السبت، مايو 04، 2019

فيلليني في مصر .ميد إن إيجيبت أونلي ماركة مسجلة بقلم صلاح هاشمز فقرة في كتاب " نزهة الناقد . تأملات في سينما وعصر" ونبؤات تتحقق الآن أو سوف تتحق يقينا غدا


فيلليني
ا
المشهد الافتتاحي في فيلم ثمانية ونصف

نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر
 فقرة
 بعنوان

 " فيلليني في مصر" 
ميد- إن إيجيبت- أونلي. ماركة مسجلة

بقلم 

صلاح هاشم


نبؤة ايطالية مبكرة جدا ، تتحقق الآن في مصر، في المشهد الاثير الذي يفتتح به المخرج االايطالي لعظيم فيلليني فيلمه ، أو بالأحري رائعته " ثمانية ونصف"، ليس فقط على طريق الموت الطريق الدائري، الذي خرج منه الشاعر المصري فاروق جويدة بإعجوبة ،خرج سالما من موت محقق وكتب عنه على صفحته " هوامش حرة " في جريدة الأهرام، بل أيضا في كل شوارع وميادين مصر..
بعد أن صارت السيارات واللوريات والميكروباصات والتوكتوكات، تعتدي على الناس في الطريق العام، وتنتزع عنوة، أي موضع شاغر لقدم، وهي تنطلق بسرعات مجنونة ، وتتنافس ، في الاصطدام بـ ودهس المارة ، وتكسير عظامهم.
كتب فاروق جويدة عن الحادث، الذي وقع له على الطريق الدائري، لينبه الى أننا لايجب أن نفرح بالطرق الجديدة ..
صحيح أنها سهلت المواصلات، لكنها خالية تماما من الرقابة، وتواجد أجهزة الأمن، بل ولمبات الاضاءة ، ومراكزالاسعافات الطبية ، وهي كارثة بحق..
كتب جويدة في جريدة الأهرام يوم الجمعة 4 مايو تحت عنوان " دماء المصريين أغلى من الأسفلت "يقول بشجاعة ، وينتقد كذا وكيت ،وراح يتساءل معاتبا: أين شهامة المصريين، وأين الرحمة في قلوبهم ، أن تجد أمامك حادثا مروعا، وعشرات الجثث على الطريق، ولا تتوقف أو تعرض خدماتك ، أو تأخذ في سيارتك أحد المصابين ، فلربما أنقذت حياته..
لكن فاروق جويدة من طبقة أصحاب السيارات التي تحكم في مصر، لم يكتب عن المارة الغلابة من أمثالنا ، الذين يهبطون الى الشارع العام، بدون سيارات، ويغامرون بأرواحهم ، في " حرب الشوارع " الدائرة ، على قدم وساق، وصراخ المارة، وهم يحاولون تفادي السيارات، فوق وتحت الرصيف، والمنطلقة دوما ، بسرعات جنونية.
كتب فاروق لأصحاب السيارات، وانتقد تردي أخلاقهم وسلوكياتهم الجبانة، ولم يكتب عن جهاز" فقط في مصر" وعليه ختم النسر،الذي يستعمله الفقراء والناس الغلابة من أمثالنا..
هذا الجهاز الذي صار الان متوفرا ، ويباع في منافد بيع المواد الغذائية في العتبة وميدان رمسيس، التي انشأتها الحكومة ،للتخفيف عن أعباء الشعب الغلبان، وأصحاب المعاشات ،وكبح غلو الأسعار الرهيب ، رغم زيادة المعاشات، والمرتبات..
حيث يتيح هذا الجهاز العجيب لطبقة الفقراء والمعدمين أي أغلبية الشعب المصري،أن تسير بأمان، في أكثر شوارع وميادين مصر إزدحاما..
الجهاز العجيب الذي اشتراه جاري سمعان حديثا ، يشبه قبعة بعوينات في الأمام والخلف وعلى اليسار وعلى اليمين، فيتيح لمالكه، مراقبة كل السيارات التي يجب أن تتفاداها حتى لاتدهسك ، وتأتيك في حرب الشوارع الدائرة من أمامك وخلفك، ومن على اليسار ومن على اليمين، وفي كل وقت، اللعنة ، وهي تطاردك مثل الكوابيس المخيفة، وصار سمعان يتباهى به أمام سكان حارتنا..
مع ملاحظة أنني أحكي هنا عن الجهاز الأصلي، الأوريجينال يعني ،الذي صنع في مصر، وعليه ختم النسر، وليس الأجهزة المغشوشة مثله، المستوردة من الصين ، وبعدسات رديئة، مثل معظم الأدوات المنزلية، التي نستخدمها في حياتنا اليومية، أعني طشت الغسيل في حارتنا، والكرسي الخشب، في الحمام، وإبرة الخياطة ..
حيث أتوقع مع جاري سمعان، أن يصبح هذا الجهاز " ميد إن إيجيب أونلي " الذي يشبهه " الاسكافاندر" قناع الغواصين القدامي، في متحف الأحياء المائية - انظر كيف أطلق عله المصريون كعادتهم في السخرية من كل شييء ، من حياتهم ، وفي حياتهم ، إسم " أبو العوينات " ، ها ها ها ها..
يصبح ضروريا، وبديلا عن العصي، التي يستخدمها أصحاب المعاشات وكبار السن من أمثالنا في المشي،وعند الخروج، ومجابهة حرب الشوارع ..
تري هل كان فيلليني ، يتوقع،  وهو يصنع فيلمه " قمانية ونصف " ، أن تتحق نبؤته بعد أكثر من نصف قرن،  في بلد أبو الهول والأهرامات، وقبل أن تتحقق في إيطاليا ؟
لا أظن، ولا في الأحلام ياباشا.. 
دماء المصريين أغلى - ليس فقط - من الأسفلت، كما يقول جويدة، بل أغلى أيضا ، وأعظم، من أي ذرة تراب، وبخاصة الآن، في كل شوارع بلدنا..

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: