السبت، مايو 25، 2019

فيلم " لابد أنها الجنة " لايليا سليمان : فلسطين نعم ، لكن بعد وقت طويل، ولن نكون وإيليا سليمان هنا ! بقلم صلاح هاشم

فلسطين في مهرجان كان 72



إيليا سليمان يطرح في فيلم " لابد أنها الجنة "
سؤال الهوية


فيلم " لابد أنها الجنة " لايليا سليمان : فلسطين نعم، لكن ليس الآن
وبحث فكاهي فلسفي عن معاني " الهوية "، و واقع الغربة في وطن محتل

بقلم صلاح هاشم


شاهدت بالأمس فيلم " لابد أنها الجنة " للمخرج الفلسطيني الكبير إليا سليمان ( الغريب الكامل كما يطلق عليه أحدهم في الفيلم ) أحد أفضل الأفلام التي عرضت في المسابقة الرسمية للدورة 72 ضمن جملة من روائع كبار المخرجين في الإسبوع الثاني من المهرجان، ولو كنت محكما في كان هذه المرة أيضا - آخر مرة كنت عضوا في لجنة تحكيم مسابقة " الكاميرا الذهبية " في دورة المهرجان المنعقدة عام 1989 - لمنحت فيلم إيليا سليمان سعفة ذهبية لأحسن فيلم فكاهي - على السطح فقط ، ومأسوي تراجيدي ساخر في الأعماق- من ضمن 21 فيلما مشاركا في المسابقة الرسمية، حيث يحكي إليا في فيلمه عن الانسان الفلسطيني الضائع التائه المشرد، الغريب داخل وطنه وبلده، في وطن محتل، وربما كاننت فلسطين كما يقول على لسان شخصية فلسطيني امريكي في نهاية الفيلم، هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يسكر الناس،وبخاصة الفلسطينيون،لا لكي ينسونه، كما ينسون كل شييء عندما يسكرون، أو كعادة الناس عندما يشربون ويسكرون،
بل لكي يتذكرونه- ياللغرابة - وبكل مشاعر التقدير والولاء والحب..

ويتسامق فيلم سليمان، الذي يحكي بنفسه عن غربته حتى داخل بلده ،ويمثل شخصية مخرج فلسطيني في الفيلم، يبحث عن منتج لفيلمه الجديد، فيسافر الى فرنسا وامريكا ويعرض لحال البشر هناك، حالهم مع الاضطهاد والقمع والتحكم والألم، في ظل السلطات الاستبدادية البوليسية التي تتحكم في كل شييء، لكنه لايحكي هنا بالتصريح الفارغ الأجوف، وفي خطب عصماء، ويعظ، بل يحكي بلغة السينما، يحكي بالحركة والصورة ، لكي ينقل لنا صورة للعبث ، الذي صارت اليه حياة الفلسطينيين وحياتنا، يحكي ويصور تناقضات ومشاكل مجتمعاتنا الانسانية في فلسطين وباريس وأمريكا ، ومن دون أن ينطق بكلمة- الكلمة الوحيدة التي ينطقها سليمان في الفيلم، يوجهها لسائق تاكسي أمريكي أسود ، يعترف له إيليا بأنه فلسطيني، فيسارع السائق الى الاتصال بزوجته، ليبلغها الخبرالمفرح الذي لا يصدق، ولم يكن التقي بأي فلسطيني قط من قبل في حياته وأعتبر ظهور سليمان في تاكسيه بمثابة " معجزة " ورفض أن يأخذ من سييمان أجرة التاكسي
فيلم " لابد أنها الجنة " يتحاور فيه إيليا سليمان مع عصفور في الفيلم في إسكتش سينمائي بديع، ثم يفتح النافذة في غرفة فندقه في باريس ويطلب من العصفور أن يغادر، ويؤسس إيليا فيلمه على عدة نمر واسكتشات سينمائية الصامتة من نوع "البيرلسك" ويسخر فيها سليمان من كل شييء، بحس انساني فكاهي جميل ونبيل، ويسخر حتى من نفسه، لأنه ليس هناك أفضل من تلك الحس الفكاهي "الايلياسيليماني"، او الالياسليمانسكي، لكي يطهرنا من غربتنا في وطن محتل..
ومن أجمل مشاهد الفيلم الذي اعتبره بمثابة " تكريم " للسينما الصامتة العظيمة وكل صناع السينما الفكاهية العظيمة في العالم ، من أمثال جاك تاتي في فرنسا ،وبستر كيتون في امريكا، وشارلي شابلن في بريطانيا، المشهد الذي يذهب فيه ايليا سليمان الذي يمثل دوره في الفيلم ، لمقابلة منجّم يقرأ الطالع في نيويورك، ليقول له ان كان سوف يتحقق "حلم الدولة الفلسطينية" وتصبح " فلسطين "واقعا يوما ما، فيؤكد المنجم لايليا سليمان بأن ذلك سوف يحدث، ويطمأنه بعد أن يقرأ الطالع أنه أجل سوف يحدث لامحالة ، لكن ، لكنه يتوقف ويقول لايليا: دعنا ننتظر، فلن يحدث ذلك للاسف كما يقول الطالع، إلا بعد مرور سنوات طويلة، ولن نكون للأسف، لا أنا ، ولا أنت يا إيليا سليمان هنا..
فيلم " لابد أنها الجنة " هو فيلم بحث فلسفي صوفي روحاني في معاني " الهوية "، عن تلك "الجنة الموعودة" على الأرض، التي لن تتحقق، التي لابد وانها سوف تتحقق يوما ما يقينا،، لكننا للأسف لن نكون هنا..
تحية الى إيليا سليمان على فيلمه الفكاهي التهكمي الساخر البديع، الذي يستحق سعفة ذهبية لأفضل فيلم فكاهي في مسابقة المهرجان، ويستحق المشاهدة عن جدارة

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: