehat.com/Jehaat/ar/DaftarAfkar/nasif_nasiry.htm
بقلم
نصيف الناصري
في مجلة " جهات " الشعرية علي الرابط المرفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق