مجلة مستقلة تأسست في اغسطس 2005 وتعني بفكر السينما المعاصرة EDITOR AND OWNER:SALAH HASHEM MOUSTAFA salahashem@yahoo.com
الاثنين، سبتمبر 25، 2006
سينما المقاومة عند ايليا سليمان تبدأ من سؤال الهوية . صلاح هاشم
الاثنين، سبتمبر 11، 2006
فوصي المهرجانات السينمائية في مصر بقلم سلامة عبد الحميد
منذ فترة ليست بالقصيرة أبحث مع أصدقاء وزملاء فكرة اقامة مهرجان سينمائي خاص بنا نسعى لتمويله بشكل جاد باعتبار التمويل هو العائق الاساسي أمامنا وكل ما بعده يهون، فنحن بحسب خبراتنا ومعارفنا قادرون على جلب أعمال متنوعة الأفكار والجنسيات بما يسمح لنا باطلاق مسمى "الدولي" على مهرجاننا هذا الذي لا يمكن أن يعتبره منصف إلا مهرجان شخصي أو ملاكي.
كيف لا نفكر في ذلك ونحن نرى من حولنا مهرجانات "بالكوم" بحسب التعبير المصري الدارج الذي يعبر بوضوح عن مدى سهولة اقامة المهرجانات والطريقة التي يتعامل بها القائمون على المهرجانات مع التنظيم والإعداد الذي قد لا يستغرق في بعض الحالات إلا أسابيع ولا يتجاوز في حالات معروفة أياما معدودة.
ورغم ايماني الشديد بأهمية المهرجانات الفنية وضرورة الإكثار منها إلا أنني في الوقت نفسه أصر على أن تكون تلك المهرجانات ذات أهداف واضحة وخطط مدروسة وأليات محددة في التعامل مع المشاركين والأعمال والتنظيم، حتى لا تتحول إلى "كمالة عدد".
لكن ظاهرة جديدة ومثيرة استوقفتني قبل أيام خلال اعدادي لأجندة مواعيدي نصف الشهرية حسب ما اعتدت في عملي حتى لا يضيع وقتي أو أجد أنني فقدت حدثا مهما لانشغالي بحدث أقل أهمية فقد وجدت أن مصر تشهد خلال الايام العشرين القادمة بدءا من الثلاثاء 5 سبتمبر/ ايلول فعاليات خمسة مهرجانات فنية متنوعة تتزامن عروضها ومنافساتها جميعا فيما يشكل حالة صارخة من عدم التنسيق الواضح بين ادارات تلك المهرجانات "المصرية" التي تنظم وزارة الثقافة المصرية ثلاثة منها بنفسها أو عن طريق اداراتها المختلفة وتشرف على تنظيم المهرجانين الاخرين.
تضم المهرجانات الخمس التي تم الاستقرار على عقدها في الفترة من 5 وحتى 22 سبتمبر/ ايلول ثلاثة مهرجانات سينمائية احدها للافلام التسجيلية والقصيرة وأخر للأفلام الروائية والثالث لأفلام حوار الثقافات اضافة إلى مهرجان مسرحي واخر للغناء والفيديو كليب وتتوزع المهرجانات الخمس بين اربعة مدن مصرية من أقصى الغرب إلى أقصى الشمال الشرقي حيث يعقد اثنان منها بالاسكندرية شمالا وثالث بالقاهرة في الوسط والاخران بمدينتي الاسماعيلية وشرم الشيخ غربا.
أما تداخل المواعيد بينها فهو أمر محير فبينما يبدأ مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي الثاني والعشرون لأفلام دول البحر المتوسط فعالياته 5 سبتمبر/ ايلول ويستمر حتى العاشر من الشهر نفسه فان مهرجان اوسكار الفيديو كليب الدولي السابع يقام بمدينة شرم الشيخ في الفترة نفسها بدءا من الثامن وحتى الحادي عشر من نفس الشهر.
في حين يقام مهرجان المسرح التجريبي الدولي الخامس عشر بالقاهرة في نفس التوقيت حيث تبدأ فعالياته يوم 10 سبتمبر/ ايلول ولمدة عشرة ايام متصلة تبدأ خلالها أيضا فعاليات مهرجانيين سينمائيين أخرين هما مهرجان أفلام حوار الثقافات الدولي الأول الذي يقام بمدينة الاسكندرية في الفترة من 11 وحتى 22 سبتمبر/ ايلول (وله قصة منفصلة قد نتحدث عنها لاحقا)، ومهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والقصيرة الذي تبدا دورته العاشرة يوم 15 وتستمر حتى 22 سبتمبر/ ايلول.
وتعاني المهرجانات المصرية الخمسة بلاشك من تضارب المواعيد الذي يقلل من حجم الاهتمام الاعلامي بها ويمنع النجوم المصريين من حضورها فيما يشكل ظاهرة متكررة سنويا لاشك انها ستكون اوضح هذا العام بسبب التزامن الذي لا يعطي ايا من تلك المهرجانات فرصة للتميز كما يقضى على فرصها الضئيلة أساسا في الوصول إلى الجمهور العادي الذي انصرف عن المهرجانات منذ أعوام حتى انطلقت تسمية كارثية يروج لها السينمائيين أنفسهم تصف أفلاما جادة أو ملتزمة بأنها "أفلام مهرجانات"
الثلاثاء، سبتمبر 05، 2006
سينما ايزيس في مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 22
الاثنين، سبتمبر 04، 2006
شاشة باريس 2006 : الريح التي تهز الشعير لكين لوش. بقلم صلاح هاشم
الريح التي تهز الشعير وسينما المقاومة عند كين لوش
بقلم : صلاح هاشم
من أجمل وأرقي الأفلام التي خرجت للعرض حديثا في باريس ونرشحها للمشاهدة عن جدارة فيلم " الريح التي تهز الشعير " الحاصل علي جائزة " السعفة الذهبية " في مهرجان " كان " ومن إخراج البريطاني كين لوش، ونعتبره من أحسن وانضج أفلامه ولحد الآن. ويحكي الفيلم الذي تبدأ أحداثه عام 1920 ، عن حركة المقاومة الايرلندية ضد الاستعمار البريطاني ، من خلال تراجيديا تاريخية إنسانية سياسية، يضطلع ببطولتها شقيقان ايرلنديان، ينخرط احدهما في جيش حركة التحرير، في أعماق الريف الايرلندي ، في الوقت الذي يستعد فيه شقيقه - أنبه وأذكي صبي في تلك الأسرة الايرلندية كبيرة العدد، مثل العائلات الريفية في الريف المصري - يستعد للذهاب الي العاصمة ليستكمل دراسته العليا، ويصبح طبيبا. إلا انه يفاجئ وهو يقف علي رصيف محطة القطار، بهجمة تفتيش عسكرية بريطانية متوحشة، يهان فيها ناظر المحطة وسائق القطار، ويضربهما العسكري البريطاني بكعب البندقية، فيقرر البقاء والانخراط في سلك المقاومة. وكان كين لوش الذي افتتح فيلمه بمشهد رائع في قلب الريف الايرلندي ، لأناس ريفيين طيبين مسالمين يلعبون في المزارع، ثم يعودون إلي بيوتهم الريفية الوديعة، فإذا بجنود الاحتلال يهجمون علي بيت من تلك البيوت، في حملة تفتيش عسكرية عنترية وحشية، ويطلبون من الشباب ومن ضمنهم بطل الفيلم أن يعلنوا عن أسمائهم وهويتهم، وينكدون عليهم عيشتهم، وعندما يرفض احد الشبان أن ينصاع لأوامر القائد العسكري الذي فقد صوابه من الغضب، يقتاده الجنود إلي داخل البيت، ثم يطعنونه في مقتل بالسونكي، حربة البندقية
ويكشف كين لوش من خلال هذا المشهد المرعب في أول الفيلم، عن طبيعة الاحتلال البريطاني الغاشم، بكل عنفه وجبروته ووحشيته الدموية، كما يكشف أيضا عن نفسية بطل الفيلم المتردد، بين البقاء والانخراط في المقاومة، او السفر لتكملة دراسته الطبية. وتتطور أحداث الفيلم في الجزء الأول، لتقدم بانوراما تاريخية "موثقة " لحركة المقاومة في الريف في الجنوب الايرلندي في تلك الفترة، ويصور كين لوش هنا أحداث فيلمه في الأماكن الحقيقية التي وقعت فيها تلك الأحداث، كاشفا عن سمة أساسية من سمات أسلوب هذا المخرج البريطاني العملاق، ألا وهي تجنب التصوير داخل البلاتوهات والاستوديوهات، وتصوير أحداث أفلامه علي رصيف الشارع البريطاني، وسط الناس، ليحكي عن ضياع البشر الهامشيين المعذبين، في مجتمعات الاستهلاك البريطانية المادية ألكبري وهمومهم، ويتعاطف معهم ويحكي عن مشاكلهم كما في فيلمه العذب الاثير " انها تمطر حجارة
الفيلم السياسي يحكي بالضرورة عن تناقضات اجتماعية
ولذلك نجد أن أفلام كين لوش، هي أفلام سياسية بالدرجة الأولي ،لا لأنها تحكي عن اغتيال زعيم سياسي، أو صعود حزب من الأحزاب السياسية إلي سدة الحكم ، بل لأنها تحكي بالدرجة الأولي عن تناقضات المجتمع الرأسمالي البريطاني المادي الأناني، وتعريها وتفضحها، أي أنها لا تكتفي بالإعلان والكشف عن الواجهة البراقة اللامعة السياحية، التي تزغلل العيون، في تلك الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، بل يتجاوزها ليغوص أكثر في الداخل، وينبش في ذاكرتها، ويمسك بأحشائها الباطنية الخفية عن العيون الناعسة، ويوقظها من غفلتها
وكما فعل كين لوش في فيلم " حياة عائلية " Family Lifeا وفي جل أفلامه، يصور في " الريح التي تهز الشعير " وهي جملة في أغنية شعبية لحركة المقاومة، تعلن علي لسان امرأة عجوز ان تلك الريح التي تهز الشعير، ما هي هي إلا نذير لصاعقة قادمة، تتشكل في الأفق، وستأتي علي كل شيء، يصور كين لوش أحداث فيلمه في أماكنها الطبيعية الحقيقية، ويكشف كيف صارت ايرلندا تحت السيطرة البريطانية، أرضا بلقعا خربة طاردة، تئن من مشاكل البطالة، وسياسات التجويع التي تدفع إلي الهجرة ومغادرة البلاد، لكي تصبح منجما من ذهب للأيدي العاملة الايرلندية النازحة إلي انجلترا، فيمنح كين لوش فيلمه مصداقية تسجيلية توثيقية، إن صح التعبير، تضيف إلي، وتغني الخيط الدرامي المتصاعد في الفيلم
وهنا يحدث الانقسام داخل صفوف المقاومة، بل وينضم بعض رجالاتها إلي جيش الاحتلال البريطاني ومن ضمنهم شقيق بطل الفيلم، وبسبب تلك المعاهدة التي باركتها الكنيسة الايرلندية، كما يكشف كين لوش في فيلمه، تشب نار الحرب الأهلية، ويصبح شقيق الأمس.. عدو اليوم، ويتقاتل الشقيقان
فيلم " الريح التي تهز الشعير " الذي يحكي أيضا في ما يحكي عن قصة حب، وتضامن وحرب وألم ومشاركة، هو فيلم أسود أيضا بلون الحزن المقيت، ورداء الحداد الأسود الكالح علي عزيز، وتلك السحب السوداء المظلمة المهينة التي تنذر بالرعد والمطر، والتي تعبر سماوات حياتنا أحيانا ونحن نتطلع إليها في الأفق مرعوبين، ونتمنى أن تذهب والي غير رجعة. حزن أسود في " الريح التي تهز الشعير " لكن ليس كمثله حزن يطهرنا، كما في كل التراجيديات اليونانية العظيمة، لسوفوكل واسخاليس، ويغسلنا من كل سوءاتنا ، لكي يجعلنا في النهاية نتأمل ونفكر، ونتصالح مع أنفسنا والعالم
صلاح هاشم
عن ايلاف
انظرالموقع الرسمي لسينما ايزيس تحت التأسيس
السبت، سبتمبر 02، 2006
عمارة يعقوبيان : مصر المهترئة تحتضر بقلم محمود الغيطاني
هل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست- حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي- عند حدود النقل فقط دو الإضافة أو الحذف؟ و هل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه و لا بد أن نتوجه له بالتحية؟ و هل السيناريست له دور-ايجابي أو سلبي- حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم
بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟
كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب" 1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة
و لذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت)
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان"
يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟
في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم)
و لذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها
و لعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها)
و لعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين
و هنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر و الظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى
و لكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا
إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا ترى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيق (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه
إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه
إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته
و من خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل و المؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ
إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة
إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد
أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث
يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
محمود الغيطاني
مختارات ايزيس: في رثاء القاهرة: هكذا تتشعبل المدن وهكذا تموت بقلم نبيل شرف الدين
في رثاء القاهرة: هكذا تتشعبل المدن.. هكذا تموت
الجمعة، سبتمبر 01، 2006
مهرجان سينمائي جديد يدعو الي حوار الثقافات. أمل الجمل
و تهدي مهرجان "حوار الثقافات" إلى " إيمامورا
القاهرة.سينما ايزيس. من أمل الجمل
تحت شعار" إذا لم ترتفع أصوات أنصار السلام في زمن الحرب فمتى ترتفع يُقام مهرجان "حوار الثقافات" الذي تُنظمه مؤسسة تنمية الوسائل السمعية البصرية "كادر", تحت التأسيس". "كادر" هى أحدث مؤسسة سينمائية مصرية لا تهدف للربح, والتي يرأسها الناقد والمؤرخ السينمائي "سمير فريد", ويشارك في عضويتها وتأسيسها أجيال متنوعة من السينمائيين منهم الناقد السينمائي "كمال رمزي, ود/ ناجي شاكر " والمخرج "منير راضي", إلى جانب عدد من السينمائيين الشباب "تامر السعيد" , و"إبراهيم البطوط" و"عمرو بيومي". تعمل المؤسسة على تأكيد الهوية الثقافية وديمقراطية الثقافة, وحرية التعبير, والتنوع الثقافي والتسامح عن طريق: حماية التراث الفوتوغرافي والسينمائي والتليفزيوني, مساندة وترويج الأعمال الفنية والتجارية السينمائية والتلفزيونية, تطوير ودعم البنية الإقتصادية لصناعة السينما والوسائل السمعية البصرية, تنظيم المهرجانات والمعارض وورش العمل وحلقات البحث والمحاضرات والبرامج التدريبية وإصدار المطبوعات
مهرجان "حوار الثقافات" هو مهرجان سنوي ثابت الموعد تبدأ عروض دورته الأولى بالقاهرة والأسكندرية في 11 سبتمبر من كل عام ويستمر حتى 21 سبتمبر. وعنه يقول مدير المهرجان "سمير فريد" لعل قضية حوار الثقافات هي أهم قضايا الإنسانية على مدى تاريخها, وربما لم تكن الإنسانية في حاجة إلى ذلك الحوار كما هي اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي, وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي جسدت تلك الحاجة على نحو غير مسبوق في عصرنا, وأشعلت أول حرب عالمية في التاريخ بالمعنى الحرفي لكلمة العالم. فعندما يطلق على أكبر حربين في القرن العشرين العالمية الأولى والعالمية الثانية يقصد تأثيرهما الذي شمل العالم, ولكن الحرب التي بدأت في 11 سبتمبر ولا تزال ميدانها العالم كله, وليس فقط التأثير عليه, وذلك بحكم الثورة التكنولوجية التي غيرت كل المفاهيم والوسائل والغايات .ويصف "فريد" المهرجان بأنه الأول من نوعه في العالم الذي يختص بعرض الأفلام التي تعبر عن حوار الثقافات, وتدعو إليه, وتحذر من مخاطر غيابه. كما أنه المهرجان الأول في العالم الذي يُفتتح ويُختتم سنوياً في يومين محددين, فالافتتاح يوم 11 سبتمبر, والختام يوم 21 سبتمبر, وهو يوم السلام العالمي الذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 7 سبتمبر 2001, أي قبل ثلاثة أيام فقط من أحداث 11 سبتمبر. وبين 11 و21 سبتمبر يعرض المهرجان 11 فيلماً, وتنعقد الدورة الأولى في ذكرى مرور 5 سنوات على أحداث 11 سبتمبر 2001والأفلام الـ 11 في الدورة الأولى من 8 دول من أوروبا وأسيا وأمريكا الجنوبية (3 أفلام من بريطانيا وفيلمين من فرنسا في الافتتاح والختام, وفيلم واحد من كل من روسيا والدانمرك وإيطاليا والنمسا والهند وشيللي) ومنها 9 أفلام روائية وفيلمين تسجيليين, وكلها أفلام طويلة والافتتاح يوم 11 سبتمبر 2006 بالفيلم الفرنسي "11-9-01" الذي يعبر فيه 11 مخرجاً يمثلون 11 ثقافة عن رؤيتهم لأحداث 11 سبتمبر 2001 منهم المصري يوسف شاهين والإسرائيلي آموس جيتاي, وكلاهما من المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني, والبريطاني كين لوش, والفرنسي كلود ليلوش, والبوسني دانيس تانوفيك, والهندية ميرا ناير, والأمريكي شون بين, والمكسيكي أليخاندرو إيناريتيو, والياباني شيوهي إيمامورا. وقد توفي إيمامورا يوم 29 مايو 2006, ولذلك تُهدي الدورة الأولى من المهرجان إلى اسمه
والختام يوم 21 سبتمبر 2006 بالفيلم الفرنسي "عيد ميلاد سعيد" إخراج كريستيان كاريون, والذي يعتبر من أهم الأفلام التي تدعو للسلام, لذلك تم اختياره للعرض في يوم السلام العالمي. بين فيلمي الافتتاح والختام يتم عرض 9 أفلام مرتبة من حيث موضوعاتها. فالأفلام الخمسة الأولى عن جذور الأزمة التي أدت إلى 11 سبتمبر: جذور التطرف في الفيلم البريطاني "قوة الكوابيس" إخراج آدم كورتيس, وجذور الصراع بين الهند وباكستان وقضية كشمير في الفيلم الهندي "الحرب والسلام" إخراج أناند بتواردام, وكلاهما تسجيلي طويل, وجذور قضية فلسطين في الفيلم الشيللي "القمر الأخير" إخراج ميجيل ليتين, وجذور حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وقضية الشيشان في الفيلم الروسي "الفرقة التاسعة" إخراج فيدور بوندارتشوك.
ويصل المهرجان إلى ذروته بعرض الفيلم البريطاني "الطريق إلى جوانتانامو" إخراج "مايكل ونتربوتوم" و"مات ويتكروس" عن المعتقل السياسي في القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا, والذي أصبح أوضح تعبير عن الأخطار التي تهدد الديمقراطية والحرية في أمريكا والعالم
كما يعرض المهرجان الفيلم الدانمركي "أخوة" إخراج سوزان بير والفيلم البريطاني "ياسمين" إخراج كيني جلينان , وكلا الفيلمين يعبران عن تصادم الثقافات, ويدعوان إلى الحوار بدلاً من الصدام. بعدها يُعرض تحفة فنان السينما الإيطالي روبرتو بينيني "النمر والجليد" عن الحرب في العراق, والذي ينتصر للحب والحياة والشعر والجمال والسلام ضد الكراهية والحقد وسموم العنصرية وقبح الحرب والعنف. وقبل الختام يعرض الفيلم النمسوي "جربافيكا" للمخرجة البوسنية ياسمين زبانيك, والذي يعبر بعبقرية درامية عن حرب البوسنة بعد 12 عاماً
يُقام مهرجان "حوار الثقافات" بالتعاون مع مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية, والمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة, وبميزانية محدودة لا تتجاوز تبرعات قليلة من أعضاء وأصدقاء مؤسسة "كادر", ومن دون أي دعم مالي من أي جهة مصرية أو أجنبية
أمل الجمل
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس تحت التأسيس